خديجة، 63 عاماً

اسمي خديجة، عمري ٦٣ سنة، نحن من سكان مدينة حمص، عندما شهدنا الدمار الذي حلّ على منازلنا وما حلّ  بالأطفال الذين فقدوا اهلهم قررنا أنا وعائلتي الرحيل. استشهد ولدين من اولادي في حمص ومن خوفي أن اخسر المزيد منهم رحلنا. كانت حركة النزوح جماعية فمنهم من نزح إلى ادلب ومنهم من ذهب إلى الأردن أما نحن ذهبنا إلى قرية تدعى الغنطق حللنا بها مدة السنتين والأربع شهور تقريبا، مصير هذه القرية لم يختلف كثيرا عما شهدناه سابقا في حمص. اشتد القصف فنالني أنا هذه المرة. عندما اخترق صاروخ المنزل الذي كنا نقطنه، هدّ الجدار ووقع عليّ، اصيبت يدي وقدمي، خضعت لعمل جراحي استأصلوا فيه قطعة من عظم القدم ووضعها في يدي لتعود شبه طبيعية. اليوم بعد مرور سنتين على العملية اصبحت جيدة، لكن يدي لا تعمل بالكامل وتؤلمني أحيانا. بعد القصف الشديد على الغنطق فقد زوجي سمعه وامسوا الأطفال بحالة مزرية، خوفهم وهلعهم كلما اشتد القصف أو الطيران جرّنا أنو نقرر الرحيل مرة ثانية. هذه المرة اخترنا لبنان، طرابلس. قمنا ببضعة اتصالات لنرى امكانية عبورنا، تكلمنا مع احدهم وقمنا بالاتفاق معه مقابل اجر اتعابه، لم نملك الكثير ولكننا استطعنا أن نلملم المبلغ المطلوب. في طريقنا مررنا بتلبيسة وقرى عديدة وعند واحدة منهم، قال لنا السائق أن نغطي وجوهنا نحن النساء لأننا على مشارف قرية تحت سيطرة داعش، هؤلاء إن رأوا امرأة تكشف عن وجهها فإما أن يضربوها ويشتموها أو حتى يقتلوها، ونحن كنا قد هربنا من هذا النوع من التعنيف، قمنا بتغطية وجوهنا أنا وامرأة ابني الذي استشهد، من تلك القرية حللنا في قرية تدعى تل العمري، بعدها وصلت سيارة اكبر محملة بالركاب واخذتنا حتى وصلنا إلى دوار العبدة.

بعد بضعة أيام استضافنا بها احد المعارف، قمنا باستأجار منزل صغير على الرغم من وضعه المتعب فالدار كانت دون أبواب. بعد شهر والنصف تقريبا كان وضعنا يزداد سوء فالأجار كان كثيرا علينا.  قام احدهم بدلّنا على سيدة تُعرف بأنها تقوم بمساعدة السوريين. ذهبنا اليها بقصد المساعدة  فقالت أنها ستحاول أن تجد لنا مكان. وهذا ما حصل بعد بضعة أيام كانت قد هيأت لنا مكان في سكن جماعي في كوشة، انتقلنا بشكل مباشر وحتى اليوم نكون قد امضينا قرابة الثمانية اشهر هنا في كوشة.

"جسمنا هون، بس عقلنا هونيك مع الذكريات" الإنسان خارج منزله وبلده لن يرتاح ابدا، نحن اليوم نعيش بحزن ونكد، لكن نقول دائما الحمدلله هنالك اوضاع اناس آخرين اسوء من اوضاعنا. عند رحيلنا لم نجلب شيء، اذكر اني حتى لم افكر بشيء عدا جواز السفر والأوراق الثبوتية على الرغم من امتلاكنا العديد من الأشياء في المنزل، فكان مجهز بكل شيء، إلا أن الإنسان عندما تضيق به الحالة لا يفكر بشيء سوا نفسه وسلامته، هكذا رحلنا دون أن نجلب شيء معنا سوا هوياتنا وبضعة صور كان قد جلبها زوجي. "كنا نقول عالفلسطينية "يا حرام تشردوا" العمى صرنا اقطع منهم. قطعناهم، مع انه سورية كانت أم الفقير، وهي أم الغريب وكل شيء كان عنا موفر الحمد لله، حتى شعبها طيب بلا نهاية." بالنهاية ليس بإمكاننا إلا أن ندعو الله بأن تنتهي هذه القصة حتى نعود إلى ديارنا.

---

عودة الى المعرض