الشعب يريد الإصلاح في قطر... أيضاً

الشعب يريد الإصلاح في قطر

خلال السنتين الماضيتين من الثورة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أظهرت وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية الخليج العربي كاستثناء، يظهر في استقرار نسبي خارج "قوس التاريخ" الذي يناضل من أجل الحرية والديمقراطية. وفي هذا الخطاب، مهما كانت المنافع، أصبحت قطر تحتل موقعاً أبعد حتى في محور الاستثنائية، ويصح الأمر أكثر مع ما يواجهه حالياً جيرانها كلهم تقريباً – الكويت، والمنطقة الشرقية في السعودية، والبحرين، وعُمان – من إشارات متكررة وعلنية إلى امتعاض عميق، واضطراب اجتماعي، وأشكال مختلفة من العنف بقيادة حكومية وشعبية. وعلى الرغم من أن هذه الجوانب لا تزال غائبة في قطر عند كتابة هذه السطور، فإن الرغبة في الإصلاح ليست غائبة.

ويظهر أحد الجهود التي يبذلها قطريون في هذا الإطار في المقتطف أدناه من مقدمة كتاب صدر أخيراً بعنوان الشعب يريد الإصلاح في قطر... أيضاً المقدمة الكاملة متوافرة بالعربية في

http://arabsfordemocracy.org/democracy/pages/view/pageId/2069

والمحتويات الكاملة للكتاب متوافرة أيضاً في

http://arabsfordemocracy.org/democracy/pages/view/pageId/2068

ويمثّل المقتطف، الذي كتبه محرر النسخة العربية من الكتاب، الدكتور علي خليفة الكواري، طلقة انطلاق، نوعاً ما، لكثير من الانتقادات والمنهجية والتطلعات التي يوجهها الدكتور الكواري والكتّاب القطريون الذين جمعهم في لقاءاتشهرية خلال السنة الماضية، إلى النظام الحالي للعلاقات بين الدولة والمجتمع. لكن هذه المرة، يظهر أن نقاشات غير علنية حيوية على ما يبدو، تحوّلت إلى سلسلة منظمة من التحليلات والبيانات العلنية. وهو يصف الأمر كالتالي: "شارك... أكثر من 60 مواطناً من الكوادر القطرية المعنية بالشأن العام، يجمعهم شعور بواجب رفع صوت جماعي للإصلاح في قطر، لا تتيسر له سبل التعبير والحوار من ضمن الهامش الرسمي المتاح. ولعل هذا الصوت الخافت يصل إلى المعنيين بالشأن العام في قطر ويجد صدى إيجابياً لدى متخذ القرار".

يغطي الكتاب مجموعة واسعة من المسائل – يعالج 11 كاتباً مختلفاً مسائل مثل أوجه الضعف في الدستور القطري الحالي والغياب العام للشفافية إزاء المخاوف الشعبية، والدور المتراجع للغة العربية، وأخطار الاقتصاد الشديد الاعتماد على الهيدروكربون – ويكافح الكتاب أحياناً قيود بيئته الخاصة. ووراء المناخ العام لحرية التعبير المقيدة جداً، والتي تقدّم بالتأكيد القليل لدعم جهود أكاديمي أو ناشط، يُشار أحياناً إلى مناسبات ووقائع قد تكون "معروفة جيداً" من القطريين لكن يصعب ربطها ببرهان موضوعي وعلني. كذلك قد تبدو أحياناً المناقشات المتعلقة بالمخاوف السكانية ضيقة جداً، وحتى شوفينية، للمراقب الخارجي، وذلك ربما غير مفاجئ في ضوء كل من الديناميكيات المذهلة لانعدام التوازن السكاني، إلى جانب المساهمة الشحيحة على ما يبدو للقطريين في إدارة هذا التوجه.

