انعكاسات امتداد أزمة اللاجئين السوريين في لبنان على البيئة الحاضنة

لعل اختلاف بعض المشاكل التي يعاني منها اللاجئون السوريون في لبنان عن تلك التي يعاني منها أمثالهم الذين لجأوا إلى دول أخرى، يعود في قسم كبير منه إلى اختلاف سياسات حكومات هذه الدول بالتعامل مع اللاجئين السوريين. ففيما أقامت كل من تركيا والأردن مخيمات للسوريين الهاربين من العنف في سوريا، وتعاملت معهم كلاجئين من اليوم الأول (وإن اختلفت التسميات بين ضيف وأخ ونازح وغيرها)، اتخذت الحكومة اللبنانية سياسة النأي بالنفس، نتيجة التعقيدات السياسية اللبنانية، فهي لم تتعامل معهم كلاجئين، لما لذلك من دلالات سياسية، الأمر الذي أضعف دور المؤسسات الحكومية والأهلية في مساعدة اللاجئين السوريين والفلسطينيين القادمين من سوريا وتوفير حاجاتهم. كما أثر أيضاً على عمل المنظمات الدولية وخاصة المفوضية السامية لشؤون للاجئين التي لم تتمكن من الحصول على تصريح عمل مع اللاجئين السوريين حتى مرحلة متأخرة مقارنةً بدول الجوار الأخرى. وعليه سيقتصر هذا المقال على البحث في انطباعات اللبنانيين عن الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت على وجود اللاجئين القادمين من سوريا على لبنان وانطباعات اللاجئبن السوريين عن وجودهم في لبنان.

دعم النزوح: بين التأييد والمعارضة

انقسم الشارع السياسي اللبناني مع بداية الثورة السورية ما بين مؤيد ومعارض لها، ففيما وقفت قوى ٨ آذار وخاصة حزب الله والتيار الوطني الحر إلى جانب النظام السوري، ناصرت قوى ١٤ آذار وعلى رأسها تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي المعارضة السورية. ومع تطور الأحداث في سوريا من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة، تطور الدعم الذي تقوم به بعض الأطراف اللبنانية من دعم سياسي إلى دعم عسكري وإن تفاوتت نسب هذا الدعم. حيث كان هناك تمويل مادي وعسكري ومشاركة غير منظمة لأفراد ومجموعات لبنانية إلى جانب المعارضة السورية من جهة، فيما أعلن حزب الله عن خوضه الحرب إلى جانب النظام السوري عن طريق إرسال مقاتليه المدربين للقتال في سوريا من جهة أخرى. الأمر الذي أدى إلى تفاقم الانقسام السياسي في لبنان، وتحوّله إلى صراع مسلح في بعض المناطق اللبنانية كطرابلس، التي تعاني أصلاً من توتر طائفي. الأمر الذي تجلى في اشتباكات متفرقة بين الجماعات الإسلامية في باب التبانة المعارضة للنظام السوري، والمجموعات المؤيدة له في جبل محسن والممثلين بالحزب العربي الديمقراطي. وعليه فقد أصبحت ظاهرة التحشيد السياسي على أساس طائفي واضحة في المواقف العلنية التي برزت في تصريحات الأمين العام لحزب الله والشيخ الأسير، على سبيل المثال لا الحصر. وقد وصلت الأمور في أحيان كثيرة إلى حافة الانفجار، وخاصة بعد اعتقال ميشيل سماحة على خلفية تورطه في محاولات اغتيال مدبرة لشخصيات لبنانية بتدبير النظام السوري وتمويله. وقضية اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي على خلفية دوره في كشف دور النظام السوري في الأحداث الأمنية اللبنانية. وتفجيرات الضاحية الجنوبية التي تبنتها قوى سورية مسلحة غير معروفة شكك البعض بوجودها.

وعليه، فقد أثرت الطائفية السياسية في لبنان المترافقة مع الانقسام تجاه الأزمة السورية على مجمل الوضع اللبناني عموماً وعلى قضية احتضان اللاجئين السوريين خصوصاً. حيث ظهرت أصوات سياسية تطالب الحكومة بإغلاق الحدود في وجه اللاجئين السوريين، وكان من أبرزها تصريح الوزير اللبناني جبران باسيل، ولكن بالمقابل كانت هناك أصوات من البرلمان اللبناني ممثلة بالنائب وائل أبو فاعور نادت بتقديم المساعدة والعون والرعاية اللازمة لإغاثة القادمين من سوريا، مبررين ذلك بأن التخوف الناتج من بقاء السوريين في لبنان، كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين من قبل، لا يمثل الحالة السورية "إن الفلسطينيين تعرضوا لحرب من عدو إسرائيلي أجبرهم على مغادرة أراضيهم وإيجاد بديل، أما في سوريا فهناك أزمة وسيعود اللاجئون الى بيوتهم عند انتهاء الأزمة" .

