الزواج في بلد اللجوء: النساء والفتيات السوريات في الأردن

وقت القراءة: %count دقيقة

على بعد 15 كيلومتراً من الحدود الأردنية السورية عند أطراف الصحراء الأردنية الشمالية، يقع مخيم الزعتري الذي أصبح ثاني أكبر مخيم لاجئين في العالم ورمزاً مثيراً لأزمة إنسانية شرّدت أكثر من 2,25 مليون سوري بعيداً عن أرضهم. ما يحدث في مخيم الصحراء من حرائق، واضطرابات، واحتجاجات، ووفيات بين الأطفال، وجوع، وعواصف رملية، وغبار، وحرارة، وفيضانات، كل ذلك أدى إلى تصدّر الزعتري العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام في المنطقة وحول العالم. لكن قضية واحدة وصمت المخيم بسمعة سيئة، ألا وهي "الاستغلال" المزعوم للفتيات والنساء السوريات.

أصبحت حفلات الزفاف في مخيم اللاجئين تستخدم كرموز للاستقطاب، حيث تحذر تقارير إعلامية من "الزيجات المؤقتة" التي تُرتّب للفتيات السوريات من الأثرياء القادمين من الخليج العربي مستغلين حاجة الأسر الفقيرة الماسة للمال. بينما يستخدم آخرون فيديوهات حفلات الزفاف والحناء لإثبات قدرة اللاجئين السوريين على الصمود. ولكن بعد زيارة قصيرة إلى مخيم الزعتري، أو أحد عشرات الأحياء التي تضم لاجئين سوريين في الأردن، يمكنك أن تدرك بسهولة أن الظاهرة أكثر تعقيداً مما توصف، وستسفر عن عواقب بعيدة المدى تؤثر على كل من المجتمع السوري والمجتمعات المضيفة في المنطقة كلها. وبرغم التركيز الإعلامي على ما يسمونه بالزيجات المُرتّبة بين السوريات والزوار الأثرياء، إلا أن معظم الزيجات في الأردن تحدث بين السوريين أنفسهم. لكن حتى بين أكثر مجتمعات اللاجئين تماسكاً، بدأ اتجاه مزعج في الظهور وصار يشكل تحدياً للنساء السوريات: فمعظم الزيجات لفتيات قاصرات وتتم بلا توثيق. فيما يحذر مسؤولو الإغاثة والنشطاء الحقوقيون والسوريون أنفسهم من أن يترك هذا الاتجاه جيلاً من الشابات السوريات عرضة للاستغلال، مع تجريدهن من الحقوق المادية والحقوق الزوجية القانونية.

نجاة ذات الخمسة عشر عاماً كانت كعشرات الفتيات السوريات تستعد ليوم زفافها في مخيم الزعتري، داخل ما يشبه "المقطورة" التي تحوّلت على يد منظمة أهلية دولية إلى صالون تجميل، كانت تجلس نجاة وحولها والدتها وأخواتها وحماتها المستقبلية يرسمن الحناء على يديها وذراعيها، بينما تضع مصففة الشعر مساحيق تجميل كثيفة على وجهها الطفولي. تقول والدة نجاة: "لم نتمكن من الانتظار عاماً آخر لتزويجها، هذه هي السن المناسبة لزواج الفتاة وإنجاب الأطفال".

الزواج بالأرقام

لا أرقام محددة لعدد القاصرات اللواتي تم تزويجهن في مخيم الزعتري، لكنّ عدداً من رجال الدين المسلمين (المشايخ) في المخيم صرّحوا بتلقيهم 20 طلباً أسبوعياً، كمعدّل متوسط، لعقد قران فتيات قاصرات تحت سن 18.

يوسف هلال، مالك أحد المحال الثلاثة لفساتين الزفاف في المخيم، يخيط حوالي 15 فستان زفاف أسبوعياً، بعضها لفتيات في سن 13. "أحيانا تدّعي الأمهات أن بناتهن يبلغن 17 أو 18 عاماً". ثم يضيف: "لكن الواضح أن عمر كثير من الفتيات اللاتي يأتين إلى هنا لا يتعدى 14 أو 15"، يقول يوسف قبل أن يتجه لخدمة ثالث عروس زارت محله في أقل من أربع ساعات. أما في ما يخص الزيجات خارج المخيم، فصرّح الناطق الرسمي باسم دائرة قاضي القضاة الأردنية القاضي أشرف العمري في لقاء خاص أنه تم توثيق أكثر من 2000 زيجة لسوريات من رجال سوريين في المحاكم الشرعية في الأردن اعتباراً من نوفمبر 2013؛ وأكثر من 20 بالمئة منها، أي حوالي 500، لفتيات تحت سن 18.

