دليل قصير حول المفاوضات البيئية في الدوحة

على العالم أن يتخطّى أزمة ثلاثيّة تتشابك فيها الأزمات ولا يمكن معالجة أيّ أزمة منها على انفراد. فأولاً نذكر الأزمة الاقتصادية التي وصلت إلى ذروتها في العام 2008 وولّدت عواقب شاملة ووصلت الى مرحلة ركود اقتصادي. وثانيًا، وبالرغم من ظهور الطبقة المتوسطة العالمية، لا يزال الفقر بالمطلق مستمرًا ومعه تستمرّ عدم المساواة الاقتصاديّة والاجتماعية بالارتفاع في لشمال الكرة الأرضيّة كما في جنوبها. وثالثًا، لقد وصلنا إلى حدود ما تقدّمه الكرة الأرضيّة فظهر تغير المناخ على سبيل المثال، الآن وهنا، وبتنا نشهد الموجات الحرارية والفيضانات والجفاف وذوبان الأنهر الجليديّة وذوبان جليد البحر القطبي ... ونحتاج إلى خفض الانبعاثات بشكلٍ جذري إذا ما أردنا تفادي المزيد من الأضرار. ولكن في الوقت نفسه، لا يزال ضعف إمكانية الوصول إلى الموارد (المتجددة) يعيق التنمية المستدامة.

يظهر تغير المناخ على برنامج العمل العالمي منذ أواخر الثمانينات مما أدّى إلى توقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مؤتمر قمة الأرض في ريو في العام 1992 وبروتوكول كيوتو في العام 1997. ولم يتحول تغير المناخ إلى مسألة يتطرّق إليها رؤساء الدول إلا في العام 2005. ولكن بالرغم من هذا التدخّل - أو ربما بسببه – فشلت الدول في الوصول إلى اتفاقية عادلة وطموحة وملزمة في خلال قمة كوبنهاغن المناخية في العام 2009. ويتخبّط وزارء البيئة والمفاوضون في أكثر من 190 دولة منذ ذلك الحين في محاولاتهم لإعادة إحياء مفاوضات الأمم المتحدة.

ويصرف قادة العالم اليوم انتباههم على الأزمة الاقتصادية ويبدو أنهم يتجاهلون البعد الآخر لهذه الأزمة. فهم لا يسألون عن الأسباب الجذرية وراء الأزمة بل يقعون تحت يرزحون تحت الضغط الكبير لمجموعة من الشركات التي تستحوذ على السوق والتي تريد عودة كلّ شيء إلى ما كان عليه، والسعي إلى نمو جديد للناتج المحلي الإجمالي، والتدافع إلى الموارد النادرة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. وعلى المستوى الدولي، لم يكن خيار التعاون عوضًا عن التنافس أكثر وضوحًا مما هو عليه اليوم.

قطر – الفأر الذي يزأر

ستستضيف دولة قطر الصغيرة من 26 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى7 كانون الأول/ ديسمبر 2012 الدورة الثانية من حوارات الأمم المتحدة حول المناخ. وإنّ قطر هي دولة الـ OPEC الأولى التي تستضيف مؤتمر COP للمناخ بالإضافة إلى أنها قوّة سياسية واقتصادية صاعدة في العالم العربي وقد أصبحت مستثمرًا مهمًا في سائر أنحاء العالم. وتأتي ثروة قطر من كونها المصدّر الأكبر في العالم للغاز الطبيعي السائل (مما يجعلها أكبر موّلد لانبعاثات الكربون للفرد الواحد) ويمتد نفوذها المتنامي من خلال عمل مؤسسة قطر وقناة الجزيرة التلفزيونية الفضائية.

  في الدوحة: المسائل الأساسية والنتائج المتوقّعة

اتفقت الحكومات السنة الماضية في ديربان أن تطلق مرحلة الالتزام الثانية من كيوتو في 1 كانون الثاني/ يناير 2012 ولكن بالرغم من هذا القرار السياسي لم تبدأ هذه المرحلة بل تم تأجيل معالجة بعض التفاصيل الأساسية مثل الأهداف الرقمية الملزمة. وتمّ بالإضافة إلى ذلك الاتقاق على إنهاء المحادثات الموازية المختصة بالعمل التعاوني ممّا تزامن مع الاتفاق على بروتوكول كيوتو.

وكان على هذه المفاوضات التي تمّ إطلاقها في العام 2007 أن تولّد ثمارها في قمّة كوبنهاغن لكنّها لم تتطوّر بل، في الواقع، ستستمرّ الخلافات الكامنة ورائها في المستقبل. وتبنّت الحكومات أخيرًا منهاج ديربان للعمل المعزّز الذي تمّ فيه وضع حوارات جديدة للأمم المتحدة ستستمرّ حتى العام 2015، أي التاريخ الذي يجب فيه إبرام إتفاقية دولية يتمّ تطبيقها في العام 2012. ولكن الكثير يجب أن يحدث قبل ذلك وقد تتوضّح العديد من المسائل حتى ذلك الحين.

