المجتمع الدولي والثورة السورية

مع انقضاء أكثر من 15 شهراً على اندلاع الثورة السوريا ومع تزايد أعداد القتلى السوريين بشكل يومي من مدنيين وعسكريين (موالين ومعارضة)، لازال الكثيرون غير قادرين على الاتفاق على كيفية الاستجابة للأزمة في سوريا. فالمجتمع الدولي لازال عاجزاً عن وقف مسلسل القتل اليومي الذي يتعرض له السوريين، وذلك بسبب تعقيد الحالة السوريا متأخراً بذلك عن تحمل مسؤوليته الملحة بالمساهمة في حماية الشعب السوري. غير أنه من أجل فهم موقف المجتمع الدولي من الثورة السوريا لابد بدايةً من محاولة عرض سريع للاجراءات والعقوبات الدولية التي اتخذت ضد النظام السوري وفهمها في إطار التوازنات الاقليمية، من أجل الوصول إلى حقيقة الدوافع والاسباب التي أخرت المجتمع عن القيام بمسؤولياته تجاه الشعب السوري.

1- التدخلات الأقليمية في الثورة السورية:
إ
ن تمسك نظام الأسد بالبقاء في السلطة مهما كلف الثمن، وعجزه عن تحقيق ذلك بقدراته الذاتية، جعله يستدرج تدخلاً خارجياً لصالحه  تمثل بالمحور الروسي الصيني الايراني، في مقابل ذلك تشكل المحور الأوروبي والأميركي المكرس بتوافق مع تركيا وبعض الدول العربية، الذي يفتقر للتنظيم وتنسيق الجهود وفاعليتها مقارنةً بحلفاء النظام. وبالرغم من المحاولات المتكررة لتقديم النصائح والمبادرات التي قدمت من أطراف عربية وإقليمية ودولية لمساعدة النظام على تجاوز أزمته. إلا أنه كان جلياً أن النظام السوري  قضى على أي أمل بإبقاء الحل في الإطار الوطني. الأمر الذي حول سوريا الى ساحة صراع وتصفية حسابات اقليمية دولية الأمر الذي زاد من تعقيد المشهد السياسي السوري، بحيث لم يبق مجرد صراع بين نظام قمعي وشعب ثائر فقط بل اخذ ابعادا وامتدادات اقليمية ودولية خطيرة. وعليه أصبح جلياُ بالنسبة لغالبية السوريين بأن حسم المعركة على سوريا -والتي لازالت في معظمها تجري داخل سوريا- يتطلب توافق دولي واقليمي. حيث لم يعد دعم الثورة السورية في حالات كثيرة متعلق بدعم شعب يسعى لنيل حقوقه الأساسية، حيث أنها أصبحت ذريعة من أجل الصراع على النفوذ والتفوق في المنطقة. حيث ترى بعض الدول الغربية والعربية ما يحدث في سوريا على أنه فرصة  كي يتخلصوا من البؤر المؤثرة والمؤيدة لروسيا وإيران في العالم العربي. اي أنه كانت بمثابة إعلان حرب بالوكالة ضد إيران عدو السعودية الإقليمي. فيما دأبت روسيا والصين وبشكل فعّال على إحباط محاولة الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين والعرب من تمرير أي قرار في مجلس الأمن كمحاولة للتمسك بآخر موطئ قدم في الشرق الأوسط لموازنة الحضور العسكري الغربي في البحر الأبيض المتوسط. أما دعم إيران غير المحدود للنظام السوري الذي تجلى في تصريح خامنئي بأن بلاده ستدافع عن حليفها الإقليمي أياً تكن الاعتبارات، فيمكن فهمه في إطار ما قد يترتب على سقوط الأسد من فقدان إيران لأهم حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة.  وعليه يرى كثير من السوريين بان استمرار الثورة مرهون بالسوريين لكن سقوط الاسد مرهون بتوافق اقليمي دولي، وبالتالي عليهم ابقاء نار الثورة متقدة عبر التظاهر السلمي، الى أن يتم تحقيق هـــذا التوافق.