الشعب ليس النظام

أدى كل ما ذُكر أعلاه إلى انتقال الانقسام السياسي والعسكري حيال أزمة اللاجئين السوريين إلى المستوى الاجتماعي، فلبنان الذي عانى من ويلات الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن الماضي، لم يخرج من قوقعة الطائفية حتى الآن، وبسبب الطائفية السياسية فإن الطائفية الاجتماعية تبعت الموقف السياسي، فنتج من ذلك انقسام مناطقي متعلق بماهية الصبغة السياسية التي تمثل المنطقة، والتي حددت مواقف الأفراد فيها تجاه الأزمة السورية. ففي حين أن جزءاً كبيراً من الشارع اللبناني أظهر ترحيباً باللاجئين السوريين وقدم لهم يد العون بجميع الأشكال المتاحة، فمنهم من تقاسم بيته مع عائلة سورية ومنهم من تقاسم لقمة عيشه ومنهم من تبرع بأمتار من أرضه ليقيم عليها بعض العائلات السورية دون مقابل. غير أن هذا الترحيب ترافق مع بعض الأعمال والمواقف العنصرية من قبل قسم آخر من اللبنانيين، تجلت لفظياً أحياناً، فيما وصلت إلى فرض حظر تجوال مسائي على اللاجئين السوريين في بعض المناطق. كما تم تسجيل بعض حالات الاعتداء الجسدي على اللاجئين السوريين، كما حصل عندما اختطفت مجموعة مسلحة ١٢ لبنانياً في ريف حلب [1]، ما أثار غضباً في الشارع اللبناني وخاصة في المناطق اللبنانية المؤيدة للنظام السوري، إذ بدأوا يهاجمون اللاجئين السوريين في الشوارع ويعتدون عليهم بالضرب. غير أن العديد من العوامل ساهمت إلى حدٍ ما بامتصاص الغضب الشعبي تجاه اللاجئين السوريين كالعوامل الإنسانية (الواجب الإنساني الإغاثي) والاجتماعية (علاقات القرابة والصداقة بين الشعبين السوري واللبناني) والاقتصادية (منافع تجارية ومكاسب مادية من النازحين) ومنها السياسية (كدعم الثورة). ومن المهم هنا تسليط الضوء على الدور الإيجابي الذي لعبته الحملات التي أطلقها شبان وشابات لبنانيون لتعزيز الدور اللبناني في مساعدة اللاجئين السوريين والوقوف إلى جانبهم في هذه المحنة. حيث قام بعض الناشطين اللبنانيين بتعليق لافتات للترحيب بالسوريين [2] كرد على التصريحات العنصرية لبعض السياسيين كتصريحات جبران باسيل، وزير الكهرباء ومسؤول العلاقات السياسية في التيار الوطني الحر. كما قام شبان لبنانيون آخرون بالرد على الخطاب العنصري تجاه اللاجئين السوريين بالقول "نحن لسنا إلا قلّة من مجموعة أكبر تقف ضد ما يبث ويحرّض عليه في وسائل الإعلام من عنصرية وجنون ولا إنسانية، ونعتذر عن كل تلك الإساءات تجاه اللاجئين السوريين، هؤلاء لا يمثلون اللبنانيين كلهم. [3] "

عبء لا تتحمله الدولة

أظهرت دراسة للورد فيجن [4] أن أكثر المخاوف التي تهدد الهدوء المؤقت الذي يسود المناطق اللبنانية هي مخاوف مرتبطة بالعوامل الاقتصادية، حيث عبّر بعض اللبنانيين عن ذلك بانتقادهم غلاء الأسعار ومنافسة السوريين لهم على فرص العمل. حيث إن المتأثر الأكبر هنا هو الفئة اللبنانية الفقيرة والمحرومة، وهذا ما دفع بعض المناطق في الشمال (كعكار) والتي تعد من أكبر المناطق التي تستقبل اللاجئين، إلى التظاهر، منوّهين بالخطر الاقتصادي الذي يحوم حولهم، نتيجة الفقر الشديد الذي تعاني منه المنطقة.

