هل يمكن للأسد أن يكون شريك في مواجهة داعش؟

"يجب أن يكون واضحا الآن لقادة الدفاع الغربي أن هناك قوة مقاتلة واحدة فقط ذات مصداقية على الأرض، قادرة على قتال داعش، وهي الجيش السوري. حيث يمتلك السوريين ]النظام السوري[ جميع الأوراق الرابحة في جعبتهم."[1] ليس هذا الطرح بغريب عن الاجواء الدبلومسية، غير أن المستجد هنا هو عدم اقتصار هذا الطرح على مؤيدي الاسد وحلفائه فقط، بل تداوله من قبل دبلوماسين وخبراء أقليمين ودوليين تراجعو عن مواقفهم الرافضة لبقاء الاسد بهدف محاربة الارهاب، ساهم في ذلك الإقرار المتزايد بعدم فاعلية التحالف العسكري الدولي ضد داعش في تحقيق أهداقه؛ وغياب وجود شريك عسكري قوي محلي يكمل عمل التحالف على الارض ويحافظ على المواقع التي يتم طرد داعش منها؛ كما أن نظام الأسد لازال يمثل للبعض فرصة شريك قوي محتمل قادر على مواجهة داعش.

وعليه سيتطرق هذا المقال إلى البحث في مدى قدرة الأسد على تحقيق الآمال المتوقعة منه كشريك قادر على مواجهة المجموعات الارهابية وعلى رأسها داعش والنصرة، وإيجاد حل ينهي الصراع في سوريا ويسمح بخلق بلد آمن.

الحسم العسكري:

إن الإنتصار العسكري على داعش هو الهدف الأساسي، للبعض على الأقل، للشراكة مع الاسد، حيث يُعتقد بأنه المرشح الأفضل لتحقيق هذا الحسم فهو يمتلك جيش عسكري قوي ذو قيادة مركزية؛ ولديه ما يكفي من الخبرة لمواجهة التنظيمات الارهابية؛ كما أنه لازال يمثل السلطة الأقوى في البلاد. لكن لمعرفة مدى قدرة الأسد على القيام بهذه المهمة، يجب قراءة مجريات الاحداث العسكرية على الأرض، وتاريخ انتصاراته التي حققها خلال فترة الصراع في سوريا.

أستخدم الأسد القوة العسكرية ضد مواطنيه الذين تظاهرو بشكل سلمي مطالبين بالتغيير السياسي الأمر الذي أدى إلى صراع مسلح فيما بعد، وبالرغم من الجهد العسكري الذي بذله للقضاء على مجموعات الجيش السوري الحر ضعيفة التسليح، إلا أنه لم ينجح بذلك، الأمر الذي دفعه إلى طلب المزيد من التعزيزات عبر خلق ميلشات مسلحة محلية (مجموعات الشبيحة، تسمى حالياً جيش الدفاع الوطني، وكتائب البعث وغيرها )، وطلب مساعدة ميلشيات خارجية تغلب عليها الولاءات الدينية (حزب الله اللبناني، كتائب ابو فضل العباس العراقية، قوات من الحرس الثوري الايراني وغيرها)، وذلك لعدة أسباب اهمها: ضعف الجيش النظامي نتيجة انشقاق عدد كبير من الجنود؛ وتآكل مركزية الجيش؛ وظهور أمراء حرب ضمن صفوف المؤسسة العسكرية[2]؛ وأزدياد عدد المدنيين المتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية؛ وانعدام الثقة بالجنود المنحدرين من المناطق الجغرافية المعارضة للنظام؛ والحاجة المتزايدة إلى قوة بشرية قادرة على تحقيق انتصارات عسكرية والمحافظة عليها. لكن بالرغم من هذا الدعم العسكري الهائل، مقاتلين وأسحلة -الذي مازال الاسد يتلقاه من حلفائه- إلا أنه لم يتمكن من التغلب على المجموعات المسلحة المعارضة له والتي تتسم معظها بقلة الخبرة القتالية؛ وبضعف التسليح؛ وبانتشار التنافس والعداوة بينها؛ وضعف التنسيق؛ وعدم وجود قيادة مركزية لهم.

