مقابلة حول كتاب "الشعب يريد الإصلاح في قطر ... أيضاً" مع الدكتور علي خليفه الكواري

هل لك ان تحدثنا عن خلفية المطالبة بالإصلاح في قطر؟

تعود خلفية المطالبة بالإصلاح في عصر النفط في قطر إلى عريضة عام 1963 ومطالبها الخمسة والثلاثون، وما سبقها و صاحبها من إضرابات وسجن وإبعاد، وما تلاها من تعهد الحاكم بالإصلاح وتلبية معظم مطالب العريضة. ولم تتوقف مطالب الإصلاح بعد ذلك، وإنما استمرت خافتة تحت ضغط الجزرة والعصا خلال عقدين حتى عبرت عن نفسها في عام 1992 بعريضتين كانت أهم مطالبهما انتخاب مجلس الشورى المعين وتكليفه بوضع دستور دائم. الأمر الذي أدى إلى معاقبة الموقعين بالسجن والمنع من السفر والحرمان من الحقوق والتهديد بسحب الجنسية. وقد قمت بنشر تلك العرائض وتم التطرق لخلفية المطالبة بالإصلاح في بحث لي بعنوان (حالة الديمقراطية في قطر) أعد في عام 2010 يمكن العودة اليه على موقعي الرسمي على الشبكة العنكبوتية.

من هي مجموعة قطريون من أجل الإصلاح ؟

لا يوجد في الوقت الحاضر تنظيم أسمه قطريون من أجل ألإصلاح. وإنما الأمل ان تتكون هذه الجماعة عندما يسمح القانون بترخيص منتدى لها يُخرج لقاءات الاثنين المستمرة والتى تعقد في مكان خاص وبدعوة خاصة، إلى مكان عام وبدعوة عامة يشارك فيها النساء والرجال. وقد ورد في مقدمة الكتاب توضيحا لعنوان المقدمة، أن المشاركين في لقاءات الاثنين "يمكن أن يطلق عليهم قطريون من أجل الإصلاح". وفي تقديري ان كافة المواطنين الداعين للإصلاح الجذري لأوجه الخلل المزمنة في قطر يمكن أن يشكلوا جماعة وطنية تسمى قطريون من أجل الإصلاح. وذلك متى توفرت الأطر القانونية التي تسمح بقيام مجتمع مدني فاعل. وهذا يتطلب تغييرات جوهرية في قانون الجمعيات الذي يمنع قيام أي جمعية تهتم بالشأن العام تحت حجة الاشتغال بالسياسة دون تمييز في الفرق الجوهري بين الاهتمام بالسياسات الذي هو من شأن منظمات المجتمع المدني وبين الاشتغال بالسياسة من أجل الوصول للسلطة الذي هو من وظائف الأحزاب. إضافة إلى أن قانون الجمعيات الراهن يحصن قرارات الإدارة من نظر القضاء فيها وإنما يسمح فقط بالتظلم إلى مجلس الوزراء الذي هو رأس السلطة التنفيذية. ومن هنا فإن أي نشاط أهلي لا يرخص له من قبل الجهات المختصة، إلا إذا تمت موافقة السلطة عليه، من قبل الجهات المختصة بحكم القانون.

ماهي "لقاءات الاثنين" ومتى بدأت ولماذا ؟

"لقاء الاثنين" بدأ في شهر مارس / آذار عام 2011 وهو لقاء شهري لقطريين معنيين بضرورة الإصلاح، يناقشون فيه قضايا الإصلاح والتنمية. وهذا ما كتبت على موقعي عندما بدأت لقاءات الاثنين، وما زال هذا التوصيف ساريا واللقاءات مستمرة وكان آخرها لقاء (18) بتاريخ 8 أكتوبر 2012، ولقاء (19) بتاريخ 19 نوفمبر 2012، اللذان عقدا بعد صدور كتاب "الشعب يريد الإصلاح في قطر ... أيضا" والضجة المفتعلة التي أثيرت حول عنوانه ومقدمته. وقد تم في اللقاء (18) تقييم الدورة الأولى من لقاءات الاثنين ومناقشة محصلتها، حيث اتفق المشاركون على استمرار اللقاء بنفس أسلوبه ومنهجه. وناقش اللقاء (19) " تخطيط وتنفيذ المشاريع العامة في قطر"، تحدث فيه المهندس أحمد الأنصاري.