أثر ازدياد عدد اللاجئين السوريين في لبنان، وخصوصاً الفئة العاملة الماهرة من حملة الشهادات الجامعية، سلباً على المواطن اللبناني الذي يعاني أساساً من قلة فرص العمل. وبالرغم من اعتياد لبنان على استقبال الأيدي العاملة السورية التي تشكل نسبة كبيرة من القوة العاملة غير الماهرة، غير أن هذه هي المرة الأولى التي يضطر فيها اللبناني إلى التنافس مع السوري كثيراً في مجال العمالة الماهرة، فمعظم اللبنانيين لا يفضلون العمل في مجال العمل اليدوي، لذلك لم يشكل وجود العمالة السورية غير الماهرة مشكلة للبنانيين سابقاً. فمع وجود أزمة فرص عمل في لبنان، وتدفق عمالة ماهرة رخيصة الأجر من سوريا، وعدم قيام الدولة اللبنانية بسن قوانين تمنع استغلال حاجة اللاجئين من جهة وتحمي المواطن اللبناني العامل في المجال الخاص من جهة ثانية، كل هذا أدى إلى نقمة لدى اللبنانيين تجاه السوريين نتيجة تفضيل أرباب العمل اللبنانيين توظيف سوريين بدل اللبنانيين نتيجة تدني الأجور التي يتقاضونها والقبول بالعمل لساعات أطول، وقبولهم بالعمل بدون ضمان اجتماعي وصحي. كما أن انتشار الأعمال التجارية الصغيرة التي أنشأها السوريون والتي أثرت سلباً على الأعمال المشابهة التي يقوم بها اللبنانيون، وغلاء الأسعار، وارتفاع تكاليف الحياة اليومية، كل هذا ساهم في خلق حالة من الكره تجاه السوريين لدى معظم اللبنانيين المتضررين.

فقد قدر البنك الدولي خسارة ميزانية الدولة اللبنانية بين العام 2011 و2014 بقيمة 705 مليارات دولار بسبب وجود خسائر عالية في الرواتب والضرائب والاستهلاك الفردي والاستثمار، حيث يدفع هذا الوضع 170000 لبناني إلى ما تحت خط الفقر (عدا المليون لبناني الموجود مسبقاً تحت خط الفقر)، لا سيما نتيجة الطلب على القطاع الصحي والتعليمي وغيرها من القطاعات والبنى التحتية، حيث أشار التقرير إلى تداعيات واضحة لتدفق اللاجئين السوريين على شبكة الكهرباء وحركة المرور والتنافس على الوظائف [5].

غير أن هناك اقتصاديين لبنانيين لا يتفقون مع هذا الرأي، حيث أفاد بعض الباحثين اللبنانيين في مقال في جريدة رويترز [6] أن وجود اللاجئين كان سبباً لتحريك الاقتصاد، وذلك على الرغم من الآثار المترتبة على وجودهم والتي تزيد الضغط على الدولة. وقد عبّر الدكتور جاد شعبان، بروفسور الاقتصاد في الجامعة الأميركية في لبنان، عن أن ما ذُكر من تداعيات سلبية للاقتصاد اللبنانية يحمل الكثير من المبالغة من حيث التضرر ولا يأخذ بعين الاعتبار فؤائد أخرى للاقتصاد اللبناني كزيادة الاستهلاك في المناطق الريفية وإعادة إحيائها. حيث، بحسب دراسة الورد فيجن، فقد أجاب أغلب اللبنانيين الذين شملتهم الدراسة بأن المناطق التي تحتوي اللاجئين أصبحت تحصل على المساعدات أيضاً، فكان بعض قاطنيها من المستفيدين، بالإضافة الى المتاجر الصغيرة والمستفيدة من التزايد السكاني ووجود المنظمات الإغاثية.

