تجربة الدوحة

تجربة الدوحة

تلتقي الدول سنويا بمساندة عدد من العلماء والأخصائيين وعناصر من المجتمع المدني في مؤتمر ضخم تنظمه هيئة الأمم المتحدة ليصار الى التفاوض بشأن التدابير الواجب اتخاذها لمواجهة مخاطر تغيير المناخ.

الا ان النتائج ليست بهذه السهولة، قتطبيق التدابير المتخذة قد ترتب اثارا كارثية على اقتصاد البلدان المتقدمة، مما يصعب المفاوضات ويزيدها تعقيداً.

بعد انتهاء فترة العمل باتفاقية "كيوتو" الاطارية بشأن تغيير المناخ نهاية شهر كانون الثاني، كان لابد من ايجاد اتفاقية جديدة تتفق من خلالها الدول على اجراءات عملية يصار الى اعتمادها لمحاربة تغيير المناخ او على الأقل الوصول الى اتفاق لتمديد العمل باتفاقية "كيوتو".

بعد مؤتمر "كانكون" في المكسيك و"دوربين" في جنوب افريقيا، جاء دور الدولة القطرية لاستضافة احد اكبر واهم الموتمرات البيئية.

لكن ما يهم في هذا الاطار ان الدولة المضيفة عادةً هي التي تترأس المؤتمر وبالتالي فانه يقع عليها العبئ الأكبر لانجاحه ... فهل كانت الدوحة مستعدة لهذا التحدي؟؟

قدمنا الى الدوحة وجيوبنا مملوءة بالآمال .. ولما لا؟ فهي المرة الأولى في تاريخ المنطقة العربية حيث يلتئم مؤتمرا دوليا بهذا الحجم في دولة عربية ... فلعله حان الوقت لأخذ القيادة !!

وكما هو معروفٌ عنها، استقبلتنا الدوحة بأبهى حللها، مؤمنة لنا كافة وسائل الراحة والترفيه الى افخم انواع الخدمات.

تم اختيار "مركز قطر الوطني للمؤتمرات" كمركزا لالتقاء الأطراف واجراء المفاوضات.

في كل مؤتمر من هذا النوع ترسل الدول المشاركة ممثلين رسميين عنها لتمثيلها داخل قاعاتالمفاوضات، كما تكثر اعداد الممثلين الرسميين نظرا لتعدد المواضيع المطروحة على طاولة المفاوضات.

تتكتل الدول ضمن مجموعات، حيث تعقد هذه الأخيرة اجتماعات جانبية للتفاوض حول موقف موحّد تناقش على اساسه المواضيع المطروحة في مؤتمر الأطراف، لذا فان حضور جميع البلدان ليس بضروري في جميع الجلسات.

بدأت المفاوضات بنمط خجول ، وكنا بحاجة لمن يوقظ النار من تحت الركام.

مرّ الأسبوع الأول ولم نلمس اي تقدّم ملحوظ في مواقف الدّول، رغم العمل الدؤوب التي كانت تقوم به الهيئات المدنية لحثّ رؤساء البعثات وخاصةً العربية منها لاتخاذ مواقف جريئة تدفع بالمفاوضات الى الأمام.

لكن ما تخوفنا منه قد حصل ... فلا حياة لمن تنادي!!!

خلال احدى الاجتماعات المغلقة لجامعة الدول العربية فوجئنا بكلام رئيس احدى البعثات يبشرنا بأن المفاوضات بحالة ركود وليس بيد الدّول العربية اي حيلة سوى الترقب لما ستؤول اليه الساعات المقبلة.

فكأن الدول العربية تلعب دور المراقب خلال المحادثات، فتشارك مقاعد المراقبينوالهيئات المدنية. والسبب في ذلك يعود الى كون الدّول "المتقدمة" كالولايات المتحدة الأميريكية والصين وغيرهم من البلدان يرفضون التقدم بأي تعهدات، فيعمدون الى سياسة المماطلة للخروج بأقل تعهدات ممكنة

في نهاية الأسبوع الأول، قامت هيئات المجتمع المدني بتنظيم تظاهرة غصّت بها شوارع العاصمة القطرية الدوحة، علهّا توقظ ضمائر الزعماء النائمة. وكم ضج الاعلام بهذه الخطوة الجديدة، كونها المظاهرة الأولى في تاريخ الدولة القطرية ... وما ادراكم عدد الأشهر التي استغرقتها المفاوضات لاقناع الدولة القطرية بضرورةالموافقة على خطوة من هذا النوع. فكان للمجتمع المدني ما اراده .. وكان للدولة القطرية "ما أرادت!!"

