بعد أن بلور لبنان موقفه الرسمي من المفاوضات ما الذي يمكن انتظاره من مؤتمر الدوحة الـ18 حول تغير المناخ؟

قبيل البدء بالجولة الـ18 من المفاوضات المناخية التي ستعقد هذه السنة في قطر، وهي المرة الاولى التي تعقد فيها مفاوضات دولية كهذه في بلد عربي، يطرح الكثير من الاسئلة حول الافق والتوقعات والامكانات والمواقف الحقيقية للدول المشاركة، مع العلم ان الجهات المنظمة في الامم المتحدة والجهات الرسمية القطرية تقدر وصول عدد المشاركين الى 17 الف مشارك. فما هو المتوقع من قطر؟ وما الذي يحمله الوفد اللبناني الرسمي الى الدوحة، وكيف يستعدّ لبنان لهذه القضية بشكل عام وللمفاوضات ذات الصلة بشكل خاص، بعد أن تعهّد العام 2009 في كوبنهاغن (من دون أن يكون ملزماً بأي بروتوكول او اتفاقية دولية) بأن ينتج 12% من طاقته الكهربائية من مصادر متجددة؟

فما هي المحاور الأساسية التي سيتم التفاوض حولها في الدوحة؟ واين وصلت المفاوضات حول هذه القضية في السنوات الأخيرة؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة من هذه الجولة من المفاوضات؟

قبل النظر في ما تحمله الدوحة من برامج ووعود، لا بد من إلقاء النظر في الثلاث سنوات الأخيرة للمفاوضات المعنية بتغير المناخ والتي فرضت نفسها على جدول اعمال الدوحة لهذه السنة. كان المؤتمر الذي عقد في كوبنهاغن العام 2009 قد شكّل نقطة تحول رئيسية في المفاوضات الدولية، حين اندفع العالم بفعل مشاركة الرئيس الاميركي المنتخب حديثاً آنذاك، باراك اوباما، الى المراهنة على الخروج باتفاقية دولية ملزمة تحل محل بروتوكول كيوتو. يومها حشدت الدول كل قدراتها الديبلوماسية للخروج بشيء من هذا المؤتمر، ولكن، كل بحسب مصالحه. كانت مصلحة الولايات المتحدة الاميركية والرئيس المنتخب حديثاً، مسح وصمة العار المناخية عن بلاده التي لم تصادق على بروتوكول كيوتو العام 1997 كاطار وحيد ملزم لتخفيض الانبعاثات، بحجة انه لا يشمل البلدان كلها، لاسيما تلك الناشئة والمنافسة في اقتصاد السوق، واندفع لإقرار اتفاق جديد يحل محل بروتوكول كيوتو، في حين أصرت دول اخرى على ضرورة تأكيد الالتزام بهذا البروتوكول. وكان المخرج الخروج بوعود وباتفاق سياسي شكلي بين الدول الكبرى، خارج أطر المفاوضات والامم المتحدة.

لم يكن للمؤتمرات التالية المعنية بتغير المناخ والتي عُقدت في كانكون والمكسيك أهمية كبيرة في تحديد النبرة والهيكل فيما بعد مؤتمر كوبنهاغن. حيث تعاملت وفود عدة مع الاجتماعات بعدم اليقين فيما يتعلق بمستقبل اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية المعنية بتغير المناخ، وأسفرت مفاوضات مؤتمر كانكون عن اتفاقيات تتعلق بمسار الاتفاقية (الفريق العامل المخصص المعني بالعمل التعاوني الطويل الأجل بموجب الاتفاقية) وتتعلق بمسار البروتوكول (الفريق العامل المخصص المعني بالنظر في الالتزامات الإضافية للأطراف المدرجة في المرفق الأول بموجب بروتوكول كيوتو) وتكوّن لديهم انطباع باسترداد الأمل في قدرة عمليات الاتفاقية الإطارية على تنسيق استجابة السياسة الدولية لتغير المناخ.

وقد قدم مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ المنعقد في ديربان (جنوب أفريقيا) نظرة على أحدث التطورات في البنية السياسية للاتفاقية الإطارية، كما قدم حصراً للمسائل الرئيسية التي ستتم دراستها في الدوحة. ووافقت الأطراف في ديربان على وضع «بروتوكول أو أداة قانونية أخرى أو نتيجة يُتفق عليها ذات قوة قانونية بموجب الاتفاقية وتنطبق على كل الأطراف»، على أن تكون ضمن هيئة جديدة. هذا الكيان هو «الفريق العامل المخصص المعني بمنهاج ديربان للعمل المعزّز» وهو يهدف إلى استكمال عمله في أقرب وقت ممكن بما لا يتجاوز عام 2015 ليتم تنفيذه اعتباراً من عام 2020. وقد أدى تبني هذا القرار في ديربان إلى استحداث فترة «ما بعد عام» وما قبل عام 2020، أي للفترة من 2012 حتى العام 2020 التي ستكون خاضعة للنظام المناخي الجديد الذي سيتم وضعه بواسطة الفريق العامل المخصص المعني ب«منهاج ديربان للعمل المعزّز». كما وافقت الأطراف على تحديد فترة التزام ثانية بموجب بروتوكول كيوتو.