ومن جهة ثانية، يمثّل الكتاب ابتعاداً مهماً على صعيد سياسة البلاد في مطلبه الواضح من الحكومة بإشراك المواطنين القطريين في تصميم سياسات تؤثّر عميقاً في حيواتهم، وفي حضه على إتاحة الوصول إلى المعلومات العامة، والشفافية، والحق بمحاسبة الحكومة على القرارات التي تتخذها – وهي قرارات، وفق ما يقر به الكتّاب في أشكال متفاوتة، تؤثّر في القطريين وكذلك في اللاعبين الخارجيين في طرق كثيرة، تكون سلبية أحياناً. باختصار، قد لا تكون قطر في مواجهة الاتجاهات المتطرفة والخيارات الصعبة نفسها التي تعانيها بلدان عربية كثيرة جداً حالياً، لكن بعض مواطنيها على الأقل يعتقدون بحزم بأن تناقضات بلادهم تنمو بسرعة، مهددة وجود المجتمع القطري بحد ذاته. وبالنسبة إلى الدكتور الكواري، كما يشير المقتطف أدناه، يجب عدم مواجهة هذا التحدي من الحكومة والأمير فحسب، بل كذلك من المواطنين القطريين المعنيين – الذين يمثّل لهم الكتاب خطوة أولى. وفي الواقع قد تجد قطر نفسها حقاً، إن لم تقف على قدميها معاً، منقسمة ومتعثرة اليوم قبل الغد، بغض النظر عن صعودها الاستثنائي إلى الواجهة.

لن تكون هناك إمكانية للإصلاح إذا بقي وضع الحريات العامة الراهن على ما هو عليه، وغابت الشفافية واستمر الخلط بين المال والشأن العام والخاص. ومن هذه العقبات ما يلي:

حجب المعلومات ذات العلاقة بالشأن العام وحظر نشرها

الملاحظة العامة الرئيسية المشتركة التي تأكدت من خلال لقاءات الاثنين، وهي معروفة ومحسوسة قبل ذلك، تتمثل في حجب المعلومات المتعلقة بالشأن العامة وعدم نشر ما يتعلق بتحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة. فقد وجد أغلب المتحدثين والمعقبين نفسه فاقداً للمعلومات الدقيقة وغير عارف لأسباب اختيار السياسات العامة ودواعي تلك السياسات الخلافية ومبرراتها.

 

هذا الأمر جعل أهل قطر يُفاجأون دائماً بما تحدَّد من خيارات واتُّخذ من قرارات عامة، وكأن السياسات العامة والقرارات المصيرية للحكومة شأن خاص لا يجوز أن يعرفه المواطنون، فضلاً عن عدم مشاركتهم فيه.

وابتداءً، نجد حكومة قطر لا تفصح عن توجهات السياسة السكانية ولا تنشر إحصائيات حول عدد المواطنين ولا تركيبهم ولا توقعات تغير نسبتهم في إجمالي السكان.

ويتضح حجب المعلومات أيضاً في ما يتعلق بحسابات المال العام. فالموازنة العامة التقديرية لا تنشَر كاملة وحتى مجلس الشورى الراهن لا يحق له سوى الاطلاع على باب المصروفات الرأسمالية التقديرية في الموازنة العامة، أما الحساب الختامي للموازنة العامة فإنه سر من الأسرار لا يجوز الاطلاع عليه ولا على تقرير ديوان المحاسبة – التابع للسلطة التنفيذية – والذي لا تشمل صلاحياته مراجعة بعض أوجه الإيرادات والمصروفات العامة لأنها لا تقع تحت سلطة مجلس الوزراء وإنما تكون مستثناة من سلطة مجلس الوزراء وأجهزة الرقابة العامة.

ويصح الأمر كذلك مع كل ما يتعلق بحسابات الاحتياط العام للدولة وأوجه استثماراته ونتائج أعماله. وإنما يسمع المواطنون عن الصفقات العالمية الضخمة لقطر ولا يعرفون إن كانت لصالح المال العام أو هي استثمارات خاصة. وأيضاً لا يُنشر ولا يُعرف حجم الدين العام والحجم والتركيب الخاصان بالديون المضمونة من الدولة والتي تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وأشارت تقارير المعهد الدولي للمالية (IIF) التابع لصندوق النقد الدولي، إلى عدم احتساب جزء كبير من عائدات النفط والغاز من ضمن دخل النفط والغاز المورّد إلى الموازنة العامة.