مخاوف متزايدة

إن استمرار توافد اللاجئين السوريين وتمركزهم بنسب عالية في عدد من المناطق اللبنانية، في ظل غياب سياسة فعالة لمواجهة احتياجاتهم والتخفيف من أعباء وجودهم على المجتمع المحلي اللبناني، يساهم في انتشار العديد من المشاكل الديموغرافية في بعض المناطق ذات الوجود السوري بنسب كبيرة، وخاصة في البقاع وعكار، حيث أصبحت بعض المناطق تعاني من ازدياد تعداد السكان فيها بنسبة 100%. كما أن موضوع الأمان أصبح يشكل هاجساً كبيراً نتيجة التضخم الديموغرافي ونتيجة تصريحات بعض المسؤولين اللبنانيين التي تبرر ارتفاع نسبة الجريمة تزايد أعداد اللاجئين السوريين، فبحسب جريدة الحياة التي نقلت عن مصدر أمني فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ "كلّ المناطق باتت مرتعاً للجرائم بسبب الحاجة المادية التي تدفع إلى السرقة، وبسبب الاكتظاظ السكّاني الذي زادت حدّته مع وجود أكثر من 700 ألف لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية"[7]. وبالرغم من أنه لا يمكن هنا البت في مدى الصلة الوثيقة بين وجود اللاجئين السوريين وارتفاع نسبة الجريمة في لبنان، إلا أنه من المعروف أن إطلاق الاتهامات على اللاجئين واستخدامهم ككبش فداء يمكن أن يخلق نقمة مجتمعية ويشجع الأعمال العنصرية تجاههم. ويبقى السؤال ما إذا كانت هذه المخاوف مبررة، حيث أفادت جريدة الأخبار في مقال لها [8] أن بين شهر آذار 2011 وآذار 2013 ورداً على ما تم ترويجه بما يتعلق بازدياد السرقات في لبنان نتيجة الوجود السوري، حيث أوضحت الدراسة أن 12 سورياً تعرضوا للقتل، وأن 496 سورياً تعرضوا للسرقة، وأن 86 تعرّضوا للنشل، وأن 117 تعرّضوا لأضرار جسدية. فهل تظهر هذه الأرقام في الإعلام اللبناني؟ لا سيما أن ٥٠٤٢ من السوريين الذين اعتُقلوا على خلفية الاشتباه بارتكابهم جرائم مماثلة لم يُدانوا بالجرائم والانتهاكات التي اشتُبه بارتكابهم لها. كما أن نسبة المدانين من السوريين يشكلون قلّة قليلة مقارنة بأعداد السوريين في لبنان والتي تفوق المليون حتى الساعة.

السوريون: بين الامتنان والخوف

تختلف انطباعات السوريين في لبنان عن المجتمع الحاضن بحسب اختلاف تجاربهم، ففيما يرى عمّار (٢٧ عاماً، بيروت، يعمل في شركة) "أن الحديث عن البيئة اللبنانية الحاضنة للاجئين السوريين يجب أن يكون مناطقياً ولا تستطيع التعميم حيث يتوزع اللاجئون في لبنان بحسب مواقفهم السياسية في سوريا، فالمؤيدون لجأوا الى المناطق التي تسيطر عليها الأحزاب المؤيدة للنظام والمعارضون لجأوا إلى مناطق تسيطر عليها أحزاب معارضة للنظام وهكذا". وأضاف عمّار "الغريب أنّ في بعض المناطق لا تتجرأ بالحديث حتى لا تظهر سوريتك وتتعرض لاضطهاد وعنصرية المكان، ولكن في مناطق أخرى لا يحلو لك إلا الصراخ ليعرف الجميع أنك من سوريا". وبعد الحديث عن تعامل المؤسسات الرسمية معه قال: "أنا أفتقد جواز سفر وأوراقاً ثبوتية ولكنّ هناك تجاهلاً لحالتي ومثيلاتها من الحالات من قبل الأمن اللبناني، إلّا من كان يملك في سجله الأمني أي ملاحظة أو مذكرة".

أما حيدر، طفل سوري يبيع الورد في شارع الحمرا في بيروت، فله رأي آخر "أحب اللبنانيين كثيراً فهم يشترون مني الورود ويرسلونني لأشتري الدخان لهم ويعطونني المال بالمقابل... لكنني أحلم بالعودة لبيتي وأصدقائي ومدرستي في درعا، حتماً سأعود عندما نستطيع". أما منال، لاجئة سورية في البقاع ومستفيدة من المساعدات الإنسانية والمعونات، فقد عبّرت عن تعامل اللبنانيين معها بالشكل التالي "علينا أن نعاملهم بالمثل، فهناك من اللبنانيين من ساعدنا وعلينا مساعدته، وهناك من عاملنا بالسوء وعلينا أن نرد له معاملته".

