ما هي المصلحة العليا التي تحول دون نقل الأم جنسيتها لأولادها

في1925/1/19، أصدر الجنرال ساراي، القرار رقم 15 الذي حدد في مادته الأولى أنه "يعد لبنانياً: 1- كل شخص مولود من أب لبناني؛ 2- كل شخص مولود في أراضي لبنان الكبير ولم يثبت أنه اكتسب بالبنوة عند الولادة تابعية أجنبية؛ 3- كل شخص يولد في أراضي لبنان الكبير من والدين مجهولين أو والدين مجهولي التابعية".

بعد مرور 87 عاماً على اصدار المفوض السامي للجمهورية الفرنسية لدى دول سوريا ولبنان الكبير والعلويين وجبل الدروز هذا النص الذي لا يزال ساري المفعول، توافق رأي نائب رئيس الوزراء في الحكومة المستقيلة مع آراء خمسة وزراء هم وزراء العمل والداخلية والخارجية والعدل والإعلام على عدم المس به وعلى إبقاء المواطنة اللبنانية محصورة بأولاد اللبنانيين دون اللبنانيات. جاء ذلك في تقرير أصدرته لجنة وزارية شكلها مجلس الوزراء في 2012/3/22(وضمت إلى الوزراء السابق ذكرهم، وزير الشؤون الاجتماعية) بهدف دراسة مشروع قانون يرمي إلى تعديل الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة من القرار رقم 15 الصادر في 1925/1/19 (قانون الجنسية).

الإشكالية التي كان يفترض أن تنظر فيها اللجنة وأن تتخذ بشأنها توصية ترفعها إلى الحكومة هي القول إذا ما كان يتوجب تعديل قرار الجنرال ساراي بشأن تحديد مقومات الجنسية اللبنانية أم لا. وقد أتى جواب اللجنة الوزارية بالنفي واقترح أعضاء اللجنة بالإجماع، على الحكومة (حكومة الرئيس ميقاتي المستقيلة) " عدم الموافقة" على مشروع قانون تعديل الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة من القرار رقم 15 تاريخ 19/1/1925 (قانون الجنسية).

بالعودة إلى خلفية تشكيل هذه اللجنة ينبغي التذكير بأنه رغبةً منها في التجاوب مع مطالبات المجتمع المدني وفي تحديث التشريع، سبق لوزارة الداخلية إن اقترحت على مجلس الوزراء في 27/4/2009 صيغتين لتعديل قانون الجنسية. طرحت الصيغة -أ-إضافة النص الآتي على الفقرة الأخيرة من المادة 4 من قانون الجنسية: "كذلك يحق للمرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي أن تمنح أولادها الجنسية اللبنانية". أما الصيغة –ب- فلم تأت على ذكر أية إضافات على المادة - -4 واكتفت باقتراح اعتماد نص قانوني يؤكد على انه "خلافاً لأي نص قانوني أخر، يعد لبنانياً كل شخص مولود من أم لبنانية شرط أن تكون جنسية الأب صادرة عن دولة معترف بها أو لا تتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين". في 2009/5/29 أعيد الملف إلى وزارة الداخلية والبلديات مع كتاب تضمن الإفصاح عن عدم تأييد رئيس مجلس الوزراء آنذاك لتوجه يؤدي في النهاية إلى التمييز في معاملة اللبنانيات المتزوجات من أجانب لجهة حصول أولادهن على الجنسية اللبنانية. وفي 2011/7/15، طرحت وزارة الداخلية والبلديات مجدداً الموضوع أمام مجلس الوزراء وكشفت عن موافقتها على تعديل قانون الجنسية حسب الصيغة –ب- " لتوافق مضمونها مع مقدمة الدستور التي حظرت التوطين". من جهتها قامت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ذات الصفة الاستشارية لدى الوزارات والمؤسسات الرسمية في كل ما يتعلق بقضايا المرأة، بدعم مطالبة المنظمات النسائية غير الحكومية بالاعتراف بحق الوالدة في نقل جنسيتها إلى أولادها واقترحت بدورها على مجلس الوزراء في 12/6/2012 مشروع قانون يعترف بهذا الحق للبنانية المتأهلة من أجنبي مع لحظ تسهيلات خاصة تعطى للأولاد القصر من أم لبنانية متأهلة من فلسطيني وتجيز لهم الحصول قضائياً على جنسية والدتهم عند بلوغهم سن الرشد إذا ما استوفوا شروطاً تتعلق بالإقامة المتواصلة في لبنان وبعدم ارتكابهم جريمة أو جنحة شائنة.