وإلى جانب الغموض في إيرادات المال العام ومصروفاته واستثماراته، هناك أيضاً غموض في ما يتعلق بالأملاك العامة، خصوصاً الأراضي التي جرى تطويرها أو نُزعت ملكياتها وفق قانون المنفعة العامة. فقد تحوّل كثير منها إلى أملاك خاصة بأسعار رمزية غير تنافسية وعطايا وهبات ومنح، وبُنيت عليها فنادق ومنشآت ومجمعات سكنية وتجارية ومدن ذات ملكية خاصة. ومثال ذلك سوق واقف، وأراضي الجسرة ومشيرب، وشارع الكهرباء، والمدينة التعليمية البالغة مساحتها 15 مليون متر مربع، والحي الثقافي (كتارا)، وأسباير ومنشآته. وهذه الأملاك العامة تناهز قيمتها السوقية مئات المليارات.

غياب النقاش العلني للقرارات الاجتماعية – السياسية المهمة وغياب المشاركة فيها

وإذا نظرنا إلى مدى الشفافية تجاه الخيارات الكبرى والقرارات العامة والوثائق والخطط الملزمة للمواطنين، والمحددة لحاضر البلد ومصير المجتمع ومستقبل أجياله المقبلة، نجد نظام التعليم العام والعالي قد جرى تغيره وفقاً لدراسة "مؤسسة رند" وإشرافها وجرى اعتماد اللغة الإنكليزية لغة رئيسية فيه، كما أُقصيت المواد الاجتماعية والوطنية من مقرّر المواد الرئيسية، والذي طبِّق من دون مناقشة عامة ومن دون علم المختصين في التربية والتعليم وهيئة التدريس في جامعة قطر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى التخطيط العمراني ومبررات نزع الملكية التي اتسعت وأصبحت ظاهرة تضر باستقرار المواطنين والأعمال والخدمات الصحية وقانون الموارد البشرية وقرار تحويل الجمعيات التعاونية إلى شركة تجارية من دون بيان مبررات ذلك القرار والتوقف عند قانونيته

وفي الوقت الحاضر نرى أمام أعيننا مشروع سكة الحديد والمترو ينفَّذ بتكلفة تناهز 40 مليار دولار من دون مناقشة عامة على الرغم من ضخامته وإسقاطاته على الخلل السكاني، إذ بُنيت تقديراته على وجود أكثر من خمسة ملاين نسمة في قطر وهو رقم يزيد حجم السكان 200 بالمائة خلال عشر سنوات. وهذا مخيف من وجهة نظر الخلل السكاني ويتجاوز ضعف تقديرات إستراتيجية قطر للسكان في الفترة نفسها.

ووُضع دستور قطر من لجنة حكومية ولم يُطرح للنقاش أو الحوار العام، وإنما طُرح للاستفتاء بنعم أو لا تحت إشراف وزارة الداخلية وترويج الإعلام وتدخل السلطة التنفيذية. وكذلك جرى وضع "رؤية قطر الوطنية 2030 و"إستراتيجية التنمية الوطنية 2011 – 2016" من دون مناقشة عامة وخارج إطار الحكومة، وحتى مجلس الشورى لم تُطرحا عليه لإبداء الرأي.

ويصح الأمر على غير ذلك من الخيارات والقرارات العامة كثير، ومنها الاتفاقيات الأمنية والقواعد العسكرية والقوانين التي منحت مشتري عقارات سكنية والمنتفعين بها حق الحصول على إقامات دائمة. ويُشار إلى أن هذه السياسة التي لا يوجد لها مثيل خارج دول الخليج الصغيرة أدت في قطر إلى بناء مساكن والتخطيط لبناء أخرى تستوعب حوالي 210 آلاف مقيم دائم من غير الوافدين للعمل أو المرتبطين بتأشيرات زيارة عمل، هذا في حين أن عدد المواطنين القطريين يقدَّر بحوالي 250 ألف نسمه فقط.

