عن بعض أحوال اللاجئين السوريين في لبنان

"أم أحمد" هي أمّ لصبيّين وبنت. اضطرّت الى ترك "معضميّة الشام" في ريف دمشق عندما بدأت "الطيّارة" بقصف البلدة. اختبأت هي وأولادها تحت شجر الزيتون ينتظرون توقّف وابل الصواريخ، وجاؤوا بعدها الى منطقة "الصويري" في البقاع اللبناني. كان ذلك في سبتمبر من العام 2012. "سكنّا بداية في غرفة على الطريق العام الى أن طلب منّا صاحبها إخلاءها. فتّشنا على غيرها، ولم نجد. قال لنا الجيران إن هناك سجناً مهجوراً في آخر البلدة. شطفناه وظبّطناه ونسكن فيه".

في السجن هذا، تسكن نحو 29 عائلة سورية نزحت جميعها من "المعضميّة" في ريف دمشق. توزعت العائلات على زنازين السجن الصغيرة والمعتمة. لا شبابيك فيها، أبوابها حديد، وروائح عفن ومرض ورطوبة تتغلغل فيها. أكثر من ثمانين طفلاً يمضون أيامهم ولياليهم في السجن، لا يذهبون الى المدرسة. البعض منهم يتلقى دروساً في الدين في جامع البلدة. "كي لا يتقاتل الأولاد، يبقون معظم الوقت في الزنازين. وأصلاً، ليس هناك مكان يلعبون فيه. خارج السجن، هناك أسلاك شائكة، وكمان في سيّارات والناس بتسوق بسرعة كتير هون"، تقول أم أحمد التي أرسلت ابنها الكبير أحمد وعمره 12 عاماً للعمل في سوبر ماركت البلدة. يعمل هناك كل النهار، ويقبض 50 ألف ليرة لبنانية في الشهر (أي ما يعادل 33 دولاراً أميركياً(

هذه عيّنة عن حالة اللاجئين السوريين الى البقاع، الذين بلغ عدد المسجّلين منهم بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدّة 220000 لاجئ لغاية شهر أيلول 2013، و42 ألفاً ينتظرون تسجيلهم، حيث يتم تسجيل قرابة الألف شخص يوميّاً. منهم من يسكن في سجن، ومنهم من يسكن في خيم يؤجّرها لهم أصحاب الأراضي الزراعية أو في إسطبلات أخلاها أصحابها من البقر وأسكنوا سوريين فيها مقابل دفع إيجار يتراوح بين 150 الى 200$ بحسب ناشط سوري.

في جميع المناطق اللبنانية التي لجأ إليها سوريون من شرائح اجتماعية فقيرة، يعيش قسم كبير منهم حالة من "التشرّد" ويواجهون مشكلة السكن. الذي يجد منهم بناية غير منتهية، يسكن فيها بالرغم من وضعها وخطورتها، وكثيرون، يفترشون الشوارع وينامون في العراء مع أولادهم. وقد ازدادت في الأشهر الأخيرة في العاصمة مشاهد أليمة، لعائلات تسكن تحت جسور، وعلى تقاطعات طرق.

في الشمال، في عكار وطرابلس، يُفيد ناشطون ومسؤولون في المنظمات الدولية العاملة ميدانياً أن سكان هذه المناطق فتحوا بيوتهم للاجئين واستضافوهم فيها في بداية موجة اللجوء. عائلات كثيرة في وادي خالد استقبلت عندها، في بيوتها التي بالكاد تؤوي أفرادها، عائلات سورية، وكانوا يتشاركون الأكل ويتناوبون على النوم، وما زال عدد كبير جداً من اللاجئين السوريين في منطقة وادي خالد يعيشون بضيافة عائلات لبنانية، فيما يسكن الباقون في مآو جماعية وفي مستودعات وشقق مؤجرة.