يبدو ان لانطلاق الثورات في بلدان عربية الأثر على مجموعتكم في قطر...

قطر بلد عربي وما يحدث على الساحة العربية يجد له صدى فيها. التحركات التي قامت من أجل الديمقراطية في تونس ومصر واليمن قد ضربت جرسا لدينا فبدأنا لقاءات الاثنين بشكل منتظم وناقشنا فيها أوجه الخلل المزمنة والحاجة للإصلاح في قطر من أجل تنمية فهم مشترك أفضل لدى المشاركين والمجتمع القطري وسائر المعنيين بعقبات الإصلاح وقضاياه ومداخله في البلاد، بعد أن كانت المسائل المتعلقة بالاصلاح تناقش بشكل فردي في كتابات القطرين والقطريات والمجالس.

وللتوضيح، إن عقبات الإصلاح هي أربع: حجب المعلومات ذات العلاقة بالشأن العام وحظر نشرها؛ غياب الشفافية؛ غياب حرية الرأي والتعبير؛ الخلط بين العام والخاص وقصور الإدارة العامة. أما قضايا الإصلاح فهي اربع أيضا، وتتركز حول إصلاح أوجه الخلل المزمنة في قطر وبقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وتتمثل في: تفاقم الخلل السكاني دون وجود أفق لإصلاحه؛ الخلل الإنتاجي-الاقتصادي؛ الخلل السياسي وغياب الديمقراطية؛ الخلل الأمني وضرورة الانتقال من التعاون إلى إقامة اتحاد ديمقراطي بين دول الخليج العربية.

أما بالنسبة الى مداخل الإصلاح في قطر فهي خمسة مداخل إستراتيجية: وقف تفاقم الخلل السكاني وإصلاحه؛ إصلاح وتنمية الإدارة العامة؛ الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي؛ تنقيح و استكمال رؤية قطر وإستراتيجيتها؛ واستكمال مؤسسات القضاء و كفالة حق التقاضي.

وضعتم خلاصة المناقشات والحوار الذي أجريتموه في "لقاء الاثنين" على شكل كتاب. هنا نلحظ الفرق بين محركات الحراك في الدول العربية حيث الاعتماد على وسائل التواصل الحديثة والسريعة في نشر المعلومة والتأثير، بينما أنتم تنشرون افكاركم من خلال كتاب "الشعب يريد الإصلاح في قطر ... أيضاً". كيف لكم ان تتشاركوا ومواطنيكم بما جاء في الكتاب في حين انكم تتوقعون بأن تمنع السلطات القطرية دخوله الى البلاد بحسب ما تذكرون في المقدمة.

الشعب القطري يقدر بحوالي 250 ألف نسمه فقط. و لذلك فالتواصل بينهم سهل و مستمر من خلال المجالس واللقاءات وما يتاح نشره في الصحف المحلية وما يظهر على مواقع التواصل. وأوراق العمل التي تقدم خلال لقاءات الاثنين وصور الحضور والنقاش أحيانا، كلها تنشر على موقعي وينوه بها أول بأول تحت نافذة مخصصة لذلك. كما تنشر من قبل آخرين - حسب ملاحظتي - على نطاق واسع على مواقع صديقة وعلى الفيس بوك وينوه بها في توتر وتوزع على قوائم بريدية يعاد توجيه الرسائل من قبل متلقيها على من هم في دائرة تواصلهم من المهتمين. ويمكنني أن أقول أن موضوعات لقاء الاثنين تصل إلى معظم المهتمين بالشأن العام وتلقى استحسانهم بشكل عام، لأنها تتناول المسكوت عنه من قبل الإعلام، و تلقي الضوء على معوقات الإصلاح المنشود وسبل مواجهتها.

وبذلك فإن أوراق لقاءات الاثنين وصلت بشكل جيد للمهتمين بالشأن العام حال صدورها أول بأول وساهمت في تنمية فهم مشترك أفضل بين أفراد وجماعات الشعب القطري والمهتمين بقطر كافة. وعدم تصريح الرقابة بتوزيع الكتاب في قطر هو أمر معتاد ومؤقت. فلم يسمح لكثير من كتب القطريين المنشورة في الخارج والتي تحمل وجهة نظر مختلفة عن ما يروج له الإعلام في قطر، بالدخول عادة إلا بعد عدة أشهر وربما سنوات. وحجب الكتاب - حتى الآن - لا يعني عدم وصوله للمهتمين به وفي كل الأحوال كل محتويات الكتاب منشورة على شبكة المعلومات. وبذلك فإن مواطنينا المتابعين مطلعين على ما جاء في الكتاب قبل صدوره وبعد ذلك. والكتاب يشكل تعبيرا صادقا عن واقع الحال.