حرية الرأي والتعبير

يرتبط بغياب الشفافية وحجب المعلومات بضيق هامش حرية التعبير عن الرأي، وغياب مؤسسات مجتمع مدني مستقلة عن السلطة تهتم بالشأن العام وبحقوق المواطن وحقوق المهنيين وواجباتهم ونقابات العمال. فتلك أمور لا يسمح بها القانون وشؤون يمنعها قانون الجمعيات والمؤسسات والذي لا يمنح ترخيصها إلا لمسؤولين في السلطة أو مُزكّين مسبقاً منهم. وكان عدم النظر في طلب تأسيس الجمعيات والمؤسسات التي لا يأتي أمر مسبق بإجازتها هو الأغلب الأعم من دون وجود إمكانية اللجوء للقضاء في حال الرفض أو عدم النظر في الطلب، وإنما التظلم فقط من دون جدوى، لمجلس الوزراء في حال النظر في الطلب ورفض قبوله، هذا إن نُظر فيه من الجهات الموكل لها الترخيص.

ويُذكر أن قوانين قطر لا تجيز إنشاء الهيئات السياسية ولا منتديات الحوار ولا الجمعيات المهنية النقابية ولا نقابات العاملين ولا توجد فيها جمعية أهلية لحقوق الإنسان والمواطن ولا جمعيات ومؤسسات نفع عام يُشتبه في اهتمامها بالشأن العام. ولذلك فإن الحديث عن مجتمع مدني في قطر قول غير دقيق، فمن يملكون السلطة هم من ينشئون الجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات النفع العام ويغدقون عليها من المال العام من دون وجود رقابة عامة على أوجه صرف المال العام. والأمثلة على ذلك كثيرة يعرفها من جرب تأسيس منظمة غير حكومية.

ويأتي قانون الصحافة مقيِّداً لحرية التعبير مبالِغاً في العقوبات، هذا إلى جانب التدخل المباشر للسلطة التنفيذية في تعيين رؤساء ومديري تحرير الصحف في المؤسسات الصحافية الخاصة، والقائمين على أجهزة الإعلام الخاص منه والعام من دون التزام بمعايير وأسبقيات مهنية[i].

ولعل غياب حرية الرأي والتعبير، إلى جانب حرية التنظيم المحرمة، هي السبب الذي يكرس غياب الشفافية ويسمح لآلة الإعلام الرسمي الرهيبة أن تصوّر الأوضاع في قطر بأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، وتنقل تلك الدعاية إلى الخارج لينبهر بها الساذج ويضحك العارف على سلبية شعب قطر المغيب بالجزرة والعصا عن إبداء الرأي.

ويأتي هذا في وقت يجد فيه القطريون أنفسهم عاجزين عن التعبير وممنوعين من التأثير في مجريات الأمور والمشاركة في بناء المستقبل وتأمين مصير مجتمعهم والحفاظ على هويتهم وثروتهم العامة وتسخيرها لصالح أجيالهم المتعاقبة[...].

قضايا الإصلاح

تتمثل قضايا الإصلاح في مواجهة أوجه الخلل الرئيسية المزمنة وما نتج عن استمرارها من مظاهر خلل في كل نواحي الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وأوجه الخلل المزمنة التي يتوقف على إصلاحها بدء عملية الإصلاح الجذري المنشود يمكن إجمالها في ما يلي:

تفاقم الخلل السكاني

القضية الأولى التي تتطلب إصلاحاً عاجلاً تتمثل في الخلل السكاني المُزمن والمتفاقم في قطر والذي أدى إلى تدني نسبة المواطنين في إجمالي السكان من 40 بالمائة عام 1970 إلى 12 بالمائة فقط عام 2010. وفي حين ان إجمالي قوة العمل التي تصاعدت من 323 ألف عام 2001 إلى 1.265 مليون عام 2009، تدنت نسبة مُساهمة المواطنين فيها من 14% إلى 6% فقط في الفترة عينها. وهذا يجعل من الخلل السكاني المتفاقم، أخطر أوجه الخلل المُزمنة وأكبرها تحدياً وأكثرها إلحاحاً وأحقها بالأولية في الإصلاح الجذري.