في المخيّمات الفلسطينية

مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ضمّت أيضاً بالرغم من وضعها وفقرها عدداً كبيراً من الفلسطينيين السوريين الذين ملّوا تكرار مأساة اللجوء ومن السوريين الهاربين من القتل. قدمت ريما ملسي وبناتها الأربع في أواخر العام 2012 الى مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، بعد محطات نزوح كثيرة تلت مغادرتها "يلدا" مدينتها في ريف دمشق. لحق بهنّ الزوج محمد ملسي بعد شهر تقريباً. أتى محمّلاً بالمآسي التي شهدها في بلده، وبدأ رحلة التفتيش عن عمل له لإعالة العائلة ودفع 150$ شهرياً، إيجار غرفة (غير صالحة للسكن) في المخيم. انتحر محمد بعد شهر من قدومه الى لبنان، لم يجد عملاً ولم يتحمّل الذلّ والأخبار التي كانت تأتيه من سوريا، عن بيته الذي تهدّم ووالدته التي تُنازع الموت. أخبرت ريما أن أهل المخيّم احتضنوها هي وبناتها بعد الكارثة التي أصابتهم، وتكفّلوا بكل المصاريف وإجراءات الدفن. "ما حسّسونا أننا غرباء، وقفوا الفلسطينية معنا وقفة أهل".

لكن، حتى في المناطق والمخيمات التي كانت حاضنة للاجئين السوريين، بدأ الخناق يضيق والاحتقان يتزايد مع مرور الوقت والازدياد الكبير لعدد اللاجئين. إذ وصل عددهم بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الى نحو 760 ألفاً حتى الربع الثالث من عام 2013، ما يقارب الـ 77% منهم نساء وأطفال، وتخطّى المليون بحسب مصادر حكومية لبنانية.

فالمخيمات الفلسطينية تعيش حالة إهمال وفقر واكتظاظ، والمناطق التي تتحمّل عبء اللجوء الأكبر في الشمال والبقاع، هي الأفقر في لبنان ولم يعد بإمكانها تحمّل هذه الأعداد. كما أنها متروكة من الدولة اللبنانية، وليس لديها بنى تحتية وصرف صحيّ جيّد في الأصل، وها هو وضعها يزداد سوءاً في ظلّ تصاعد وتيرة القادمين إليها. "اعتقدت العائلات اللبنانية في البداية أن الموضوع مؤقت فاستقبلتهم وتعاطفت معهم، لكن مع مرور سنتين، بدأ التوتر يظهر"، بحسب أوليفيا كاليس، مستشارة لشؤون المناصرة والإعلام في "المجلس النرويجي للاجئين - لبنان".

وضع اللاجئين يُشبه الى حدّ ما وضع مُستضيفيهم اللبنانيين

"ما ينقص اللاجئين السوريين هو الذي ينقص أهالي عكار وطرابلس وباقي المناطق المهملة، البنى التحتية والخدمات الاجتماعية والتربوية. هو وجود دولة قوية ديمقراطية في لبنان"، يقول الناشط السوري خالد الختيار.

من هنا تعمل منظمات دولية عديدة على مساعدة البيئة الحاضنة للاجئين، وعلى الضغط على الدولة اللبنانية لكي تطالب بتكثيف المساعدات الإنسانية لتنمية هذه المناطق، علّها تتمكّن من استيعاب هذه الأعداد لوقت قد يطول.