ويقول القاضي أشرف العمري "نعرف أن هناك زيجات أكثر تتم دون توثيق داخل مخيم الزعتري وخارجه". يُذكر أن السن الأدنى للزواج في الأردن هي 18 لكل من الزوجين، لكن في بعض الحالات الاستثنائية يُسمح بالزواج في سن 15. الزواج المبكر: تقاليد متوارثة أم نوع من الاستغلال؟ يدافع الكثير من السوريين عن ظاهرة الزواج المبكر، مؤكدين أنها مجرد امتداد لجزء أصيل من الثقافة السورية وتقاليدها وليست استغلالاً. فيقول سامر الحوراني، أحد المقيمين في المخيم وعمره 32 عاماً: "نتزوج في بلدنا مبكراً جداً. كان عمري 18 عاماً حين تزوجت بينما كانت تبلغ زوجتي 14 عاماً".

وتشير دراسة تقييمية مجتمعية أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الأردن أن 51,3% من الإناث و13% من الذكور الذين شاركوا في الدراسة تزوجوا قبل سن 18، ومعظمهم تزوج قبل وصوله الأردن. جاء التقرير بعنوان "تقييم مشترك حول العنف القائم على نوع الجنس وحماية الطفل بين اللاجئين السوريين في الأردن، مع تركيز على الزيجات المبكرة"، وقام على استفتاءات ومقابلات مع السوريين في مخيم الزعتري والمجتمعات المضيفة.

في عام 2009 قدمت منظمة اليونسيف تحليلاً لوضع الأطفال في سوريا، أشار إلى أن 13% من الإناث بين سن 20 و24 تزوجن قبل سن 18 في سوريا. وتقول دعد موسى، المحامية السورية والناشطة في مجال حقوق المرأة، إن الزيجات المبكرة كانت "شائعة جداً" بين السوريين قبل الحرب، "في سوريا تتزوج الفتيات في سن 13 أو 14، خاصة في المجتمعات الريفية". وتضيف دعد أن التقاليد والظروف الاجتماعية الاقتصادية هي الأسباب الرئيسية وراء الزواج المبكر الذي يصدق عليه قانون الأحوال الشخصية في سوريا.

يقر قانون الأحوال الشخصية السوري الحد الأدنى لسن الزواج 17 عاماً للذكور و16 عاماً للإناث، مع استثناء يسمح للسلطات الدينية بالتصديق على زيجات غير رسمية للإناث في سن 13 والذكور في سن 16. وبعيداً عن التقاليد، يعرب السوريون عن ملاحظتهم للزيادة المفاجئة في معدل الزواج، والتي تتعلق بجزء منها بزيادة المخاوف الاقتصادية الحديثة. لذا تبدي الكثير من الأسر السورية موافقتها على تزويج بناتهن دون طلب مهر أو أي تأمينات مالية أخرى؛ ما يعني إعفاء طالب الزواج من توفير المنزل أو الأثاث أو الذهب أو حتى تكاليف حفل الزفاف، وذلك على عكس العادة في سوريا.

ومع توافر فرصة الزواج دون تحمل عبء مليون ليرة (7000 دولار أميركي) هي قيمة المهر والذهب،]قيمة صرف الدولار مقابل الليرة السورية منخفضة الآن، حيث إن المليون ليرة سورية كان يساوي أكثر من 20000 دولار أميركي قبل 2011[. وعليه يستغل الكثير من الذكور السوريين الفقراء حياتهم الجديدة في المخيم، فلولا هذه الفرصة لظلوا عزاباً. من المقطورة السكنية التي يقطن فيها هو وزوجته يقول محمد نعيمي، المزارع القادم من المنطقة الجنوبية لخربة غزالة في محافظة درعا: "لم أكن لأتزوج أبداً في بلدي حتى قبل الأزمة".

كان حفل زواج محمد بسيطاً حضره أصدقاؤه ووالده تكلف 100 دولار. في سوريا، كان هناك أثرياء وفقراء؛ "كلاجئين، كلنا هنا سواء". "يقولون اليوم لا تتكلف سوى خاتم، فلمَ لا تتزوج؟". هكذا قالت زهور التي تعمل خاطبة ترتب للزيجات بين اللاجئين واللاجئات من مسكنها المؤقت في الضليل شمال الأردن.