وإذا لم يستطع القطريون الضغط من أجل إيقاف تفاقم الخلل السكاني والبدء بإصلاحه تدريجياً ليعود لهم دورهم الطبيعي والرئيسي في المجتمع، فإنهم لن يستطيعوا أن يصلحوا بقية أوجه الخلل المزمنة والمستجدة، بل سيتحولون من بقية مجتمع إلى أقلية بائسة هامشية في بلدهم.

إن استمرار هذا الخلل السكاني المتفاقم يُهدد اليوم باقتلاع المجتمع القطري وطمس هويته وثقافته وإخراج لغته العربية من التداول، وتقويض دور المواطنين باعتبار دور المواطنين في أي بلد مُعافى يجب أن يكون هو الدور الرئيسي في الدولة، والمواطنون في كل دول العالم هم قيادات وكوادر الإدارة في شكل عام والإدارة العامة على وجه الخصوص.

ويُذكر أن الخلل السكاني في قطر، على المستوى الأهلي والرسمي، كان قضية مُعترفاً بها منذ فترة طويلة، وإصلاحه كان شعاراً مطروحاً عبر نصف قرن من الزمن، حتى نبهتنا أخيراً "إستراتيجية التنمية الوطنية 2011 – 2016" على تغير جوهري في النظرة الرسمية تجاه قضية الخلل السكاني. وأصبح الخلل السكاني في الرؤية والإستراتيجية أمراً مسكوتاً عنه، إذا لم نقل مرغوباً فيه، والحديث أصبح يتركز على سكان قطر على الإطلاق من دون ذكر حتى لعدد المواطنين ولا نسبتهم في إجمالي السكان.

وكأني بهذا التوجه يدفع بأهل قطر إلى أن يتحولوا من مواطنين لهم حقوق المواطنة إلى مُجرد فئة ضئيلة من السكان، يجب عليهم أن يتنافسوا مع الوافدين على فرص العمل والتعليم والرعاية الاجتماعية، وأن يكون ذلك بلغة غير لغتهم العربية، في وقت يُحرمون فيه من الحقوق السياسية لسبب أو لآخر.

ولعل قانون الجنسية الجديد لعام 2005، المشكوك في دستوريته، يمُهد لتحويل أغلب المواطنين إلى سكان لا يتمتعون بحقوق المواطنة، وذلك نتيجة حرمان المواطنين بالتجنيس الذين يُقدّر عددهم بثلثي المواطنين وسلالاتهم إلى أبد الآبدين من الحقوق السياسية، ويقصرها على المواطنين بالسلالة، هذا في وقت لا يضمن الدستور الدائم حقوقاً سياسية فاعلة لبقية المواطنين. كذلك عطّلت إلى حين المادة 150 من الدستور الحقوق السياسية الباهتة الموعودة للمواطنين بالسلالة، على قلتها[...].والسبب الرئيسي لذلك التفاقم في الخلل السكاني يعود إلى السياسة الرسمية منذ 2004 والمُتمثلة في التوسع العقاري وما نتج عنه من مشاريع عقارية ضخمة وما تتطلبه من بنية أساسية، بهدف بيع مساكن استثمارية في مقابل منح المُشترين إقامات دائمة، بصرف النظر عن حاجة العمل إليهم والقدرة الاجتماعية لاستيعابهم. وبذلك أصبحت مصادر استمرار الخلل السكاني المستقبلية ليست الحاجة التقليدية للعمالة الوافدة فقط وإنما الخيار الرسمي غير المبرر، والذي تجلى في سياسة التوسع العقاري وبناء المدن والأحياء الجديدة لغير حاجة المواطنين والوافدين للعمل، وإنما لاستقدام سكان آخرين جُدد يُشجَّعون على شراء المساكن الاستثمارية في مقابل منحهم إقامات دائمة هم وأُسرهم بصرف النظر عن حصولهم على تأشيرة زيارة عمل مثل بقية الوافدين للعمل.

