"بوابة الدوحة المناخيّة": هل يلجّ الجمل في سم الخياط؟

 علمًا أنّ التوقعات لمؤتمر التغيّر المناخي في الدوحة كانت منخفضة للغاية، كان من المدهش أنّ النتائج الضئيلة التي تمّ التوصّل إليها لم تتمكّن حتّى من تحقيقها. وأدانت العديد من المنظمات غير الحكوميّة المؤتمر واعتبرته فاشلاً، بينما نظر إليه الإتحاد الأوروبي وألمانيا كخطوة مهمّة في الاتجاه الصحيح. وهنّأ بان كي مون الحكومة القطريّة على دورها الناجح كمضيفة المؤتمر بينما فصلت الولايات المتحدة نفسها عن فقرات مهمّة من الاتفاق واحتجّت روسيا أنّه تمّ تجاهلها في التصويت النهائي. هل يبدو كلّ ذلك مألوفًا؟ كوبنهاغن، كانكون، ديربان؟ يبدو أنّ لمحادثات الأمم المتحدة حول المناخ محورًا متكررًا: تمّ إنقاذ العمليّة ولكن للأسف لم يتمّ إنقاذ المناخ. هل ساهمت الدوحة في تقدّمنا ولو خطوة صغيرة نحو الأمام في مجال السياسات الدوليّة حول المناخ؟

تمّ اختتام الصفقة نهار السبت الواقع فيه 8 كانون الأوّل/ديسمبر 2012 في الساعة 7 بعد الظهر، أي في اليوم التالي للنهار المتّفق عليه. وتتضمّن الصفقة ظاهريًا ما كان يُسعى إليه تقريبًا: يمكن لمرحلة الاتزام الثانية من بروتوكول كيوتو أن تبدأ في التاريخ المقرّر وهو 1 كانون الثاني/يناير 2013. بالإضافة إلى ذلك، وصل مسار تفاوض خطّة عمل بالي إلى نهايته وسيستمرّ الجميع في التفاوض تحت راية المسار الجديد لمنهاج ديربان للعمل المعزّز من أجل إقرار اتفاقًا عالميًا مع حلول العام 2015 بشكلٍ يدخل فيه هذا الاتفاق طور التنفيذ في العام 2020. وتمثّل هذه المساعي بالنسبة لرئيس المؤتمر المناخي، وزير النفط القطري السابق عبدالله ابن حمد العطيّة، قطع بناء "بوابة الدوحة المناخيّة". وفي الواقع إنّ هذا المفهوم مناسب جدًا إذا ما تخايلنا أنّ البوابة هي سمّ الخياط الذي يحاول الجميع أن يلجّ فيه اسبوعين من المفاوضات- بينما تتمزّق العديد من المسائل المهمّة هنا وهناك وتقع إلى الجانب. وإلى أين تقود هذه البوابة؟ هذا سؤال منطقيّ ولكن يبقى إلى حدٍ كبير من دون أيّ جواب.

ولم يكن الجميع واضحًا فعلاً، حتّى في وقتٍ متأخّر من نهار السبت ذلك، حول مضامين الصفقة التي كان عليهم إمّا أن يقبلوها أو أن يرفضوها. وقاد رئيس المؤتمر عمليّة التصويت في خلال دقائق وحسب. وعلى كلّ حال، لم يكن المشاركون ليتحمّلوا أكثر من بضع الدقائق هذه في مركز قطر الوطني للمؤتمرات- فكان العديد من الوزراء على استعدادٍ للرحيل بينما بدأ الطعام ينفذ ببطئ من المطاعم ودلّت المتطلّبات الإجرائيّة إلى نفاذ وقت المتفاوضين.