أما اختيارنا لما أسميتموه بالفرق بين محركات الحراك في الدول العربية فهو أمر لازم بحكم ظروف كل بلد وحاجة شعبها لأسلوب مناسب في التعبير عن حاجته للإصلاح ونحن في قطر نعمل على تنمية فهم مشترك أفضل لأسباب الخلل وأوجه الإصلاح المنشودة، و لا نسعى أن تخرج دعوتنا للإصلاح عن المألوف والممكن في قطر ونأمل ان لا يفسد أسلوب التعبير الصريح والصادق والمسؤول لكوادر قطرية غيورة للود قضية مع حكومة قطر. بل نتطلع لتفهم الحاجة للإصلاح وفتح أفاقا رحبة للحوار الوطني.

هل تتوقعون بأن يحصل "طلب (شعبي) فعال على الإصلاح" إذا كان النظام لا يجيز قيام مؤسسات مجتمع مدني مستقلة؟ ولماذا يمنع النظام القطري تشكُل الجمعيات والمؤسسات التي تعبر عن شؤون إجتماعية سياسية؟

لا أتوقع أن يحصل طلب شعبي فعال على الإصلاح في قطر إذا استمر قانون الجمعيات على ما هو عليه ومنع قيام أفراد المجتمع وجماعاته من العمل السياسي. ولكن ذلك المنع يجب أن لا يحبط المطالبين بالإصلاح، فمهمتهم أصعب ولكن غير مستحيلة ومن واجبهم هنا أن يكون الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي في صلب مطالبهم. فنظام الحكم الديمقراطي كفيل بمشاركة الشعب في تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة المؤدية للإصلاح.

لدى المقيم خارج قطر ودول الخليج العربي انطباع بأن القطريين ينعمون بالازدهار والاطمئنان. إلا ان كتابكم يظهر "أوجه خلل" متعددة في النظام السياسي الداخلي وتناقضات بين الدور الكبير الذي تلعبه دولة قطر على المستوى الدولي ومساندة شعوب المنطقة في مطالبها بالعدالة وتحصيل حقوقها السياسية والاجتماعية داخل بلدانها، وبين انعدام حرية مشاركة المواطن القطري في وضع السياسات التي تمس حاضره ومستقبله. هل لك ان توضح للقارئ من خارج منطقة الخليج ما هي أوجه الخلل الأساسية والتي تؤثر في حياة المواطن القطري وقدرته على ممارسة حقوقه وواجباته؟

مما لاشك فيه انه يوجد في قطر وسائر دول الخليج العربية مستوى معيشي مرتفع نسبيا وخدمات اجتماعية وبنية أساسية مادية بسبب تدفق عائدات تصدير النفط والغاز وقلة السكان. ولكن هذا الارتفاع النسبي لمستوى المعيشة لا يعني الازدهار أو الاطمئنان على المستقبل نتيجة لاستمرار وتفاقم أوجه الخلل المزمنة التي أشرت اليها ومنها تدني نسبة المواطنين بين السكان حتى بلغت حوالي 10% في قطر ودولة الامارات العربية، في وقت تغيب فيه الديمقراطية والمشاركة السياسية الفعالة في تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة ويستمر الخلل الأمني والاعتماد على الغير في توفير الأمن .

من هنا فإن ما يسمى ازدهار هو مظهر مادي خادع ينبهر به الخارج ويعاني من تبعاته المواطنون الذين يفتقدون الى الاطمئنان على الحاضر والمستقبل، في وقت يرون دورهم، باعتبارهم التيار الرئيسي، يتراجع ومجتمعاتهم آيلة للنكوص وثروتهم النفطية تنضب وتبدد عائداتها. هذا كله في ظل حرمانهم من حق المشاركة في تقرير مصيرهم وصيانة مستقبلهم.