أحد المشاريع التي يقوم بها "المجلس النرويجي للاجئين - لبنان" هو العمل على إنهاء البيوت التي لا يملك أصحابها اللبنانيون ثمن إنهائها. "في المناطق اللبنانية التي فيها لاجئون قدموا من سوريا بدون مأوى، نتعاون مع أصحاب البيوت الذين لم يُكملوا بناءها بسبب عدم توافر المال الكافي لذلك، نُنهي البناء، ونتّفق معهم في المقابل على إيواء عائلات لاجئة لمدّة سنة. أهمية هذا المشروع أنه يساعد المجتمع المُستضيف ويشجّعه على الاستمرار في الاستضافة". إلّا أن عمل المجلس هذا يطال عيّنة صغيرة من اللاجئين، هو استطاع تأمين 44,990 مأوى لغاية الآن، ولكن "كيف سنتمكّن من تأمين أماكن للسكن تستوفي الشروط الأساسية للعيش الكريم للـ750 ألف لاجئ؟ في حالات مشابهة، يكون الحلّ بإنشاء مخيمّ كبير يضمّ هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين، فتكلفته تكون أقلّ من جهة، ويكون أسهل تأمين كل الخدمات الأساسية للناس الموجودين فيه من جهة ثانية. لكن بما أن الحكومة اللبنانية ترفض هذا الاقتراح من باب الخوف من تكرار تجربة المخيمات الفلسطينية، نواجه وضعاً صعباً للغاية. فاللاجئون منتشرون في كل أنحاء البلد، وهذا يزيد من صعوبة تأمين الخدمات لهم ومن التكلفة، خاصة أن التمويل محدود"، تُضيف كاليس، لذلك يجب اتباع خطّة إنقاذ شاملة، تضمّ مساعدة اللاجئين والبيئات اللبنانية الحاضنة ودعم السلطات المحلية لهذه المناطق المُضيفة.

مشكلة السكن وغلاء الإيجارات والطبابة والخوف

عدا مشكلة الإغاثة وإيصال المساعدات الى هذا العدد الكبير من اللاجئين المنتشرين، هناك مشكلة أساسية أخرى يواجهونها هي ارتفاع الإيجارات. هذا يدفعهم الى القبول بأي عمل وبمُقابل متدنّ جداً ويعرّضهم للاستغلال. وهو أيضاً يؤجّج التوتّر والحساسية بينهم وبين اللبنانيين بسبب المنافسة التي تسبّبها هذه اليد العاملة الرخيصة.

كل هذا الاحتقان، وفي ظلّ غياب خطّة شاملة تطرح سبل التعاطي مع هذه القضية، ينفجر عبر ممارسات عنصرية، حتى في المناطق التي كانت متعاطفة مع اللاجئين لأسباب إنسانية وطائفية واجتماعية وسياسية. إذ إضافة الى التصريحات التي يُطلقها بعض السياسيين اللبنانيين بين فترة وأخرى، وما تحمله من كراهية للاجئين السوريين، أصبحت تُنسب كل مشاكل البلد والسرقات والجرائم التي تحصل فيه الى اللجوء السوري، وأصبحت اللافتات المُعيبة التي رفعتها عدّة بلديّات في جبل لبنان والجنوب والتي تحظر تجوّل "اللاجئين" ليلاً، تلاقي ترحيباً من بلديات في الشمال والبقاع. أضف الى ذلك تعرّض بعض اللاجئين الى اعتداءات وسلوكيات تجسّد انحرافاً وانتهاكاً للقانون، كما أظهره مشهد فيديو عن رجل أمن لبناني يعتدي بالضرب بالحزام على لاجئين محتشدين في نقطة حدودية.

ويعيش اللاجئون في لبنان حالة خوف شديد. فهم تركوا بلدهم وبيتهم وأرضهم وعملهم وحياتهم السابقة كلّها التي لا يتمنّون إلّا العودة إليها، وأتوا الى بلد آخر حاملين معهم أهوال العنف والظلم التي شهدوها هناك، وهم يعيشون فيه حاضراً أليماً لا يعرفون متى سينتهي وما سيحمل لهم المستقبل

