فؤاد، 24 عاماً

اسمي فؤاد، عمري ٢٤ سنة. اتيت إلى لبنان مع أمي وثلاث اخوات من سنة ونصف تقريبا. نحن من مدينة القصير، حمص. حيث فقدنا والدنا عندما خرج يوما إلى المدينة بقصد قبض راتبه فهو موظف تموين ولم يعد بعدها. سألنا وبحثنا عنه في كل مكان، لم نجد أي دليل له، ربما يكون ميت وربما يعيش في أحد الأقبية، الله وحده العليم.

قبل رحيلنا عن القصير أمضينا قرابة العام تحت الأرض "قعدنا أول شي إحنا وأهلي بقبو، قبو تحت الأرض وكانت المعارك فوق الأرض بتدور." لا كهرباء، بالكاد بعض الطعام، لم نجد الشمع فبدأنا بإحراق الزيت ومعه اتى الاختناق لكن الحال ضاقت علينا وبات مصيرنا أن نجود بما هو متوفر " إيه بالأخير صار بدو يفوت الجيش النظامي وكل شي بيفوت لهنيك، إذا فاتوا علقوا المدنيين وإنت خلص، مع الشو إسمو، ذبح."

مشكلتي هي أني شاب وحيد على سبعة فتيات، أربعة منهن تزوجن ويقمن في لبنان مع عوائلهم وثلاثة منهن ووالدتي معي، كنت طالب ادرس في معهد ولم استطع أن اكمل، والدي كان المعيل وفقد من بداية الأحداث، ولدت مع ثقب في القلب يحيلني عن أي جهد زائد، اصبت في حمص من جراء احدى الهجمات التي كانت تشنها طائرات النظام على المدينة، كنت في طريقي لتأمين سيارة لتأخذنا إلى لبنان وإذا بها "نزلت هيك وهي عم تنزل صارت تكبر الصواريخ وهي نازلة ورايي." كسرت عظمة في رأسي، بإمكانك تلمسها، وشظية في يدي. اختي بتول اصيبت بداء لم نتمكن من تأمين العلاج المناسب له. كانت قد اصيبت به بعد اضطرارنا للمكوث في القبو لمدة عام وخوفنا الدائم وكل مخلفات الحرب انعكست على وجهها وعيونها. حياتنا امست كقصة اهل الكهف، هل سمعت بها يوما؟ نحرق الحطب بداخل قبو لنسخن قليل من الماء! وفوق هذا وذاك "آخر فترة صار بينا وبين النظام صار مثل هون ومفرق كوشا. إيه ويعني إنو كل شي بدهم يشوفوه مدني جوا ما في ذبح، قواص بأرضه." امضينا ثلاث ليال في البراري برفقة مجموعة من الثوار حتى وصلنا "مدينة الأحلام" منطقة اسمع بها منذ زمن في سورية لكني لم ازرها ابدا. شعرنا بانتقال جذري، مثل خارج من جهنم إلى الجنة، فمالحلات مفتوحة والطرقات تعجّ بالناس والحياة طبيعية. عند هذه المدينة " قال الثوار يعني قالولنا يلي بدو يمشي يلي بدو يتم هون يتم هون صرنا بمنطقة آمنة. ويلي بدو يتابع معنا عالقلمون بيبرود يتابع معنا، يلي بدو يطلع علبنان طبعا من هنيك. قلنالهم بدنا نتابع يعني ما إلنا حدا ما إلنا قرايبين." اختي كانت في مخيم مع زوجها في طرابلس، كانت هي منفذي. امضينا ليلة عند ناس استقبلونا أو بالأحرى استقبلوهم لأني مع لفافة رأسي ويدي وطول ذقني وشعري في "مدينة الأحلام" اعتبرت "واحد من الثوار" فبتّ الليلة على عتبة الدار، شفق علي احدهم واعطاني وسادة. شددنا الرحيل في اليوم الثاني إلى يبرود. في يبرود ينزح بيت جدي في مدرسة استقبلت النازحين، فأغلب سكان مدينة القصير نزحوا إلى يبرود، امست الحال مشابهة، فالنظام بدأ بشن هجمات على يبرود، بعد اسبوع استطعنا أن نتسلل إلى عرسال في سيارة كبيرة، كانت الجموع تحتشد فوق بعضها البعض "مثل يوم القيامة"، وصلنا. بمساعدة اقرباء لنا في عرسال تمكنا من دفع اجر الذهاب إلى طرابلس، هناك كان زوج أختي، وهو من تكفل  بالباقي. بعد مرور عام على بقائنا في مخيم منيارة نقلنا إلى كوشة ونحن هنا منذ حوالي الثمانية أشهر وبمساعدة الآنسة م حصلت على وظيفة لا تتطلب الجهد الكثير واحوالنا افضل. لكن وضع بتول كما هو، وعلاجها الوحيد يأتي إن تغيرت طبيعة المناخ، وهذا معناه السفر. حاولت أن اتواصل مع خالتي التي نزحت إلى النرويج عن طريق الأمم المتحدة  فتسعى لنا بلم الشمل بأسرع وقت لنكمل العلاج المناسب لبتول، فأنا لا يهمني إلا حالتها الآن، كانوا الأطباء قد اخبرونا أنّ مع تقدمها في العمر هذا الداء سيكبر في بشرتها… وننتظر…

---

عودة الى المعرض