فيما تقول تهاني، لاجئة سورية في البقاع تعمل في مشغل لقاء أجر زهيد، "لم يساعدنا أحد ولم يعاملونا بلباقة ولطافة... في شجار بين الأطفال في الشارع يقولون لنا خذوا أطفالكم وعودوا الى أراضيكم... لو لم يكن بيتي في سوريا قد تهدم لما بقيت وما خرجت من منزلي فالقصف أهون من الذل". فيما يعبّر سعيد، لاجئ سوري في منطقة عكار وهو مصاب ولا يقدر على العمل، عن الموضوع بالطريقة عينها: "أشعر بالغربة وما شعرت بالانتماء لهذا المكان أبداً".

في حين أن الشباب الذين قدموا من سورية مع مهارات أو أموال أغنتهم عن مساعدة اللبنانيين، فتجربتهم مختلفة بعض الشيء، فيقول شادي، 26 عاماً قدم في بداية الأحداث في سوريا ويسكن في الأشرفية، "لا يخلو لبنان من العنصرية حتى في تأييده لوجود اللاجئين، حيث إنهم عندما أقاموا حملة مناهضة للعنصرية كتبوا على لافتاتهم (أهلاً وسهلاً باللاجئين والعمال السوريين) وكأنهم لا يرون السوريين إلا كعمال ولاجئين، لقد كان غريباً عليهم وجود الطبقة السورية المثقفة والغنية، فهم لم يعتادوا على السوري في لبنان إلا كعامل أو عسكري، وفي الخطابات السياسية العنصرية التي ظهرت ضد السوريين نرى أن المؤيدين للنظام السوري والمعارضين لا يعنيهم ما يحدث باللاجئين السوريين في لبنان، وكلهم ينادون برحيلهم وأن دعمهم للثورة السورية لم يكن دعماً للحراك الثوري بل كان حقداً على نظام قديم ذاقوا الويلات منه حتى وصلوا الى الحد الذي يجعلهم يدعمون أي شيء يسقطه، أما بالنسبة للاجئين السوريين، فبرغم هذا كله هناك العديد من أصدقائي اللبنانيين الذين يقومون بتجميع الأغراض والألبسة والأموال ليرسلوها للمحتاجين، أرى تعاطفاً جيداً من الشعب اللبناني مع الحالة السورية".

اللبنانيون: بين قبول ظاهرة اللجوء ورفضها

كما أن مواقف اللبنانيين وانطباعاتهم تجاه السوريين تختلف باختلاف انتمائاتهم وتجاربهم، فمحمد، عامل في مقهى في شارع الحمرا، يرى أن "هناك أشياء إيجابية من وجود اللاجئين السوريين وهناك أشياء سلبية، من الأشياء الإيجابية أنهم ساهموا بازدهار الاقتصاد اللبناني، فأرى ذلك من خلال وجود زبائن سوريين، ومن الأشياء السلبية وجود أطفالهم في الشوارع يقلق المنطقة ويثير الفوضى وهم يزدادون باستمرار، من منظفي الأحذية وبائعي الورد، لا يثيرون قلقي شخصياً ولكني أخشى عليهم من ردة فعل الشارع فنحن عنصريون بطبيعتنا". كما أضافت زميلته في العمل روان: "عند قيام الحرب في لبنان توجهنا الى سوريا بحثاً عن الأمان وواجبنا أن نقف معهم في محنتهم. أهلاً وسهلاً بهم". فيما يرى رامي، سائق سيارة أجرة، أن وجود السوريين في لبنان يرهق البلد ويثقلها بأحمال وأعباء ليس لها قدرة عليها، فنحن اللبنانيين "غالباً ما ينقصنا الكثير بسبب تقصير الحكومة فلا يتوقع السوريون أن ينالوا شيئاً من الراحة ولكني أظن أن العديد من المؤسسات تساعدهم، حتى أنه أصبح منهم من يعيش أفضل منا".

أما جوانا، تقطن في جبيل، أم لطفلين ولا تعمل، فقالت: "لا أشجع عملية اللجوء الى لبنان، فلبنان لا تنقصه أعباء جديدة. إن وجودهم يقلق راحتنا فلا نستطيع الجلوس لتناول القهوة في أي مكان أو الوقوف عند إشارت السير إلا ويتوافد علينا عشرات الأطفال خلال خمس دقائق، وقد خففت قدومي إلى مناطق معينة، خاصةً في بيروت أو طرابلس، لأنهم يأسرون حريتنا في بلادنا ولا ينقصنا سوى أن نتعلم لهجتهم وتصبح لهجة رسمية في لبنان، وخصوصاً بعد تغلغلهم في سوق العمل اللبناني في كل الاختصاصات. على الدولة أن تجد حلاً لوجودهم أو فليعودوا إلى بلدهم فهناك العديد من المناطق الآمنة".

