"لقد بدأوا يسبّبون قلقاً اجتماعياً خطيراً" يقول مصطفى عقل رئيس بلدية المنية، وهي مدينة ذات دخل منخفض/ متوسط في شمال لبنان "فبالإضافة إلى حجم استهلاك الماء والكهرباء، ومشاكل الصرف الصحي والتخلص من القمامة، وكلفة إصلاح البنية التحتية، وعدم وجود تنظيم للنفايات الصلبة في مخيمات البؤس التي يعيشون فيها، ترتفع علاوة على ذلك تكاليف السكن في المدينة بسرعة فائقة". وأضاف بتواضع: "أريد أن أزوّج ابني، ولكن ليس هناك المزيد من المنازل المتاحة. والنساء السوريات اللواتي يطلبن ضماناً مالياً أقل يتنافسن مع بناتنا. يخشى العديد منّا أن تصبح بناتهم عوانسَ!".
تعاني العديد من البلديات في لبنان أكثر من غيرها من تدفق اللاجئين السوريين، إضافة إلى أن الحكومة اللبنانية لا تعيرهم الكثير من الاهتمام ولا تتحمل المسؤولية المالية لهذه المشكلة. أوضح السيد عقل كيف رحّبوا بدايةً بإخوانهم وأخواتهم السوريين وكيف دعموهم دعماً كاملاً في الأشهر الأربعة الأولى بدافع من "الاحترام الإنساني والديني". أما الآن، ومع استمرار الأزمة السورية وعدم وجود نهاية في الأفق وارتفاع مستوى الفقر عند السكان نتيجة لعدم القدرة على الوصول لأسواق المدينة الخارجية ومنتجاتها، فلن تقوى المدينة على الاستمرار في تقديم العون أكثر من ذلك. "يقدم النرويجيون المساعدة، يأخذون على عاتقهم مهمة إنشاء نظام الصرف الصحي وأنابيب النفايات الصلبة التي من شأنها أن تغذّي الشبكة الموجودة في المدينة. ولكن لا يقدم لنا أحد يد العون لمعالجة موضوع مضاعفة القمامة على سبيل المثال، وهي تصل إلى 60 طناً في اليوم الواحد. نحن بحاجة إلى المزيد من الشاحنات، وإلى المزيد من المال اللازم للدفع للعمال والمستودعات الإضافية". واختتم قائلاً: "نستطيع الاستمرار أكثر في تقديم العون بمزيد من الدعم الدولي لنا".
في أكتوبر عام 2013، وخلال المؤتمر الذي عقدته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، طلب رئيس الوزراء المؤقت نجيب ميقاتي مزيداً من الدعم قائلاً: "إن سبيل لبنان الوحيد لمعالجة هذه المشاكل هو الدعم المقدّم من المجتمع الدولي لتسريع التوصل إلى حل سياسي في سوريا يفضي إلى تأمين الاستقرار هناك، وعودة النازحين إلى بيوتهم ومنازلهم وأراضيهم ومدارسهم". ويضيف ميقاتي: "لقد خلق هذا الوضع واقعاً جديداً في لبنان يؤثر على كل جانب من جوانب الحياة اليومية: ظروف البنية التحتية والأمن والمعيشة. ينبغي أن يحثّنا هذا الواقع على تجنب كل أشكال الصراع، وأن نكون يقظين جداً حيال أية محاولة لاستغلال الوضع". ودعا ميقاتي أيضاً الفصائل السياسية إلى اللجوء للحوار الوطني من أجل التغلب على الجمود في لبنان. "نحن ندعو جميع الأطراف للعودة إلى الحكمة والاتفاق والتمسك بالمصلحة الوطنية بالمرتبة الأولى. وهذا يتطلب منا جميعاً أن نعود إلى الحوار والمصالحة باعتبارها السبيل الوحيد للخروج من المأزق الحالي". وكأنه بذلك يتحدث عن الوضع في سوريا.