وتمّ اتخاذ هذه القرارات بالتحديد:

حول بروتوكول كيوتو: تشمل مرحلة الالتزام الثانية، التي ستبدأ في 1 كانون الثاني/يناير 2013 وتمتدّ على ثماني سنوات، التعهّد بخفض الانبعاثات بنسبة إجماليّة تبلغ 18% مقارنةً مع العام 1990 (ناقص التعويضات والثغرات في الصفقة بالطبع). ولم يضع سوى المشاركين التالين أهدافًا لهم: الإتحاد الأوروبي وأوستراليا والنرويج وسويسرا وأيسلاند وموناكو وليختنشتاين وبيلاروسيا وأوكرانيا وكزاخستان. ومن المتوقّع أن تقدّم هذه الدول اقتراحاتها في العام 2014 حول كيفيّة زيادة طموحاتها وتحسين هذه الأهداف. ولن تشارك الولايات المتحدة ولا كندا وروسيا واليابان ونيوزيلاندا في المرحلة الثانية كما أنّها لن تتمتّع بعد الآن بإمكانيّة الوصول إلى آلية التنمية النظيفة (التي تدعم الآن بالمنسابة مشاريع حجز الكاربون وتخزينه).

وشكل موضوع "الهواء الساخن" حجر عثرة كبير في الدوحة- أي حقوق الإنبعاثات الفائضة التي لم تعد بلاد مثل روسيا وبولاندا وأوكرانيا تحتاج إليها بعد ابتعادها عن التصنيع في أعقاب انهيار الإتحاد السوفياتي. فأرادت البلاد أن تحمل معها هذه الحقوق إلى مرحلة الالتزام الثانية وهي تستطيع الآن فعل ذلك. ولكنّ القليل المُعزّي هنا هو أنّ البلاد الشارية المحتملة، من الإتحاد الأوروبي وأوستراليا، قد قامت بالتزامٍ سياسي قائم على عدم شراء هذا الهواء الساخن، علمًا أنّ هذا التعهّد قد لا يكون ضروريًا نسبةً للطلب الضعيف على الهواء الساخن.

غير أنّ المشكلة هي بأنّه لا يمكن استبعاد تحوّل تلك الكميّة البالغة 14 جيغا طن تقريبًا من رصيد ثاني أوكسيد الكاربون الفائض، في نهاية المطاف، إلى "رصيد أجوف" يلاحق الاتفاقيّة الجديدة التي ستكتمل في العام 2015 – وهذا كان أساسًا موضوع الخلاف في الدوحة. وتُعتبر المفاوضات على قواعد مرحلة التزام كيوتو الثانية، سابقة لاتفاقيّة عالميّة جديدة. ولا يزال العديد يتسائل كيف تمكّنت مادّة، ومن الواضح أنها مادّة جيّدة جدًا، (المادة 3.7 ثالثًا) تقيس الحقوق الجديدة للانبعاثات على أساس الانبعاثات الحقيقيّة بين العامين 2008 و2010 – وبالتالي تتجنّب بفعاليّة تشكيل "هواء ساخن" جديد – أن تنشمل في النصّ التعديلي لبروتوكول كيوتو.

ووجد الإتحاد الأوروبي نفسه في موقفٍ محرجٍ في الدوحة إذ لم يتمكّن من حلّ مسألة الهواء الساخن مسبقًا على المستوى الوزاري بسبب عضو الاتحاد المثير للمشاكل وهو بولندا. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال بولندا تعارض زيادة الطموحات حول هدف خفض الانبعاثات من 20% إلى 30% مع حلول العام 2020. وأيضًا، لا تزال مسألة التمويل المناخي قائمة – ولم يكن الإتحاد الأوروبي يمتلك، كمجموعة، القدرة على تقديم المال في الدوحة. هذا ليس ما قد نسمّيه بالدور الرائد ولا حتّى بالدور القيادي.

ونذكر الملاحظة العرضيّة التالية: إنّ صندوق التكيّف، الذي قد موّلته حتّى اليوم ضريبة تبلغ قيمتها 2% على مشاريع آلية التنمية النظيفة بالإضافة إلى المساهمات الطوعيّة (التي لم تتحقق في الأغلب) والذي قد تأثّر كثيرًا بأسعار الكربون المتدهورة، سيستفيد الآن من مشاريع ذات تنفيذ مشترك ومن نقل حقوق الانبعاثات إلى مستوى البلد ( وحدات الكميات المخصّصة).

