ما يستطيع "طفل صغير" فعله منظمة بيئية غير حكومية في لبنان تحدث فارقاً
"الخط الأخضر" منظمة غير حكومية لبنانية مستقلة تتخذ من بيروت مقراً. وبعد تأسيسها من مجموعة طلاب منخرطين في الشأن البيئي، بدأ الفريق العمل على مشروعه الأول في 1991. وأبدوا منذئذ التزاماً كاملاً برؤيتهم حول تحقيق "تنمية سليمة بيئياً في العالم النامي". وتتألف المنظمة غير الحكومية ذات الدافع الشبابي اليوم من موظفَين، ولجنة تنفيذية، ومجموعة متطوعين. وبعد بدء 2013 بوقت قصير، تجيب نعمت أبو شام، وهي أحد الموظفَين، والدكتور علي درويش، الأمين العام للمنظمة، على أسئلة، ويشرحان سبب إيمانهما بالعمل للبيئة، خصوصاً في لبنان، والسبب الذي يجعل "مؤسسة هينرش بُل" و"الخط الأخضر" شريكَين جيدَين، والمشاكل التي يرى المسؤولان أن منظمتهما تواجهها، والمشاريع التي تتابعها المنظمة هذا العام.
كريستين: كيف انخرطتما، ليس فقط في "الخط الأخضر"، بل كذلك في التنمية البيئية؟
علي درويش: أنا عموماً متطوع في "الخط الأخضر"، وأنا أحد المؤسسين. لذلك فإن ما أفعله، أساساً، أفعله باختياري. ثمة اقتناع. وقد أدعي بأنني إلى حد ما مؤيد للحفاظ على البيئة. وأحاول أن أحيا الأمر. وأنا مهندس زراعي لجهة المهنة، وأعمل للتنمية المجتمعية والريفية. كيف انخرطت في "الخط الأخضر"؟ كنا في الجامعة وشعرنا بالحاجة إلى الحفاظ على البيئة الطبيعية والثقافية في مرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب، فأسسنا المنظمة. كان مفترضاً بها أن تكون طفلاً صغيراً لكنها نمت بأسرع وأكبر مما توقعنا. وحتى 2005، كانت المنظمة كبيرة جداً وكانت طموحاتنا أكبر حتى. كيف انخرطت؟ لأنني أهتم. أظن أنني أهتم بحياتي وحياة الأجيال المقبلة. هذه هي المسألة. ببساطة. لماذا أعمل للحفاظ على البيئة؟ لأنني أهتم أيضاً بحقوقي. أنا واضح جداً في هذا الشأن. الهواء النظيف. المياه النظيفة. الوصول إلى المياه؛ حملتنا الحالية عنوانها "الحق بالموارد". لنا حق بمواردنا. لذلك علينا الحفاظ عليها، لنا وللأجيال المقبلة، لهم الحق كذلك. هذه هي المسألة أساساً؛ نحافظ على الموارد من أجل أنفسنا ومن أجل الأجيال المقبلة. أظن أن هذا سبب كافٍ لي لكي أكون هنا. أم لا؟
نعمت ابو شام: حصلت على ماجستير في التخطيط للسياسة البيئية، وانتقلت إلى السياسات. وأظن أن هذا هو ما نحتاج إليه في لبنان. لذلك ربما أستطيع فعل شيء في هذا الصدد في بلدي. ولأن لدينا مشاكل! لدينا مشاكل بيئية في لبنان وعلينا أن نواجهها.