يكرر ويعيد قائد شرطة برمانا مارون حبشة، وهو مسيحي من بلدة جبلية معظمها من المسيحيين تقع في المنطقة السياحية من جنوب لبنان وتبعد 30 دقيقة عن بيروت، مؤكداً لطف السوريين الذين جاؤوا إلى بلدته وكيف يصفون سياراتهم بعناية متجنبين المخالفة، وكيف يتحدثون بأدب مع الجميع. ثم أطلعني كيف سجّل كل السوريين في المدينة باستخدام استمارة تسجيل الأسرة التي تتضمن صورة الجواز والأحوال المدنية لكل شخص. أكّد لي: "إنهم لا يسببون أي ازعاج اجتماعي" وأضاف أنه يذكّرهم ليلاً نهاراً بأن جيرانهم يسمعون دردشتهم عبر هواتفهم المحمولة أثناء الجلسات التي يقومون بها في شرفاتهم أو عندما يستيقظون صباحاً لتناول الطعام خلال شهر رمضان متناسين بذلك سكان المدينة الذين يتّبعون ديناً آخر على الرغم من احترامهم لدينهم.
لا يسبب اللاجئون السوريون الكثير من المتاعب لنائب رئيس بلدية أرنون أيضاً. فتقوم البلدية بتسجيل أطفالهم في المدارس وتقدم الاحتياجات الطبية لنحو 44 أسرة من أسر اللاجئين الذين جاؤوا إلى هذه المنطقة الريفية ذات الإيجارات المرتفعة والتي تعاني من نقص في فرص العمل.
يقول أبو سليم الذي خرج للتو من وادي البقاع شرق لبنان، والذي كان يسلّم قارورات المياه إلى متجر صغير حيث توقفت لتناول الإفطار: "نتمنى لإخواننا وأخواتنا السوريين أن يعودوا الى وطنهم، و أنه يجب أن يكون هناك مناطق محايدة ليعود إليها النازحون السوريون وتكون هذه المناطق محمية من القصف والاشتباكات". ويضيف الرجل الذي يخبرنا أنه قد تعب من الضوضاء والقمامة ورخص اليد العاملة التي يسببها أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري في لبنان: "هم يسرحون في لبنان ويمرحون بلا رقابة، وليس لديهم مراحيض أو مجار، ويأخذون وظائفنا وتجارتنا".
في البداية، كان العديد من مخيمات اللاجئين السوريين، المسجلين في وكالة الأمم المتحدة للاجئين أو في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، يتلقى أموالاً لاستئجار الكراجات والمحال التجارية والمباني الفارغة والمباني السكنية الجماعية التي ساعدت المنظمات الحكومية في إنشائها لتصبح ملائمة للسكن. إلا أن اللاجئين السوريين الأكثر فقراً قد بنوا لأنفسهم خياماً أو غرفاً من الصفيح المعدني بجانب بيوت أقاربهم أو في مساحات الأراضي التي أعطيت لهم من قبل البلديات أو من قبل أهالي المنطقة، وقد أصبح يطلق على هذه التجمعات المنتشرة بكثرة في لبنان "المستوطنات العشوائية" تفيد المهندسة المدنية اللبنانية جمانة ناصر التي تعمل في إدارة العديد من مشاريع التنمية المحلية ذات البعد الهندسي، أن هذه المستوطنات العشوائية للاجئين السوريين تقع في مناطق ذات بنية تحتية ضعيفة أساساً. والآن يترتب على هذه البلديات أن تقدم خدمة مضاعفة بسبب مضاعفة حجم النشاط وعدد السكان، دون مزيد من التمويل أو الموارد البشرية أو القدرة على التوسع في البنية التحتية. ثم تتابع حديثها حول ما هو مطلوب فتقول: "إن احتياجات التحسينات المحلية ضخمة جداً. وعلى الرغم من جهود الجهات الدولية المانحة لتمويل البنية التحتية مثل شبكات المياه أو الصرف الصحي، إلا أن هناك أموراً أساسية لا تتوافر مثل صناديق قمامة أو شاحنات كافية لجمع النفايات الصلبة".
وتضيف: "مع تدفق اللاجئين السوريين تحمّل لبنان أكثر من طاقته، وفي أقل من سنتين تم استهلاك تحسينات البنية التحتية التي كان عليها تلبية لتطلعات الثلاثين سنة المقبلة. وتسعى الجهات الدولية المانحة والمنظمات غير الحكومية إلى سدّ هذه الفجوة ولكن لا يتم التشاور كفايةً مع البلديات المحلية والتي لا تبذل بدورها الجهد الكافي من أجل هذا التشاور أيضاً، ويتمثل نقص التنسيق هذا في صناديق القمامة التي لا تستطيع شاحنات البلدية حملها! ويمكن للجهات الدولية المانحة أن تحدث فرقاً حقيقياً في لبنان اليوم إذا كانت جهودها منسّقة جيداً، ويمكن الاستجابة لتدفق اللاجئين السوريين عن طريق زيادة الاستثمار في المياه اللبنانية والبنية التحتية للنفايات الصلبة. وهذه فرصة لتنفيذ المشاريع المعلّقة والمخطط لها لمصلحة كل من اللاجئين والمجتمع المحلي المضيف".