ويرى يونس البرقعندي – رجل الدين الذي نشأ في درعا - أنه رغم أن الزيجات تحدث بين أهل المجتمع السوري، فإن هذا الاتجاه ترك الباب مفتوحاً لاستغلال الفتيات المجردات من حقوقهن. فيقول: "في هذا المخيم تُشترى الفتيات وتُباع بكلمة واحدة". ويصر يونس، على عكس زملائه من رجال الدين السوريين، على أن يوثّق الزيجات التي يتمها كتابة؛ الأمر الذي دفع الكثير من الأسر للتخلي عن خدماته.

في مراسم الزواج في الزعتري والمناطق الأخرى التي تضم لاجئين سوريين، لم يعد يقدّم العريس المهر المعتاد الذي يقارب 100,000 ليرة سورية (700 دولار)، وإنما يتم الاتفاق عليه شفهياً بين أسرته وأسرة العروس ليدفع حال العودة لبلدهم. وما دامت المهور التي تقل عن 500,000 ليرة (3500 دولار) لا تسجل على ورق فهي تعتبر ديناً، يرى رجال الدين أن قليلاً من العائلات من المتوقع أن تفي به.

يضيف يونس: "هل تتصور أن تُزوّج ابنتك وتترك حقوقها كدين؟". كما يضيف أن الكثير من الأسر تلجأ إليه للتصديق على زيجات فتيات تبدأ أعمارهن من 12 عاماً في محاولة لتحسين وضعهم الاقتصادي. "إنهن طفلات. أي في وضع طبيعي هن طالبات يذهبن للمدرسة لا ربات بيوت وأمهات." – "عدم إحساسهم بالاطمئنان على مستقبل بناتهم يدفعهم لتزويجهن في هذه السن"، هذا ما قالته نعمة شوبان مستشارة حماية الأطفال في منظمة "أنقذوا الأطفال".

الزواج المبكر: آراء متعارضة لرجال الدين

محمد السعود – رجل الدين البالغ 55 عاماً والذي فر من مدينته درعا إلى الأردن منذ عام - حذر من أنه رغم جواز زواج الفتيات في سن 15 وفقاً للشريعة، إلا أن غياب السلطات في المخيم وانعدام الرقابة المجتمعية تركا الباب مفتوحاً أمام "الانتهاك المُتفَشّي" للفتيات السوريات. ويقول السعود الذي يتم متوسط 10 زيجات أسبوعياً في المخيم: "من وجهة نظر دينية، إذا قبلت الأسرتان، وكان العريس مستعداً وقادراً على حفظ حقوق العروس الزوجية والمدنية واحترامها، فلا يكون الزواج مقبولاً فقط بل مباركاً أيضاً".

"لكن في الزعتري، تُزوّج الأسر بناتهن دون إعلام رجل دين أو حتى تبليغ الأقارب؛ الله وحده يعلم ماذا سيحدث لهؤلاء الفتيات خلال عام أو اثنين. ففي هذه الحالة لا رقابة أو جزاء إذا انتهك رجل عروسه أو هجرها". وبينما يقلق بعض رجال الدين مثل السعود وبرقعندي من ارتفاع نسبة زيجات القاصرات غير المصرح بها، يواصل آخرون إتمامها في مخيم الزعتري وفي أماكن أخرى بالأردن بحجة أنهم "يحفظون" حقوق النساء السوريات.

يقول محمد أبو طيب - رجل الدين الذي نشأ في مدينة طفس - إنه صادق على زواج فتيات من سن 12 في الأردن كجزء من "واجبه الديني" لحفظ مجتمعه من الاستغلال وما يصفه بـ"رذائل حياة اللجوء". "وصلت الكثير من الفتيات إلى الأردن بلا آبائهن أو إخوانهن أو أعمامهن" هذا ما قاله أبو طيب من موقعه في إربد شمال الأردن الذي يتم وفق قوله حوالي 50 زيجة شهرياً؛ أكثر من نصفها لفتيات قاصرات. "بلا زواج هن معرضات للاستغلال من قبل الرجال الأردنيين أو السوريين الذين قد يظنون أنهن ضعيفات وبلا رأي. الطريقة الوحيدة لإنقاذهن من البغاء أو الانتهاك هو ضمان تزويجهن لمن يدافع عن حقوقهن ويرعاهن.