أما فيما يتعلق بصراعه المسلح ضد داعش، فمن الواضح أن الأسد لم يخض العديد من المعارك ضد داعش- حيث أن استراتيجة داعش في تجنب حرب مفتوحة مع النظام لازالت فاعلة، والعكس صحيح- نتيجة عدة اسباب أهمها: وجود داعش في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام؛ وقتالها ضد كتائب المعارضة بهدف السيطرة على مناطقها؛ كما أن وجودها عزز من رواية النظام عن أن ما يجري في سوريا هو حرب بين نظام علماني ومجموعات إرهابية. غير أن ما يمكن استخلاصه من هذا العدد القليل من المعارك هو أن داعش كانت هي المبادرة بالهجوم على النظام في معظم الحالات وبخاصة في الرقة وديرالزور وحمص؛ وأن معظم هذه المعارك انتصرت فيها داعش ضد النظام ( مطار الطبقة، اللواء 93، الفرقة 17)؛ وأن معظم هذه المواجهات المسلحة هي في إطار الاستيلاء على أهداف استراتيجية. لذلك فأنه من غير المرجح أبداً أن يستطيع النظام تحقيق انتصار عسكري، أو المحافظة عليه، ضد داعش في ظل الظروف الحالية.  

الايدي الخطأ:

إن أحد الإشكاليات الأساسية التي مازالت تعيق تسليح "المعارضة المعتدلة"- من قبل الدول الغربية المعارضة للأسد والداعمة لخيار التسليح- يتجلى في الخوف من سيطرة مجموعات متطرفة على الأسلحة المقدمة من الغرب. وعلى الرغم من المحاولات العديدة لتقديم ضمانات بهذا الصدد إلا أنه لم يتم الاتفاق على خطوات عملية، وبالتالي لم يتم لحد الآن تقديم اسلحة نوعية للمعارضة تساعد على تغيير موازين القوى على الأرض.

في حال افترضنا أن الجهات الراغبة بالشراكة مع الأسد ستقوم، بالحد الأدنى، بتطبيق نفس المعايير المتعلقة بتوفير ضمانات لعدم وقوع الاسلحة في أيدي مجموعات إرهابية فإن النتيجة ستكون متوقعة سلفاً. فالنظام السوري له تاريخ طويل في تسهيل عمل مجموعات أرهابية، وهو ما حصل بعد الغزو الاميريكي للعراق في عام 2003. فقد لعبت المخابرات السورية دور كبير في تسهيل عمل مجموعات الجهادية الراغبة بتنفيذ عمليات في العراق[3]؛ إضافة إلى تورط النظام السوري في هجمات على الغرب[4]؛ وفي حين كان لايزال هناك آلاف المعتقلين السياسين السلميين في السجون، أطلق النظام في بداية الثورة المئات من معتقلي سجن صيدنايا[5] من المتطرفين الذين شكلوا او انضموا إلى تنظيمات جهادية فيما بعد؛ ويكاد لايخفى دور النظام في تسهيل وصول السلاح لحزب الله الذي تم تصنيف جناحه العسكري كمنظمة إرهابية من قبل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بتاريخ 22 يوليو/تموز 2013. ومن المرجح أن يستمر النظام بتسهيل وصول السلاح لحزب الله- بالرغم من وجوده على قائمة الارهاب- فهو شرط ضروري لاستمرار الدعم المقدم من إيران( مال، سلاح، مقاتلين، خبراء، وميلشيات) والذي هو أحد العوامل الاساسية لصمود النظام عسكرياً. فالنظام يملك تاريخ طويل من التعاون مع مجموعات أرهابية و/أو جماعات مسلحة غير حكومية من أجل استخدامهم كورقة ضغط للحصول على امتيازات سياسية، ومن غير المتوقع أن يغير النظام سياسته هذه.   