بروتوكول كيوتو

سيشكّل تبنّي تعديلات البروتوكول نتيجةً مهمة من نتائج المؤتر.   ومن الناحية المثالية، تزيد هذه التعديلات من السلامة البيئية في فترة الالتزام الثانية. ويتعين على الحكومات على وجه التحديد، سدّ الثغرات القائمة بسبلٍ عديدة منها تحديد وحدات الكميات المخصصة التي لا تمثل تخفيضات الانبعاثات لكن تمثل مئات الآلاف من أطنان الكربون التي تمّ تخصيصها عن طريق الخطأ لبلاد أوروبا الشرقية التي أعادت هيكلة نفسها في أوائل التسعينات. وتمسك أوروبا بزمام الأمور في هذه المسألة لكنّ بولندا والعديد من حلفائها قد أعاقت اتفاق الاتحاد الأوروبي على الحد من استخدام "الهواء الساخن" مما يعيد الانتباه إلى العمل الأوروبي المتعلق بالمناخ.

في الواقع، تشير الدوحة إلى نهاية بروتوكول كيوتو وفي رأيي الخاص، لن يتمّ إطلاق مرحلة التزام ثالثة. إذًا لماذا الالتزام بالقواعد؟ لأنّ مفاوضات البروتوكول تتعلّق بإعداد الاتفاقية القانونية ما بعد العام 2020 التي ستحلّ مكانها. ولا يمكننا إلا أن نذكر انسحاب كندا واليابان وروسيا المبكر من إطار عمل كيوتو إذ لم يتمّ الضغط ديبلوماسيًا على هذه البلاد إلا القليل لدفعها لتبني أهدافٍ طموحة وملزمة.

ولا تجد هذه البلاد نفسها حتى اليوم في وجه أي معارضة لمحاولاتها في الوصول إلى آليات سوق كيوتو، مما يبدو مثيرًا للسخرية نظرًا لفشل "أسواق" الكربون. فليست أسواق الكربون مجانية وهي في الحاضر لا تولّد أيّ إشعار لتغيير الأسعار والاستثمارات ولا تعزز خفض الانبعاثات. ومن الضروري أخذ ذلك في عين الاعتبار لأن الحكومات تعيد تكرار أخطائها (الماضية والحاضرة) عند إعداد الآليات الجديدة على المستوى الدولي كما في الاقتصادات الناشئة.

وتظهر قوة المال بوضوح في المفاوضات العالمية حول المناخ ولكن في خضم الأزمة الاقتصادية لا يمكن أن نتوقّع أن يحرز الحوار حول "تمويل البداية السريعة" لفترة 2013-2015 ولا المناقشة حول المصادر المالية الطويلة الأمد المخصصة لصندوق المناخ الأخضر أن مثل هذا التقدم. وسيتمّ اتخاذ القرار لاستضافة كوريا الجنوبية لصندوق المناخ الأخضر في الدوحة ولكن في الوقت الحالي سيبقى الصندوق عبارةً عن مؤسسات فارغة ولن تتطرّق الحكومات إلى الدور الحساس الذي يلعبه القطاع الخاص في الانتقال إلى اقتصادٍ أخضر وعادل.  ومن الجدير بالاهتمام أنّه بإمكاننا الاعتبار أنّ بعض التحركات المتعلقة بموضوع الخسارة والأضرار الحساس قد تكون ممكنة.

العمل التعاوني على الأمد الطويل

تعويضًا عن الاتفاق على بروتوكول كيوتو وعن إطلاق المفاوضات الجديدة في إطار الفريق العامل المخصص المعني بمنهاج ديربان للعمل المعزّز (الذي يعرف أيضا باسم المسار ADP)، من المخطط أن نتتهي مفاوضات العمل التعاوني الطويل الأمد في الدوحة. وما يشغل العديد من المفاوضين اليوم ليس ما يمكن إبرامه (أو تنفيذه) ولكن ما الذي سيحصل للمسائل التي لا يمكن الاتفاق حولها؟ أين يتمّ مناقشتها مرّة أخرى؟ وإن لن يتمّ ذلك فلماذا؟ وقد وجدت بعض المسائل لها منزلاً في الفريق العامل المخصص المعني بمنهاج ديربان للعمل المعزّز بينما تبنّت الهيئات الفرعية مسائل أخرى (الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجيا؛ الهيئة الفرعية للتنفيذ) وبقيت بعض المسائل من دون مأوى.