2- العقوبات العربية والدولية:
مع استمرار النظام السوري باستخدام القوة المفرطة ضد شعبه، وفي ظل عدم رغبة المجتمع الدولي بالتدخل العسكري في سوريا،  قامت الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و الجامعة العربية بتطبيق عقوبات واسعة النطاق شملت حظر السفر على افراد من عائلة الأسد ومسؤولين سوريين، تجميد حساباتهم المصرفية وممتلكاتهم في الخارج، حظر شراء النفط السوري، حظر تصدير السلع الفاخرة إضافة إلى البضائع و التكنولوجيا القابلة للإستخدام في القمع الداخلي و أخيراً العزل الدبلوماسي الجزئي.

ومن الجدير ذكره بأن هذه العقوبات المفروضة على النظام السوري لا تحظى بإجماع السوريين عموماً والمعارضة السورية خصوصاً. فالمشككون بضرورة العقوبات ومدى نجاحها يبررون ذلك بأنها تضر بالثورة فقط، فالنظام السوري يعرف كيف يؤمن نفسه، وذلك عبر شبكات التهريب المتشعبة والتي له فيها تجارب معروفة. كما أن العراق ولبنان صوتتا ضد فرض العقوبات العربية، فيما طالبت الأردن باستثنائها من تطبيق العقوبات ضد سوريا. وكذلك الأمر على المستوى الدولي فروسيا والصين وإيران(1) لا زالت تقدم الدعم المادي والعسكري والتقني للنظام السوري. فما يأمل أنصار العقوبات بأن تسهم في التضييق على النظام بحيث لا يتمكن من تمويل عمليات القمع، وأن تسهم كذلك في إقناع رجال الأعمال والتجار السوريين ليغيروا موقفهم ويوقفوا دعمهم للنظام.

وعلى الرغم من التعتيم الشديد على البيانات الاقتصادية الذي تفرضه السلطات السورية ثمة مؤشرات يمكن أن تعطي صورة عن حقيقة الأوضاع الصعبة التي تشير في وضوح إلى عمق الأزمة التي لا يمكن إنكارها، وأبرز هذه المؤشرات والأهم ربما يتعلق بتقديرات صندوق النقد انخفاض قيمة الليرة السورية بنحو 45 في المئة وذلك منذ بدء الأحداث(2)، كما وتم سحب أرقام كبيرة من الأرصدة المالية الخاصة الموضوعة في البنوك. كما أن أسعار البضائع شهدت ارتفاعا غير مسبوق.  وبهذا يتضح بأن سوريا قد بدأت بالفعل في مواجهة مشاكل اقتصادية صعبة. لكن لابد من التنويه إلى أن كثير من السوريين  يعتقدون بأن العقوبات الاقتصادية ليست سلاحا كافيا ليقدم النظام تنازلات مرضية أو ليسقط كليا، بل لابد من أن تترافق مع ضغوط دولية جادة تساعد للوصول إلى حل للازمة السورية .

3 - مسؤولية الحماية:
إن الازمة السورية الراهنة تقدم نموذجاً مثالياً للتدخّل الدولي تحت مبدأ مسؤولية الحماية(3). فقد قام النظام السوري بإهمال واجبه في حماية مواطنيه عبر الاعتداءات المتكررة على المدنيين العزّل. فمع بداية الاحتجاجات في شهر أذار 2011 قامت قوات الأمن السورية بقتل ما بلغ 12782شخص واعتقال 24319 شخص لغاية تاريخ 12/06/2012 وذلك بحسب مركز توثيق الانتهاكات على توثيق انتهاكات حقوق الانسان ( 4) center for documentation of violations in Syria) . إذ قامت القوات الحكومية السورية بمهاجمة المدنيين تكراراً مطلقة نار مدافعها على الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية و مستخدمة القناصة و الطائرات المروحية ضد المدنيين كما قامت بتعذيب المتظاهرين الجرحى في المشافي، وهذه الإرتكابات تعد جرائم ضد الإنسانية و ذلك حسب التعريف الوارد في النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية الموقعة في روما. و بذلك ووفقاً للقاعدة الثالثة(5) من مبدأ مسؤولية الحماية، فقد قام النظام السوري بإهمال واجبه في حماية المدنيين وبالتالي فإن مسؤولية حماية المدنيين السوريين تقع الان على عاتق المجتمع الدولي. غير أن المجتمع الدولي لازال متردداً في تحمل مسؤولياته وذلك ناجم عن عدة أسباب منها:

أولها: القلق من طابع السلطة المقبلة في سوريا: هذا يتضمن الخوف من عدم الاستقرار الذي يمكن يترافق مع ذلك داخلياً و/أو اقليمياُ ،و هيمنة الاسلامين على الحكومة كما كان الحال في الدول التي نجحت فيها ثورات الربيع العربي. ومن المفيد التنويه هنا إلى الدور السلبي الذي تلعبه الخلافات الداخلية ضمن المعارضة السورية والتي تمنعها من الاتفاق على خارطة طريق لشكل سوريا المستقبلي الذي من شأنه في حال التحقق أن يلعب دور ايجابي في طمأنة المجتمع الدولي من جهة والسوريين الصامتين من جهة ثانية، الذين لم يعلنو تأييدهم للثورة لأنهم يخشون مواجهة مستقبل غامض.