غياب الدعم المطلوب

إن القضاء على داعش يتطلب العمل على عدة مستويات منها: فصلها عن المجتمع السني الموجودة فيه، وإشراكه في الحرب ضدها، معنوياً ( محاججة خطابها الديني المتطرف بخطاب ديني معتدل) وعسكرياً؛ والعمل على حل جذور المشكلة التي أدت إلى وجودها( سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً وثقافياً)؛ وأخيراً وجود تعاون إقليمي ودولي وثيق لعزل داعش وايقاف مصادر تمويلها.

إن فرص نجاح الحرب ضد داعش تكاد تكون معدومة بدون مشاركة المجتمع السني، حيث تشير جميع التجارب الناجحة في محاربة الجماعات المتطرفة إلى ضرورة قيادة المجتمع السني لهذه الحرب حتى يكتب لها النجاح، فمثلاً في سوريا تم طرد داعش من ريف حلب وريف ادلب والغوطة في ريف دمشق في بداية عام 2014 من قبل مجموعات المعارضة، كما تشكل تجربة الصحوات في العراق 2006- 2008 نموذج ناجح لقتال المجموعات المتطرفة. وعليه فالشراكة مع نظام الأسد لن تساهم في كسب المجتمع السني للمشاركة في قتال داعش، بل من شأن ذلك أن يدفع فئات واسعة من المجتمع السني للانضمام إلى داعش او التحالف معها في الحرب ضد الأسد. حيث أن تصوير داعش للتحالف الدولي على أنه حرب ضد الاسلام، زاد من عدد المنضمين لها، غير أن هذا العدد من المتوقع ان يتضاعف عدة مرات في حال شراكة الغرب مع الأسد (وإيران).

إن التعامل مع جذور المشكلة في سوريا- كجزء من استراتيجة شاملة لمحاربة داعش- لايمكن أن تتم في حال الشراكة مع الأسد، حيث أن نظامه مسؤول عن معظم جذور المشكلة من خلال انفراده في حكم البلاد بطريقة استبدادية، وعدم تحقيقه مطالب مواطنيه في الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واستخدامه المفرط للقوة ضد مظاهرات سلمية الأمر الذي ساهم في خلق صراع مسلح كان بيئة خصبة للتطرف، وأخيراً بعدم رغبته الجادة في إيجاد حل سياسي للصراع في سوريا. 

كما يمثل بقاء الاسد في الحكم هزيمة شخصية لأهم الفاعلين الإقليمين (تركيا والسعودية وقطر) وبعض الفاعلين الدولين، حيث بلغ مستوى العدواة بين نظام الأسد والعديد من الدول الأقليمية والغربية درجة من التعقيد يصعب معها تخيل فرص نجاح تحالف إقليمي ودولي لمحاربة الإرهاب بالتعاون معه. فعلى سبيل المثال اشترطت تركيا على الولايات المتحدة تبني استراتيجية للإطاحة بالأسد كشرط لزيادة مشاركتها في التحالف الدولي.

فرض الامن وإدراة البلاد:

إن قدرة النظام على فرض الأمن وإدارة البلاد تعتمد على مدى قدرته على إعادة تأهيل نظامه علاقاته مع حلفائه، إضافة إلى القدرة على إيجاد حل للصراع في سوريا بما يسمح بعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم الاصلية.

 إن إنعدام أي مبادرة من طرف النظام لبناء الثقة مع المعارضة -منذ بدأ الثورة - يجعل من الصعوبة بمكان تخيل كيفية إمكان تحقيق ذلك، حيث قد تؤدي أي مبادرة في هذا الإطار إلى تشقق في النواة الصلبة للنظام الأمر الذي سيزيد من عدد معارضيه ويفاقم من ضعفه. فبنية النظام مغلقة وتفتقر إلى المرونة، ومن شأن أي تغيير فيها أن يؤثر على تركيبة النظام ككل.

كما أن إيجاد حل سياسي مستدام للصراع في سوريا- على الاقل- مشاركة النظام لجزء من السلطة- ولو بشكل شكلي- مع ما يَصطلح عليه "بالمعارضة الوطنية"، أي المعارضة ضمن سقف الوطن دون الاستعانة بأي تدخل أجنبي. لكن لم يبدي النظام خلال فترة الصراع في سوريا أي محاولة جدية للتواصل مع أي طرف من المعارضة حتى "الوطنية" منها بل على العكس قام بقتل وتعذيب وسجن معظم النشطاء السلمين وقادة الحراك المدني  إضافة إلى خطف واعتقال عدد كبير من قادة "المعارضة الوطنية".