آخر جولة تحضيرية

اختتمت آخر جولة تحضيرية لمحادثات تغير المناخ لما قبل مؤتمر الأطراف في دورته الثامنة عشر أعمالها في أوائل شهر ايلول في بانكوك (تايلاند). وبناء على هذه المداولات فمن المرجح أن تتضمن الأسئلة الرئيسية التي سيتم الإجابة عليها في مؤتمر الدوحة المسائل الخاصة بتحديد فترة الالتزام الثانية ببروتوكول كيوتو، وتشمل مدة هذه الفترة وعرض الأهداف المقدرة كمياً بالحد من الانبعاثات وخفضها التي ستلتزم بها الأطراف المشاركة في المرفق الأول من الاتفاقية. وقد شددت بعض الوفود إلى أنه من الضرورة بمكان عدم تأجيل اعتماد فترة الالتزام الثانية حيث أن ذلك يُمكن أن يؤدي إلى انهيار نظام تغير المناخ، في حين عبرت دول اخرى صراحة عدم نيتها في الالتزام بالفترة الثانية، لان ذلك لم يعد ينفع في ظل وجود دول ملوثة كبرى خارج هذا البروتوكول واحكامه.

الالتزامات غير الملزمة

فيما يتعلق بنظام ما قبل عام 2020، وجهت نتائج ديربان الدعوة للأطراف المشاركة في المرفق الأول للاتفاقية لأن تقدم بحلول الأول من ايار 2012 معلومات حول التزاماتها بالتخفيف أو الأهداف المقدرة كمياً بالحد من الانبعاثات وخفضها. ولم يعبر سوى الاتحاد الأوروبي وسويسرا والنرويج (ومؤخرا استراليا) عن نواياهم للمشاركة في إتباع التزامات التخفيف كما قدموا معلومات حول أهداف «مؤقتة» مقدرة كمياً بالحد من الانبعاثات وخفضها. هذا وقد عبرت معظم الدول المتقدمة التي لا تعتبر طرفاً في بروتوكول كيوتو (مثل كندا والولايات المتحدة الأميركية) والدول الأطراف في البروتوكول (مثل اليابان والاتحاد الروسي) عن نواياها في عدم المشاركة في فترة الالتزام الثانية. ولم تتخذ بعد دول أخرى، تمر اقتصادياتها بمرحلة انتقالية، قراراً بهذا الصدد... مما يعني أنه طبقاً للوضع الراهن، سيتم التعامل مع ما يقل عن 15% من الانبعاثات العالمية. وتشعر العديد من الدول النامية، لاسيما الدول الجزرية الصغيرة النامية، بأن الدول المتقدمة النمو يجب أن تبدي المزيد من الالتزامات والتعهدات بتخفيض الانبعاثات التي جرى الإعلان عنها من قبل ما يزيد على 85 دولة منذ مؤتمر كوبنهاغن.

الا ان هذه التزامات ذات طبيعة طوعية وغير واضحة وغير كافية في مجملها للحد من زيادة درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، وهو الهدف المتفق عليه في مؤتمر تغير المناخ المعقود في كانكون. وبهدف زيادة الطموح المتعلق بالتخفيف وتقليل «فجوة الانبعاثات» هذه، تم البدء في خطة عمل طموحة بواسطة الفريق العامل المخصص المعني بـ«منهاج ديربان المعزّز».

وعلى الرغم من ذلك تشعر العديد من الدول النامية بأن الدول المتقدمة النمو يجب أن تُظهر التزاماً أكبر. وأشارت إلى الدراسة التي قام بها «معهد ستوكهولم للبيئة» وبينت بأن تعهدات الدول النامية تؤدي إلى قدر أكبر من التخفيف عن التعهدات الخاصة بالدول المتقدمة النمو. وبغض النظر عن مدى إضفاء الاستمرارية على قواعد البروتوكول، فإن القرارات والقواعد التي وُضِعت ضمن الفريق العامل المخصص المعني بالعمل التعاوني الطويل الأجل بموجب الاتفاقية، سوف يستمر تطبيقها. ومع ذلك فإن الدول النامية لديها مخاوف بأن القواعد التي وضعها الفريق العامل المخصص المعني بالعمل التعاوني الطويل الأجل بموجب الاتفاقية، يمكن ألا تكون قوية بالدرجة التي تكفي لضمان العمل «الفعال» لمواجهة تغير المناخ.