ثانيها: التجارب السابقة للتدخل العسكري في بلدان أخرى: إن استمرار عدم استقرار الوضع في ليبيا وعدم قدرة الدولة على فرض هيبتها وسحب السلاح،  يبرز النموذج الليبي كمثال مُنفِّر لتكرار أي شكل من أشكال التدخل العسكري المُباشر وخاصةً لشرائح واسعة من الأوروبيين. 

ثالثها:عدم القناعة بجدوى التدخل العسكري غير المباشر( 6): نتيجة عدم وجود هيكلية عسكرية متماسكة للمعارضة المسلحة والتخوف من أن ذلك يمكن أن يؤدي تسليح القوى الاسلامية المتطرفة حديثة النشأة في سوريا.

رابعها: عدم الرغبة بالقضاء على النظام السوري بالضربة القاضية: حيث أن اسقاط نظام الأسد بشكل تدريجي يعطي الدول الغربية والعربية الوقت الكافي لإعادة ترتيب اوراقها بما يضمن استمرار مصالحها في المنطقة.

خامسها: مصلحة إسرائيل ووزن قرارها في السياسة الأميركية: فالأولوية هنا هي ليست حماية شعب يقتل بشكل يومي بل التخوف من ما يمكن أن يترتب على أي تغيير في سوريا على أمن إسرائيل.

سادسها: الانشغال بالشؤون الداخلية: إن تأخر أمريكا في اتخاذ موقف قيادي لوقف العنف في سوريا نتيجة الانتخابات الرئاسية الامريكية، فأوباما يريد دخولا آمنا إلى مرحلة التجديد دون التباسات قد يجرها التصعيد على الصعيد السوري.

سابعها: أسباب اقتصادية: الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الاتحاد الأوربي وأمريكا و تأثيرها على قرار من سيتحمل تكلفة التدخل العسكري في سوريا.

ثامنها: أحادية التركيز على التدخل العسكري: إن تركيز بعض قوى المعارضة السورية والمجتمع الدولي على التدخل العسكري ، الغير قابل للتحقق في المرحلة الحالية، كشكل وحيد وحصري لحل الأزمة السورية، يمنعهم من البحث عن وسائل بديلة للمساعدة في حل الأزمة.

غير أن هذا لايبرر ابداً تقاعس المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته، لأنه من المعروف أن المجتمع الدولي قادر دائماً على تجاوز تحفظاته في حال شعر بوجود خطر حقيقي على أمنه و/أو مصالحه. ففي ليبيا قام المجتمع الدولي باتخاذ قرار بالتدخل العسكري بليبيا بسرعة تعتبر قياسية، وذلك بالرغم من اعتراض الصين وروسيا على القرار لكن يبدو أن المجتمع الدولي كان قادر على تمرير قراره في مجلس الأمن بدون أي فيتو لأنه كان هناك تهديد مباشر لمصالح بعض الدول وفرصة ممكنة لتحقيق مصالح لدول أخرى.