وجدير بالتأكيد أن الوضع السكاني المُختل لا يجوز له أن يستمر من منظور وطني، وليس له شبيه اليوم في أي دولة كبيرة أو صغيرة، عدا شقيقتنا دولة الإمارات العربية المُتحدة، سامح الله حكامها وحكامنا. فليس هناك شعب أو مجتمع يمكنه أن يستوعب عدداً من الوافدين يفوق عدد المواطنين، فما بالك بثمانية أضعاف المواطنين، وفي الوقت نفسه يجري تشجيع نشاطات عقارية دولية والصرف على بنية أساسية وخدمات تعليمية لا يحتاجها القطريون ولا هي موجهة إلى خدمتهم، وتؤدي إلى مزيد من تدفق الوافدين حتى يجري تقويض دور المواطنين وطمس هويتهم وتغييب لغتهم.

الخلل الإنتاجي – الاقتصادي

يتمثل الخلل الإنتاجي في الاعتماد المُطلق والمُتزايد على ريع صادرات ثروة طبيعية ناضبة هي النفط الخام (النفط والغاز الطبيعي). فمصدر كل أوجه الدخل الرئيسية في قطر هو الريع الاقتصادي، الناتج من ارتفاع سعر النفط عشرات المرات بالنسبة إلى تكاليف إنتاجه. وهو خلل يتجلى في تركيب الناتج المحلي الإجمالي وسائر الحسابات القومية الأخرى، لأن مصدر هذه الدخول هو ريع تصدير ثروة طبيعية ناضبة وليس إنتاجية الأفراد والمؤسسات كما هي الحال في الاقتصاد الإنتاجي.

وحتى ندرك مدى هذا الخلل الإنتاجي علينا أن نتصور ما يمكن أن يحصل لكل أوجه الدخل ومستويات المعيشة في قطر لو استبعدنا عائدات تصدير النفط لأي سبب من الأسباب. إننا لن نجد مصادر دخل آخر تكفي لاستيراد جزء ضئيل من احتياجاتنا المعيشية. بل سوف تنهار كل نشاطاتنا المدعومة بعائدات النفط والغاز، وتصبح مدننا "مدن ملح".

ونتيجة لعدم رغبة، وربما عدم قُدرة، كل من دول المنطقة مُنفردة – ومنها قطر – على تبني سياسة نفطية وطنية تخضِع بموجبها صادرات النفط لاعتبارات التنمية، تجري تلبيتها للطلب العالمي على النفط في شكل تلقائي – بل تسارع الدولة إلى زيادة صادراتها من دون القيام بدراسة جدوى اقتصادية واجتماعية – ومن دون أدنى اعتبار للقدرة الاستيعابية أو الطبيعة الناضبة للثروة النفطية.

بل إن قطر بالغت في الالتزام بصادرات الغاز الطبيعي المسال (77 مليون طن سنوياً) لتكون أكبر المصدرين في العالم من دون مراعاة لاقتصاديات الغاز الطبيعي واستخداماته الأخرى والالتزامات المترتبة على تصدير الغاز الطبيعي المسال (LNG) في الوقت الحاضر وعبر الزمن. وبذلك تزايد الاعتماد على ريع النفط والغاز في الوقت الحاضر، وأصبح ريعهما هو المصدر للناتج المحلي الإجمالي ولإيرادات الموازنة العامة وميزان المدفوعات والإنشاءات العامة وسائر الحسابات القومية الأخرى. كذلك شجع تدفق ريع الثروة النفطية الناضبة على مغامرات وهدر وتسرب من خارج الموازنة العامة، هذا إضافة إلى القيام باستثمارات خارجية وأخرى داخلية لا توجد دراسات جدوى اقتصادية ووطنية لها.