أضف الى ذلك أن كثراً من القادمين الى لبنان غير مسجّلين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وليس لديهم مستندات رسمية ولا يعرفون ما هي حقوقهم أو كيف يحصلون عليها. تعمل مجموعة من الناشطين السوريين على إنشاء "دليل اللاجئ السوري"، كما يُخبر خالد الختيار، بهدف مساعدة القادم من سوريا على معرفة المبادئ الأساسية وعدم انتهاك القانون اللبناني من جهة، وبغية التخفيف من خوفه وضياعه واحتمالات المسّ بكرامته من جهة ثانية. "ليس هناك من هيئة واحدة تتعاطى مع موضوع اللاجئين، فجأة وزارة الشؤون الاجتماعية هي على الخط، مرّة أخرى الداخلية، بعدها الجيش والمخابرات أو طرف سياسي معيّن أو جمعية خيرية؛ تعدد المنافذ وعدم وجود آلية واحدة يُربك اللاجئ ويمنعه من معرفة المبادئ الأساسية وحقوقه وواجباته. نحاول من خلال هذا الدليل تعريفه على الإجراءات التي يجب اتباعها: أين يمكنه تجديد الأوراق، هل ممكن فتح حساب بالبنك.... ونحاول أيضاً تقديم الدعم القانوني والحماية القانونية من خلال توكيل محامين يدافعون عن الموجودين في السجون، لأن المفوضية العليا للأمم المتحدة مقصّرة في هذا المجال نظراً لصلاحياتها المحدودة وعدم قدرتها على الضغط قانونياً على الحكومة اللبنانية". ولبنان لم يوقّع اتفاقّية الـ51 التي تتناول وضع اللاجئين، ولا البروتوكول الملحق بها في الـ67، وهو بالتالي يستطيع التملّص من واجبات حماية اللاجئين.

يعلّق هاني طلفاح، الذي يعمل في جمعية "بسمة وزيتونة" التي أنشئت منذ خمسة شهور والتي تُنفّذ مشاريع تساعد اللاجئين، بأن المشكلة الأساسية هي فعلياً عدم اعتراف الدولة اللبنانية بالسوري كـ"لاجئ" بالمعنى القانوني للكلمة وما يرتّبه هذا الاعتراف عليها من مسؤوليات تجاهه. "يصبح اللاجئ في هذه الحالة مضطراً الى تجديد إقامته كل سنة. إذا أخذنا مثلاً عائلة مكوّنة من خمسة أشخاص، عليها دفع 1000$ سنوياً لتجديد إقاماتها، وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة إليها، ولا تستطيع فعل ذلك. يعيش أفرادها من دون إقامات إذاً، لا يقدّمون طلبات عمل بسبب ذلك، ويبقون في المكان ذاته، وتتدهور حالتهم أكثر وأكثر".

وضع اللاجئين صعب في ما يتعلّق بالطبابة أيضاً. إذ أن تكلفتها في لبنان مرتفعة جداً. "تتكفّل المفوضية العليا للاجئين بدفع 75% من أجرة طبابة اللاجئ المسجّل لديها. ويبقى 25% يتحمّله المريض الذي غالباً ما لا يكون لديه المبلغ المطلوب. وطبعاً من هو غير مسجّل، لا يحصل على أية مساعدة"، يُضيف هاني.

الأطفال اللاجئون والنساء وأحوالهم

أكثر من نصف اللاجئين السوريين المسجّلين في لبنان هم من الأطفال، حوالي 350 ألفاً. أضف إليهم 150 ألفاً، وهو الرقم المتداول للأطفال غير المسجلين كما أوردت عبير أبي خليل، مديرة مشروع حماية الطفل في اليونيسف لوكالة الأنباء الفرنسية. تُفيد التقارير أن أغلبيتهم لم يسجّلوا في المدارس، "7% فقط من الأطفال التحقوا بها. ليس هناك من بُنية أساسية في لبنان تخوّله استيعاب هذا العدد الكبير من الأطفال السوريين، فالمدارس اللبنانية مخصّصة لاستيعاب 300 ألف طفل لبناني فقط"، يقول هاني.

الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس، منهم من يُشارك في النشاطات "البديلة" التي تنفّذها منظمات دولية أو جمعيات، أو يعمل في ظروف قاسية ويتعرّض للإهانة، ومنهم من يمضي أيامه ولياليه في الشارع، وهم يشكّلون الفئة الأكثر عرضة لاحتمالات الاستغلال والعنف النفسي والجسدي والجنسي.

محمد عمره 7 أعوام، يبيع العلكة على تقاطع "برج المرّ" في بيروت. يجلس من الصبح وحتى آخر الليل هناك على الرصيف الفاصل بين خطّي السير. يتنشّق دخان السيارات، لا يتكلّم ونظراته مشتّتة وتكبره عمراً. عيناه يغلبهما النعاس. غالباً ما يكون تاكياً رأسه على يده الصغيرة ونائماً، ناسياً العلكة وبضعة الآلاف التي جمّعها الى جانبه. أطفال آخرون يبيعون الورود في شوارع بيروت، في الحمرا ومار مخايل وغيرها، وأعدادهم في ازدياد كبير.

حتى القلائل المسجّلين في المدارس، يعانون من مشاكل عديدة ونسبة النجاح متدنية جداً. فهم قدموا الى لبنان بعد رحلة عبور شاقة، فدخلوا الى المدارس مُتعبين، ليأخذوا منهاجاً مختلفاً عن مناهجهم، وهذا يولّد عندهم صعوبات تعليمية، حتى لمن كان ناجحاً جداً في دراسته. "الطفل الذي عمره ثماني سنوات، تراجع سنتين بسبب اختلاف المنهج" يقول هاني، ما قد يولّد عنده مشاكل عديدة ويُشعره بالنقص. وما يزيد من هذه المشاكل، هو تعرّض البعض منهم للضرب في المدارس من قبل أطفال لبنانيين، كما أشار ناشطون. تجدر الإشارة هنا الى أن أطفالاً سوريين كثراً ولدوا لاجئين في لبنان خلال العامين الماضيين، منهم سُجلّوا ومنهم من لا يزال بلا هوية.

"تريدون إنقاذ حياة سوريين؟ ضاعفوا المساعدات الإنسانية"، هو عنوان لمقال كتبته هيلاري مارغوليس ونُشر على موقع "هيومن رايتس واتش"، تُخبر فيه قصص طفلات ونساء سوريات، يعشن اللجوء في لبنان وظروفه الصعبة، ويتعرّضن فوق ذلك الى العنف والاستغلال الجنسي. فصاحب البناية التي تسكن فيها زينة، إحدى اللاجئات السوريات وعمرها عشرون عاماً، يطلب منها خدمات جنسية مقابل إعفائها وعائلتها من الإيجار.

مبادرات فردية وحملات مدنية

في المقابل، وتعويضاً عن مشكلة التعليم والمشاكل الأخرى العديدة، تحاول بعض المنظمات الدولية والجمعيات ومن بينها "المجلس النروجي للاجئين - لبنان" واليونسف وجمعية "بسمة وزيتونة" إجراء نشاطات للأطفال السوريين، تجعل التفاعل ممكناً مع أطفال لبنانيين وتُخرجهم قليلاً من الحالة التي يعيشونها وتدفعهم الى التعبير عبر اللعب ومن خلال الرسم عن مشاعرهم المكبوتة وأحلامهم وذكرياتهم.

كما أن مبادرات فردية عديدة وحملات مدنية أُطلقت وتزايدت منذ مطلع العام الحالي (2013) لتواجه ضمن إمكانياتها المتواضعة والمحدودة عواصف الشتاء والتصريحات والممارسات العنصرية بحق اللاجئين السوريين في لبنان. فانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوات وتعليقات تردّ على مواقف بعض السياسيين اللبنانيين العنصرية تجاه السوريين والتي ذهبت الى حدّ المطالبة بإرجاعهم الى بلدهم، ورُفعت لافتات في بعض شوارع بيروت تُرحّب بالسوريين الذين لجأوا الى لبنان: "أهلاً باللاجئين السوريين في لبنان وعذراً على ما يفعله العنصريون منا ...".