كريستين: هل يمكنكما تعريف "العالم النامي" كما عرّفتماه لنفسيكما؟
علي: هي مسألة عالمية، على الرغم من أننا لسنا فاعلين جداً بعد في هذا الصدد. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عملنا بفاعلية أكبر على نطاق عالمي لمسائل مكافحة الفقر، والحق بالغذاء، والأمن الغذائي العالمي، والضغط مع منظمات غير حكومية أخرى. وفي منطقتنا من العالم، أي غرب آسيا، مثلاً، عقدنا اجتماعات تعاون كثيرة مع منظمات غير حكومية تعمل للأمن الغذائي والسيادة الغذائية. كان الأمر إذاً يتعلق بوضع الأولويات المجتمعية في الأجندة السياسية، والعمل معاً مع منظمة الأغذية العالمية "فاو"، ومع البلدان في مؤتمرات "فاو"، للترويج لأجندة المجتمع المدني حول الأمن الغذائي والسيادة الغذائية. ونعتبر لبنان جزءاً من العالم النامي. والبناء والعقارات هي التنمية الوحيدة الجارية الآن – القطاعات الأخرى لا تنمو بالسرعة ذاتها أو لا تنمو البتة، أي الموارد الطبيعية، والمجتمع، والروابط الاجتماعية، والثقافة. هل يمكنك تخيل مجتمع يصبح منقسماً أكثر فأكثر يومياً، وهل يمكنك تخيل مجتمع، بدلاً عن أن ينتقل إلى العلمنة، يتجه إلى قانون انتخاب تنتخبين بموجبه ممثل مذهبك، وليس دينك حتى؟
كريستين: ماذا تعني لكما التنمية السليمة بيئياً؟
علي: التنمية السليمة بيئياً هو ما تسمينه اليوم التنمية المستدامة. هي أساساً تنمية لا تأخذ في الحسبان رأس المال الإسمنتي فقط. فالسلامة البيئية تعني أنك لا تستنفدين الموارد كرمى للتنمية الاقتصادية. المؤسف أن الصناعيين والعقاريين والمديرين التنفيذيين للمشاريع يحتسبون الأرقام أساساً. هم لا يرون سوى الأرقام – البلايين والملايين. هم لا يفهمون عموماً ما هي القيمة الحقيقية للشجرة التي تنتج الأوكسيجين. هل تساوي 10 آلاف دولار؟ حقاً؟ ما هي القيمة الإيكولوجية بالمال لحديقة الصنائع؟ الأمر صعب جداً. لأن التنمية تعتبَر في الأغلب اقتصادية: كلما زاد المال الذي في حوزتنا، زاد التشغيل... نحن بلد نامٍ لأننا نملك مالاً إضافياً. يمكن لبلد أن يكون متقدماً، لكن يمكنه أن يملك مالاً أقل. إن المعايير إذاً مختلفة أيضاً. ألمانيا أو سويسرا بلاد متقدمة. لكن بيئتهم الطبيعية محمية أيضاً. لا ترين سويسرا ككتلة إسمنتية. حتى قرب بحيرة جنيف، لا تزالين ترين زراعة – هي قليلة الإنتاجية لكن الأمر ليس مهماً. أعطي المثال التالي تكراراً: كم ينتج حقل القمح؟ هكتار من القمح، هكتارات من القمح، خمسة هكتارات من القمح. قرب بحيرة جنيف، عند الشاطئ تماماً. 10 آلاف فرنك سويسري سنوياً؟ 50 ألف فرنك سويسري سنوياً؟ يمكنك بناء منتجع هناك ويمكنك الحصول على هذا المال في ثلاثة أشهر خلال الصيف. مثلما يفعل اللبنانيون. يحتلون الشاطئ ويفعلونها. يمكنك الحصول على الأمرين معاً، مع الحفاظ على المستقبل للأجيال التالية. نحن أنانيون أيضاً، وأعني مثل أصحاب رؤوس الأموال أولئك جميعاً. نحن أيضاً أنانيون، أنانيون بطريقة مختلفة. نريد الحفاظ على الطبيعة لأنفسنا ولأولادنا. نحن بشر ونقوم بالأمر، ليس لمجرد جمال الشجرة، وليس لجمال تنوعنا، وليس لصالح الحيوانات. ففي كل هذا، كما ترين، العامل البشري هو المحور. نحن نلهث وراء مصلحتنا. لكن هذه المجموعة من البشر، عالمياً، ترى مصلحتها في الحفاظ على البيئة والتنوع البيئي. إلى جانب كسب المال. فلكي تستمر الحياة، هذه هي الفلسفة وراءها، على ما أعتقد.