خطّة عمل بالي (العمل التعاوني الطويل الأجل): هذا هو مسار المفاوضات الذي كان من المتوجّب إختتامه في كوبنهاغن وكان من المتوجّب أن يؤدّي إلى اتفاقيّة عالميّة شاملة. وقد ظهر منذ مؤتمر كوبنهاغن صراع شديد، في كلّ اجتماع، حول كلّ جملة وكلّ فاصلة في نصّ العمل التعاوني الطويل الأجل. وانتهت مفاوضات المسار رسميًا في الدوحة – ولكن لم يخلُ الأمر من خلافٍ مريرٍ حول دليل عبارة "اختتام له معنى" لهذا المسار وبالتالي، عمليًا، حول جميع المسائل الأساسيّة في السياسة العالميّة المتعلّقة بالمناخ.

وقد يعود سبب انتهاء مفاوضات العمل التعاوني الطويل الأجل اليوم إلى مجرّد الإحباط الذي شعر به المندوبون جميعهم وإلى نفاذ صبرهم، بالإضافة إلى أنّه لم يسافر أحدٌ في الواقع إلى الدوحة بهدف عرقلة العمليّة. وكادت الجهود المبذولة أن تفشل لأنّ الرئيس القطري للمؤتمر لم يتجرّأ على صرف رئيس فريق العمل، وهو من الجنسيّة السعوديّة وكان بكلّ بساطة يقوم بعمله بشكلٍ سيّء، ولا على توجيه الأسئلة التي لم يتمّ حلّها إلى الوزراء. وقد هدّد هذا التأخير للحظة مساء الخميس ونهار الجمعة – وهو تأخير ناتج عن الحساسيات الإقليميّة – بفشل العمليّة بأكملها!

ويطلق النصّ الأخير، وهو عبارة عن مسكّن ختامي لمسار العمل التعاوني الطويل الأجل يحاول أن يبقي بعض المسائل الأساسيّة في المفاوضات المناخيّة على مستوى الخطاب السياسي لا التقني وحسب، مجموعة من برامج العمل المتعلّقة بمواضيع مثل التمويل وآليات السوق وغيرها من المقاربات.

مسار المفاوضات الجديد - منهاج ديربان للعمل المعزّز: إنّ النصّ قصير ويعالج صميم الموضوع ويؤكّد أساسًا تفويض مؤتمر ديربان. وستستمرّ المفاوضات في مجالين: أولاً، الاتفاقيّة الجديدة التي سيتمّ التوصل إليها في العام 2015 ومن المقرّر أن تدخل طور التنفيذ في العام 2020 وثانيًا، مسألة كيفيّة زيادة حماية المناخ وتمويل الطموحات في السنوات الحاسمة ما بين اليوم والعام 2020. وكان من المنعش أن نرى وضع مسألة إعانات الوقود الأحفوري كعنصرٍ أساسي – لا في النص ولكن أقلّه في العقول – بفضل عدد من البلاد والجمعيات غير الحكوميّة التي لم تنفكّ تطرح المسألة مرارًا وتكرارًا.

ومن المريع، ولكن من الاعتيادي، أن أبعدت الولايات المتحدة نفسها عن العبارة التالية – "الاعتراف بأنّ مبادىء المؤتمر ستوجّه عمل فريق العمل المخصص لمنهاج ديربان للعمل المعزّز "- بالرغم من موافقتها على الصفقة ككلّ. وحتّى الولايات المتحدة وقّعت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. غير أنّ المبدأ موضوع النقاش هنا هو مسؤوليات البلدان المشتركة ولكن المتباينة وفقاً لقدرات كل منها – أي ما يتمّ اختصاره عامةً بـ"الإنصاف" في لغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ولكن ما يبدو أنّه وراء عناد الولايات المتحدة هنا هو خوفها من أن تتّخذ البلاد النامية موقفًا متشددًا من مفاوضات العمل التعاوني الطويل الأجل وأن تصرّ على عودة ما يُعرف بـ"الحاجز الوقائي" بين العالم الصناعي القديم (المرفق 1) وسائر العالم. غير أنّ تحقق هذه المخاوف يبدو بعيد الاحتمال نظرًا إلى التغيرات السريعة في الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