اختتمت السيدة ناصر، التي لعبت دوراً أساسياً في الوصول إلى صيغة اتفاق بين المجتمع الفلسطيني واللبناني حول إعادة إعمار مخيم نهر البارد، قائلةً: "يقع على عاتق الوكالات المنفذة والحكومة اللبنانية مسؤولية تطوير مشاريع مفيدة تدفع كلا المجتمعين إلى إدراك أن مصلحة كل منهما يرتبط بالآخر، لذلك ينبغي عليهما قبول الآخر والتعاون من أجل دخول هذه المشاريع حيّز التنفيذ. هكذا يخفف من حدّة التوتر التي وصلت إلى عتبة حرجة بين هذين المجتمعين".
شكاوى فقدان الوظائف والمنافسة الشديدة في السوق هي اتجاهات يدعمها ارتفاع نسبة البطالة من 10 إلى 25 في المئة في لبنان، ما يؤثر على أكثر من 250,000 من الذكور، أرقام مستمدة من دراسة كلّفت بها الحكومة اللبنانية البنك الدولي، وقد استشهد بها مؤخراً وزير الطاقة المؤقت جبران باسيل، إضافة إلى ذلك تأخذ الأجور بالانخفاض لأن العامل السوري يطلب 35 بالمئة فقط من الأجور التي يطلبها نظيره اللبناني للقيام بالعمل نفسه.
"صديقتي المحاسبة التي تكسب ما يقارب 600 دولار في قرية كفررمان بالقرب من أرنون في جنوب لبنان فقدت وظيفتها بسبب سورية قبلت بأن تقوم بالوظيفة ذاتها مقابل 400 دولار". وتقول بهية وهي تتنزه في يوم مدرسي بالقرب من متجر صديق لها في كفررمان واضعة ابنتها البالغة من العمر سبعة أعوام في حضنها: "إنهم يستمرون في إنجاب الأطفال في لبنان، لذلك لا نعرف ما الذي سيحدث في المستقبل". ويقول ميكانيكي يوظف طفلاً سورياً يبلغ من العمر 10 سنوات في القرية نفسها: "عائلتنا تنجب 3-4 أطفال وهم يأتون إلى هنا مع 10 أطفال، ليس لديهم تخطيط للمستقبل. كيف سيقومون بإطعامهم أو تعليمهم أو الاهتمام بهم؟".
"ومع ذلك أثنى مدراء المدارس ومدرّسو اللغة الإنكليزية الذين سنحت لي الفرصة بالتحدث معهم في حارة الناعمة بين بيروت وصيدا عن الطلاب السوريين وذويهم، وعلى تفانيهم في التعليم وجدّيتهم عندما يتعلق الأمر بتدريسهم، وأضاف أحد مدرّسي اللغة الإنكليزية: "بعض الأطفال اللاجئين اعتادوا على البكاء في البداية عند دخولهم إلى الصف، لكنهم يتّسمون بالانضباط ويتعلمون بسرعة". في مدينة لا يعرف الآباء اللبنانيون فيها مستوى الصف الذي وصل إليه أبناؤهم، وتنتظرهم 200 بطاقة تقرير لكي يتكلفوا عناء الحصول عليها من المدرسة، تجد السوريين يقرعون أبواب المدرسة بشدة محاولين تسجيل أطفالهم فيها. وقد زاد مدير هذه المدرسة الفقيرة عدد المقاعد والطاولات لتستوعب طلاباً جدداً.
قال نائب رئيس بلدية حارة الناعمة السيد شيربل مطر: "هناك أكثر من ألف طالب وطالبة في هذه المدرسة العامة المخصصة لاستيعاب 600 ولد". وأضاف المسؤول قائلاً: "ازدادت نسبة الدعارة والسرقة في هذه المدينة منذ وصول السوريين. ليس لدي مشكلة مع السوريين الذين جاؤوا منذ زمن بعيد وبنوا المصانع الكبيرة مثل أول مصنع لثلاجة كوموردو، وهم ينفقون المال على سكان الحي والسوريين على حد سواء".