4 - الثورة السورية:
إن المجتمع الدولي غالباً ما يبرر عدم تدخله في سوريا بحجج من قبل عدم وجود معارضة موحدة، عدم وجود بديل سياسي جاهز لنظام الأسد، الفيتو الروسي الصيني وما إلى ذلك من مبررات لتأخره في عدم المشاركة بحماية الشعب السوري.  أي انه دائماً ما يحور النقاش حول الأزمة في سوريا ليغرق بالتفاصيل متناسياً جوهر هذه الثورة المتمثل في شعب يقتل بشكل يومي نتيجة مطالبته بحقوقه الأساسية في الحرية والعدالة والمساواة. هذا الجوهر يتم تجاهله من قبل الفاعلين الدوليين في معظم الأحيان لصالح مخاوف يستند معظمها إما إلى قياس الثورة السورية على غيرها من الحالات العربية السابقة كالحالة العراقية أو الليبية، أو على التوقعات بنشوب حرب أهلية، أو إلى تحليلات غامضة نابعة في معظمها من جهل لحقيقة ما يجري في سوريا. وإن ما يزيد من هذه المخاوف هو الميل المُتزايد في وسائل الإعلام الغربية والعربية إلى تصوير الثورة في سوريا على أنها طائفية وذات نزعة سلفية. غير أن هذه التعقيدات السياسية وسيناريوهات المُستقبل المُقلقة لم تكن في معظمها إلا نتائج لتزايد قمع النظام واستخدامه المفرط للقوة من جهة. وتردد المجتمع الدولي في دعم الثورة ومطالبها المشروعة من جهة ثانية. طبعاً هذا لاينفي المسؤولية عن المعارضة السورية التقليدية التي لم ترقى لمستوى متطلبات المرحلة في توحيد جهودها لقيادة المساعي الدولية الهادفة لمساعدة الشعب السوري في معركته. حيث أنها لم تستطع أن تقدم خطاب جاد، وخطة طريق لمرحلة ما بعد الأسد.

وعليه فإن استمرار النظام في استخدام العنف المفرط تجاه شعبه، وضعف المعارضة السياسية السورية وتأخر بنائها لنفسها، وشعور السوريين بالعزلة وبأنهم متروكون لمصيرهم بدون أي جهد عربي أو دولي حقيقي لوقف العنف( 7)، كل ذلك أدى بالفعل إلى تبني فئة من السوريين الخيار المسلح في مواجهة النظام في سبيل تحقيق هدفها بإسقاط النظام السياسي. غير أن السوريون لازالو يؤمنون بأن السلاح وحده لن يؤدي إلى إسقاط النظام وبالتالي فهم لازالو مستمرين بمظاهراتهم السلمية وبغيرها من الوسائل السلمية لإسقاط النظام.


أما فيما يتعلق بأسلمة الثورة وغلبة الطابع الاسلامي عليها فلابد من فهم هذا الموضوع في سياقه المرحلي، فلا يخفى على من يعرف سوريا بأن غالبية الشعب السوري هم من الاسلام السنة الذي يتسم تدينهم في غالبيته بأنه تدين شعبي عادي غير مسيس، يتسم بالاعتدال والانفتاح والروح الوطنية الحاضنة للتنوع الاثني والديني والمذهبي. حيث أن الوقائع العامة المعروفة عن التاريخ السوري تؤكد وجود طوائف في سوريا منذ مئات السنين، وإن هذا الوجود المستمر لم تغيره كل التطورات السياسية والاقتصادية والثقافية التي شهدتها سوريا. وعليه فليس للأسد الفضل كما يدعي بأنه حامي الاقليات حيث أن حامي الأقليات الحقيقي هو الشعب السوري.

أما التيار السلفي الجهادي فقد ظهر في سوريا بصورة عملية وبشكل علني بعيد الاحتلال الأميركي للعراق، ويعود السبب في ذلك بجزء كبير إلى احتضان النظام له وتوجيهه. فقد اخترقت الأجهزة الأمنية هذا التيار واستخدمت خلاياه كورقة ضغط أقليمية رابحة لمحاربة الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثم في مخيم نهر البارد في لبنان بعد الانسحاب السوري من لبنان. مما يعزز هذا القول أن أي منظمة سلفية جهادية، بما في ذلك منظمة القاعدة، لم تصدر أي بيان عن عمليات مفترضة ضد النظام السوري، ولا حددت موقفاً سياسياً منه، قبل التصريح الأخير لأيمن الظواهري (نيسان 2012) الذي أعلن فيه مساندته لثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد. فالخوف الحقيقي هنا هو ليس من انتشار التيار السلفي بعد نجاح الثورة- بالرغم من انتشار بعض المجموعات السلفية كالانصار والنور وغيرها من مجموعات جهادية مسلحة تدعي التواجد والعمل في سوريا - حيث انه من المرجح أن السلفية الجهادية ستضمر وصولاً إلى الاضمحلال بزوال النظام الذي كان يغذيها ويستخدمها، وبانتفاء الشروط التي ولدتها. لكنه يكمن بشكل أساسي فيما لو فشلت الثورة أو طالت لأمد غير محدد بدون وجود بوادر لوقف العنف. حيث أن الوقت هو عامل مساعد لتوغل هذه الجماعات وانتشارها، ومن هنا تأتي ضرورة الاسراع في حل الأزمة السورية لانقاذ سلمية الثورة، الأمر الذي سيأثر بدوره على مستقبل سوريا والمنطقة. ومن المفارقة بمكان أن تردد القوى الغربية من التدخل الفعال لحل الازمة في سوريا نتيجة خوفهم من انتشار السلفيين والجهاديين في سوريا، ساهم في خلق ظروف مثالية لانتشار القوى الجهادية في سوريا، حيث أن الجهاديين يتحركون لملء الفراغ الناجم عن عدم وجود تحرك دولي نحو وقف عنف النظام الوحشي المستمر في سوريا.