كريستين: كيف تأسست علاقتكم مع "مؤسسة هينرش بُل"؟
علي: التقينا مصادفة! كنت في اجتماع عقدته مصالح مشتركة – قبل سنوات كثيرة، قبل أكثر من 10 سنوات – مصالح وأهداف وآراء سياسية مشتركة. كانت كيرستن ماس رئيسة المكتب في رام الله وكنا نعرف هايكو فيمين، وهو ألماني كان مقيماً في هذا البلد. كان يعرف كيرستن وعرفها إلى الناس، إلى أصدقائه. وبعد سنتين، رغبت مؤسسة هينرش بُل في فتح مكتب في بيروت، وأصبحنا أصدقاء مقربين ونمت علاقة واسعة. وهكذا دعمناهم في فتح المكتب. وقبل سنة من فتح المكتب، بدأنا معهم مشروعاً يتعلق بالنقل المستديم. وعملنا لمشروعين وأصبحنا شريكين. وإلى جانب التمويل، ثمة مصلحة مشتركة. يجب ألّا ننسى أن هينرش بُل مؤسسة تابعة لحزب الخضر قبل أن تنخرط في مسائل ثقافية. كل الأمور تلتقي، أقصد من ضمن رزمة، لكنها مجدداً مؤسسة تابعة للخضر. وكمؤسسة تابعة للخضر، لديها قبل كل شيء أولويات خضراء. ولأنني عضو في حزب الخضر، أقول إن الخضر انخرطوا في السياسة لأن من الضروري الانخراط في سياسات دفاعية، وسياسات اجتماعية، وسياسات جندرية، إلخ... أظنها علاقة نقودها مصالح مشتركة، من دون أي محاولة من أي من الفريقين للتلاعب بالآراء السياسية للآخر.
كريستين: ما هي الأمور الرئيسية التي تواجهها حالياً؟
علي: تغير البلد اقتصادياً وفي شكل سلبي. ولذلك لا يستطيع الناس تكريس وقت أكثر كمتطوعين. أعتقد أن التطوع كان أسهل سابقاً. واليوم تشعرين أن الأمر يتعلق إما بتغيّر على صعيد الأجيال أو بتبدّل في أسلوب التفكير الذي يصبح أكثر مادية. لن أتهم هذا الجيل بأنه أكثر مادية، فمجدداً ثمة ضغوط اقتصادية تتأتى من تطور الحياة. يتطلب الهاتف المحمول ذاته، مثلاً، موازنة سنوية. حين أطلقنا "الخط الأخضر" وحتى 1995، لم تكن ثمة هواتف خلوية، ثم أدخِلت الهواتف الخلوية تدريجاً. ولا يقتصر الأمر على الهاتف، فثمة أشياء أخرى تؤثر في كلفة العيش. إن لبنان بلد غالٍ. كان البلد في وضع اقتصادي مختلف. ربما أنا مخطئ؛ لست أكيداً. لكنني أعتقد أن الضغوط الاقتصادية على الجيل الأصغر سناً كانت أقل في ذلك الوقت. وثمة اليوم إذاً اندفاع نحو كسب مزيد من المال. والسبب أن لديك التزامات أكثر مما ينبغي، أو على الأقل ضغوطاً أكثر مما ينبغي. هو نمط العيش، وكل شخص يريد تقليد الآخر. وعليهم أن يدفعوا الثمن وعليهم أن يعملوا.
كذلك ثمة تغير في العقلية. لماذا يجب أن أعمل مجاناً؟ ولا يقتصر هذا على لبنان. انظري إلى ألمانيا مجدداً. في آخر التسعينيات، كانت مكاتب المتطوعين الخاصة بـ"غرينبيس" في مناطق مختلفة من ألمانيا والمجموعات المحلية هناك، تعاني نقصاً في المتطوعين. هل يمكنك تخيل الناشطين؟ في 1995 وفي آخر التسعينيات، كان الناس يعلّقون أنفسهم بالجسور ويربطون أنفسهم بسلاسل إلى السكك الحديد. ربطت نفسي لأسبوع بسلسلة إلى حاوية عند سكة حديد قرب المفاعل في هامبورغ – مفاعل كروميل – لمنع شحنة نووية من الخروج. كانت الدرجة المائوية للحرارة تساوي 16 تحت الصفر. كان نهر الإلب متجمداً، وكان يمكنك أن تشاهدي كتل الجليد تتكسر، إذ كانوا يكسرون الجليد للحفاظ على حركة النقل في النهر. ولم أكن لوحدي! كنا كثر ولم نكن نتقاضى أجراً؛ لم يتقاضَ أي منا أجراً، باستثناء الناشطَين من "غرينبيس" اللذين كانا يتقاضيان أجرين جيدين جداً. وربطا نفسيهما بالسلاسل معنا أحياناً، لكننا كنا نقوم بالأمر. كنا نطارد "كاستور"، الشركة المتخصصة في نقل المواد النووية، من مكان إلى آخر، بين فرنسا وألمانيا. مجاناً. وأمضيت أربعة أو خمسة أيام في فرنسا في انتظار "كاستور". ودفعوا لي ثمن التذكرة وأجور الفندق وثمن الطعام. لكن لا راتب. كان الناس يقومون بذلك. وهنا كان الناس يأتون ويعملون لثلاث أو أربع أو خمس ساعات يومياً! من دون أجور وخلال عطلات نهاية الأسبوع أيضاً!