أخبرني قائد الشرطة في برمانا مروان حبشة متحدثاً عن الاختلافات الثقافية بين بلدته المضيافة واللاجئين السوريين: "إنهم [السوريين] لا ينفقون أموالهم كما نفعل نحن... هم يعيشون على القليل جداً" يكمل قائلاً "أخبرتني إحدى المدرّسات اللبنانيات في المدارس التي تستقبل الطلاب السوريين، أن اللبنانيين ينفقون يومياً ما يقارب 10,000 ليرة لبنانية على النظافة والتبرّج الذاتي، وعليه، ما ننفقه نحن في شهر على هذه الأمور يمكنه إطعام عائلة سورية مكوّنة من خمسة أشخاص لمدة شهر". واختتم قائد الشرطة الذي ينحدر من المدينة نفسها التي كنت أعيش فيها مع 14 شخصاً في شقة مكوّنة من 3 غرف نوم أثناء الغزو الإسرائيلي عام 1982: "يستأجرون ]السوريون[ غرف الفنادق والمنازل، ويعيشون بطريقة مزدحمة، إنهم لا يشبهوننا [نحن اللبنانيين]، لا يمكن للبناني أن يعيش بتلك الطريقة، إنهم يعيشون بطريقة مختلفة، وهم بحاجة إلى المساعدات ومنتجات التنظيف لمساعدة أفراد العائلة المنتجين الذين يشعرون بالتوتر بسبب اضطرارهم إلى تقديم الدعم لعوائلهم في بلد مكلف أكثر بكثير من وطنهم".؟؟؟؟؟؟
قال نديم شهيب ، مسؤول الحزب التقدمي الاشتراكي والمسؤول عن لجنة عاليه للإغاثة والتنسيق بين بلدية منطقة عاليه والمنظمات غير الحكومية المحلية : "ليس هناك مساحة للمزيد من اللاجئين ." تقع عاليه في الجبال فوق العاصمة بيروت ، وكانت أول مكان هبّ لمساعدة اللاجئين السوريين ، وقدموا لهم ما يقارب 60,000$ في المناطق التي استقروا بها في المنطقة الشمالية من عكّار. تحتوي منطقة عاليه على 2000 أسرة حالياً بمتوسط 5 أشخاص للأسرة الواحدة ، وتعتبر البلدية اللاجئين السوريين عاملاً إيجابياً خلق مزيداً من فرص الدخل للبنانيين خاصة أولئك الذين تم استئجار منازلهم . ساهمت البلدية في العام الماضي بتوفير احتياجات الرعاية الصحية بالكامل لما يقارب 5000 أسرة ، وساعدت 1,700 من الأمهاتعلى الإنجاب بنسبة تصل إلى 100% من الاطفال حديثي الولادة بقوا على قيد الحياة [1].
في الواقع هناك تقارير واسعة الانتشار عن أفعال غير عادية من الجود والكرم قام بها اللبنانيون تجاه اللاجئين السوريين . يقول شهيب : "سارع كثيرون من البلدة و بشكل فردي لمساعدة القادمين من سوريا .يتابع قائلاً " أنشأ وموّل هؤلاء اللبنانيون مدرسة ل 435 لاجئاً سورياً ، وهي مدرسة تعلم المناهج السورية عن طريق مدرسين سوريين ، وأقامو حفلة رأس السنة الميلادي مع الشباب اللبناني وساعدت هذه الحفلة بشكل كبير في انفتاح الأطفال السوريين واللبنانيين بعضهم على بعض ، وتتلقى وكالة الإغاثة أيضاً العديد من المكالمات اليومية من ملّاك الشقق المؤجرة يطلبون من الوكالة العناية بالمستأجرين.ِومع ذلك قرأت في جريدة ال"دايلي ستار" أن منطقة قضاء عاليه كانت أول منطقة تفرض حظراً للتجول على "الضيوف" السوريين لضمان أمنهم ، وذلك باستخدام 50-60 شخصاً يقودون سياراتهم لتطبيق هذا الحظر . وقد اتبعت العديد من البلدات الأخرى هذا النهج متغاضين بذلك عن تصريح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل لوسائل الإعلام بأن البلديات لا تملك الحق القانوني بتطبيق حلول تتجاوز بها سلطات قوى الأمن الداخلي اللبنانية. وقد تجاوزت جزّين البلدة الجنوبية هذا الأمر ، حيث منعت السوريين من التجمع في الأماكن العامة مما دفع العديد من السكان المحليين إلى "الشعور بالارتياح" تعلق إحدى النساء مدافعة عن حظر تجول السوريين قائلة : "يبقيهم هذا بأمان ، إنهم يضربون أحياناً ، أتعلمين ذلك؟ ماذا تتوقعين ؟ هناك الكثير منهم والسكان لا يعرفونهم ." وتقول ماري إحدى سكّان جزّين : "أشعر بالخوف على أطفالي بالمدرسة ، نحن لا نعلم كيف يعيش هؤلاء الأطفال بالمنزل فهم ليسوا مثلنا ، يجب أن يبقوهم بالقرب من الحدود حيث يمكن مراقبتهم ."