وإنّ العالم اليوم يختلف اختلافًا جذريًا عن العالم في العام 1992، ومن الواضح أيضًا أنّ قطر والمالي تتشاركان القليل تمامًا مثل كندا وأوكرانيا – فلا يمكن التكلّم عن بلادٍ متطوّرة وبلاد نامية وحسب بل أيضًا عن مجموعة متنوّعة من الظروف الوطنيّة والاختلافات. وبينما تقع وجهة نظر العالم القديم ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وبروتوكول كيوتو، تريد الولايات المتحدة أن تتخلّص من "الحجز الوقائي" بأكمله. غير أنّ البلدان النامية الكبرى الغنيّة بالنفط تريد أن تبقي هذا الحاجز.

وإنّ هذا الموضوع موضوعًا معقدًا ومتعدد الأوجه ولا يمكن اختصاره هنا. وكادت المفاوضات في مؤتمر COP 17 في ديربان في السنة الماضية أن تفشل بسبب هذا الموضوع. ومن المهمّ أن نفهم عن مؤتمر COP 18 أنّه وللأسف لم ينجح في تحقيق الترسيخ الحازم للحوار التي تشتدّ الحاجة إليه حول كيفيّة زيادة أهداف خفض الانبعاثات لجميع (!) البلاد المشاركة في برنامج العمل التعاوني الطويل الأجل، بشكلٍ سريع ومهمّ ومنصفّ!

ومن المثير للإهتمام أيضًا أن نذكر بأنه يجب إنهاء النص التفاوضي لاتفاقيّة 2015 مع حلول أيار/مايو من العام 2015 كحدّ أقصى.

وتشمل صفقة الدوحة عنصرين آخرين مهمّين:

أ) التمويل: تنجح أيّ صفقة أو تفشل بحسب تمويلها. وفي الدوحة، أوصل انعدام التقدّم في ما يخصّ الالتزامات التمويليّة الملموسة لمرحلة ما بعد العام 2012 المفاوضات، بلا شكّ، إلى شفير الفشل (أو هدد في إيصالها إلى "الهاوية الماليّة" كما أشار عدد من المنظمات غير الحكوميّة الدولية). وليس من الواضح لماذا وُجدت الصفة في بادىء الأمر إذ إنّه لم تمّ وضع التمويل المهمّ (أي الجديد والإضافي والمناسب والمتوقّع) لحماية المناخ والتكيّف في الدول النامية بعد. وتنتهي صلاحيّة البداية السريعة للتمويل في نهاية العام 2012. وبينما ادّعت البلاد المتطوّرة أنها نجحت في تقديم 33 مليار دولار أميركي تقريبًا على مدى مرحلة البداية السريعة في الدوحة البالغة مدتها ثلاث سنوات، يشير المراقبون إلى أنّه يمكن اعتبار ثلث هذا المبلغ كحدٍ أقصى "جديدًا وإضافيًا،" أي أنها قُدّمت بالإضافة إلى الالتزامات التنمويّة الماليّة القائمة (لا عوضًا عنها). وفي هذا السياق، يبدو التزام البلاد المتطوّرة في خلال مؤتمر الدوحة بأن تستمرّ في تقديم التمويل بالمستوى نفسه على الأقل الذي التزمت فيه تقديم البداية السريعة للتمويل بين العامين 2013 و2015 فارغًا ومخادعًا. ولم يتوضّح حتى الآن كيف سنتمكّن من تحقيق الالتزم التمويلي المتّفق عليه في كوبنهاغن والتي تبلغ قيمته 100 مليار دولار أميركي في السنة مع حلول العام 2020. ولا تقدّم اللغة المستخدمة في الدوحة أيّ مسار يقود إلى رفع مستوى التمويل المناخي الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه ولا تقدّم أيّ أهداف تمويليّة تسعى البلاد لتحقيقها بين العامين 2012 و2020. ومن المفترض أساسًا أن تأتي هذه التمويلات من موارد عامة وخاصة و"بديلة".

