لاجئات سوريات ... انتهاك للحقوق باسم السترة

وقت القراءة: %count دقيقة

"أب يبيع شرف ابنته" تحت هذا العنوان عرضت قناة الإخبارية السورية، المعروفة بولائها للأسد، بتاريخ 22-9-2013 اعترافاً مفبركاً لفتاة اسمها روان[1]، 16 عاماً، بممارستها الجنس مع عدد من الأشخاص المسلحين بضغط من والدها تحت ما يسمى "بجهاد النكاح". الفتاة كانت قد اختطفت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 من مدينة نوى، محافظة درعا، على أحد حواجز الجيش في طريق عودتها من المدرسة، وذلك للضغط على والدها لتسليم نفسه. إن عدم تسليم والد روان لنفسه بعد ما يقارب السنة لم يقنع نظام الأسد بعدم جدوى الاحتفاظ بها، بل دفعه إلى البحث عن سبل أخرى لاستغلالها، تجلى أحدها في إجبارها على تسجيل اعتراف تلفزيوني تم استخدامه في حربه الإعلامية ضد معارضيه. هذه الحادثة هي فقط واحدة من حالات كثيرة من الاستخدام الممنهج للعنف الجنسي كسلاح في النزاع القائم في سوريا. فبالإضافة إلى حالات الإذلال والاعتداء الجسدي على العديد من النساء (والرجال!)، تنتشر أشكال أخرى، غير تقليدية، من الاستخدام الممنهج للعنف الجنسي، كتدمير سمعة المرأة وعائلتها، ألا وهو الهدف الأساسي من الدعاية أعلاه، جنباً إلى جنب مع السعي لشيطنة خصوم النظام.

وبالرغم من عدم معرفة ما هو مدى انتشار هذه الظاهرة في سوريا، إلا أن الخوف منها، بحسب تقارير المنظمات الدولية، يعتبر أحد الأسباب الرئيسية لفرار السوريين من البلاد [2]. غير أن لجوء السوريين إلى دول الجوار بحثاً عن الأمان، لم يعفهن من تعرضهن للاستغلال في دول اللجوء. حيث غالباً ما يترافق ذكر اللاجئات السوريات مع ذكر موضوع الاستغلال الجنسي. وعلى الرغم من أن الاستغلال الجنسي غالباً ما ينتشر في الحروب والأزمات، غير أن ما يميز الحالة السورية عن الحالات العربية الأخرى[3] هو شرعنة هذا الاستغلال وتحويله إلى ظاهرة مقبولة اجتماعياً، الأمر الذي أدى إلى أنتشاره انتشاراً أكبر. ستحاول هذه المقالة تسليط الضوء على هذه الظاهرة والأسباب التي أدت إلى شرعنتها وانتشارها، بالإضافة الى تسليط الضوء على بعض الحالات.

حجة الحماية:

يروي الكثير من اللاجئين السوريين عن تعرضهم باستمرار، في معظم بلدان لجوئهم، لسؤال "في عندك عروس"، سواء عند المرور في الشارع، أو خلال استلام المساعدات، أو حتى في منازلهم، وغالباً ما يبرر هذا الموضوع بالسترة. وبالرغم أنه من المعروف أن النساء في العالم العربي، وفق النظرة النمطية، يعتبرن قاصرات، أي أنهن بحاجة إلى أن يكنّ تحت حماية رجل من العائلة (أب، أخ، ابن) ومن ثم زوج، غير أن ما يجري اليوم من إقبال غير مسبوق على الزواج من لاجئات سوريات تحت غطاء "السترة" لم يحدث في حالات لجوء عربية مشابهة. فالمنطقة شهدت موجات عديدة من نزوح جماعي لنساء عربيات (العراق، لبنان، السودان، الصومال، وغيرها) غير أن موضوع سترة هؤلاء النساء لم يُذكر سابقاً، بالرغم من كثرة الأخبار عن انتشار الاستغلال الجنسي لنساء وأطفال واضطرار بعضهم للعمل في الدعارة لتأمين سبل عيشهم. تقول رنا[4]، ناشطة سورية في حقوق المرأة، مستهزئة باستغلال البعض لمفهوم السترة بهدف شرعنة الاستغلال الجنسي "وين كانت نخوتون لهدول وقت كانت العراقية بتنباع بكام دولار، وليش ما اتزوجو من السودانيين أو الصوماليين وقت لجؤوا لعندون وكتير منون ماتو من الجوع". وعليه، سنحاول ذكر أهم العوامل التي أدت إلى خلق هذه الظاهرة وشرعنتها:

• الصورة النمطية للمرأة السورية: فالمرأة السورية، في العقل الجمعي العربي، هي الفتاة البيضاء الجميلة القادرة على إسعاد زوجها وعدم عصيانه والقائمة على خدمته ليل نهار. ولعل من أهم الوسائل التي ساعدت على تعزيز هذه الصورة النمطية للمرأة السورية هي المسلسلات التلفزيونية التي تبث خلال شهر رمضان وتشاهد على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم العربي. ولعل أحد أهم المسلسلات التاريخية السورية التي ساهمت بتعزيز هذه الصورة النمطية هو مسلسل باب الحارة. وقد ساهمت هذه النظرة النمطية للمرأة السورية بتحفيز الرجال للحصول على فتاة سورية عملاً بقول المثل الشعبي "اتجوز شامية بتعيش عيشة هنية". وعلى الرغم من أن هذه الصورة النمطية للمرأة السورية غير واقعية وتتحدث عن مرحلة تاريخية مختلفة، غير أن تلبيتها لرغبات وأحلام جمهورها، وعكسها لرغباتهم، ساعدها على تكريس هذه الصورة النمطية للمرأة السورية.

 الأوضاع الاقتصادية السيئة: رغم أن اللاجئين عموماً يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة، غير أن هذه الأوضاع لعبت دوراً أكبر في الحالة السورية؛ حيث 1) ينتمي معظم الشعب السوري إلى الطبقة المتوسطة التي تعتمد في معيشتها على مردودها الشهري بدون مدخرات كبيرة، 2) سرعة نفاد مدخراتهم، حيث إن التكلفة المعيشية في سوريا هي أرخص بكثير منها في جميع دول الجوار (تركيا، الأردن، لبنان، العراق)، كما أن انخفاض قيمة الليرة السورية ساهم أيضاً، 3) عدم السماح للسوريين بالعمل في أي من الدول اللجوء، ما يقلل فرصهم بالحصول على موارد مادية بديلة ويجعلهم أكثرعرضة للخطر، 4) قلة عدد الجالية السورية المغتربة التي يمكن أن تشكل مصدر دخل بديل (على عكس الحالة اللبنانية والعراقية).

 رخص الزواج: اضطر كثير من اللاجئين لتزويج بناتهم مقابل مبالغ مادية صغيرة وصلت أحياناً إلى 100$، فيما اضطر آخرون إلى تزويج بناتهم بدون أي مهر لأنهم غير قادرين على توفير الحاجات اليومية لهنّ (طعام، ماء، لباس، دواء، مسكن وغيرها) وخاصةً العائلات الكبيرة أو التي لديها احتياجات خاصة. وعليه، وجد بعض الرجال (سوريين وعرب) غير القادرين على تأمين متطلبات الزواج نتيجة سوء أوضاعهم الاقتصادية الفرصة سانحة للزواج.

 التحشيد الديني: لجأ كثير من المشايخ في العديد من الدول العربية إلى استخدام منابر الجوامع للدعوة إلى الزواج من اللاجئات السوريات من أجل سترتهن. وفيما اقتصر بعض المشايخ على الترويج لفكرة الزواج وذكر حسناتها، قام آخرون بجمع قوائم للزواج والتجوال على بيوت اللاجئين ونصحهم بتزويج بناتهم من أجل الحفاظ على شرفهن. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن هذه الظاهرة لم يتزعمها داعية إسلامي معروف، حيث إن كثيراً من رجال الدين في بلدان مختلفة استغلّوا مفهوم السترة لتبرير زواج السترة وترويجه مستخدمين فتاوى وآيات قرآنية مختلفة.