ثمة مشكلة جدية. يحاول بعض الناس إنكارها. أقول هذا شخصياً منذ سنوات. في ألمانيا خبرنا الأمر حين كنت هناك في أول التسعينيات. وخبروا بعضاً منه سابقاً، والسبب كذلك أن الحياة تجري في شكل أسرع هناك. وكان الأمر متوقعاً هنا. كيف يمكنك العمل؟ إن لم يكن الناس مستعدين للقيام بالأمر تطوعاً ولا تملكين المال؟ ماذا تفعلين؟ عليك العثور على بعض المجانين الذي سيعملون إلى مرحلة معينة تزيد فيها مسؤولياتهم، وهذا يعني أساساً في هذا البلد إلى أن يؤسسوا عائلة. مؤسف أن الأمر كذلك، فحين يصبح لديك أطفال، يصبح وقتك مختلفاً. تصبح أولوياتك مختلفة. سيكون علينا إذاً أن نرى.
مجدداً، أثرت عوامل أخرى في العمل. كانت ثمة طفرة في المانحين قبل ست أو سبع سنوات، وكان ثمة أساساً تدفق في المنح بالترافق مع قيود قليلة. نقول في العربية: "يللي ما بيغار بيكون حمار". تتكاثر المنظمات غير الحكومية كالفطر في لبنان. فكل لبنانيَّين يلتقيان يمكن أن يؤسسا منظمة غير حكومية. ولدينا الآن نحو 200 منظمة بيئية غير حكومية. وهذا أفسد المناخ ككل! فحين تبدأين في رؤية مال كثير، من سيرغب في العمل مجاناً؟
ويتزايد النشاط الافتراضي الفردي منذ سنتين. وتتطلب تداعيات هذه الظاهرة على العمل الجماعي والمجتمعي مقالة لوحدها!
تتركز خطط "الخط الأخضر" لـ2013 أساساً على مجالات فتح الفضاء العام وتحسينه والدفع بمسائل تتعلق بمشاكل السير في لبنان والأمن الغذائي. وتشمل المشاريع الملموسة في الفضاء العام الضغط لفتح حرج بيروت، وهو غابة صنوبر في قلب العاصمة ذاتها، يُمنع الناس العاديون من الوصول إليها. كذلك سيحاول الفريق الدفع باتجاه العمل لتحديث مطلوب جداً لحديقة الصنائع والحدائق العامة الأخرى في بيروت. وعلى الأجندة أيضاً تحويل ميدان سباق الخيل إلى فضاء عام مفتوح.
ومن المشاريع الأخرى التي تتولاها "الخط الأخضر" ضمان نيل جميع المواطنين اللبنانيين وصولاً مجانياً إلى المسابح، خصوصاً في بيروت. وفي ضوء رأيها المنتقد لمشاريع تنموية خلافية في طرابلس، تخطط المنظمة غير الحكومية أيضاً للتعامل مع هذه المسألة. وبالنسبة إلى مجال البنية التحتية اللبنانية، يلعب الفريق دور المنسق للحملة الوطنية للنقل المستدام، وهي تحالف لمنظمات غير حكومية مهتمة بإعادة تفعيل قوانين النقل المختلة وتحسينها. ويكمن الهدف الكبير الثالث في التحضير لمجموعة قوانين تستهدف تحسين الأمن الغذائي في لبنان.
ستستمر إذاً أصداء العمل الجبار لـ"الخط الأخضر" في "الحفاظ على الماضي، والحفاظ على الحاضر، وإعطاء المستقبل فرصة أفضل"، في التردد في المستقبل القريب.