وعندما نستمع عن قرب إلى كلام المؤسسات التمويلية الدولية وحكومات البلاد الصناعيّة ، يبدو لنا واضحًا إلى حدٍ ما أنّها تعتبر أن على أكثر الأموال أن تأتي من مصادر خاصّة – مع استخدام جزء ضئيل من الصناديق العامة لرفع هذه الاستثمارات. ويمكننا بالإستناد إلى هذا الرأي (وافتراضًا أنّنا نضيف نسبة الرفع المالي السخيّ التي تقول المصارف التنمويّة المتعددة الأطرف مثلاً أنّها ستحققها) أن نصرّح أنّنا على مقربة من هدف الـ100 مليار دولار أميركي في السنة. ولكن لا تناقش البلدان النامية الموضوع على هذا النحو إذ إنها تريد أن يأتي أغلب التزام الـ100 مليار دولار أميركي إن لم نقل المبلغ بأكمله – بالإشارة إلى حاجات ضخمة لم يتمّ تلبيتها - من مساهمات ميزانيات الدول المتطوّرة. ولكن، نستمرّ على الأقل، وكأبسط نتيجة تمويليّة لمؤتمر الدوحة، باتباع برنامج عمل يتعلّق بالتمويل على المدى البعيد سيقدّم نتائج مع حلول وقت المؤتمر المناخي القادم، مما يبقى مسألة التمويل ضمن عمليّة التفاوض السياسي ولو بقيت بعيدة عن القرارات الملموسة والقابلة للتطبيق. فهل يمكن أن يعتقد المتفاوضون فعلاً بأنّ الأزمة الماليّة ستختفي مع حلول المؤتمر التالي؟

وتمّ اعتبار الخبر القائل بأنّ بعض الدول (ومعظمها من الإتحاد الاوروبي وتشمل ألمانيا وهولندا والدنيمارك والسويد وفينلاندا وفرنسا والنرويج) وضعت التزامات تمويليّة محدّدة للأعوام 2013 و2014 و2015 على الطاولة قبل انتهاء مؤتمر الدوحة بقليل، خبرًا سارًا بالرغم من أنّ معظم هذه البلاد كانت تقصد التزامات بالكاد تصل إلى مستوى التزامات العامين 2010-2012 ولا تلبّي الرفع المالي الضروري. فبالنسبة لألمانيا، كان مبلغ الـ 1.8 مليار دولار مذكورًا في الميزانيّة أصلاً ولا يشكّل خبرًا كبيرًا. بالإضافة إلى ذلك ليس هذا المبلغ إلا قطرة في البحر (ذلك بالإضافة إلى معرفة كم تبلغ الكمية الجديدة والإضافية ضمن هذا المبلغ وإذا كانت ستُعطى على شكلٍ قرضٍ أو إعانة). ووعدت العديد من هذه الدول أيضًا بتقديم مبالغ أصغر للصندوق الاخضر للمناخ تخدم بالأغلب أهدافًا إداريّة. غير أنّ الإشارة السياسيّة التي كان من المتأمّل أن تقوم بها البلاد الصناعيّة المتعهّدة بوعود أكبر لدعم الصندوق الأخضر للمناخ، الذي سيبدأ عمله في أوائل العام 2014، لم تكن صريحة.

وعلى كلّ حال، يستطيع الصندوق الأخضر للمناخ الآن، بعد أن دعم مؤتمر الدوحة قرار مجلسه، أن يستقرّ في سونغدو في كوريا الجنوبيّة بينما يُكمل مجلسه التنازع حول علاقة الصندوق مع المؤتمر، ويستعدّ لمناقشة إطار نموذج الأعمال الخاص به – والأهمّ هو مناقشة الدور المركزي الذي تلعبه منشأة خاصة بالقطاع الخاص داخل الصندوق. وكانت البلاد الصناعيّة قد أشارت في اجتماعات سابقة لمجلس الصندوق الأخضر للمناخ أنّها قد تنتظر لأن ترى نتائج هذه المحادثات (وفقًا لموافقتها عليها أو لا) قبل أن تلتزم بأيّ تعهدات ماليّة مهمّة للصندوق.