نحن نحمي الجيل القادم في سوريا". أما أحد رجال الدين في الزعتري الذي فضل ألا يعلن عن هويته بسبب مخاوف أمنية فيقول إنه لا يرى العروس في الأساس ليتحقق من عمرها ومن صحة الزواج. "دوري هو مباركة الزواج فقط. والفتاة تحت وصاية أبويها. إذا اختارا الزوج غير المناسب لعروس صغيرة، فإنهما يخدعان نفسيهما". ثم يشير: "لطالما كان ذلك يحدث (الزيجات المبكرة)، والرسول نفسه تزوّج عروساً في التاسعة من عمرها".

زيجات غير موثقة: حقوق ضائعة

يحذّر النشطاء ورجال الدين والقضاة من العواقب الوخيمة للزيجات غير الموثقة التي قد تترك النساء بلا مأوى وتحرم الأزواج من ادعاء الوصاية القانونية الشرعية على أطفالهم. ويوضح القاضي العمري قائلاً إن هذا الوضع غير قانوني في الأدرن، فتوثيق الزيجات في المحكمة الشرعية يظل الدليل المسجل الوحيد الذي يمتلكه المسؤولون على الأبوة وحقوق الميلاد. ويضيف: "لا يُعترف بالزواج بدون توثيقه في المحكمة الشرعية.

فبدونه إذا طلبت المرأة الطلاق، فستفقد هي وأطفالها كل حقوقهم ولا يمكننا حينها تعقب نسبهم". رغم عدم شرعية الزواج غير الرسمي في الأردن وانتشاره بين السوريين، فلم تبلّغ السلطات حتى الآن عن أي إجراءات توقيف بهذا الشأن. ومع ذلك فمن لم يسلكوا الطريق الرسمي في إتمام زواجهم في الأردن ويرغبون الآن في تشريعه، عليهم دفع مبلغ مالي في المقابل. فوفقاً للقانون الأردني، تقع على السوريين الراغبين في تسجيل زواجهم بعد إتمام مراسمه غرامة قدرها 200 دينار (280 دولاراً) وذلك على كل من العريس والعروس وأبوي كل منهما والمأذون، أي ما يساوي إجمالاً 1000 دينار (1400 دولار) ويرى السوريون أن هذا ما يمنع الكثيرين من الإقدام على تسجيل زواجهم غير الرسمي.

أما العامل الآخر وراء ارتفاع نسبة الزيجات غير الرسمية فهو تقليد قانوني ثقافي فريد من نوعه يعود إلى عقود سابقة للأزمة الحالية. وفقاً لرجال الدين وخبراء القانون السوريين، فالكثير من الأزواج – خاصة من أهل الريف - لم يكن عليهم تسجيل زواجهم في المحكمة إلا بعد إنجاب الطفل الأول، وذلك لاستخراج شهادة ميلاد سورية قانونية. ويحذّر خبراء قضايا النوع من أن التقاليد المتوارثة منذ أمد طويل المبنية حول هذه الثغرة القانونية، إضافة إلى ضغط السلطات الأردنية، يثني الآلاف من النساء السوريات عن توثيق زواجهن؛ ما يجردهن من حقوق الزواج والأمومة والحقوق الإنسانية أيضاً، في وقت قد لا يملكن فيه قوة كافية لانتزاع تلك الحقوق.

وتحذر ليلى نفاع من منظمة المرأة العربية: "تتزوج الفتيات هنا بينما يسوء الوضع داخل سوريا. وينضم بعض الرجال للمقاتلين تاركين زوجاتهم هنا، وبعضهم يهجرونهن". ونتيجة لطبيعة الارتباط غير الموثق، تظل النساء السوريات تحت رحمة أزواجهن، الذين يحذر الخبراء القانونيون ورجال الدين من أنهم قد يطلقون زوجاتهم أو يهجرونهن دون مواجهة عواقب قانونية أو اجتماعية أو دينية. وتفصح إحدى السوريات شرط عدم الإعلان عن هويتها قائلة إنه بعد بضعة أيام في الأردن بدأ زوجها يهددها بالطلاق بسبب خلافات عادية. "قال إنه كما تزوجني بكلمة، يمكنه أن يطلقني بكلمة".