ما هو برأيك دور الإعلام القطري وعلى اختلاف أنواعه في هذه التناقضات وفي تكريس أوجه الخلل المذكورة أو البطء في إحداث تغيير لصالح تحقيق الإصلاح المنشود؟

الإعلام القطري موجه، الحكومي منه والصحف الخاصة التي تتدخل الأجهزة الحكومية في تعيين رؤساء التحرير وفي وضع سياسات التحرير فيها. وشبكة الجزيرة والجزيرة نت تعتبر نفسها منبرا لمن لا منبر له باستثناء القطريين الذين يودون التعبير عن آرائهم فيما يخص قطر. ولذلك فإن الإعلام في قطر غير معني بأوجه الخلل وساكت عن الحاجة للإصلاح وكارها للنقد. بل أن بعض أجهزة الإعلام القطري تعتبر النقد "ضد الوطن" الأمر الذي أدى إلى إقصاء كاتبات و كتاب قطريين من ساحة الإعلام في قطر ومنعهم من حق التعبير بسبب محاولتهم التعبير عن آرائهم بصدق.

لاحظت لدى قراءة الكتاب بأنه يحتوي على قليل جداً من المراجع والمصادر التي يمكن ان تدعم المراجعة النقدية للممارسة السياسية القائمة في قطر. ما الذي حال دون إيراد مراجع وافية لتدعيم الآراء المقدمة في المساهمات المختلفة؟

الأوراق المنشورة هي أوراق عمل أعدت للمناقشة، معتمدة على كتابات سابقة لمقدميها. ولذلك لم تكثر من ذكر المصادر وإن كانت تشير في الحالات الهامة إلى مصادر أو بحوث سابقة. ومن هنا لم يكن هناك طعنا في صحة ما ذكر وإنما الخلاف الرسمي كان أحيانا بسبب طرح تلك الموضوعات للنقاش. وربما يحسن بنا في المستقبل قبل النشر أن نطلب من مقدمي الأوراق توثيقها لطرحها للمناقشة.

منذ حوالي العقد تقريباً أسست دولة قطر المدينة التعليمية في الدوحة واستقطبت بعض أفضل الجامعات الأميركية لإفتتاح فروع لها في هذه المدينة بالإضافة الى وضع إستراتيجية التنمية الوطنية لعدد من السنوات القادمة، وهو ما يرقى الى إحداث ثورة ويعبر بشكل واضح عن عناية الدولة بالمواطن القطري والسعي للإرتقاء به وتطوير المجتمع. كمفكر قطري ناشط في مجال العمل السياسي والاجتماعي، كيف تلمسون التغييرات التي أحدثها هذا المشروع التعليمي الكبير وما هو أثره على حياة الجيل الجديد من الشباب والشابات القطريين؟

قبل الإجابة على السؤل أنا لست ناشطا في مجال العمل السياسي ولكنني أكاديمي وباحث وكاتب معني بالإصلاح في قطر والخليج والدول العربية عامة. أما رأيي حول إستراتيجية التنمية الوطنية فإنه مفصل تجدينه في بحثي حول "رؤية قطر وإستراتيجيتها من منظور الإصلاح " ولايتسع المجال لتفصيله هنا ويمكن الرجوع إليه على موقعي الالكتروني الرسمي.

أما المدينة التعليمية فهي جزء من مؤسسة قطر (مؤسسة خاصة ذات نفع عام) يديرها مجلس إدارة معين من قبل مؤسسها وهي غير تابعة لأي جهة حكومية وغير خاضعة لسياسة التعليم الرسمية في قطر، وتعليمها ونشاطاتها باللغة الانجليزية وتوجهاتها ليست ذات علاقة رئيسية بحاجة قطر، والقبول في الجامعات الأمريكية التي يوجد لها فروع خاضع لمعايير وتوجهات القبول في الجامعة الأم دون التزام بقبول الدارسين القطريين. لذلك كانت فرصة قبول القطريين ضئيلة نتيجة منافسة الطلاب الراغبين من جميع أنحاء العالم بالتقدم على المقاعد القليلة المتاحة والمدعومة بمنح دراسية من مؤسسة قطر في أغلب ألأحيان. ولذلك فإن عدد الدارسين القطريين في الجامعات الأمريكية الست هذه لا يتجاوز الربع من عدد الطلاب الإجمالي والذي يقدر بحوالي 2000 طالب فقط في تلك الجامعات.

