"وجهات نظر" العدد 14 - الأقليات خارج إطار الإنقسامات الإثنية والدينية

عندما تطبع عبارة "الأقليات في الشرق الأوسط" على أي محرك بحث، تحصل على حجم هائل من المقالات التي تلمح إلى أن الانتماءات الاثنية والقبلية والعائلية والطائفية هي العوامل ذات الصلة الوحيدة والضرورية لفهم السياسات والمجتمعات في المغرب والمشرق. سواء وُصف الوضع كـ"فسيفساء" من المجتمعات المتعددة الاثنيات والديانات أو كتفسير وتوقع للنزاعات الفعلية أو المحتملة في الشرق الأوسط وهي نزاعات غالباً ما تتأثر بالانتماءات الاثنية، القبلية أو الدينية، فإن القراءة ذات نكهة غريبة وشرقية بما أنها تركز على الانتماءات التي لا تستند إلى الخيار بل تحكمها عوامل غير متبدلة. كما أنها تعطي الانطباع بأن الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يختلفون اختلافاً جوهرياً عن المجتمعات الغربية فيتصرفون وفقاً المعطى لهم وليس وفق المطالب والحاجات والاهتمامات والخيارات الشرعية.

تُعتبر الأقليات، من وجهة النظر الاستعمارية، خاضعة لحماية القوى الخارجية، ليس ككيانات محددة عبر خصائص أخرى من هوياتها، بدلاً من تلك المفروضة عليها من الخارج.  لذا قررنا في هذا العدد من "وجهات نظر" أن نطرح على المؤلفين سؤالاً أوسع عن العلاقات بين الأقلية والأكثرية، التي قد تتطرق إلى مواضع اثنية ومذهبية، من دون يكون ذلك شرطاً ضرورياً.

تشرح الناشطة مارسيل شحوارو كيفية قمع سوريا لكل أشكال المجتمع المدني، عبر حصر اللقاءات السابقة للثورة ضمن الطائفة الواحدة، وهي مقاربة طائفية ترتدي قناع التعايش المتناغم إلا أنها تقود في الواقع إلى انعدام الثقة والعنف بين المواطنين.

تركّز لوسيا مرزوفا على الشعب الدومي الذي يقوم نمط حياته على الانتقال من مكان إلى آخر فيتأثر بالحدود مما يحوله إلى أقلية بين الأقليات ويهدده بخسارة تقاليده بسبب عدم الاعتراف به.  أما إلزا سفريان فتُظهر في مقالها عن اختفاء "أرمينيا الصغيرة" في لبنان. أن أزمة النفايات تؤثر في المواطنين جميعاً ولا تشكل خطراً على الصحة فقط بل أيضاً على تقاليد الأقلية الأرمنية في البيوت على وجه التحديد. ويناقش الخبير المغربي الدكتور عياد أبلال تحديات التعددية الدينية في المغرب، بالنسبة إلى معتنقي ديانة أخرى أو اللاأدريين والملحدين على حد سواء.

تلقي وفاء بن الحج عمر من مكتب تونس والبروفسور وحيد الفرشيشي نظرة عن كثب على الدستور التونسي ومنح الحريات الفردية الأمر الذي غالباً ما يتخذ وجهة مختلفة ما لم يُدعًم بالعمل السياسي.

يقدم الدكتور علي عليبو من رام الله لمحة شاملة عن الصوفية في القدس ويستعرض تفسيراً يشدد على واقع كون الصوفية مجموعة ممارسات تستند إلى الخيار.

يشرح المخرج المسرحي السوري عبدالله الكفري كيفية تهميش الفنانين بشكل أكبر لاعتبارهم خطراً على السلطات وتصوير أعمالهم بأنها أكثر خطراً من السابق في ظل الرد القمعي.

تبرز الخيارات الشخصية التي تتعارض بشدة مع المعيار الاجتماعي في مقال جوي أيوب عن ركوب الدراجات الهوائية في زحمة السير الجنونية في لبنان حيث غياب الالتزام الحكومي بإنشاء خطوط للدراجات يعني أن المواطنين يعرضون حياتهم للخطر كلما ركبوا دراجاتهم.

أما فدوى بوزيت من المغرب فتتحدث عن خيارها الأول اعتماد النباتية من ثم الخضرية وهما نمطا حياة يصعب شرحهما في مجتمع باتت اللحمة تُستهلك فيه بشكل عادي في الحياة اليومية، أولاً عبر الاستعمار وتالياً عبر ثقافة الوجبات السريعة.

وماذا لو كانت هويتك لا تتوافق مع أولئك الذين يسعون إلى فرض فهمهم الخاص للسلوك الأخلاقي؟ يشرح الناشط في الدفاع عن حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل والمتحولين (إل جي بي تي آي) جورج قزي أن القوانين ليست وحدها التي تضيّق، بشكل كامل أو كبير، على فسحة أفراد هذا المجتمع أو تعترض على شرعيتهم بل المجتمع كله هو الذي يفعل ذلك.

يمنح الدستور التونسي حقوق الدمج في المجتمع لذوي الحاجات الخاصة الجسدية والعقلية إلا أن الناشطة الرائدة منال برقاوي تشرح أن التطبيق ما زال بحاجة إلى خطوات كثيرة، كما تكشف نظرتها العميقة إلى وقائع حياة الصمّ وذوي الصعوبات السمعية.

في النهاية، تقدم المجلة الساخرة الأردنية "الحدود" صورة كاريكاتورية لأقلية المتفائلين في الشرق الأوسط في مقابلة خيالية مترافقة مع تعبير مرئي.

لقد أخذنا حرية إضافة صور إلى هذا العدد مع اقتباس إقليمي عن "الحقائق الملموسة" في مجلة "سودويتش" الألمانية وقد عرضتها كاتارينا شميدت كصور بيانية وهي تساهم بطريقة ما في تحويل التصورات العامة إلى رسوم بيانية تدفع إلى التفكير بدلاً من أن تكون علمية.

نأمل أن تستمتع "الغالبية" بينكم بهذا الموضوع المتعلق بـ"الأقلية".

الدكتورة بينت شيلر، بوكي باومن، الدكتورة هايكي لوشمان، الدكتورة بيتينا ماركس