حق الأم اللبنانية أم حق أولادها؟

نصت المادة 4 من قانون الجنسية للعام 1925 (قرار المفوض السامي رقم 15) على "أن المقترنة بأجنبي اتخذ التابعية اللبنانية والراشدين من أولاد الأجنبي المتخذ التابعية المذكورة، يمكنهم، إذا طلبوا، أن يحصلوا على التابعية اللبنانية بدون شرط الإقامة سواء أكان ذلك بالقرار الذي يمنح هذه التابعية للزوج أو للأب أو للأم أو بقرار خاص. وكذلك الأولاد القاصرون لأب اتخذ التابعية اللبنانية أو لأم اتخذت هذه التابعية وبقيت حية بعد وفاة الأب فإنهم يصيرون لبنانيين إلا إذا كانوا في السنة التي تلي بلوغهم الرشد يرفضون هذه التابعية". المفارقة كانت أنه عندما اتخذ مجلس الوزراء قراره في 2012/3/21 بتشكيل لجنة وزراية للنظر في موضوع نقل الأم اللبنانية جنسيتها إلى أولادها، لم يطلب من اللجنة النظر في المادة الأولى (المذكورة أنفاً) من القانون بل طلب من اللجنة "دراسة مشروع قانون يرمي إلى تعديل الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة من القرار رقم 15 تاريخ 1925/1/19 رفع تقريرها مع الاقتراحات إلى مجلس الوزراء". يتضح مما سبق أن مجلس الوزراء بتحديد مهمة اللجنة بالنظر فقط في تعديل الفقرة الخيرة من المادة الرابعة من قانون الجنسية الحالي، قارب الموضوع من باب "اكتساب" الجنسية اللبنانية وليس من باب الإعتراف للمرأة اللبنانية بحق مساوٍ لحق الرجل في المواطنة وهذه المقاربة انعكست على النتيجة التي توصلت إليها اللجنة وأوقعتها في تناقض في الحيثيات التي أوردتها. فقد أهمل قرار تكليف اللجنة في الواقع الصيغة "ب" التي كان قد سبق لوزارة الداخلية أن أعلنت عن موافقتها عليها في العام 2011 كما أهمل مقاربة الموضوع من وجهة نظر المطالبة النسائية بالمواطنة غير المنقوصة للمرأة.

الحيثيات المؤلمة

جاءت الحيثيات التي أوردتها اللجنة الوزارية في بناء قرارها لتزيد مرارة دعاة إصلاح ممارسات الحياة السياسية في لبنان بقدر ما زادت مرارة دعاة إقرار حقوق المرأة. فهذه الحيثيات رفعت بيرق "المصلحة العليا للدولة" لتبرير رفض اللجنة الإقرار بحق الأم اللبنانية نقل جنسيتها لأولادها. توصلت اللجنة الوزارية بـ"الإجماع" إلى هذا الاستنتاج استناداً إلى حجج شككت في صحتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في دراسة قانونية رفعتها إلى رئيس الحكومة (المستقيلة اليوم) طالبة منه إعادة النظر في مسألة التعديل المطلوب لقانون الجنسية "وإعطاء مفهوم المواطنة اللبنانية مضموناً فعلياً". وقد أوردت الدراسة رداً مفصلاً على الحيثيات التي قدمتها اللجنة أشارت فيها بنوع خاص إلى الاعتبارات الآتية:

1- أن مبدأ عدم توطين الفلسطينيين في لبنان الوارد في الفقرة "ط" من مقدمة الدستور يعني عدم منح الجنسية اللبنانية لكل الفلسطينيين المقيمين في لبنان من غير استثناء ولا يتماهى مع إفساح المجال أمام حصول أولاد المرأة اللبنانية المتأهلة من فلسطيني على جنسية والدتهم إذ لا يشكل ذلك ترتيباً يشمل الفلسطنيين بشكل إجمالي.

2- ليس من العدل تحميل نساء لبنان مسؤولية الحفاظ على التوازن العددي بين المسيحيين والمسلمين وعلى انعكاسات هذا التوازن على البنى الدستورية كما ليس لنساء لبنان أن يتحمّلن مسؤولية تأخر المشترع اللبناني في وضع قانون انتخاب خارج القيد الطائفي.

3- لا يجوز الاستناد إلى قرار المجلس الدستوري رقم 2/2001 لتعليل عدم الأخذ بالمبدأ الدستوري في المساواة وعدم التمييز بسبب وجود "مصلحة عليا للدولة" إذ أن هذا القرار نفسه، الذي جاء يستثني الفلسطيني الأجنبي من حق التملك (مراعاة لمبدأ عدم التوطين)، أورد في نصه استناداً إلى المادة 7 من الدستور، أن تحقق المساواة يقتصر دستورياً على اللبنانيين. ولذا لا يجوز اللجوء إلى القياس للقول أن المصلحة العليا تحجب العمل بمبدأ المساواة عندما يكون المعنيون بموضوع المساواة نساء لبنان اللواتي يطالبن بحق موازٍ الذي يتمتع به الرجال اللبنانيون في نقل جنسيتهم إلى أولادهم.

إن لجوء اللجنة الوزارية إلى اسناد "المصلحة العليا" التي قالت أنها تقضي بعدم الإقرار بحق اللبنانية في نقل جنسيتها إلى أولادها، إلى متطلبات الحؤول دون توطين الفلسطينيين وإلى ضرورة الوقوف في وجه خطر اختلال التوازن العددي للطوائف يزيد من شعور الضياع الذي يحياه اللبنانيون الذين يكتشفون اليوم مع قرار اللجنة الوزارية بأنه لم يعد أمنهم فقط هو الذي يتم الاتفاق حوله "بالتراضي" بل إن حقوقهم الإنسانية باتت هي الأخرى تحدد " بالتراضي".

هل هذا شعور بالإحباط؟ لا أنه مجرد إدراك يزداد تعمقاً بأنه حان الوقت للمواطنين كما لطبقتهم السياسية أن يتجرأوا ويقدموا بصدق على تحديث البنى القانونية التي تحكمهم. ففي العشرينات من القرن الماضي عندما صدر قانون الجنسية كانت الحركة النسائية تطالب بمحو الأمية بين الإناث أما اليوم فالجامعات تكتنز المتفوقات اللواتي يفتخر بهن لبنان. فلِمَ دفن الرؤوس في رمال الماضي والقول "بمصلحة علياً" تمنع عنهن حقاً أساسياً من حقوق المواطنة؟

نشر هذا المقال على موقع جريدة (النهار) بتاريخ 14 نيسان / ابريل 2013 ويعاد نشرة هنا بموافقة من الكاتبين، جمانة مفرّج وفادي كرم.