إن الاعتقاد بقدرة النظام على إدارة سوريا تستمد من فرضية استمرار قدرته على فعل ذلك بالرغم من كل التحديات التي تواجهه، وعليه فمن المتوقع أن يقوم بذلك بحال التعاون معه لأن المهمة ستكون أسهل. يغفل هذا الطرح العديد من الحقائق من أهمها: أن النظام يحصر معظم الخدمات في مناطق سيطرته فقط؛ وأن هناك تراجع كارثي في كمية ونوعية الخدمات المقدّمة فقطاعات أساسية مثل الصحة والتعليم تشهد تدهوراً متزايد في بناها التحتية ومواردها البشرية؛ فضلاً عن تراجع كافة القطاعات الصناعية والخدماتية الأخرى؛ كما أن النظام لا يدفع رواتب عدد كبير من موظفيه نتيجة نزوحهم او لجوئهم.

تشكل عودة اللاجئين والنازحين السوريين أحد أولويات المجتمع الدولي حيث بلغ عدد المحتاجين الى مساعدة إنسانية ملحة 10.8  حتى تاريخ 17 حزيران 2014 [6]، اي حوالى نصف سكان سوريا. ومن غير المرجح أن يعود معظم هؤلاء الاشخاص إلى مناطقهم في حال الشراكة مع الأسد لعدة أسباب أهمها: الخوف من الاعتقال والملاحقة من قبل الأجهزة الامنية والميليشيات المسلحة التابعة للاسد؛ عدم الاستقرار الأمني في معظم المناطق حيث من المتوقع أن تستمر الاعمال المسلحة ضد الاسد من قبل معارضيه بدعم اقليمي وربما دولي؛ قلة استثمار رؤوس الاموال نتيجة الوضع الامني، وسيطرة رجال مقربين من الأسد على اقتصاد البلد كرد جميل لوفائهم له، الامر الذي سيؤدي إلى قلة فرص العمل. هذه العوامل وغيرها ستؤدي إلى استمرار وجود عدد كبير من السوريين ممن هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية ملحة.

الخاتمة:

غالباً ما يقال أن السياسة والأخلاق لا يجتمعان وذلك لتبرير القرارات السياسية الاستراتيجة التي تتعارض مع المعايير الأخلاقية العامة،  كما أنه من المرجح أن يتم استخدام نفس العبارة في تبرير التعاون مع الاسد على اعتبار انه الخيار الاقل سوءً بين خيارين سيئين. لكن هذا التبرير يغفل مسألتين أساسيتين: أولهما أن بشار الأسد مستبد ضعيف غير قادر على تنفيذ المهام الموكلة له. أما المسألة الثانية فهي متعلقة بأن هناك خيارات أخرى أقل سوءً من الأسد، لكنها تتطلب جهداً أكبر من انتقاء أسهل الخيارت المتاحة. فالأسد كان ولازال جزء من المشكلة، وإسقاطه هو بداية الحل.

 

[2]  كالعقيد سهيل الحسن المعروف بالنمر الذي يقود تشكيل عسكري خاص هو مزيج من عسكريين وميلشيات، والذي أصبح ذو شهرة كبيرة حتى أن البعض يعتبره منقذ للعلوين.

[3]  لمزيد من المعلومات عن هذا الموضوع اقرأ التقرير التالي: http://fas.org/sgp/crs/mideast/RL33793.pdf

[4]  لمعلومات أكثر عن تورط النظام في تسهيل عمل مجموعات أرهابية في الغرب أنظر الرابط التالي http://www.spiegel.de/spiegel/print/d-13683328.html

[6]  التقرير الرابع، يغطي قترة 20 أيار ‘لى ، للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، من  في حول الموضوع الى مجلس الأمن الدولي