وصاحب هذا الخلل الإنتاجي المستمر، خلط بين المال العام والمال الخاص، وغياب الشفافية تجاهه إلى درجة اعتبار دخل النفط والغاز وإيراداتهما والموازنة العامة والاحتياط العام سراً على المواطنين في قطر، الأمر الذي أدى إلى كثير من التسرب والهدر وسوء تخصيص عائدات النفط للاستهلاك الجاري بدل توجيهها إلى الاستثمار، كما أدى إلى تخلُّف سياسات إعادة استثمارها داخلياً وخارجياً، نتيجة لعدم ربط النفقات العامة بالجدوى الاقتصادية والوطنية لها.

الخلل السياسي – غياب الديمقراطية

مصدر الخلل في علاقة السلطة بالمجتمع يتمثل في وجود "سلطة أكثر من مطلقة ومجتمع أقل من عاجز"، نتيجة احتكار سلطة تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة من دون مشاركة سياسية فاعلة من المواطنين [...]. وكان يُنتظر من رؤية قطر وإستراتيجيتها أن تضع التنمية السياسية، وضرورة الانتقال إلى نظام حُكم ديمقراطي موعود عبر دستور ديمقراطي تعاقدي، من بين أولوياتها وأن تُقدم تصوراً وخطة إصلاح سياسي طال انتظاره، يسمح بالانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي في قطر.

ولكن عند قراءتنا لـ"رؤية قطر الوطنية 2030"، نجدها تُهمل الإصلاح السياسي وتسكت عن التنمية السياسية عند حديثها عن ركائز الرؤية، من دون ذكر التنمية السياسية والتنمية الثقافية على أهميتهما، باعتبارهما ركيزتين رئيسيتين من ركائز الرؤية. وعند قراءتنا لـ"إستراتيجية التنمية الوطنية 2011 – 2016"، نجدها أيضاً – بطبيعة الحال – لا تتوقف عند التنمية السياسية أو التنمية الثقافية من أجل إصلاح الخلل السياسي المزمن.

وإصلاح الخلل السياسي هذا يتطلب الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي، وفق دستور تضعه جمعية تأسيسية، ليصبح دستور قطر دستوراً تعاقدياً بدل أن يظل دستور منحة منقوصة، يأخذ الشعب بموجبه حقه الديمقراطي في أن يكون مصدر السلطات في ظل مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة ومواثيق حقوق الإنسان المصدق عليها من قطر ومقومات نظام الحكم الديمقراطية العامة والمشتركة بين كل الدول الديمقراطية[...].

---------------------------------------------------------------

[i] ملاحظة من المحرر: في آخر تشرين الأول/أكتوبر 2012، طالبت "هيومن رايتس ووتش" أمير قطر بألا يقر مشروع قانون الصحافة "ما لم تُلغَ منه الأحكام الفضفاضة الصياغة الخاصة بانتقاد الحكومة القطرية أو حكومات دول الجوار. ويعاني مشروع القانون من ازدواجية المعايير في ما يتعلق بحرية التعبير، وهو ما لا يتفق مع دعاوى قطر بأنها مركز لحرية الإعلام في المنطقة". وأشارت المنظمة، إلى جانب عدد من المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة، إلى سجن الشاعر القطري محمد ابن الذيب العجمي منذ تشرين الثاني 2011، بأنه دليل على "المعايير المزدوجة لقطر في شأن حرية التعبير". وفي 22 تشرين الأول/أكتوبر، أجّل قاضٍ محاكمة ابن الذيب للمرة الخامسة. ويواجه الرجل تهماً بـ"التحريض على قلب النظام الحاكم"، وهي تهم يعاقَب عليها بالإعدام وفق المادة 130 من قانون العقوبات القطري.