المخارج والمقترحات الجديدة

الا ان المسالة الأهم، والمتوقع ان تحصل على الحصة الأكبر من النقاش في الدوحة، هي عدم إشارة اتفاقية دوربان المتوقع ان تصبح عالمية العام 2015 وأن يبدأ تنفيذها العام 2020، خلو هذه الاتفاقية الجديدة من مبدأ «المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة»، والتي طالما فسرتها الدول الاقل نمواً بأنها تميز بين التزامات الدول الغنية وتلك الفقيرة. وقد عبرت الكثير من الدول الفقيرة ان ينطبق الاتفاق الجديد على كل الاطراف دون تمييز ويلزمها بتغيير اقتصادياتها الضعيفة اصلاً. وقد بدا البعض بالاعداد لسيناريوهات مختلفة للخروج من هذا الموضوع بتوجه منصف في الدوحة، يقوم هذا التوجه على التمييز بين ثلاثة انواع من الدول والفئات، البلدان المتقدمة (الصناعية) والبلدان الناشئة (كالصين والهند) والبلدان في طور النمو (الاكثر فقراً والاقل تقدماً صناعياً). هذه الافكار التي كان التفكير بها قد بدأ في ديربان العام الماضي.

توقعات ومتطلبات الدوحة

سوف يبدأ مؤتمر الدوحة اذاً، من حيث انتهى كل من مؤتمر ديربان والاجتماعات المنعقدة بين الدورات (في بون بألمانيا وبانكوك بتايلاند) وسوف يسعى للوصول إلى حزمة متوازنة من التدابير بين كل الهيئات الفرعية المتفاوضة. تؤكد يوجينا ريشيو المحللة بالمعهد الدولي للتنمية المستدامة، على ضرورة توفير المتطلبات التالية:

فيما يتعلق بنظام ما قبل العام 2020 تحديد فترة الالتزام الثانية، حيث تنادي الدول الأقل نمواً وأفريقيا وتحالف الدول الجزرية الصغيرة - بفترة خمس سنوات، بينما يدعم الاتحاد الأوروبي فترة قدرها ثماني سنوات مع القيام بمراجعة في منتصف هذه المدة للأهداف المقدرة كمياً بالحد من الانبعاثات وخفضها.

ضمان الاستمرارية القانونية والتقنية والتشغيلية بين فترتي الالتزام الأولى والثانية، على الرغم منحتمية وجود فجوة قانونية نظراً للعمليات المحلية المطولة بمعظم الدول.

وبوجود إرادة سياسية كافية، يمكن توافر اليقين القانوني في الفترة الانتقالية.

اتخاذ قرار بمعيار الأهلية لأطراف المرفق الأول.

ترحيل وحدات الكميات المخصصة إلى فترة الالتزام الثانية والتوصية باتخاذ إجراءات ملائمة.

موقف لبنان الرسمي

البدء بفترة الالتزام الثانية في 1/1/2013 فور انتهاء الفترة الأولى، دون فارق زمني بينهما.

الاتفاق على مدة فترة الالتزام الثانية بـ 8 سنوات: لتمكين بعض الدول من تحقيق طموحها في تخفيض الانبعاثات، لتجنب أي فجوة بين فترات الالتزام ببروتوكول كيوتو وأية اتفاقية جديدة، لاستخدام الوقت المتبقي لصياغة اتفاقية فعالة ما بعد 2020.

الاتفاق على آلية لتمكين الدول المتقدمة الحد من انبعاثاتها والتعهد بزيادة خفض انبعاثاتها استجابة للتقارير العلمية.

ضرورة أن تتعهد الدول المتقدمة بالتزامات قانونية واضحة ومحددة لتحقيق تخفيض طموح لانبعاثاتها بحلول العام 2050 على أن تكون: قابلة للقياس، خاضعة لإجراءات الإبلاغ، ومتوافقة مع التوصيات العلمية للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

تأكيد أن مستوى إجراءات الدول النامية الطوعية للتخفيف، مرتبط بصورة مباشرة بحجم الدعم المقدم من الدول المتقدمة. أن تخضع الإجراءات الطوعية للتخفيف الممولة دولياً للمراجعة الدولية من خلال التشاور والتحليل الدولي، أما الإجراءات الطوعية الممولة من المصادر المحلية الوطنية فتخضع للمراجعة الوطنية فقط.

تأكيد أن تكون الإجراءات التخفيفية من قبل الدول النامية معترف بها في «النظام الدولي للتعامل مع تحديات تغير المناخ»، ليس من أجل المحاسبة، ولكن من أجل الاعتراف بأنشطة التخفيف الطوعية التي تقوم بها الدول النامية، مما سيؤدي إلى تحسين طموح الخفض من جانب الدول المتقدمة.

يشكل «التكيف» مع الآثار السلبية لتغير المناخ أولوية. لذلك من الضروري مناقشة وإعادة توجيه خطط التكيف الوطنية في الدوحة والتوصل إلى نتيجة حولها. التوصل في الدوحة إلى قرار بشأن المواضيع المتصلة «بالـمراجعة» حول الإجراءات المتخذة من قبل الدول كافة لعدم تخطي ارتفاع درجات الحرارة العالمية من جراء تغير المناخ الى أكثر من درجتين مئويتين على المدى الطويل الأجل.

مطالبة الدول المتقدمة بقيمة تصاعدية واضحة لتمويل عمليات التخفيف والتكيف وفقاً لجدول زمني وصولاً الى الـ 100 مليار دولار سنوياً العام 2020.تفعيل صندوق المناخ الأخضر على أن يكون خاضعاً لمؤتمر الأطراف، وتوفير الموارد المالية اللازمة له من الدول المتقدمة.