ومن العناصر الأساسية في خطة عمل بالي، التي وضعت مسار العمل التعاوني الطويل الأمد، نذكر الحاجة لمستوى مماثل ولشكلٍ مماثل من الجهود للدول النامية التي ليست عضوًا في بروتوكول كيوتو، أي الولايات المتحدة. فتحدّ عدم قدرة الولايات المتحدة على اتخاذ الخطوات التشريعية بشكلٍ كبير أيّ مجالٍ للمناورة. ولكن بالإضافة إلى الاتفاق على معايير مشتركة للمحاسبة، تؤكد البلاد المشتركة في العمل التعاوني الطويل الأمد التزامها القانوني لخفض الانبعاثات كأكبر التزامٍ تعهّد به رؤسائها في قمّة كوبنهاغن. ولكن لم تتعهّد العديد من البلاد، ومنها العالم العربي، بهذه الالتزامات وهي الآن تواجه ضغوطات لتلتزم بهذه التعهّدات في الدوحة. وقد بيّن برنامج الأمم المتحدة البيئي بعد قمة كوبنهاغن عن عدم ملاءمة هذه الوعود مع الهدف المتفق عليه أي حدّ ارتفاع الحرارة إلى درجتين سلسيوس. واعترفت الحكومات في الكانكون بوجود ما يُعرف بثغرة الانبعاثات. وعلى العمل التعاوني الطويل الأمد أنّ يؤكّد الاتزام في زيادة الطموحات في سدّ هذه الثغرة وعلى ذلك أن يكون مدعومًا من قرارٍ لوضع ميزانية الكربون العالمية بالإضافة إلى أهداف العامين 2020 و 2050.

منهاج ديربان للعمل المعزّز

سيبدأ المنهاج عمله الجدّي في الدوحة. فبعد أن قضت الحكومات اجتماعين تتشاجر فيهما على برنامج العمل وتعيين الرؤساء، من المتوقع أن تبدأ عملها عبر التناقش حول رفع الطموحات بين اليوم والعام 2020. أمّا الآن فستعتمد هذه المعركة على أسس مألوفة في الملحق 1 (الاقتصادات الغنية القديمة) مقابل سائر العالم. ويمكن لمراجعة مدى ملاءمة عتبة الدرجتين سلسيوس وتقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن يعطي الحكومات الهزة التي هي بأشدّ الحاجة إليها من أجل زيادة الطموحات إلى مستوى أعلى.

وستحدد نتيجة هذه المناقشة بشكلٍ كبير ما إذا ستصل الانبعاثات العالمية إلى أوجها في العام 2020 أو لا. وعلى المحادثات المختصة بالتوصل إلى اتفاق عالمي ملزم جديد أن تلقي نظرة جديدة على مفهوم المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة وفق اختلاف القدرات. فترتبط زيادة الطموح المناخي بالإنصاف ارتباطا وثيقا إذ تحتاج الحكومات إلى الاتفاق على نهجٍ واحد للتفاوض في هذه المسألة. ولذلك نحتاج إلى نموذج جديد يكون أساس الاتفاق الجديد.

إنّ الشكل القانوني الذي سيتخذه هذا الاتفاق- والأهم، سواء سيحتفظ بهيكل أهداف كيوتو الملزمة أو سيأخذ شكل التعهد وإطار المراجعة - هو في غاية الاهمية من وجهة نظر العلم والاقتصاد. أما الآن، فإن مستوى الجهود بالإضافة إلى صرامة التزامات مستقبلية وشكلها لا يزال غير واضح وليس من المتوقع أن يتمّ اتخاذ قرارات بشأن هذه المسائل في الدوحة.

الفشل أو النجاح في الدوحة

بينما شكّل منهاج ديربان نقطة سياسية جوهرية في الفشل أو النجاح، ليس من المتوقع أن يزيد مؤتمر COP في الدوحة من نبض محادثات الأمم المتحدة في شأن المناخ. ولكن ستتطلّب نتائج البروتوكول ومحادثات العمل التعاوني الطويل الأمد استخدام الدبلوماسية الذكية إذ إنّ فشل الدبلوماسية ليست خيارًا واردًا في هذه الحال.

أمّا ما سيكون مثيرًا للمشاهدة فهو تحول التحالفات، سواء القديمة أو الجديدة، التي أدت إلى إطلاق مفاوضات منهاج ديربان. وفي حين لا يتوقف العمل من أجل المناخ على توافق عالمي في الآراء، يجد له حافزًا كبيرًا في التعاون العالمي. ولذلك تتطلّب الطريق إلى عام 2015 تغييرًا جوهريًا في المواقف التي تتخذها الأطراف جميعها.