وفي لقاء مع ناشطة مجتمع مدني تبلغ من العمر 27 قالت: "إنني ناشطة اجتماعية وحالياً متطوعة في إحدى الجمعيات المختصة في خدمة اللاجئين السوريين في لبنان، يحترق قلبي كلما رأيت طفلاً من الأطفال السوريين في شوارع بيروت يتسول أو يبيع الورد أو ينام على الأرصفة. هناك عائلات كاملة تنام على الطرق ولا راعي لهم، أطلقنا وأصدقائي هذا الشهر حملة الملابس الشتوية وأدوات التدفئة ولا أستغرب موقف الدولة فهم غير قادرين على إعانة أنفسهم". ولكن في المقابل هناك دائماً من ينظر إلى مصالحه ولا يعنيه إلا ما يتأثر به شخصياً، فقد علق عبد الله وهو صاحب عقارات في منطقة مار مخايل وجعيتاوي قائلاً: "لا أعطي بيوتي إلا للسوريين فهم يدفعون ما أطلب ولا يناقشون في الأسعار إلا نادراً، فهناك أغنياء قدموا إلى لبنان لا يترددون في الدفع. لقد زادت أموالي بقدوم السوريين". ويتابع صديقه صاحب سوبر ماركت الحديث مبتسماً ويقول: "أنا أيضاً ازدادت نسبة مبيعاتي 100%، السوريون يحركون سوق العمل كثيراً ووجودهم في لبنان مفيد لنا".

خاتمة

إن العديد من العوامل التي تناولها المقال من عبء مادي فرض على الحكومة اللبنانية جراء وجود اللاجئين على أراضيها، الى تاريخ مشترك بين الشعوب والأنظمة، وتفشي الطائفية والعنصرية كأمراض لازمت الشعب اللبناني منذ عقود، الى غياب فعلي للدول المانحة والهيئات الإغاثية العالمية، ولا سيما في بلد كلبنان يحوي العدد الأكبر من اللاجئين وهو غير قادر أصلاً على تحسين الوضع المعيشي لأبنائه. جميع هذه العوامل لها دورها في تفسير - لا تبرير - المشهد المعقد للبيئة الحاضنة للجوء السوري في لبنان. فعلى الرغم من وجود ردات فعل سلبية مهيمنة من قبل شريحة من اللبنانيين، وعلى الرغم من أن العديد من الدراسات والمقالات الصحافية لا تزال تسلط الضوء على السلبيات، وعلى الرغم من تركيز وسائل الإعلام على جانب واحد من الحقائق تبعاً لمصالح واستراتيجيات سياسية، وانتماءات وعقائد مذهبية، فمن المهم أن نفهم أن الواقع ديناميكي ومليء بالمتغيرات والمؤثرات. لا ينبغي التعميم فهناك الكثير من العوامل المتشابكة التي تجعل الحديث عن المجتمع المضيف في لبنان معقدة. ومع امتداد هذه الكارثة الإنسانية والمخاوف المتزايدة عند اللبنانيين والبوادر السلبية المتفاقمة في المناطق الأكثر اكتظاظاً باللاجئين، فإن الأمل الوحيد والحل الأمثل لهذه الأزمة هو فتح بوابات الدعم للحكومة اللبنانية ووضع خطة من شأنها رفع سوية حياة اللاجئين في لبنان الى الحد الأدنى من حياة الإنسان في كنف بيئة حاضنة مواردها تكاد لا تكفيها

--------

هوامش

1-http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=678526&issueno=1223…

2- http://www.antiracismmovement.com/2013/07/syrian-refugees-in-lebanon.ht…

3- http://www.youtube.com/watch?v=qDwaw9-_YNM

4-www.worldvision.org.uk

5-http://www.annahar.com/article/68626-النهار-تنشر-تقرير-البنك-الدولي-إلى…

6-http://www.reuters.com/article/2013/04/17/us-crisis-lebanon-refugees-id…

7-http://alhayat.com/home/Print/550758?PrintPictures=0

8- http://english.al-akhbar.com/node/15618