 انعدام الأمان: ساهم انتشار أخبار العنف الجنسي الذي تتعرض له اللاجئات السوريات (تحرش، خطف، اغتصاب، وغيره الكثير)، خاصةً في المخيمات، بخلق هاجس الحفاظ على الشرف عند اللاجئين. كما دفع شعور الخوف واليأس نتيجة شعور الأهل بالعجز، وفقدان الأمل بوجود أي حل لأزمتهم في المستقبل القريب، عدداً من اللاجئين إلى تزويج بناتهم بهدف حمايتهم في ظل غياب حلول أخرى. تقول حسنة، لاجئة وأم لطفلين، "والله نحن ما بدنا نجوز بناتنا هيك، بس كمان ما فينا نكمل هيك، يعني مين بيعرف شو بيصير معنا هون وما بحسن برجع معون عسوريا لأنو بخاف عليهون".

وبالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة تشير إلى مدى انتشار هذه الظاهرة، نتيجة أن معظم الزيجات غير مسجلة، غير أن ما أعلنه المجلس القومي للمرأة في مصر من أن 12 ألف حالة زواج تمت بين لاجئات سوريات ومصريين خلال عام واحد[5]، بالإضافة إلى دخول هذه الظاهرة في مفردات الحياة اليومية للناس في البلدان التي تستضيف لاجئين السوريين يشير إلى الانتشار الواسع لهذه الظاهرة. فليس بغريب أن تصادف شاباً يقول مازحاً "والله لازم ضب ايدي شوي، لانو اذا بتم هيك فرح تكون آخرتي اتجوز سورية"، أو أن تسمع بأن البعض يتفاخر بقدرته على الزواج من أربع سوريات دفعة واحدة، فيما يلجأ آخرون للتهديد بالزواج من سورية لحل خلافاتهم الزوجية "هلق بروح بجيب عليكي سورية". غير أنه لا بد من التنويه هنا إلى أن مواقف الناس من هذه الظاهرة ليست متطابقة، ففيما يرى البعض أن زواج السوريات من عرب هو أمر طبيعي يحدث قبل الثورة وبعدها، وأن ما يجري هو تشويه إعلامي للحقائق وترويج شائعات عن تعرض الأسر السورية الفقيرة لاستغلال لتأمين لقمة العيش، يرى آخرون أن زواج اللاجئات بهذا الشكل حتى لو تم بقبول الطرفين هو كزواج المكره، خصوصاً أن الأسر والفتيات يقبلون بدافع الاحتياج لا بدافع الرغبة بتكوين أسرة، وبالتالي فالحل لا يكمن بزواج السترة فلا يمكن حل مشكلة من خلال خلق مشكلة أخرى، بل يتم من خلال توفير مكان آمن للاجئات وتأمين احتياجاتهم المادية والمعنوية.

زواج البقاء:

ماجدة، امرأة سورية اضطرت إلى الهرب، منذ ما يقارب الستة أشهر، تعيش مع بناتها الأربع اللواتي تتراوح أعمارهن بين الثامنة والسابعة عشرة. تتحدث ماجدة عن الرعب الذي عاشته في المخيم والذي لا يقل عن ذاك الذي اعتادت عيشه في سوريا "كنت عايشة برعب جوا المخيم وخصوصي بالليل وكنت ما اقدر نام للصبح لحتى أطمن أنو ما رح يصير شي لولادي". كل هذا بسبب الأخبار المنتشرة بكثرة عن حالات خطف واغتصاب لبنات من المخيم، تكمل "من فترة خطفو تلات بنات من المخيم، اغتصبوهون ورموهون هون بس خلصو منهن، ما حدا بيقدر يعمل شي لانو ما انعرفو الخاطفين". وبالرغم من أن حوادث التحرش الجنسي تحدث في المخيم خلال النهار أيضاً، غير أن معظم القصص البشعة التي تروى هي تلك التي تحصل بالليل. تستغرب ماجدة بأنه على الرغم من كل ما يحصل فإنه لا حراسة ليلية لحمامات السيدات، كما أن المكان غير مضاء، فهناك عتمة دائمة "أنا مرة كبيرة بس ما كنت اقدر روح على الحمام لحالي بالليل وكنت دائماً بستنى الصبح لفوت على الحمام". بعد انقضاء ثلاثة أشهر وصلت ماجدة إلى مرحلة لم تعد فيها التعايش مع الخوف المستمر على أطفالها الأربعة في المخيم، فهي بحاجة إلى تأمين حاجاتهم وإيجاد مسكن آمن لهم غير أنها غير قادرة على تركهم وحدهم والبحث عن عمل. وفي أحد الأيام وفيما كانت ماجدة تستلم المساعدات مع بناتها، سألتها أمرأة سورية فيما إذا كانت راغبة بتزويج بناتها، بعد تفكير طويل وافقت ماجدة على تزويج ابنتها الكبرى سارة، 17 عاماً، "ما عرفت شو بدي اعمل يعني قلت انو بزوج وحدة من البنات لنستر العيلة ونطلع من هالخوف اللي نحن عايشينه". لم يطل الوقت حتى وصل العريس، سبعيني العمر، وتزوج بمهر قدره 3500$. استخدمت ماجدة المال للخروج من المخيم واستئجار بيت. لم يمضِ شهر واحد من زواج سارة حتى عادت إلى عائلتها بعد أن طلقها زوجها. تقول ماجدة "بعرف انو انا ظلمتها لها البنت بس ضحي بوحدة احسن ما ضحي بالكل". لم تخفِ ماجدة رغبتها بتزويج ابنتها سارة مرة أخرى "اي اذا بيجي نصيبها بزوجها، بس انشالله حظها هالمرة يكون أحسن ويبعتلها ابن حلال يستر عليها ويبقى معها".