إليانا بدر التي تعمل في مركز للأبحاث ومعها العديد من الناشطين والمتطوّعين قاموا منذ بداية موجة اللجوء بالعديد من المبادرات الفردية. "بدأت الفكرة مطلع العام الجديد. لاحظنا أن عدد الأطفال السوريين الذين يبيعون الورد في شارع الحمرا تزايد في الأشهر الأخيرة. فقرّرنا أن نجمع مبلغاً صغيراً من المال، ونظّمنا غداءً لـ20 طفلاً وطفلة في حديقة الصنائع. رؤيتهم يضحكون ويلعبون شجّعتنا لاستكمال نشاطنا. وزّعنا في اليوم التالي ألعاباً على أطفال آخرين. عندما ازداد الطقس برودة وهبّت العواصف، فكّرنا بأن هناك عائلات تنام في خيم في البقاع وليس لديها ما تضعه على الأرض أو تتغطّى به ويجب مساعدتهم. طلبنا من الناس عبر نداءات أطلقناها على "فايسبوك" التبرّع ببطانيات لتوزيعها. استجاب الكثيرون. وجمّعنا خلال أسبوع كميّة كبيرة من المساعدات. تعاون معنا أصدقاؤنا السوريون وتواصلنا مع بلدية البقاع ووزّعناها على عدد من العائلات السورية".

ربى، المتطوّعة في حملة "سوا لأجل سوريا"، تشير أيضاً الى أن الناس يرحّبون أكثر ويتشجّعون للمساعدة عندما يعلمون أن المبادرة ليست سياسية أو طائفية، بل إنها مبادرات فردية دافعها إنساني بحت. فالعديد من الناشطين أفادوا أن جمعيات ومنظمات تعمل في الإغاثة تنقصها الشفافية من جهة، ويهمّها الظهور الإعلامي وبرنامجها "السياسي والطائفي" من جهة ثانية أكثر من مساعدة اللاجئين.

"سوا لأجل سوريا" هي مجموعة تضمّ ناشطين وطلاباً لبنانيين وسوريين، من مختلف الطوائف والتوجّهات. "دافعنا إنساني. نلاقي الناس بأماكن يختارونها، تكون قريبة من أماكن سكنهم أو عملهم، نجمع التبرّعات ونوزّعها على العائلات السورية الموجودة في بيروت والشمال والبقاع. نعمل في الإغاثة منذ بداية اللجوء السوري الى لبنان". وها هي المجموعة ذاتها تستأنف نشاطها الإغاثي مع بداية فصل الشتاء بإعلان استقبالها للتبرعات على صفحتها على فايسبوك منذ أيام. إلّا أن هذه المبادرات الفردية مع أهميتها، تبقى آثارها محدودة نظراً لضخامة الأرقام وصعوبة الوضع.

"هم يريدون العودة الى بلدهم"

"هم يريدون العودة الى قراهم وحياتهم وأعمالهم ويومياتهم، لكنهم بحاجة الى سلام"، تقول أوليفيا كاليس.

والى أن يتمكّنوا من العودة دون خطر تعرّضهم للموت، هم في لبنان، في بلد صغير وهشّ ومضطرب وقدرته على التحمّل ضعيفة، لكن ليس هناك من خيار آخر أمام دولته سوى طلب المساعدات الدولية الإنسانية والعمل الجدّي لاستيعاب هذه الأزمة الكبيرة، واتّباع سياسة شاملة تنموية، تقوّي البيئات الحاضنة وتجعلها أقلّ هشاشة وقدرة على استضافة اللاجئين إليها من بطش نظامهم، وتمنح اللاجئين أقلّ حقوقهم الإنسانية: وهي أن يعيشوا بكرامة، بانتظار عودتهم الى بلدهم.