هذا في حين أن عدد الطلبة القطريين في جامعة قطر يقدر بسبعة آلاف طالب من عدد طلابها المقدرين بحوالي تسعة آلاف. ولذلك فإن تأثير تلك الجامعات الأمريكية محدود مقارنة بجامعة قطر بالرغم من أن الحكومة تدعم المدينة التعليمية وتوفر لها أراض ومباني وميزانيات بعشرات المليارات، وتزيد عن ما يخصص لجامعة قطر بأضعاف مضاعفة.

وجدير بالذكر أن المدينة التعليمية لا تنشر إلا اليسير من الإحصاءات حول ميزانياتها ومصادر أموالها وأوجه صرفها وعدد طلابها وجنسياتهم وأوجه نشاطاتها. إن المدينة التعليمية تعتبر مثل شبكة فضائيات الجزيرة موجودة في قطر ولكن غير معنية بقطر بشكل رئيسي أو خاضعة لضوابط الإدارة العامة ورقابتها، بل ضعيفة التفاعل مع المجتمع القطري وقليلة الاعتماد على المواطنين، حيث لا يوجد في هيئة تدريس الجامعات الأمريكية الست سوى اثنين من القطريين تم توظيفهم في الجامعات الأمريكية الأم.

وخلاصة القول أن المدينة التعليمية لغز يحاول القطريون فك رموزه لمعرفة حجمه وأهدافه وجدواه الوطنية، مثل عدد من الخيارات التي اتخذت وتم تمويلها من المال العام دون أن تطرح للحوار الوطني أو ان يتيسر لمعظم القطريين أن يطلعوا عليها قبل إنشائها أو يتيسر لهم تقييم أدائها بعد ذلك.

وإنني أشعر بالحزن العميق كلما صدف زيارتي للمدينة التعليمية ورأيت قاعاتها ومبانيها وإمكانياتها المادية الكبرى بسبب التمويل الحكومي دون أن أجد للقطريين وجود يذكر، من رجال الأمن و موظفي الاستقبال إلى أعضاء هيئة التدريس والباحثين، إلى اللغة العربية والموضوعات والندوات والمؤتمرات التي تعقد فيها وغير المعنية بقطر ولا بمشاركة أهلها. هذا في حين لا يجد الداعين للإصلاح قاعة عامة يمكن أن يعقدوا اجتماع عام فيها.

يعبر عدد من المساهمات في "الشعب يريد الإصلاح في قطر ... أيضاً" عن قلق إزاء مسألة الخلل السكاني الحاصل في البلاد، وقد وصفت هذا الخلل في المقدمة بأنه "اخطر أوجه الخلل المزمنة ... وأكثرها إلحاحاً وأحقها بالأولوية في الإصلاح الجذري." ويبدو جلياً من خلال مساهمات عدة في الكتاب ان هناك ربط بين هذا الخلل والعمالة الوافدة. إذا كان هذا هو الحال، للمراقب من الخارج ان يسأل لماذا تستمر قطر، وغيرها من دول الخليج العربي والتي اعتمدت تاريخياً على المهارات الأجنبية، في استقطاب العمالة من الخارج حتى بعد التطويرات التي أدخلت على نظام التعليم القطري والتي لا بد انها زودت القطريات والقطريين بالمهارات اللازمة لتولي المهام في المجالات الوظيفية المختلفة.

الخلل السكاني في المنطقة ليس له مثيل اليوم، حيث تدنت نسب المواطنين في السكان في قطر والامارات إلى 10% وفي قوى العمل إلى 6% في الوقت الحاضر، دون أن تتخذ حكوماتها أي إجراء لمنع تفاقم الخلل السكاني وإعادة الدور الرئيسي لمواطنيها عبر فترة معقولة من الزمن. وكما نعرف أن دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وسائر الدول الديمقراطية التي تراعي مصالح مواطنيها وأهمية دورهم الإنتاجي والسياسي، قد اتخذت إجراءات صارمة وأطلقت وعودا انتخابية للحفاظ على هويتها واستقرارها بالحد من تدفق الهجرة. وذلك قبل أن تنخفض نسبة المواطنين فيها إلى 90% من إجمالي السكان وليس 10% كما هو الحال في بعض دول المنطقة. ولذلك لا بد من وجود تفسير عميق لما يحصل بشكل مستمر في الدول الصغيرة في مجلس التعاون الخليجي من تفاقم في الخلل السكاني دون وجود سياسات سكانية لمواجهته في المدى المنظور.

