استقر العديد من الفلسطينين في سوريا منذ موجة اللجوء الأولى عام 1948، وكانو يعاملون فيها معاملة السوريين في معظم المجالات، باستثناء أمور تخصّ الانتخابات والترشيح لعضوية مجلس الشعب. حيث عادةَ ما يُشار إلي الفلسطينين في سوريا بعبارة "من هم في حكم السوريين. وتقدر أعداد الفلسطيني في سوريا بما يقارب 000528 لاجئ لتاريخ 01/01/2013 وفق احصاءات الاونروا. وفي حين كان يعيش بعضهم في المخيمات الرسمية التسعة فإن الغالبية كانت تعيش خارج المخيمات متوزعين في كافة المدن السورية 1
لم يخرج الفلسطينيون من سوريا بكميات كبيرة إلا بعد مرور عام على الأحداث، و ذلك بسبب اشتداد الحرب واقترابها من مخيماتهم، وخاصةً تلك الموجودة في دمشق و ريفها. حيث شهد شهر حزيران موجة نزوح كبيرة للاجئين الفلسطينين والسوريين وذلك بالتزامن مع بدء معركة دمشق. وتقدر ﺍﻷﻭﻧﺮﻭﺍ ﺃﻥعدد ﺍﻟﻼﺟﺌين الفلسطنيين ﺍﻟﻨﺎﺯﺣين ﻣﻦ سوريا ﺇﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﺳﻴﺼﻞ ﻣﻊ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻡ الحاﻟﻲ ﺇﻟﻰ80,000 ﻻﺟﻲﺀ ﻳﺴﻜﻦ معظمهم ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ عددها 12 ﻣﺨﻴﻤًا [2]، استقر معظم هؤلاء اللاجئين بدايةً عند أقارب لهم أو عند عائلات فتحت لهم بيوتها. سيتناول هذا المقال البحث في أوضاع الفلسطينين القادمين من سوريا إلى لبنان لفهم التحديات التي تواجههم في سبيل المساهمة في العمل على ايجاد حلول للمشاكل التي يعانون منها.
الوضع القانوني:
يعتبر موضوع الاقامة في لبنان من أهم المشاكل التي يعاني منها الفلسطيني الهارب من سوريا. فمن المتعارف عليه سابقاً أن مديرية الهجرة والجوازات اللبنانية تمنح الفلسطيني القادم من سوريا إذن إقامة في لبنان لاسبوع واحد فقط، و من ثم يتوجب على الفلسطيني السوري أن يراجع الأمن اللبناني للحصول على اسبوع آخر مجاني ومن ثم العودة مجدداً لتجديد الاقامة لمدة اسبوعين شرط دفع مبلغ 50000 ليرة لبنانية (33 دولار) عن الشخص الواحد. غير أن الصعوبات المالية التي يعاني منها اللاجئون وعدم معرفتهم بمدى عودتهم إلى سوريا دفع بالكثيرين إلى عدم تجديد اذن الاقامة والبقاء في لبنان بصورة غير شرعية. هذا الامر خلق ضغط على الاونروا والقوى والهيئات الفلسطينية من أجل إيجاد حل أكثر ديمومة لموضوع الاقامة. وبحسب اتفاق بين الأونروا و الحكومة اللبنانية تم إعفاء الفلسطيني من تكاليف تمديد الإقامة على أن يمنح إقامة مؤقتة مدتها 3 أشهر مجاناً، ودون رسوم، تمدد كل ثلاثة أشهر ولغاية السنة مجاناً 3.
وبالبرغم من أن الحكومة اللبنانية لم تغلق إلى الآن حدودها أمام الفارين من سوريا ، إلا أنها وبسبب الأعداد الكبيرة التي بدأت تتوافد إليها، وتخوفها من أن يكون هناك مخيمات فلسطينية جديدة دائمة ، بدأت مؤخراً وضع بعض العراقيل على دخول الفلسطيني وحتى السوري إليها، خاصة في ظل مؤشرات طول فترة الأزمة السورية و استمرارها. فمنذ ثلاثة أشهر تقريباً،هناك شبه قرار غير رسمي بمنع دخول الفلسطيني، من خلال اشتراط إدارة الهجرة و الجوازات على الحدود اللبنانية السماح فقط بدخول الفلسطيني الذي يثبت أنه سوف يغادر الأراضي اللبنانية خلال أسبوع، وتحديداً من يمتلكون فيزا للسفر الى دولة أخرى ولا يوجد طريق للسفر سوى من مطار بيروت، أو ممن هم بحاجة الى علاج طبي، مع بعض الاستثناءات حسب رؤية و تقدير إدارة الهجرة والجوازات اللبنانية.
