مؤتمر الدوحة حول تغير المناخ يكرر إخفاقات دوربان قبل عام الاقتصاد العالمي القائم على «المنافسة» لا يمكن أن يحل قضية تتطلب «التعاون»

بالرغم من تمديد اعمال المؤتمر يوماً اضافياً، لم يخرج اجتماع الدوحة الـ18 للدول الأطراف في الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ الذي استمر اسبوعين، بأية نتيجة جديدة وجدية. وقد اكد ما كان مؤكداً في الاجتماع الأخير في دوربان، تمديد كيوتو (الذي لم يعد ينفع قضية تغير المناخ كون الملتزمين به يشكلون اقل من 15% من الانبعاثات العالمية) والتحضير لاتفاق جديد العام 2015 . ولكي لا يظهر الوضع على هذا النحو من القتامة، وصف عبد الله بن حمد العطية رئيس المؤتمر الاتفاق الذي تم التوصل اليه في ختام أعمال المؤتمر بأنه «بوابة نحو المستقبل»، معتبراً انه يشكل بداية المحادثات حول اتفاقية دولية عالمية جديدة تكون بديلا عن كيوتو وملزمة قانونياً للدول كافة، التي يفترض أن تقرّها الأطراف العام 2015 (في باريس) على ان تدخل حيّز التنفيذ العام 2020. وهي النتيجة نفسها التي كانت قد توصلت اليها الدول الاطراف العام الماضي في دوربان!

ومن جهتها، وصفت كريستيانا فيغيرس، الأمين العام التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي (UNFCCC)، خلال المؤتمر الصحافي الختامي، اتفاق الدوحة بـ«الجسر» بين بروتوكول كيوتو الأصلي، الذي أقرّ العام 1997 وتنتهي صلاحيته في نهاية هذا العام، وبين البروتوكول التالي، الذي اتّفقت عليه الأطراف بالمبدأ في دوربان العام الماضي على أن يوقّع عليه الأطراف العام 2015. واذ اصرت على التفاؤل بأن جميع الدول اتفقت في الدوحة على أن تأتي بوثيقة تفصّل تخفيضاتها من انبعاثات الكربون قبل 6 اشهر من مؤتمر التغير المناخي العام 2015... اعترفت «أن التعهدات الحالية لا تكفي لضمان بقاء معدل ارتفاع درجة حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين».

وكان رئيس الوفد الروسي قد اشتكى خلال الجلسة الختامية من عدم إعطاء تحفظات بلاده الاهتمام اللازم، واشتكى أيضا من منهجية ادارة الجلسات وصوت العطية الذي وصفه بالمرتفع وطريقة استخدامه للمطرقة أثناء إنهائه أعمال المؤتمر.

بدا اجتماع قطر مملاً هذا العام. لا صخب ولا حركة غير اعتيادية. لم نشاهد اي مفاوض يركض في الممرات، كما في الجولات السابقة من المفاوضات، ولا رأينا ولا سمعنا أصواتاً مرتفعة خارج الاجتماعات الرسمية. ولا نقاشات حامية. الكل مسترخٍ ومستسلمٌ لفكرة ان لا شيء سيتحقق من اجتماعات كهذه.

حتى الاعداد والارقام المعلن عنها من قبل الامم المتحدة والدولة المضيفة (194 دولة شاركت في المؤتمر، وتقدير عدد المشاركين بـ 16 ألف مشارك منهم 6,868 مندوباً و5,829 مراقباً. و861 عضواً من وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية و 10,900 موظّف تقني وحجز 70 ألف غرفة في فنادق الدوحة طوال فترة انعقاد المؤتمر) يمكن التشكيك فيها بمجرد النظر وبالمقارنة مع اجتماعات أخرى شبيهة. لا يمكن القياس على كوبنهاغن العام 2009، حين احتشدت الصحافة وتدافعت من اجل الوصول الى القاعة التي قيل ان الرئيس الاميركي سيعقد مؤتمره الصحافي فيها.

لعل اجتماع كوبنهاغن هو الذي سبب كل هذا الاحباط اليوم. ففي كوبنهاغن احتشد رؤساء الدول بشكل غير مسبوق وتوقع كثيرون (غير المتعّمقين بدراسة السياسات الحقيقية للدول واقتصاد السوق ومتطلباته) ان تخرج القمة بتعهدات واتفاقيات ملزمة... الا ان «الاعلان السياسي» الذي صدر عن ذاك الاجتماع الشهير، والذي خرج عن اطر التفاوض المعتمدة في الامم المتحدة، هو الذي قوض عملية التفاوض بأسرها. صحيح أن أي تقدم مهم لم يتم احرازه قبل كوبنهاغن ايضاً، الا ان الاطار بقي صالحاً، نظراً لعدم وجود البديل.

كل هذه الإخفاقات دفعت بالبعض الى التفكير في ضرورة إيجاد اطر جديدة وبديلة لمقاربة قضية تغير المناخ. غير الأطر التي تجمع فيها الامم المتحدة كل سنة ممثلي الدول (الحكومات) والمجتمع المدني والإعلام والمستثمرين وقطاع الشباب. هذا الإطار الذي بات مملاً ودخل في نفق مسدود. فممثلو الحكومات الجديون يشكون من غياب القرار السياسي في بلدانهم (في الكواليس) وممثلو المجتمع المدني تراجع بريقهم حتى تمت الاستعاضة عن دورهم الضاغط خارج قاعات الاجتماعات الرسمية، الى تمثيل رمزي داخل الأروقة، كفولكلور وكتغطية للإخفاقات الرسمية، لا يقدم ولا يؤخر. وقد بقي بعض المستثمرين الذين يبحثون عن مشاريع صغيرة للاستثمار في المشكلة من هنا او من هناك، واعلام (المحترف والمتابع) فقد حماسه بعد متابعته للمواقف المتكررة والتعثرات الدائمة.

في ظل هذه الاجواء، علم في اجتماع الدوحة الأخير عن بروز تطور جديد وبديل تمثل في تداعي برلمانيين من عشر دول في العالم لعقد اجتماعات موازية بعد انتهاء اعمال المؤتمر الرسمية للتفكير في ايجاد تحالف برلماني عالمي لدفع هذه القضية الى الامام بعد ان ظهر فشل الحكومات في التقدم في اي من الملفات المطروحة. الا ان المعادلة في مؤتمرات تغير المناخ باتت واضحة: ان العالم الخاضع لسيطرة اقتصاد السوق القائم على «المنافسة» لا يستطيع ان يحل قضية عالمية تحتاج الى «التعاون».

ولذلك تظهر سنة بعد اخرى استحالة التوصل الى اتفاقات ملزمة وجدية. حتى التعهدات السنوية التي تقدمها كل من البلدان المتقدمة والنامية، لا قيمة لها ويمكن ان تتنصل منها ساعة تشاء. حتى البروتوكول (كبروتوكول كيوتو) الذي اعتبر ملزماً، يمكن الانسحاب منه من دون اي اثر او عقوبة، وهذا ما ثبت فعلاً العام الماضي حين انسحبت كندا من البروتوكول من دون اي حرج ولا اية ضجة تذكر. وفي وقت استمرت التقارير المتشائمة بالصدور عن ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة والتسبب بكوارث مناخية متعددة الأوجه، كان لا بد من التأكيد مرة اخرى ان المطلوب تغيير في السياسات لا المزيد من التعهدات الفارغة. فما الذي حصل في هذا المؤتمر وما هي النتائج التي توصل اليها؟