ب) الخسائر والأضرار: استحال تجاهل العالم الحقيقي كليًا بعد فترة قصيرة من وقوع العاصفتين المدمرتين ساندي وبوفا. فقد بدأت نتائج تغيّر المناخ بتدمير حياة الكثير وبتدمير الأرزاق والبلدات والمشاهد الطبيعيّة – ولربما قريبًا أوطانًا بأكملها؟. ولذلك، صحّ أن تشكّل النيّة المعلنة لوضع آلية دوليّة جديدة للخسائر والأضرار مع حلول المؤتمر المناخي القادم، عنصرًا أساسيًا من الصفقة السياسية المبرمة في الدوحة. وما يثير للدهشة هو أنّ حتّى الولايات المتحدة وافقت على ذلك ولو بعد ممارسة الضغط لحذف إيّ إشارة إلى "التعويضات" من النصّ. وتبقى إمكانية تطبيق هذه الآلية غير واضحة تمامًا مثل مسألة كيفيّة تمويلها. ولكن بالرغم من ذلك، شكّلت الآلية تقدمًا مفاجئًا، صغيرًا ولكن مهمًا.

وأتت مفاجأة ثانية بعد ذلك: اعتمد المؤتمر هدفا لـ"توازن النوعين الجنسيين" (تمّ خفضه من "المساواة بين النوعين" واستثناء الإشارات الأساسيّة الضروريّة إلى خبرات النوع الجنسي). ويعود هذا القرار إلى مشاركة النساء وتمثيلهنّ في جميع أوجه المفاوضات (لجان، هيئات، مؤسسات وبعثات) – وشكّل خطوة أوليّة أساسيّة (ولو هي الخطوة الأولى من خطوات عديدة ضروريّة) لمؤتمر مناخيّ حول مراعاة اعتبارات النوع الجنسي. وبهدف تحقيق هذه الغاية، على جميع الدول (بالإضافة إلى المنظمات المراقبة) أن تقدّم اقتراحاتها قبل 2 أيلول/سبتمبر 2013 وعليها أن تلتزم عقد ورشة عمل في المؤتمر المناخي القادم. والتزمت أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وأمينها التنفيذي السيدة كريستينا فيغويريس شخصيًا بتكريس "نهار حول النوع الجنسي" في كلّ مؤتمر مناخي بعد نجاح النهار الأوّل المثيل في المؤتمر المناخي في الدوحة.

تناضل المجموعات النسائيّة والمتعلّقة بالنوع الجنسي، بالإضافة إلى دائرة النساء والنوع الجنسي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي لم يتمّ الاعتراف بها رسميًا إلاّ السنة الماضية في ديربان، لصبغ السياسات المناخيّة الدوليّة بوعي حول النوع الجنسي. وقد نجحت من خلال الضغط التحضيري الطويل والشاق والمستمرّ أن تعدّ لمثل هذه الخطوة. أتت المساهمة الكبيرة لتحقيق هذا الإنجاز من السحابة السياسية التي استطاع أن يشكّلها فريق صغير بقيادة ماري روبينسون وهي رئيسة إيرلندا السابقة. ونجح هذا الفريق، وبمساعدة عالية المستوى من فيغويريس التي رعت العمليّة، في إضافة هذه المسألة إلى برنامج العمل في الدوحة متحديًا الممارسات والبروتوكول.