أما الاستحقاق القادم والذي قد ينتج عنه مشكلات كبيرة في نهاية العام الحالي، فهو موضوع تجديد الإقامة السنوية، إذ أنه حسب القانون اللبناني يتوجب على جميع الفلسطينين القادمين من سوريا دفع مبلغ 200 دولار عن كل فرد متواجد على الأراضي اللبنانية مع مرور سنه على وجوده، مع اشتراط خروجه من الحدود ومن ثم عودته. هذا الموضوع مهم جداً حلّه بأسرع وقت ممكن لأنه مع بداية السنة القادمة (2014) يكون كل الغالبية العظمى من الفلسطينيين السوريين مقيمين بشكل غير شرعي على الأراضي اللبنانية، وحول هذا الموضوع يقول السيد أبو إياد الشعلان " قيادة الفصائل التقت السيد نبيه بري رئيس المجلس النيابي اللبناني، ومن المواضيع التي أثيرت موضوع الإقامة وضرورة حل هذا الموضوع، ولكن مع الأسف هناك قانون لا يستطيع لا مجلس النواب ولا الحكومة اختراقه، المشكلة تتعلق بالقوانين اللبنانية. بكل الأحوال يجب على الفصائل الفلسطينية تشكيل وفد للقاء الحكومة اللبنانية، وإذا لم تحل المشكلة معهم، علينا تأمين المبالغ المستحقة للإقامة، لأن المهجرين من سوريا ليس لديهم القدرة على دفعها، وعلى الأونروا أيضاً أن تتحمل مسؤوليتها اتجاه هذا الموضوع". إن عدم حل هذا الإشكال قد يترتب عليه نتائج:
1- وقوع ما بين 45000 الى 50000 ألف فلسطيني سوري في لبنان تحت طائلة الملاحقة القانونية
2- هذا العدد الهائل في دفعة واحدة سيُحدث إرباكاً في الإدارات والأمن اللبناني. وقد يؤدي تلقائياً إلى حالة طوارئ.
3- تكرر عمليات الاعتقال والترحيل بكثافة، قد يوتّر الأجواء في البلد بين مؤيد ومعارض
4- قد يتحول المخالفون "بسبب الإقامة" إلى مطلوبين، فيلجئون إلى المخيمات ليقيموا فيها، وتتجدد مشكلة المطلوبين في المخيمات الفلسطينية، مما يعيد الحديث إلى صيغة "البؤرة الأمنية" في المخيمات.
5- سيحرم هؤلاء من التجول في البلد، وبالتالي من السعي للحصول على ما يساعدهم على مصاعب التهجير
6- ستتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لدى هؤلاء، لعدم تمكنهم من تلقي مساعداتهم من المصارف المعتمدة لدى الأونروا.
إزاء هذا الواقع المستجدّ، من المفيد أن تلتقي الأطراف المعنية، مثل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني والأونروا والفصائل الفلسطينية والجهات الأمنية المعنية، للوصول إلى حلّ سياسي تتبناه الجهات المعنية، وتقوم بتنفيذه الجهات الإدارية والقضائية والأمنية.
أزمة السكن:
لم تظهر مشكلة السكن مع بداية نزوح الفلسطينين من سوريا إلى لبنان حيث تم استضافة العديد منهم في تلك المخيمات بسبب علاقات القربى والمصاهرة مع العائلات الفلسطينية هناك. غير أن الترحيب من قبل سكان المخيمات أخذ بالتغيير نتيجة عدد من العوامل أهمها: طول الأزمة، زيادة الكثافة السكانية، ضيق المكان، الاوضاع الاقتصادية الصعبة. كل هذه العوامل أدت إلى دفع العائلات المستضافة إلى ايجاد مكان آخر للعيش، الأمر الذي ادى ارتفاع الاسعار وصعوبة ايجاد اماكن للايجار بالاضافة إلى صعوبة تأمين تكاليف الايجار، خاصةً ان المخيمات تعاني اساساً من اكتظاظ سكاني نتيجة كون المعيشة فيها ارخص من مناطق أخرى. هذا الامر أدى إلى العديد من المشاكل العائلية بين العائلة الواحدة أحياناً وبين العائلة المضيفة والعائلة المضافة احياناً أخرى. الأمر الذي دفع بالبعض إلى الاقامة في خيم أو كراجات أو أبنية مهجورة أو غير مكتملة، في حين دفع بآخرين بالعودة إلى سوريا. يقول المهندس نضال عمايري وهو من مخيم اليرموك "اضطررت للهرب بعائلتي الى لبنان بسبب القصف اليومي للمخيم،عند قدومي سكنت في مخيم عين الحلوة، وقد استقبلنا الناس هنا بشكل جيد، وقدموا لنا ما يستطيعون، وانا مسبقاً أعلم أن واقع الفلسطيني اللبناني سيئ،و غالبية الشباب هنا لا تعمل بسبب التضييق عليهم من قبل القوانين اللبنانية المجحفة، المشكلة أن المخيم ذاته يعاني من مشاكل كبيرة و أهمها ضيق المكان،و الكثافة السكانية العالية،و نحن زدنا عليه مشكلة أخرى". وعليه فكثير من الفلسطينين القادمين من سوريا لازالو يعانون من صعوبة تأمين الأجار الشهري ويعتمدون على المساعدات والصدقات بشكل أساسي لدفع الاجار في حين أن الذين في أماكن غير صالحة للسكن لازالو يعانون من حر الصيف وبرد الشتاء وما يتبع ذلك من أمراض ومشاكل صحية.