5- الخلاصة:
في الختام لابد من التركيز بأنه من المهم على كل من يتعاطى مع موضوع الثورة السورية أن يتذكر حقيقة ما يجري في سوريا من شعب يطالب بحقوقه الأساسية في الحرية والكرامة والمساواة ضد نظام قرر التمسك بالحكم مهما كلفه ذلك. شعب بحاجة إلى حماية من نظامه السياسي الذي تناسى مسؤولياته وانغمس بقمع شعبه بكافة الوسائل الوحشية. وعليه فمسؤولية المجتمع العربي والدولي تقضتي التدخل بشكل عاجل وفاعل لوقف العنف المفرط في سوريا تحت بند "مسؤولية الحماية" وتحت ضغط المسؤولية الانسانية والاخلاقية التي تفرضها عليه الاعراف الانسانية والدولية. كما أن للمجتمع العربي والدولي مصلحة ملحة في إيجاد حل للأزمة في سوريا، لأن ما يجري الآن في سوريا من استخدام مفرط للعنف من قبل النظام، وغياب أي أفق لحل سياسي، وشعور السوريين بأنهم بمفردهم في مواجهة آلة القتل الرسمية، يهيئ بيئة ملائمة لإنتشار العنف المضاد الذي لن يقتصر تأثيره على سوريا والسوريين فحسب وأقرب مثال على ذلك ما يجري في لبنان اليوم.

كما أنه من المفيد التأكيد هنا أيضاً إلى أن تأخر المجتمع العربي والدولي بتقديم دعم حقيقي للشعب السوري نابع من عدم رغبة القوى العربية والدولية الفاعلة بالتدخل العسكري (المباشر وغير المباشر) في سوريا من جهة، لكنه من جهة أخرى نابع من طرح المسألة حصرا في صورة تدخل عسكري غير مرغوب به، الأمر الذي يدفع بهذه القوى إلى عدم المساعدة بما هو أقل من ذلك، كتحويل الملف السوري لمحكمة الجنايات الدولية. وعليه سنحاول هنا ذكر بعض ما يمكن على القوى الفاعلة فعله لمساعدة الشعب السوري بوسائل غير التدخل العسكري في سوريا:

- الضغط على النظام وحلفائه للبدء بتطبيق فوري وحقيقي لخطة عنان.

-  من المعرف أن النظام السوري كان قادر على الصمود حتى الآن بسبب امتلاكه أوراق اقليمية، وعليه فالمجتمع الدولي يمكن أن يساعد في معالجة الأزمة السوريا عبر تفكيك العلاقات الاقليمية المرتبطة بالنظام السوري، وذلك من خلال الضغط على روسيا والصين وإيران لوقف تصدير أي معدات عسكرية أو مادية أو تقنية من شأنها أن تساعد النظام السوري في حربه ضد شعبه.


- الضغط على دول جوار سوريا (العراق و لبنان والأردن) للانضمام للدول الموقعة للعقوبات الأمر الذي سيزيد من فعالية العقوبات ويقلل من عمر النظام السوري.


- العمل على التعاون مع الفاعلين العرب والدوليين للتحريض على مقاطعة سياسية كاملة للنظام.


- العمل على زيادة عدد المراقبين الدوليين، إضافة إلى نشر قوى حفظ سلام دولية بما يضمن ايقاف العنف وضمان ممارسة السوريين لحقهم في التظاهر السلمي واستخدام الوسائل السلمية لإسقاط النظام(8).