وبداية، أقول إننا في منتدى التنمية سبق وحللنا أسباب بقاء الأنظمة الفردية المطلقة في دول الخليج، بعد أن تغيرت أو تطورت تلك النظم في جميع أنحاء العالم إلى نظم حكم ديمقراطية في شكل ملكية دستورية أو جمهورية. وقد قادنا التحليل إلى أنه توجد ثلاثة أسباب لذلك: أولها وجود عائدات النفط الضخمة في يد الحاكم يخصصها كيف شاء ويشتري بها الولاء في الداخل والخارج. وثانيها الحماية الخارجية الأجنبية لنظم الحكم طالما كانت راضية عن ذلك الحاكم واستمراره في تحقيقه مصالحها. ولذلك لم يتغير حاكم في المنطقة منذ نشأت الحماية البريطانية إلا بموافقة الدولة الحامية. وثالثها تراجع نسبة المواطنين في السكان بسبب تشجيع وجود العمالة الوافدة التي لا يرتبط مصيرها بمصير المواطنين ولا تشعر أن لها حقوق لدى الحاكم الفرد المطلق ولا تنازعه الحقوق السياسية، وبذلك يتحكم ببلد أغلبية سكانه ليس لهم حقوق سياسية عند الحاكم الذي يمكنه الاستغناء عنهم متى شاء، أو هكذا يتهيأ له. من هنا أصبح تدفق العمالة الوافدة وبصرف النظر عن ضرورتها مرغوب لدى الحاكم الذي يحرص على التعامل مع بشر مؤقتين يغيرهم متى شاء وليس مواطنين لهم حقوق المواطنة.

ومنذ عام 2004، بدأت أربع من دول الخليج، هي عمان والامارات وقطر والبحرين، سياسات سكانية وأصدرت تشريعات تمنح بموجبها من يشتري سكنا فيها، إقامة دائمة له ولأسرته بصرف النظر عن حاجة العمل إليه. وبذلك تحول الخلل السكاني من ضرورة مؤقتة بسبب الحاجة لعمالة وافدة إلى سياسة رسمية تسعى إلى زيادة السكان وتقويض دور المواطنين بتحويلهم إلى أقلية منقرضة لا وزن إنتاجي لها، وليست بالضرورة أكبر ألأقليات في وطنهم. من هنا أطلق الزميل الدكتور محمد غباش تعبير "سلطة أكثر من مطلقة ومجتمع أقل من عاجز" على دول الخليج العربية.

ولذلك يمكن القول أن استمرار الخلل السكاني يعود بالدرجة الأولى – دون إنكار وجود أسباب اجتماعية وتاريخية هامة أخرى – إلى إرادة سياسية تعبر عن رغبة الحاكم في حكم سكان ليس لهم حقوقا سياسية لديه، كما تعود إلى توجه خارجي إستراتيجي يجد مصالحه في استمرار الحكم الفردي المطلق ولا مانع لديه من تغير الهوية العربية لسكان دول الخليج التي تتمتع بمخزون من النفط والغاز يمثل ورقة إستراتيجية في يد الدول المهيمنة على أمن المنطقة تجاه منافسيها، فضلا عن تأمينه مصالحها الاقتصادية.

من هنا نجد ان تراجع نسبة المواطنين في دول الخليج، ومنها قطر حيث تراجعت نسبة المواطنين فيها من حولي 30% عام 2004 إلى 12% عام 2010، لا تقرع جرسا ولا تحرك ساكنا عند الحكومة، بل تعتبر إنجازا من إنجازات الحكومة قادرة على الاستمرار فيه بفضل إنتاجها حوالي خمسة مليون برميل مكافئ من الزيت والغاز دون إخضاع إنتاج وتصدير النفط والغاز لاعتبارات التنمية الحميدة التي ترفع إنتاجية الفرد وتصون كرامته و تحافظ على الهوية الجامعة للمجتمع وتصون مستقبل الأجيال المتعاقبة.