بالنسبة لغاربيت بانبوكيان رئيس بلدية حوش موسى الأرمني في عنجر ، وهي إحدى البلدات الحدودية أقرب ما تكون إلى الواحة على أحد أكبر الطرق الرئيسية القادمة من سوريا ، إن الأرمن يتفهمون تجربة الهروب من بلدٍ ما ، ومع ذلك وبالمعنى الجيوسياسي فإنه يعتبر حالة الهروب مشكلة بحكم أن المنطقة اليوم تواجه مؤامرة التقسيم . ويصرح بأنهم يعيدون رسم خارطة المنطقة قائلاً : "اتخذت كل الاحتياطات اللازمة لضمان توفر الغرف في حال هروب الأرمن من حلب أو من دمشق في سوريا آخذاً بعين الاعتبار محدودية الموارد والأماكن في عنجر." وينتقد في نفس السياق المساعدات المؤسساتية للاجئين، الذين رأيت البعض منهم يبيعون البقالة السورية وبعض المستجدات والملابس الداخلية ودمىً وألعاباً صينية بلاستيكية . ويصرح رئيس بلدية حرش موسى في عنجر : "إذا دعمتيهم اقتصادياً فكأنك وافقت على هجرتهم! أي أنك شرّعت وجودهم وسمحت لهم بالمنافسة الاقتصادية." ويعّقب قائلاً : "محلاتنا تقفل ، محلات البقالة والأعمال الصغير ، تماماً كما أخبرك ، لأن السوريين في الشوارع يبيعون بصخب كل شي عن طريق عرباتهم الصغيرة الغير مرخصة ، بينما يدفع اللبنانيون الضرائب ، وأترك الحسابات لمخيلتك."
يشكل العمّال السوريون الذين "اعتادوا على العيش لسنوات دون تأمين صحي أو تعليمي أو دعم منزلي ، والذين يعملون بأجر أقل من اللبنانيين" قلقاً آخر لرئيس البلدية بانبوكيان ، ، فهم الآن يعملون على طلب المزيد من الدعم ، ويصرح بانبوكيان : "يسجّلون أنفسهم في عدة بلديات ويخدعون النظام ." ويصف وسائله الخاصة وأسلوبه للتعامل مع هذا الأمر ويضيف : "أخذت بصمات اللاجئين ال1500 ونسخةً عن دفاتر عائلاتهم . زدت أعداد الحرّاس والكاميرات في الشوارع ، حتى أني قمت بمنع تجول الدرّاجات الآلية بعد الساعة السادسة والنصف مساءً ، وعندما يحاول الناس التجمّع للتدخين أو الاستلقاء أو التسكّع في الشارع فإن حرّاس الأمن في البلدة يقومون بتفريقهم . يمكنهم الذهاب إلى الحدائق العامة من أجل التواصل الاجتماعي مجاناً دون أن يكونوا تحت الأنظار . وكرئيس بلدية يجب علي ضمان أمن البلدة أولاً ، أعلم أنها طريقة متعصبة وطائفية لإدارة الأمور ، لكننا نعمل بهذه الطريقة في لبنان."