في الأسبوع الثاني من المفاوضات، بدأ وزراء الدول يتوافدون للمشاركة في المؤتمر وتوضيح الموقف الرسمي "السياسي" لبلادهم، فاخذت بذلك المفاوضات نمطا جدّيا،ً مما زاد حدّة المناقشات، فباتت مسائل سيادية ومالية واقتصادية مطروحة على طاولة المفاوضات، لم تكن مطروحة من قبل بنفس الدرجة من الجدية. فما كانت نتائج المفاوضات الأخيرة؟

فيما يتعلق باتفاقية "كيوتو" الاطارية حول تغيير المناخ، اتفق الأفرقاء على ما يلي:

1. تمديد مدة العمل باتفاقية "كيوتو" الى 8 سنوات جديدة تبدأ في اول الشهر الجاري حتى نهاية العام 2020.

2. يتم مراقبة التّقدم التي تحرزه الدول الموقعة على اتفاقية "كيوتو" في مجال خفض انبعاثات الغازات الدفيئة عبر تقرير  يقدّم بداية العام 2014.

 يستكمل العمل في الية التنمية النظيفة ابتداءً من بداية العام -2013 .3

4 ايجاد اتفاقية اطارية جديدة في مجال تغيير المناخ يتم اعتمادها بحلول العام 2015 ويبدأ العمل بها عام 2020 ، بحيث يبقى العالم دون معدّل الدرجتينن المئويتين كحد اقصى لارتفاع درجة الحرارة المتفق عليها.

5. القيام بسلسة من الاجتماعات وورشات العمل لمراقبة التقدم المحرز من خلال التعهدات التي قامت بها البلدان.

6. على سلسلة من القرارات المتعلقة بالتمويل والتكييف وغيرها من المجالات.

7.  الا ان ما هو مستغرب هو التناقض التي حملته وسائل الاعلام العالمية المكتوبة والمرئية والمسموعة بهذا السياق.

8. بحيث نرى البعض منها يصف نتائج المؤتمر بالتاريخية كون الاتفاق جاء جامعا،ً ولم يتم رفضه من قبل اية دولة، في حين ان البعض الآخر رأى في نتائج الاتفاقية مهزلة وعدم جدية، بحيث ان المقررات التي خرج بها الأطراف من اتفاقية الدوحة لم يكن سوى حبرا على ورق ودون المستوى المطلوب. فأغلب المشاركين في المؤتمر اعتبروا ان المواضيع لا يتم معالجتها بالجدية الكافية، حتى ان بعض البلدان والمتقدمة منها كدول الاتحاد الأوروبي اعتبروا انّه تم عقد العديد من المؤتمرات على مر السنين بموضوع تغيير المناخ، ولكن ما من انجازٍ يذكر، فلقد حان الوقت للتخلي عن النظام الحالي البائدوالبحث عن وسائل بديلة ناجحة.

وبحديثٍ مع احد الشباب المشاركين في المؤتمر حول النتائج التي الت اليه مقررات الدوحة قال:" لم اتوقع الكثير، فلم اكن اثق بنجاح المؤتمر من الأساس، كيف لي ان اثق بشخص يتخذ قرارات عني ويقرر مصيري ومستقبلي وهو لن يكون جزءً من هذا المستقبل" بدت اثار خيبات الأمل مخيّمة على معظم المشاركين ، وكيف لا فمن أتمنوا على حياتنا لا يبالون بمستقبلنا.

فالقرارات التي خرجنا بها من مؤتمر الدوحة ليست الا تأجيل للمشكلة وليست حلا لها.

تتباهى بعض الحكومات بالتعهدات التي قامت بها، ولو تدرون ما طبيعةتعهداتهم، فهي ليست سوى وسائل ملتوية لتغطية جرائمهم. يقفلون معاملهم في ديارهم ليفتحوها في ديار الآخرين، في بلدان الدول "النامية"، يضللون الرأي العام عندما يتباهون بالأموال التي يصرفونها في سبيل تمويل مشاريع لمحاربة تغيير المناخ، وهي ليست سوى اموال تصرف في سبيل مشاريع محلية داخلية. بعد هذه التجربة، اتضحت لي امورٌ كثيرة، فالأنانية والفساد لم يطالوا سياسيّينا فحسب بل طالوا حكام العالم اجمعين.

فيا حكام العالم ان سامحكم البشر فلن تسلموا من عقاب الطبيعة!!