للمرأة الكويتية والبحرينية دور معروف في المشاركة بالشأن العام؛ أما في ما خص قطر، يبدو أن مثل هذا الدور يقتصر على نساء العائلة الحاكمة؛ هل تعتقد بأن هذا أمر يجب معالجته؟ وما هو موقف المشاركين في "لقاء الاثنين" من جعل المرأة شريكا في مسيرة الدعوة للإصلاح والعمل بفاعلية معاً في سبيل تحقيقه في قطر؟

غياب بروز دور المرأة السياسي في قطر مقارنة بالكويت والبحرين يعود لنفس أسباب غياب بروز دور الرجل، المتمثلة في القمع وضيق هامش حرية التعبير والمشاركة السياسية الفعالة. ويمكنني القول أن وعي المرأة القطرية بالحاجة الى الإصلاح لا يقل عن وعي الرجل، وتعبيرها عنه من خلال المتاح من وسائل التعبير في الداخل والخارج ظاهر في مقالات النساء القطريات وحواراتهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وأدبهم الغزير لاسيما الرواية والشعر. و"لقاء الاثنين" يتطلع إلى مشاركة المرأة القطرية عندما يتوفر مكان عام لعقد تلك اللقاءات. ونأمل أن يتسع هامش التعبير في قطر قريبا لتصبح لقاءات عامة يشارك فيها كل من يرغب من النساء والرجال.

هل يمكن القول بأن المطالبة الحالية للإصلاح في قطر هي مسعى نخبوي؟ وما هي إمكانية مشاركة الشباب من مختلف الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع القطري في هذا المسعى؟

الحاجة للإصلاح في قطر عامة ولكن المطالبة بها ما زالت مسألة فردية في الغالب بسبب منع قيام منظمات المجتمع المدني التي لا ترغب السلطة في قيامها. ومن يستمع إلى برنامج (وطني الحبيب) الذي تبثه إذاعة قطر كل صباح منذ عقود، يعرف مدى عجز المواطنين البسطاء عن الحصول على حقوقهم الشخصية دون مناشدة من القيادة للتدخل لدى الجهات الحكومية. كما أن المجالس النسائية واللقاءات الشخصية تكرر الشكوى على طريقة أشكي لي وابكي لك. ولكن التعبير الجماعي عن الحاجة للإصلاح ما زال محدودا و له ثمن وبالتالي يتطلب قدر من الشجاعة والتجرد للمجاهرة به بشكل جماعي. من هنا يصبح دور الكوادر القطرية الواعية، ولا أقول النخب، هام لفتح الآفاق وربما لترشيد مطالب الإصلاح وتنمية فهم مشترك أفضل حول أجندته التي يمكن أن تستفيد منها قطاعات الشعب والشباب خاصة آجلا أو عاجلا. فشعب قطر مثل بقية الشعوب العربية والمرأة والرجل والشباب لهم مطالب وسوف يعبرون عنها بطريقتهم الخاصة دون وصاية من النخب.

تقولون بأن الحوار الذي أجريتموه داخل مجموعتكم على مدى عام بأنه محاولة أولية. ما هي خطوتكم التالية على طريق المطالبة بالإصلاح؟ وهل من إشارات تعطيكم الشعور بالتفاؤل في إمكانية تحقيق الهدف بالإصلاح في دولة قطر؟

الإصلاح يتطلب توافق إرادة أهل قطر – حكومة وشعب - على أجندته ومراحله وخطواته. وهذا يتطلب بدء حوار لتنمية فهم مشترك أفضل حول الحاجة للإصلاح والسبيل إليه، وهو ما بدأ في لقاء الاثنين وسوف نواصله حتى يتسع نطاقه ويصبح حوارا وطنياً واسعاً تتوفر له البيئة الحاضنة أهليا ورسميا. وأنا متفائل وليس لدي غير التفاؤل. إن أهل قطر آجلاً أم عاجلاً سوف يكسرون حاجز الصمت وسوف يصدقون القيادة القول ويعبرون عن حاجتهم الماسة للإصلاح بشكل صريح ومسؤول. كما إنني أعرف أن حكومة قطر سوف تستجيب لمطالب القطريين حتى وإن أظهرت بعض أجهزتها عدم الرضى عن التصريح العلني الجماعي بها. وإلى أن يتم ذلك فما للمشاركين في لقاء الاثنين وكافة الداعين للإصلاح السلمي في كل مكان إلا أن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر، لأنهم يعبرون عن ضمير المجتمع ولا يعيبهم أنهم قلة.

للمزيد عن د. الكواري