ويدلّ هذا بلا شكّ أنّ الوقت قد حان لكي تشقّ مسألة المساواة بين النوعين طريقها إلى المفاوضات المناخيّة، ولكن للأسف قد حدث ذلك من دون التنسيق مع الأبطال المكرّسين للمساواة بين الجنسين وهم دائرة النساء والنوع الجنسي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وسننتظر لنرى ما إذا كان التقدّم، مثلاً في الإعداد لورشة العمل التي ستقام في أيلول/سبتمبر، سيوسّع التحالف ويدفع به إلى ما بعد الشخصيات العالية المستوى مثل ماري روبينسون كي يمثّل هذا التحالف بعد أكثر أصوات النساء في المجتمع المدني وفي الميدان وهنّ نساء لطالما نادين بلا تعب ولوقت طويل بحقوق المرأة والمساواة بين النوعين في السياسات المناخيّة. وعلى كلّ حال، من المرغّب فيه، أن يفتح التقدّم المحرز في الدوحة الباب لتحوّل من الداخل، لأنّ العمليّة كما المناخ بحاجة طارئة إلى هذا التحوّل!

ونصل هنا إلى النقطة الأخيرة وهي تطال المضيف القطري. لا لم تنجح قطر في تحرير نفسها من أخيها الكبير المملكة العربيّة السعوديّة ولم تعطِ حسابات البعض في منح دور الاستضافة إلى قطر النتائج التي تأمّلوها كما أنّ الإعلان الذي طال انتظاره – لم تنتظره قطر وحسب بل جميع دول الخليج (مثل حبّة المسك على رأس صفقة الدوحة) - لأهدافٍ ملموسة في حماية المناخ لم يتحقّق. وبينما قدّمت قطر والمملكة العربيّة السعوديّة والبحرين والإمارات العربيّة المتحدة خططها لـ"التنويع الاقتصادي" و نصّت في الملفّ الأخير على أنّ هذه الخطط هي إجراءات تخفيفيّة مناسبة وطنيًا (أهداف تطوّعية لحماية المناخ تلتزمها الدول النامية)، لم يتمّ الإشارة إلى حماية المناخ والتكيّف إلاّ كـ"منافع مشتركة".

وهذا التصرّف هو من التصرفات القياسيّة لقطر والمنطقة، إذ بالغ القطريون بوضوح في تقدير مهاراتهم الديبلوماسيّة في مسائل السياسات المناخيّة (ليس المؤتمر المناخي مؤتمرًا لمنظمة البلدان المصدرة للنفط في النهاية) وفشلوا في العثورعلى مستشارين ذوي المستوى الجيّد (كان المستشارون الأميركييون الذين اختاروهم مسبقًا غائبين بشكلٍ واضح في خلال الأسبوعين – لربّما تذكّروا دورهم في غوبنهاغن في الوقت الصحيح؟) وبصراحة، يصعب تخيّل كيف يمكن لنظام استبدادي – يجمع معظم المواطنون فيه ثرواتهم من بيع الوقود الأحفوري بينما يقوم مواطنون من جنسيّات مختلفة بالعمل الشاق في ظروق شبه إقطاعيّة – أن ينمّي رؤية لاقتصادٍ حديث يأخذ بعين الاعتبار حماية المناخ والحفاظ على الموارد لمصلحة الجميع. ولكن نذكر نقطة إيجابيّة واحدة هي الحضور القوي لحركة الشباب العربي للمناخ (وقد تمّ ترحيل عضوين من الحركة إثر دعوى مفاجئة). ولا يمكننا سوى أن نأمل بأن ينجح هؤلاء الناشطون الشباب المتفانون في التوضيح للحكومات ولنخبة العالم العربي ما يخاطرون به.

نقطة أخرى عن المنظمات غير الحكوميّة: إنّ النظام الجديد لمؤتمرات الأمم المتحدة "المقتصدة في استخدام الورق" قد عقّدت وضع العديد من المراقبين في الدوحة – وهذا في مناخ بدأت القواعد الإجرائيّة فيه (حجم الوفود والمفاوضات المغلقة والوقت الأقصى للخطابات، إلخ) تصعّب المشاركة الفاعلة أكثر وأكثر. وتمّ استثناء أي شخص لا يحمل هاتفًا ذكيًا أو حاسوبًا نقالاً صغيرًا بشكلٍ فعلي، كما تحوّل توزيع الصحف أو الأوراق في أروقة مركز المؤتمرات إلى جريمة.