يقول النشطاء إن الأزواج السوريين الذين أتموا زواجهم في سوريا دون تسجيله يواجهون تحديات قانونية تتعلق بنسب الأطفال. "التقينا بأسر سورية ليس لديها دليل على أنها أسرة واحدة. وبالطبع الأمر أصعب للأسر التي تعولها النساء" - المحامية الأردنية رنا أبو السندس من المجموعة المحلية لحقوق النساء: المعهد الدولي لتضامن النساء.

أمهات قاصرات

تنتظر نجاة التي تزوجت منذ سبعة أشهر طفلها الأول قبل نهاية هذا العام. فهي كباقي العرائس السوريات تواجه ضغط الأهل بالإنجاب في أسرع وقت منذ ليلة الزفاف. داخل مخيم الزعتري وفي المجتمعات المضيفة تتوافر عيادات تابعة لصندوق الأمم المتحدة للسكان تقدم خدمات للصحة الإنجابية تشمل الاستشارة وتنظيم الأسرة وأيضاً علاج الالتهابات. ويصرّح فريق عمل الصندوق بأن الفتيات القاصرات يمثلن أكثر من 10 بالمئة من المرتادين على العيادات خلال الأشهر الأخيرة، ويأتي معظمهن لطلب المساعدة في الولادة ومعالجة الأمراض التي تمنع الحمل.

تقول طبيبة النساء ريما دياب: "قليل جداً من يطلب استشارة في تنظيم الأسرة، كل رغبتهن تنصبّ على حدوث حمل". بينما يصل عدد حالات الولادة في المتوسط إلى 30 حالة أسبوعياً في مخيم الزعتري، نصفها لأمهات تحت سن 18. وتحذّر القابلة منيرة شعبان: "الأمر له عواقب جسدية، خاصة عند حدوث حمل وولادة مبكراً، ما يزيد من مخاطر الوفيات بين الأمهات".  ووفقاً لأرقام من منظمة اليونسيف فالوفيات المتعلقة بالحمل هي سبب رئيسي في وفاة الفتيات في سن 15 وحتى 19 حول العالم.

زوجات المقاتلين

فاطمة السعود هي إحدى الفتيات اللاتي يتزايد عددهن في مخيم الزعتري ممن رحل أزواجهن إلى سوريا للقتال بعد أيام من الزواج. "تزوجنا يوم الجمعة، وفي الأحد التالي كان يستقل الحافلة عائداً إلى سوريا" تتحدث فاطمة ذات السبعة عشر عاماً بينما تحتضن صورة لزوجها أحمد البالغ 24 عاماً في المقطورة التي كان يسكنها معها خلال فترة زواجهما القصيرة، وذلك بعد أن مر خمسة أشهر على رحيله. "كنت أعرف أنه في الجيش السوري الحر، وكان يريد أن يعود ويقاتل، لكني لم أكن أتصور حدوث ذلك بهذه السرعة".

لا إحصائيات رسمية للفتيات اللاتي تزوجن من مقاتلين في مخيم الزعتري، برغم أن أفرع المخيم التابعة لمجلس القبائل السورية والمجلس العسكري الأعلى لديها تقديرات تشير إلى أن حوالي 150 من المقاتلين حالياً والذين تم تجنيدهم مؤخراً يتزوجون شهرياً في المخيم؛ وأكثر من نصفهم بفتيات تحت سن 18.

معظم الأزواج كانوا على معرفة ببعضهم البعض قبل انتقالهم إلى الأردن أو جاؤوا من القرية نفسها في سوريا، ومع حفلات الزفاف التي تبارك فيها الأسرتان الزواج تتلاشى الصورة الاستغلالية التي يثيرها مصطلح "عروس المقاتل". وبرغم الزيجات التقليدية، تقول فاطمة إن حياة زوجات المقاتلين هي لا شيء سوى الانتظار والحنين لعودة أزواجهن.

فتقضي أيامها كمعظم ربات البيوت في المخيم المتزوجات من مقاتلين، اللواتي تتزايد أعدادهن باستمرار، تعد الشاي والقهوة لإخوة زوجها ووالديه، وفي انتظار زيارة الأقارب تتابع آخر تطورات الوضع في سوريا على قناة الجزيرة. وخلال الواجبات المنزلية تقضي زوجات المقاتلين، مثل فاطمة، معظم الوقت في انتظار أخبار للاطمئنان على سلامة أزواجهن وضمان عودتهم في النهاية.