- الضغط على المعارضة السورية وعلى القوى الاقليمية المحركة لها، لتوحيد الجهود وتقديم تصور واضح لمرحلة ما بعد الأسد، بما يضمن تقديم خطة تقوم إجراءات عملية تساعد على ضمان انتقال سوريا إلى بلد ديمقراطي مدني بما يضمن حقوق وحرية جميع مواطنيه. الأمر الذي سيقدم تطمينات للمشككين بأهداف الثورة، وللمتخوفيين من مرحلة ما بعد الأسد.


- مساعدة السوريين بكافة الوسائل المشروعة المتاحة التي تساعدهم على اسقاط النظام بوسائلهم.


- تقديم دعم للاجئين السوريين في الخارج بما يضمن حياة كريمة تلبي حاجاتهم الأساسية، وتفعيل مبدأ عدم الإعادة القسرية لما يمكن أن يترتب على ذلك من خطر على حياتهم.


- المساعدة على ايجاد جسم عسكري للمعارضة يحد من نفوذ القوى المتطرفة التي تجد في سوريا اليوم بيئة مناسبة للانتشار. وعليه فالاعتراف بالجيش السوري الحر والعمل على تنظيمه سياسيا وفكريا وتحديد آليات عمله في الدفاع عن النفس وحماية المدنيين -وهو الهدف الاساسي الذي تشكل من اجله الجيش السوري الحر- من المرجح أن يجعل منه سداً في وجه صعود الجماعات السلفية المقاتلة ويحد من انتشارها.


- إنشاء لجان "حقيقة ومصالحة" سورية، عربية، ودولية للعمل على الملف السوري بهدف جمع الأدلة لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. الأمر الذي سيشعر القاتل بأنه سيتحمل نتائج أفعاله التي ارتكبها، فلا شيء يمكن أن يوقف القاتل غير شعوره بأنه سيأتي اليوم الذي سيحاسب فيه عما أرتكبه.

-  أن تقوم الدول الموقعة للعقوبات بتقديم تصور لخطة تساعد على رفع سريع للعقوبات ولإعادة إحياء شامل للاقتصاد السوري في حقبة ما بعد الأسد، الأمر الذي من شأنه أن يقدم تطمينات للتجار السوريين الداعمين للنظام بأن الاقتصاد السوري غير آيل للانهيار كما حل بالاقتصادين العراقي أو اللبناني، وان مصلحتهم تقتضي بالتخلي عن الأسد لإعادة انعاش الاقتصاد.
------------------------------------------------------------------
هوامش:
1-  "فاينانشال تايمز: إيران تساعد سوريا على تحدي حظر النفط"،  موقع BBC Arabic الالكتروني ، 18/05/2012
2-ابراهيم سيف، "الاقتصاد السوري على حافة الهاوية"، 22/05/2012.  Carnegie Endowment for International Peace
3- هو مبدأ أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ٢٠٠٥ على خلفيات أحداث يوغوسلافيا السابقة ورواندا والكونغو والصومال وكوسوفو وغيرها. ولا يعترف المبدأ بحق السيادة .منفصلاً، وإنما يربط هذا الحق بمسؤولية الدولة عن حماية السكان.  
4-   http://www.vdc-sy.org
5-إذا فشلت الدولة بشكل واضح في حماية شعبها فيتحمل المجتمع الدولي مسؤولية الرد بشكل فوري و حاسم مستخدماً الفصل السادس و السابع و الثامن من ميثاق الأمم المتحدة عبرمجموعة من الاجراءات السلمية أو العسكرية، و هذه الإجراءات قد تتضمن العقوبات، الإحالة إللى محكمة الجنايات الدولية أو استخدام القوة.
6-كتقديم دعم عسكري وتقني للمعارضة المسلحة. 
7- ينطوي الهتاف الشهير"يا ألله، ما إلنا غيرك يا ألله" الذي ظهر في صيف 2011، بعد شهور من انطلاق الثورة على شعور كبير وتنامي لدى السوريين بالعزلة وفقدان السند.
8- كالقدرة على ممارسة الإضراب بدون أن تقوم قوى الأمن والشبيحة بكسر الأقفال ونهب المحلات.

Image removed.

نبذة شخصية


حايد حايد يعمل حاليًا بصفة مدير برامج في مؤسسة هينرش بُل - مكتب الشرق الأوسط، وعمل سابقًا كبير مسوؤلي شؤون الرعاية/الحماية في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة - مكتب دمشق. حائز على بكالوريوس في علم الاجتماع وماجستير في التنمية الاجتماعية.