لقمة مغمسة بالدم:

يتحدث عدد من عمال الإغاثة واللاجئين عن أعداد كبيرة من الرجال وسماسرة الزواج يستغلون موضوع الإغاثة من أجل إيجاد زوجات. يروي حسان، ناشط سوري في مجال الإغاثة، بأن كثيراً من الرجال، معظمهم من دول الخليج، يوزعون المساعدات في المخيمات وأماكن توزع اللاجئات السوريات حيث يتم استغلال التوزيع للبحث عن زوجة أو زوجات بين اللاجئات، غير أن هذا الزواج غالباً ما يدوم لفترة أسابيع فقط. تروي نور، لاجئة سورية مقيمة مع طفلتها في لبنان، بأن أحد الأشخاص اتصل بها وأخبرها بأنه فاعل خير وأنه حصل على الرقم من إحدى الجمعيات الخيرية وسألها عن أوضاعها وعن حاجاتها، ثم ما لبث أن سألها عما إذا كان وجهها جميلاً كصوتها وإن كانت راغبة بالزواج "السعودي قلي بعيشيك أميرة أنت وبنتك إذا بتزوجيني، انا ما قبلت وقلتلو ما بدي لاانت ولا مساعدتك وسكرت التليفون". كما يروي أبو عبدالله، لاجئ سوري يعمل في جامع، بأن عدد الأشخاص الذين يطرقون باب الجامع طلباً للزواج كبير جداً "عندكون بنات للسترة" يتابع "يعني هنن مفكرين انو بيقدرو يستغلونا لانو ما معنا فلوس". يضيف أبو عبدالله قائلاً "في مرة أجاني رجال وسألني إذا عندي عائلات سورية مؤلفة من نساء فقط وخبرني انو هو مستعد يتكفلهون ويحط كل عشر نساء ببيت، يعني هو مفكرني اهبل لحتى ساعدو، يعني واحد متلو شو بدو يعمول بكل هدول النسوان". وبالرغم من معرفة إدراة المخيمات بظواهر الاستغلال هذه، إلا أنها تصرّح بأنها غير قادرة على إغلاق أبواب المخيمات أمام من يعرض تقديم المساعدة، فالحاجات تتجاوز الإمكانات ولا مجال لرد أي عرض مساعدة مهما كان صغيراً.