ويوضّح سعد الدين ابراهيم ميتة رئيس بلدية بر الياس ، وهي بلدة تقع على الممر الرئيسي للاجئين عبر وادي البقاع: "قواطع التيار الكهربائي قد أتلفت ، ومزيد من الأسلاك الكهربائية تحتاج إلى الإصلاح ، واستهلاك المياه تضاعف ثلاث مرات بعد أن كسر اللاجئون السوريون أنابيب المياه وتركوا المياه تهدر. ناقشنا هذه المشاكل مع البلديات الأخرى وجميعنا نحتاج إلى المزيد من الموارد وبسرعة وإلا فإن خدماتنا ستتوقف عمّا قريب ، فبالكاد نستطيع الآن خدمة مواطنينا ." وثّق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ما يقارب 17.000 لاجئ سوري في هذه البلدة بالتحديد لكان السيد ميتة يعتقد : " أن العدد أكبر من ذلك ويقارب 50.000 لاجئ سوريا الآن، 5000 زيادةً أو نقصاناً ، عددهم يوازي عدد السكان في البلدة." وعلى الرغم من أنه كالعديد من رؤساء البلديات يعتمد بأرقامه على الزيارات التفقدية والمسح ، فليس من الصعب تصديق أرقام كهذه في مكان يشاهد اللاجئين السوريين والفلسطينيين السوريين فيه في كل مكان يعيشون براحة في الرواق التجاري حيث استقرّ العديد من الفلسطينيين السوريين من قبلهم وجلبوا النمو والازدهار. نرى السوريون يصلحون نظام الصرف الصحي في الشوارع الرئيسية ، يحملون أكياس كبيرة أو ينتظرون كي يتم نقلهم كعمال يوميين ، يلبسون ألبسة تقليدية على عكس مضيفيهم اللبنانيين الأنيقين ، إنهم يعيشون في خيم محصنة ضد المطر ومقطورات مصنّعة مسبقاً وبيوت مبنية بشكل جزئي وفي الكراجات والغرف المنفصلة. دخل معظم أطفالهم إلى المدارس ويقوم رئيس البلدية بتسجيل 1600 طفل الباقين عن طريق مضاعفة الدوام الدراسي. وكمعظم رؤساء البلدية تصرف السيد ميتة بمبادرة شخصية وبدافع أخلاقي بحكم عدم وجود تفويض رسمي من الحكومة اللبنانية بكيفية التعامل مع اللاجئين أو مع فصل الشتاء ، فأخذت البلدية على عاتقها تعبئة الأراضي المزروعة وخفض مستويات الفيضانات من أجل هؤلاء اللاجئين المستقرين فيها . ويشتكي رئيس البلدية الذي وصل إلى منصبه منذ ثلاثة أشهر ويعمل حتى وقت متأخر مساء يوم الجمعة
"يضعف هذا كله مستوى قدرة البلديات على تلبية احتياجات مواطنيها ، ويسبب ضعفاً نفسياً لأحيائها البسيطة ." ويضيف قائلاً : "كل الدعم والمساعدات الخارجية موجّهة إلى اللاجئين وليست موجّهة إلى البلدية التي تؤمّن الخدمات الإضافية . لا نستطيع دفع مستحقّات الموظفين في بعض الأحيان ، ولقد أوقفنا مشاريع البلدية النصف مكتملة كمشروع الطرق الجانبية. لدينا عائلات لبنانيّة محتاجة لا نستطيع دعمها بعد الآن. نحن بحاجة حقيقية وملحّة لدعم خارجي ، حتى من الأمم المتحدة ، لقد وعدونا ولكن بيروقراطيتهم سببت تأجيلات تسليم الدعم المنشود . أخبرت الأمم المتحدة في نهاية المطاف : إن كنتم تريدون المساعدة حقاً ، فعليكم أخذهم إلى مناطق آمنة داخل الحدود السورية وفقاً لمواقفهم السياسية."
وفقاً لتقرير صادر عن السيد ماهر نادر محاسب بلدية قب الياس ومسؤول الاتصال والتنسيق والتعيين : "إن عدد العائلات السورية النازحة في قب الياس أكثر من 3000 أو ما يقارب 19,000 شخصاً مفصلاً ، وتحتاج الادارة المحلية إلى تقارير هذه البلدية المعروفة بالاحترام والكرم وترحيبها باللاجئين، وعلى الرغم من بعض المساعدات والشراكات الدولية "فإن الموارد المالية المتاحة للبلدية قليلة بشكل مخيف ، خاصةً أن الحكومة لم تعط البلديات مخصصاتها منذ ثلاثة سنوات حتى الآن ، مما يجعلنا غير قادرين على مواصلة تقديم المساعدة ."