وفي محاولة ايجاد حل لهذه الازمة يقول أبو جابر، مسؤول العلاقات السياسية في الجبهة الشعبية، "نحاول الآن إيجاد أماكن إيواء بالاتفاق مع الأونروا، وخلال هذا الوقت على الأونروا أن تؤمن أجارات شهرية للعائلات وأن نثبت هذا الموضوع لحين انتهاء الأزمة، إلا أنّ الأونروا رفضت تثبيت هذا الموضوع ( الاجارات) على أرضية أنها لا تستطيع أن تلزم نفسها، وأن الموضوع مرتبط بحجم المبالغ التي تأتيها".
الوضع التعليمي:
خسر معظم الطلبة القادمين من سوريا النصف الثاني من السنة الدراسية لعام 2012، وذلك بسبب التهجير المستمر من منطقة الى أخرى، ونتيجة عدم قدرة مدارس الأونروا أو حتى المدارس اللبنانية استقبالهم عند بداية قدومهم إلى لبنان. ومع بداية العام الدراسي الجديد 2013 تكفلت الأونروا بتأمين جميع الطلبة في المدارس حتى المرحلة الإعدادية، وأكدت على ضرورة أن يلتحق الأطفال بالعملية التعليمية. وعلى هذا الصعيد برزت مشكلات رئيسية أهمها:
.المشكلة الأولى تتعلق بعمالة الأطفال وتسرب الكثير منهم للعمل ومساعدة عائلاتهم على تأمين بعض المال، وخاصةً الاطفال التي تتراوح اعمارهم بين العاشرة والخمسة عشر عاماً، وذلك نتيجة قبولهم العمل بأجور بخسة جداً. وهذا ما أكدت عليه اللاجئة أم ناصر حلاوة التي قالت: "عندي ثلاثة أولاد، اثنان أعمارهم صغيرة لا تتجاوز الخامسة عشر، تركوا مقاعدهم الدراسية للعمل على تأمين الطعام للأسرة، أما ولدي ناصر كان طالباً في السنة الأخيرة قسم علم اجتماع، أما الآن فهو عامل في مطعم، هناك من تكفل بمصاريفه الجامعية هذا صحيح، ولكن نحن أسرة كبيرة، لديهم أخوة بنات، بالنسبة لهم هم الآن في المدرسة و أخوتهم الشباب يتكفلون بمصاريفهم".
المشكلة الثانية، فهي التفاوت بين المنهجين اللبناني والسوري، وخاصةً فيما يتعلق باللغات الاجنبية (الإنكليزية والفرنسية) وضعفها عند الطالب القادم من سوريا. فقد أضطر الكثير من طلبة الثالث الثانوي العلمي الى تغيير شهادتهم الى الثانوي الأدبي، حيث تدرس بعض المواد العلمية باللغة الانكليزية. الى جانب ترك الكثير من طلبة المرحلة الثانوية تحديداً مقاعد الدراسية لأنهم لا يستطيعون مجارات المنهاج اللبناني وخاصةً فيما يتعلق باللغات الاجنبية. وهنا يجب أن ننوه الى أن بعض المؤسسات الأهلية حاولت حل هذه المشكلة من خلال تقديم برامج دعم تعليمي خلال فترة العطلة الصيفية و لكنها كانت محاولات خجولة وغير مبرمجة.