استغلّي أو تُستغلين:

على الرغم من أن ظاهرة سمسارة الزواج أو "الخطابة" أو "الدلالة" غير جديدة على تاريخ الثقافة العربية ضمن إطار الزواج التقليدي، غير أن الدور الذي تقوم به الدلالة، ضمن إطار ظاهرة استغلال اللاجئات السوريات، يختلف كثيراً عن دورها القديم ليتناسب مع متطلبات الزبون. ففيما كانت الدلالة تجد سابقاً عروساً بالاتفاق مع أم العريس التي لها القرار النهائي بعد رؤية العروس، فإن الدلالة اليوم تتفق مع العريس مباشرةً وهو الذي يرى العروس، أو أكثر من ذلك في بعض الأحيان، ويتخذ القرار النهائي. أما في ما يتعلق "بالحلوان" أي الأجر، فلم يكن يتم الاتفاق عليه مسبقاً، أما اليوم فهو جزء أساسي من الزواج. وفي حين أن الدلالات سابقاً كنّ حصراً من النساء، لقدرتهنّ على رؤية النساء والدخول إلى جميع البيوت، إلا أن هذا العمل لم يعد يقتصر على النساء، نتيجة تغيّر الهدف من هذه المهنة.

أم وفاء، لاجئة سورية في الثلاثين من عمرها موجودة في الأردن مع طفلتين، اضطرت للهرب من سوريا منذ ما يقارب العامين وهي تعيل عائلتها من خلال ما تحصل عليه من أتعاب لقاء عملها كسمسارة زواج. حيث يقوم الراغب "بالزواج" بالاتصال بها ويخبرها عن مواصفات الفتاة التي يريدها، حيث تقتصر المواصفات في الغالب على أن تكون صغيرة وجميلة وفي أحيان عذراء إذا كان المتصل يمتلك المال الكافي لذلك، ثم تخبره أم وفاء عن الفتيات اللواتي لديها وأسعارهن. فإذا كان لدى الزبون رغبة برؤية الفتيات فعليه أن يدفع ما يقارب الـ ٥٠ ديناراً (السعر يختلف بحسب الزبون، السمسار، والعروس) عن كل زيارة، وذلك لرؤية الفتاة وشرب قهوة معها، أما في حال رغبته في رؤية أكثر من ذلك فعليه أن يدفع أكثر. وإذا أعجبت الفتاة الزبون يتفق مع السمسارة على باقي التفاصيل، ومن ثم يقوم الزبون بعقد زواج "براني"، غير رسمي، عن طريق أحد الشيوخ ويدفع المهر، للعروس أو والدها، وبعد ذلك هو حر أن يطلق متى أراد. تعبّر أم وفاء عن عدم رضاها عما تقوم به "والله انا ما بدي اشتغل هيك، اي بس ما في شي شغل، يعني اذا انا ما بكون السمسارة فرح كون العروس، ما عندي حل تالت. يعني نحن أنحرمنا من كل شي، وأهم شي انحرمنا منو هو الكرامة، الله يلعن هالزمن شو عمل فينا".

شو بدي قلون:

يشكل موضوع العلاقة الحميمية عند الزواج من قاصرات، الهاجس الأكبر بالنسبة لكثير من اللاجئات الأمهات اللواتي يجدن صعوبة كبيرة في مناقشة تفاصيل العلاقات الجنسية للزواج مع بناتهم الصغار. تتحدث سمر[6]، لاجئة وأم لخمسة أطفال هربت من ريف دمشق، عن معاناتها بهذا الخصوص "خسرت 10 كيلو بهاد الشهر من هاد الموضوع، والله مو عرفانة شو أعمل"، سمر لديها طفلتان 14 و17 عاماً مخطوبتان وبالرغم من أنهما على وشك الزواج إلا أنها تحاول تأجيل مناقشة تفاصيل العلاقة الجنسية الزوجية مع بناتها "كتير صعب انو تحطي طفلة تفهميها انو هيك رح يصير معك، بقول يالله هي وحظها وشو بيصير معها رح تتقبلو وتعيش معو". غير أن موضوع الجهل الجنسي ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه الفتيات القاصرات حيث إن كثيراً منهن لا يتم تسجيلهن في المحاكم، وذلك بسبب تحديد سن الزواج القانوني بـ١٨ سنة في بعض الدول أو بسبب عدم رغبة الزوج بذلك، وعليه يقوم الأهل بتزويجهن عن طريق عقد زواج خارجي لا يضمن لهن أياً من حقوقهنّ. ونتيجة أن الزواج من القاصرات السوريات يكون بهدف الجنس أساساً، غالباً ما يستمر الزواج لفترة قصيرة، يطلقن بعدها ويعاد تزوجيهن من جديد لأشخاص آخرين، ليعيش معظمهن في حالة اغتصاب مستمر من قبل أزواجهن المؤقتين، في حين أن أخريات يتم الاتجار بهن حيث يتم إجبارهنّ على ممارسة الدعارة. حيث تحدث بعض اللاجئين عن سماعهم حالات كثيرة يتم فيها الزواج الصوري من فتيات صغيرات ومن ثم يجبرن على العمل في الدعارة بتدبير من "أزواجهنّ".

