مفاوضات تغيّر المناخ: أسبوع بارد في وارسو

وارسو | اختتم أمس في العاصمة البولندية وارسو الاسبوع الاول من الدورة التاسعة عشرة لمؤتمر الاطراف التابع للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي. وعلى غرار المؤتمرات السابقة التي تنظمها هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ، امتاز الاسبوع الأول من المفاوضات بالبرودة وغياب صناع القرار، خصوصاً أن غالبية الوفود الحكومية التي يرأسها الوزراء تبدأ بالوصول الى وارسو نهاية هذا الاسبوع، وسط ترجيحات ألا يكون الاسبوع الثاني أفضل بكثير.

يتحدث المتابعون لهذا المؤتمر عن «تقدم متواضع» في وارسو نحو الوصول الى اتفاق بحلول عام 2015، في المؤتمر المقرر عقده في باريس، وذلك في ظل طغيان الاهتمام بالنمو الاقتصادي على حساب تحذيرات العلماء من ارتفاع درجات الحرارة. وبحسب المعطيات التي نشرتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، شهد عام 2013 عدة ظواهر مناخية، وبات على وشك أن يصبح من الأعوام السبعة الأشد حراً منذ البدء بتجميع البيانات ذات الصلة. وقالت المنظمة إن الأشهر التسعة الأولى من العام جاءت مماثلة للفترة نفسها من عام 2003 كسابعة أحر فترة، إذ زاد متوسط درجات حرارة الأرض وسطح المحيطات 0.48 درجة مئوية عن المتوسط في الأعوام من 1961 إلى 1990. كذلك كانت هذه الفترة أشد حراً من الفترة عينها في عامي 2011 و2012 عندما ساهمت ظاهرة «نينيا» في تخفيض الحرارة. وأوضح الخبراء أن «متوسط مستوى مياه البحار بلغ حداً قياسياً جديداً في عام 2013... مع ارتفاع بمعدل 3,2 مليمترات في السنة، يساوي ضعف ذاك المسجل في القرن العشرين (1,6 مليمتر في السنة)».

وطغى إعصار هايان الذي أودى بحياة الآلاف في الفيليبين على الأجواء، وذلك قبل يومين من انطلاق المؤتمر. واستخدمت المنظمات غير الحكومية هذه الكارثة المدمرة لتسليط الضوء على أهمية الوصول الى اتفاق ملزم يخفض نسبة التأثيرات المناخية على حياة الملايين من البشر. فبعد أربعة أيام من مرور أحد أعنف الأعاصير التي شهدتها اليابسة رافقته رياح عاتية فاقت سرعتها 300 كيلومتر في الساعة وأمواج عملاقة بلغ ارتفاعها خمسة أمتار، ما زالت كارثة إعصار «هايان» التي دمرت المنازل واقتلعت الاشجار، خصوصاً في جزيرتي ليتي وسامار، تحصد خراباً وضحايا.
وقالت لجنة علمية تابعة للامم المتحدة إن الاعاصير ربما تزداد شدة في بعض المناطق بحلول عام 2100 مع زيادة درجة حرارة كوكب الارض. وصرّحت المسؤولة عن المناخ في الامم المتحدة كريستيانا فيغيريس بأن «على الاجيال الصاعدة أن تطلق معركة كبيرة، والرهان اليوم في هذا الاستاد ليس لعبة»، في إشارة الى استاد وارسو حيث يعقد المؤتمر. وحذرت من أنه «ليس هناك أي رابح أو خاسر. سنربح جميعاً أو نخسر جميعاً».

وقال وزير البيئة البولندي مارسين كولورليك في كلمته الافتتاحية إن كارثة الفيليبين كانت بمثابة «صحوة». بدوره، قال الموفد الفيليبيني بصوت ساده التأثر الشديد إنه سيصوم خلال المؤتمر. وقال ناديريف سانو «تضامناً مع مواطنيّ الذين يحاولون الحصول على الغذاء (...) سأبدأ صوماً طوعياً من أجل المناخ، وسأمتنع عن تناول الطعام خلال هذا المؤتمر الى أن يتم التوصل الى نتائج ملموسة». وأضاف أن «ما تمر به بلادي هو ضرب من الجنون. أزمة المناخ أمر جنوني. يمكننا وقف هذا الجنون هنا في وارسو». وتابع «بلادي ترفض أن يكون من اللازم عقد 30 أو 40 مؤتمراً لتسوية مشكلة التقلبات المناخية».

وأعلن وائل حميدان، مدير الشبكة الدولية للعمل المناخي في حديث إلى «الأخبار»، أنه ينفذ إضراباً عن الطعام تضامناً مع ضحايا إعصار هايان، ومن أجل إيصال رسالة مفادها أن هناك ملايين الاشخاص حول العالم قد حولتهم الاعاصير المدمرة الى لاجئين مناخيين يبحثون عن خيمة وطعام وشراب وملاذ آمن.

وفي حين تتفاوض مختلف الأطراف من أجل رفع سقف التعهدات خلال مؤتمر وارسو، تجاهلت اليابان تعهداتها السابقة بخفض الانبعاثات بنسبة ٢٥ في المئة بالمقارنة مع عام ١٩٩٠، واقترحت زيادة في نسبة الانبعاثات بنسبة ٣.١ في المئة.

وقالت كيميكو هيراتا، وهي ناشطة يابانية في الشبكة الدولية للعمل المناخي، «لا شك في أنها مزحة سمجة. إن هذا الاعلان سوف يكون له تأثير سلبي على مسار المفاوضات، ويشكل إهانة مباشرة لجميع الذين يعانون من التأثيرات المناخية حول العالم». وأضافت «يبدو أن اليابان لم تفهم روزنامة المفاوضات. لقد كنا نتوقع شيئاً أفضل من الدولة التي تصنف بأنها ثالث أكبر اقتصاد في العالم. هذه خطوة غير مقبولة، خصوصاً بالنسبة إلى الناس الذين يعيشون في الدول المعرضة للاخطار المناخية وللأجيال القادمة. عليهم أن يعيدوا النظر في هذا الاجراء وأن يقدموا تعهدات جديدة حول خفض نسبة الانبعاثات.

دولة أخرى تطرح العديد من العوائق والاشكاليات في مؤتمر وارسو هي استراليا، التي أعلنت الثلاثاء الماضي أنها في صدد إلغاء تشريع ناجح حول المناخ سبق أن تمت التصديق عليه.

وزادت درجات حرارة الأرض بواقع 0.8 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية وتتجه إلى الزيادة بمقدار درجتين مئويتين، وهو سقف مستهدف اتفق عليه خلال قمة سابقة للامم المتحدة.

وقال راجندرا كومار باشوري، رئيس اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، «من المرجح للغاية أن التأثير البشري هو السبب المهيمن لارتفاع درجة حرارة الارض المرصودة منذ منتصف القرن العشرين. عندما نستخدم مصطلح «مرجح للغاية» فإننا نعني احتمالاً نسبته 95 في المئة أو أكثر... وهذا يعني أن التصرفات البشرية تؤثر بصورة كبيرة على مناخ هذا الكوكب».

وقال اليوت درينجر، المدير التنفيذي لمركز حلول المناخ والطاقة وهو مؤسسة بحثية أميركية» «لا يمكننا أن نتوقع اتفاقاً كبيراً يحل المشاكل دفعة واحدة». وقال إن أفضل أمل بالنسبة إلى اتفاق 2015 هو أن توافق الدول على قيود بشأن انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري مع آلية لمقارنة ودعم هذه القيود بمرور الوقت.

 ---

نشرت أولاً في صحيفة الأخبار في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2013.