ماذا بعد المؤتمر؟

يُعقد المؤتمر المناخي COP19 في وارسو السنة المقبلة أمّا في العام 2014 فقد ينتقل المؤتمر المناخي إلى بيرو أو فينيزويلا. وأرسل فرانسوا هولاند دعوة لاستضافة القمّة الكبيرة في باريس في العام 2015 وهي تتناسب مع عمليّة أهداف التنمية المستدامة/ الأهداف الإنمائيّة للألفيّة. ويريد بان كي مون أيضًا أن يدعو قادة البلاد والحكومات إلى قمّة تُعقد في العام 2014 تهدف إلى تحضير صفقة العام 2015.

أمّا بالنسبة إلى المحتوى المخيّب للظن، ماذا يعني ذلك؟ هل سيساهم في تحقيق التقدّم؟ هل استأهل إنقاذ العمليّة المجهود المبذول؟ من الصعب أن نحكم على ذلك في هذه المرحلة. فبالنسبة إلى المحتوى المهمّ، (إبقاء الوقود الأحفوري في الأرض وتأمين التمويل للبلاد النامية وضحايا تغيّر المناخ)، بالكاد تقدّمنا خطوة واحدة منذ مؤتمر بالي (2007) ونجد ما يدعو إلى الخوف من أننا سنختبر كوارث أخرى مثل ساندي وبوفاس بين الآن والعام 2015- وأنّ العديد سيلاقي حتفه فيها.

لا نزال نظنّ ونأمل بأننا نستطيع أن ننجح في إبقاء عمليّة الأمم المتحدة المتعددة الأطراف هذه مكانًا تشارك فيه جميع الحكومات كي تواجهنا نحن المواطنين؛ ومكانًا نستطيع فيه، نحن أعضاء المجتمع المدني، أن نعمل كمجموعة للضغط على مجموعات ضغط الوقود الأحفوري كي توافق على القواعد التي لا ترغب بها. ولكن لن ينجح أحد في تغيير رأي هذه المجموعات في ما يخصّ إعدادات المفاوضات في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ونحن نعرف ذلك الآن إذ لا تُخاض المعارك الحقيقيّة في أروقة غرف مؤتمرات الاتفاقيّة. ولربما أننا لم ندرك هذا الواقع بما فيه الكفاية بعد لكن لا يمكننا إلاّ أن نتطرّق إلى العجز الديمقراطي المنعكس في الحقيقة القائلة إنّ عددًا صغيرًا جدًا من "مليارداريّة الكربون" ومن مجموعات ضغط الوقود الأحفوري، التي لها القدرة الكاملة، تملي علينا سياساتنا على المستويين الوطني والدولي (تحويل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى منظمة البلدان المصدرة للنفط) عبر تشكيل تحالفات جديدة والسيطرة على الدعامات الحقيقيّة للسلطة، وهي في أغلبها خارج عمليّة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ولا نملك لتحقيق ذلك سوى الوقت القصير والثمين!

نشر للمرّة الأولى باللغتين الإنكليزية والألمانية على موقع مؤسسة هاينريخ بول ستيفتونغ - المركز الرئيسي في 18 كانون الأول/ديسمبر 2012.
لقراءة المقال باللغة الإنكليزية، أنقر/ي هنا
لقراءة المقاتل باللغة الألمانية، أنقر/ي هنا

 
 

الكاتبتان

ليلي فورهي رئيسة قسم السياسات الدوليّة حول المناخ والطاقة وإدارة الموارد في مقرّ مؤسسة هاينريخ بول الرئيس في برلين. وتتولّى فور إدارة وتنسيق أعمال المكاتب الدوليّة للمؤسسة في ما يخصّ الطاقة والمناخ.

ليان شالاتيك هي المديرة المساعدة في مؤسسة هاينريخ بول في أميركا الشماليّة وتعمل أساسًا في مجال التمويل المناخي. ومن اهتماماتها الخاصة في التمويل المناخي، هي زيادة مراعاة اعتبارات النوع الجنسي في النصوص القانونيّة الموجودة وفي الهياكل المموّلة.