خاتمة

إن المصير المجهول الذي ينتظر روان، الفتاة التي ذكرت في أول المقال، والتي ما زالت قابعة في سجون النظام السوري، قد لا يختلف كثيراً عن مصير النساء السوريات اللواتي نجحن في البقاء خارج الزنزانات، لكنهن ما زلن يتعرضن لأنواع مختلفة من أنواع الاستغلال الجسدي والنفسي داخل سوريا وخارجها. غير أنه عندما يتعلق الأمر بالعنف الجنسي في النزاعات، فغالباً ما يوجه الضوء على أسوأ أشكال العنف الجنسي فقط، فيما تعاني أعداد كبيرة من النساء أشكالاً مختلفة من العنف التي يتم تجاهلها لأنها ليست بوضوح الأشكال التقليدية التي يتم تداولها عادةً. ومن المعروف أن اللاجئين هم من أكثر الفئات التي يتم استغلالها، فبعد عام 2003، أُرغم العديد من اللاجئات العراقيات في البلدان العربية التي لجأن إليها على العمل في الدعارة وتم معاملتهنّ على هذا الأساس. غير أن ما هو جديد ومختلف في الوضع السوري هو النسبة المرتفعة لزواج الطفلات لأغراض جنسية بحتة والقبول الاجتماعي الكبير لهذه الظاهرة تحت مسمى السترة. فبعض دعاة الدين لم يكتفوا بالترويج لهذه الظاهرة بل جمعوا قوائم للزواج وأمّنوا الزوجات، وكل ذلك بذريعة الحماية والسترة. كما أن المعضلة التي تدفع معظم الأهل لتزويج بناتهم تكمن في عدم القدرة على تلبية حاجاتهن الأساسية، وبالتالي يقومون بتزويجهن على أمل تأمين حياة أفضل لهن. غير أن انعدام إمكانية وجود حل للأزمة السورية، في المستقبل المنظور، بما يضمن حقوق السوريين ويسهل عودتهم، يشير إلى أن هذه الظاهرة ستزداد اتساعاً وأن الآثار السلبية الناجمة عنها ستزداد تعقيداً، الأمر الذي يضعنا جميعاً أمام مسؤولية العمل على إيجاد ملاذ آمن للاجئين السوريين يضمن لهم حقوقهم ويلبي حاجاتهم إلى حين عودتهم إلى بلدهم، بدون أن يضطروا إلى معايشة أكبر مخاوفهم يومياً.

_____

هوامش

روان قداح.. الطفلة التي اغتُصبت مرتين، وسام كنعان، جريدة الأخبار1-   25/09/2013 
http://www.al-akhbar.com/node/191959.

2- سوريا: أزمة إقليمية، تقرير لجنة الإنقاذ الدولية للصليب الأحمر الدولي
2013،(http://www.rescue.org/sites/default/files/resource-file/IRCReportMidEas…)

3-  حدثت هذه الظاهرة في تسعينيات القرن الماضي، ولو على نطاق أصغر، مع قدوم لاجئات من البوسنة والهرسك، حيث انتشرت فتاوى الزواج من هؤلاء الفتيات بحجة السترة. غير أن معظم الزيجات كانت قصيرة، وتم استغلال العديد منهن بأعمال غير شرعية.

4- تم تغيير جميع أسماء النشطاء واللاجئين الواردة في المقال لضمان سلامتهم.

5- جدل متصاعد في مصر حول الزواج من لاجئات سوريات، جريدة الزمان، 31/03/2013،

http://www.azzaman.com/?p=30237

6- قصة سمر مقتبسة من الفيلم الوثائقي، نحن موهيك، إخراج كارول منصور، فكرة وتمويل مؤسسة هينريش بل الالمانية.