كانت جمعية الإغاثة الإسلامية في هذه البلدة من خلال مؤسساتها و تحديداً المشفى من أوائل المستجيبين لأزمة اللاجئين السوريين ، وقد قدمت الخدمة ل 477 مريضاً في كانون الثاني من هذا العام ، و ل 1139 مريضاً في أيلول حين زاد عدد اللاجئين المحليين من 5000 إلى 25,000 . وقدمت أول تقييم سوء تغذية وعلاج في البلاد ، واطلقت حملات توعية للاجئين السوريين مثلاً لإلباس أطفالهم لباساً ملائماً في موسم البرد ، وكيفية التعامل مع الحشرات المحلية وهجمات القوارض ، وورغم ذلك لا تزال الجمعية بحاجة إلى المزيد من التدريب والقدرة على التعامل مع عمليات الدعم النفسي والتقييم . هذا المشفى واضح تقديره للعديد من المانحين الدوليين ووكالات الرعاية الصحية ، ولقد تم توثيق الدعم كل من هذه المنظمات والمستفيدين منها في الملصقات والإعلانات على الحيطان وكل المعدات الممنوحة. وأخبرني مدير الجمعية الحاج محمد عثمان ، مفصحاً بأن بعض الكشوف المالية محرجة قليلاً : "يجني الدكتور الأجنبي الذي زارنا مؤخراً 1800$ في الشهر ، ويعتبر هذا مبلغاً كبيراً جداً مقارنة بال 500$ التي ندفعها لطبيبنا ولمدير مركزنا الذي قدم الكثير لهذا المكان ، أحسست بالغباء وأصبت بالصمم عندما علمت بذلك." وزيادةً عن توصيته للعمل مع الأطباء المحليين يقول مديرالجمعية : "هناك حاجة ملحّة لتنسيق أفضل في تسليم المساعدات بما في ذلك التنسيق مع المجتمع المضيف ، إذ يتم تقديم خدمة مفرطة لبعض العائلات في حين أن الآخرين وبمن فيهم القرويين المحليين لا يحصلون على الكثير ."
كثير من الناس في لبنان يجنون المال من الحرب في سوريا ، يتم انفاق المزيد من المال في البلاد وقسائم المساعدات الدولية للأغذية ، وتزيد من مبيعات المنتجات المحلية ، كما يحصل الملّاك على إيجارات أعلى لأماكن بالكاد صالحة للسكن وللإسطبلات والبيوت. و تجني العديد من الشركات الكبيرة والصغيرة أرباحاً جديدة . كما تزدهر تنمية الإسكان ومبيعات السيارات . وقد أصبحت المقاهي التي يرتادها المثقفون والأكاديميون السوريون مكاتب عملٍ لهم ينتظر الزبائن فيها الإفتتاح قرب الأبواب بفارغ الصبر يوميّاً. وإن قام بعضهم بتخفيض الأسعار اعتماداً على حجم الإستهلاك ، قام البعض الآخر بالشيء ذاته عن طريق توظيف العمالة السورية الرخيصة. كما تضاعفت مبيعات خدمة الهاتف أيضاً نسبة إلى أن 50-70% من 1.5 مليون ساكن جديد بحاجة إلى هاتف.
وإن عيّنت محلات الطباعة والعيادات الطبية الخاصة وشركات الهندسة والعمارة سورياً أو اثنين في العام الماضي حشمة ، فقد ضاعفوا ثلاث مرات أعداد موظفيهم وعقودهم في العام الماضي. "يعتبر السوريين بالنسبة إلى اللبنانيين : عمال أشغال شاقة أو جنود جيش فاسد." حسب قول ماهر وهو مهندس معماري سوري من حلب : "كنت أول من تم تعيينه في شركتي ، ونحن الآن خمسة . يعبّر اللبنانيون عن أفكارهم بالكلام ، ولكننا نرسم أفكارنا ، فيلاحظون هذا ويعملون بجد أكبر ، مما جعل المالك يجني الكثير من الفوائد ويسعى وراء المزيد." كان هذا أول لقاء للمهنيين اللبنانيين والسوريين .
أما بالنسبة للحكومة الوطنية ، فقد أشار رمزي نعمان مدير برنامج الفقر الوطني وشؤون اللاجئين السوريين في مجلس الوزراء أن بعض اللبنانيّن يستفيدون فعلاً من تدفق اللاجئين السوريين ، ويكسبون بعض الأرباح منذ تدفق المساعدات المالية الدولية إلى لبنان وصرفها في البلد . لكنه اعترف بان العائلات اللبنانية الفقيرة تتحمل العبء الأكبر من هذا التدفق ، وخاصة أولئك الذين لديهم أطفالاً فهم يتنافسون حتى للحصول على الإعانات والمساعدات المالية المدرسية الهزيلة ، مما يسبب الضغط على 30-50 في المائة من اللبنانيين غير المتعلمين ، ولاسيما النساء والشباب الذين يتنافسون في سوق العمل مع العمالة السورية الجديدة. واختتم بأن ما هو مطلوب حقاً من الحكومة اللبنانية والوكالات الإنسانية هو تطوير المساعدات التي يستفيد منها الفقراء في لبنان ، السوريون منهم و اللبنانيون ، وذلك نظراً إلى توقعات وصول عدد المواطنين اللبنانيين الفقراء إلى 1.7 مليون بحلول عام 2014.