تقول فاطمة إنها لم تسمع أي خبر عن زوجها منذ أن سافر من قريته الشجرة إلى مدن دمشق مع الجيش السوري الحر منذ ثلاثة أشهر. وخلال الأسابيع التي تلت محادثتهما الهاتفية الأخيرة، تم نقل فاطمة إلى إحدى عيادات المخيم حيث عرفت بحملها، ومن المتوقع أن تلد خلال ثلاثة أشهر تقريباً. ومع اقتراب موعد ولادتها، تجد فاطمة نفسها في مواجهة مستقبل توقعته هي وقليل من زوجات المقاتلات حين تزوجن؛ مستقبل الأم الوحيدة التي عليها رعاية طفلها على أرض غريبة بعيداً عن عائلتها أو شبكة المعارف التقليدية التي من الممكن أن تدعمها.

وتشرح أنها لولا ما حدث في سوريا لكانت في بلدها الآن ولأعانتها أمها وجدّتها على رعاية الطفل؛ إلا أنهما قُتلتا أثناء قصف قريتها ناوا التابعة لمحافظة درعا في بداية هذا العام. "لكانت علمتني أمي كيف أعتني بالطفل، كيف أساعده على النوم، وكيف أعرف إن كان جائعاً أو مريضاً"، وتضيف: "ولكان الأمر أسهل بكثير". ومع غموض مصير زوجها والموقف محط التساؤل وفقاً للقانون الأردني المتعلق بنسب طفلها الذي لم يخرج بعد إلى الدنيا، تحاول فاطمة جاهدة كالكثير من المتزوجات حديثاً أن تجد حلاً لمستقبلها المجهول.

"في سوريا لم نكن نعرف إن كنا سنعيش لليوم التالي" تقولها فاطمة وتوجه نظرها على يديها حيث تخيط قبعة من الصوف لطفلها المنتظر، "أما هنا فعلينا أن نتعلم كيف نواصل ونعيش".

عرائس سوريات قاصرات: مستقبل مجهول

لا يزال مئات من السوريين يعبرون يومياً إلى الأردن عبر 370 كيلومتراً من الحدود المشتركة السورية الأردنية، وبناءً على ذلك تتوقع السلطات الأردنية تفاقم ظاهرة الزواج المبكر، خاصة مع بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه. بينما تتصور الأمم المتحدة أن يتجاوز عدد اللاجئين المليون بنهاية 2013، وذلك مع عبور أكثر من 400 سوري إلى الأردن يومياً. وتعمل السلطات مع هيئات الإغاثة على سرعة إنقاذ ما يطلق عليه البعض "الجيل الضائع" من النساء والفتيات السوريات. وتعمل السلطات الأردنية على فتح مكتب يتبع المحكمة الشرعية في مخيم الزعتري لتسجيل الزيجات لضمان توافقها مع القانون الأردني والإسلامي وتقديم الاستشارة للمتزوجين حديثاً.

يقول القاضي العمري من دائرة قاضي القضاة الأردنية: "ندرك صعوبة ترك المخيم والذهاب للمحكمة، لكنهم يحتاجون مكاناً يصلهم بالمحكمة ويقدم لهم المشورة". وفي هذه الأثناء يعمل النشطاء وهيئات الإغاثة على الأرض في المخيم وفي أماكن أخرى مع المجتمع المحلي على تدشين سلسلة من حملات التوعية ضد ظاهرة الزواج المبكر. وبالتعاون مع رجال الدين وكبار رجال القبائل ممن لهم تأثير على المجتمع، تمكنت منظمة "أنقذوا الأطفال" مع عدد من المنظمات الأخرى من الوصول إلى سكان الزعتري والتحذير من عواقب الزواج المبكر في المنفى وآثاره البعيدة المدى. تقول نعمة شوبان من منظمة "أنقذوا الأطفال": "استغرقنا وقتاً للوصول للاجئين. ونعرف أن منع هذه الظاهرة التي تعتبر تقليداً يعد تحدياً". لكن رغم التحذيرات والمخاطرات، يظل الزواج خياراً جذاباً لضمان الأمان والأمن والاستقرار لمئات الفتيات السوريات الصغيرات المتعطشات لليقين في مواجهة مستقبل مجهول.

"الحرب أخذت مني أسرتي" هكذا قالت شيرين حريري ذات الستة عشر عاماً، وهي لاجئة يتيمة من درعا، بينما تستعرض أثواب الزفاف في محل هلال بمخيم الزعتري، وذلك قبل أسابيع من زواجها المعلق من أحد مقاتلي الجيش السوري الحر في أكتوبر. "الآن لدي الفرصة لتكوين أسرة جديدة".