يمكن اعتبار نزاعات فقراء لبنان في سوق العمل الوعرة مع العمال السوريين بسيطة مقارنة بما أسمعه عادةً من الطبقة الوسطى في بيروت.
"إنهم يبتلعون بلدنا ، " قال جورج وهو يحتسي الإكسبريسو في مقهى ظريف في الصيفي بالقرب من ميناء بيروت ، وبينما كان يندفع لإيصال تسليم آخر لشركته الصغير ،" إنها مؤامرة ، إني أقول لك ، يريدوننا أن نخرج من البلدة ليتمكنوا من توطين اللاجئين ."
"مثل عام 1982 ، أتذكري؟" أضاف رجل كبير في السن ، " لقد حاولوا توطين الفلسطينيين آنذاك ، ولكننا لن نذهب إلى أي مكان ، هذه السفينة لا تبحر ، لبنان هو وطننا." يقول جمال الذي يحتاج إلى لقمة سريعة قبل أن يعود إلى عائلته ليتمكن ابنه طوني من أن يأخذ القارب للمرة الأخيرة في هذا الطقس التشريني الجميل : " قد لا نملك الكثير من الوطن عمّا قريب ، السفينة تغرق ، ألا تستطيعين رؤية ذلك؟ ، قالها الرئيس بذاته : إن وجودنا على المحك."
في أيلول ، تحدث الرئيس اللبناني ميشيل سليمان عن الأزمة في بلاده في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قائلاً بان المشكلة " ذات بعد وجودي" . ويشبه هذا الخطاب في خارج البلاد خطاب التحذير الذي ألقاه وزير الطاقة جبران باسيل في وزارة الطاقة والماء اللبنانية في الشهر نفسه ، "نحن نحب السوريين ولكن ازمة اللاجئين السوريين هي أكبر أزمة تهدد الكيان اللبناني ." وأضاف بلهب : "أزمة اللاجئين السوريين تهدد وجود لبنان" ثم دعا البلاد إلى إيقاف استقبال اللاجئين السوريين وتمويل هجرة كريمة لهم خارج لبنان وعودة الشرفاء إلى أراضيهم.
على الرغم من ان هذا القلق يشكل خوفاً حقيقياً بالنسبة للكثير من الأقليات العرقية والمسيحية والطبقة المتوسطة في بلد يشكل التوازن الطائفي فيه مسألة حساسة للغاية ، صرّحت ماري ربّة منزل متواضعة في منطقة جزّين بينما كانت تنقلّ أطفالها من المدرسة : "عفواً ، ولكن لابد أن أقول ذلك ، إن معظمهم من المسلمين ، المسلمين السنّة . يهاجر المسيحيون منهم إلى أوروبا وغيرها من البلدان المتقدمة."
تحت لافتة كتب عليها "فخرنا ونصرنا في كربلاء" صرّحت سيدة مسنّة من قرية كفر رمان ترتدي ثياب سوداء تدل أنها لا تزال في فترة حداد على من سقط من أقاربها أثناء العدوان الإسرائيلي على بلدتها : "ما يجب تحقيقه هو أن يجلس الجميع على طاولة واحدة عمّا قريب ، السوريون وإيران وروسيا والولايات المتحدة والصين ، وأن يعملوا معاً من أجل السلام في سوريا، وعلينا في الوقت نفسه أن نتحمل السوريين ، نحن جميعنا عرب نعيش في ظروف متشابهة ، ولنا الاحتياجات ذاتها... "
ترجمه من الإنكليزية أمجد النعيمي
المراجع
1- يقدر معدل وفايات الرضع حديثي الولادة من السوريين في لبنان بنسبة 87 وفاة لكل 1000 ولادة مقارنةً بنسبة 40 وفاة لكل 1000 ولادة في لبنان سنوياً.