المشكلة الثالثة، تتعلق بالطلبة الجامعيين، حيث أن هناك الكثير من الطلبة الذين قدموا من سوريا قبل ان يكملوا دراستهم الجامعية هناك، ويواجه هؤلاء عدة صعوبات اهمها الرسوم المالية التي قد لا تكون باهظة الثمن (وهنا نتكلم فقط عن الجامعات الحكومية) إلا أن غالبية العائلات لا تستطيع دفع هذا المبلغ، وهناك مشكلة محدودية المقاعد في الجامعات الحكومية وغلاء تكاليف الجامعات الخاصة. كما أن بعض هؤلاء الطلاب أصبح المعيل الوحيد للعائلة وبالتالي يضطر معظمهم للبحث عن فرص عمل بدل من الالتحاق بالجامعة. إضافةً إلى مشاكل المنهاج وغيرها.
الوضع الاقتصادي:
يجرم القانون اللبناني العمل بدون إجازة عمل، وهذا الترخيص لا يعطى عادةً إلا للمواطن اللبناني، أو من لديه إقامة لمدة تتجاوز السنة. وعليه فإن معظم الفلسطينين الذين قدموا من سوريا لايستطيعون الحصول على إجازة لإن إقامتهم في لبنان هي اقامة سياحية لا تتجاوز مدتها ثلاثة أشهر. لذلك فإن مجال عمل الفلسطيني القادم من سوريا محصور في سوق العمل الغير رسمي والذي يتم بمعظمه داخل المخيمات، بحكم أن الحكومة اللبنانية لا سلطة لها هناك. ومن المفيد هنا التنويه إلى أن نسبة العاطلين عن العمل عند الفلسطينين اللبنانين هي تبلغ 56% بحسب الدراسة المشتركة التي قامت بها الاونروا والجامعة الاميركية في بيروت والتي تم نشرها في آب 2010 [4]، و بالتالي فالوضع الاقتصادي للمخيمات بالأساس سيء، وزاد سوء مع قدوم الفلسطينين السوريين بسبب الضغط الكبير على المرافق الخدمية، والسكن، والحاجات اليومية بالاضافة إلى منافسة الفلسطيني اللبناني على فرص العمل التي هي في مجملها مهن يدوية حرة( دهان ، بناء، تمديدات صحية...الخ). وعليه فالدخل المالي الوحيد والاساسي لكثير من الفلسطيني القادمين من سوريا يأتي من وكالة الأونروا، التي قامت الى الآن بتوزيع عدة دفعات مالية لم تتجاوز الأربعة دفعات وبشكل غير منتظم، الأمر الذي سبب إرباك للمستفيدين منه وخاصةً فيما يتعلق باستحقاقات دفع أجارات البيوت الشهرية. في هذا الاطار تقول اللاجئة منتهى الأسود في مخيم نهر البارد "هربت من الحرب الدائرة في سوريا خوفاً على أولادي، وجئت الى لبنان، زوجي بحث عن عمل ولكن لم يجد، في التسعة أشهر الذين مضو لم يعمل سوى أيام فقط، والمبلغ الذي توزعه الأونروا لا يكفي حتى أجار بيت، والمشكلة أن الأونروا لا تلتزم شهرياً معنا، نطّر الى طلب المال من بعض الأصدقاء لدفع أجرة المنزل، ونعتمد على المعونات الغذائية التي تقدمها بعض الجمعيات و طبعاً هذا في المناسبات فقط، ابنتي الصغيرة لا تشرب الحليب سوى خمس مرات في الشهر، أما أولادي الآخرين فقد تركوا المدرسة ليساعدونا في تأمين لقمة العيش، وهذا أكثر ما يقلقني، لا أعرف كيف سوف يكون عليه مستقبلهم، أريد تعليمهم و لكن ما يحضروه من مال قليل يبقينا على قيد الحياة".
الوضع الصحي:
يعامل الفلسطيني السوري معاملة الفلسطيني في لبنان فيما يتعلق بالخدمات الصحية التي تقدمها الاونروا. حيث تتوفر مستوصفات تقدم خدمات صحية أولية للمرضى، الى جانب تأمين الأدوية للحالات المرضية المزمنة كالسكري، الى جانب ذلك تقوم الاونروا بتغطية 50% من فاتورة أي عمل جراحي. غير أن المشكلة الاساسية التي تعاني منها الاونروا هنا هي أن ميزانيتها الصحية بقيت على حالها رغم ازدياد عدد المستفيدين من خدماتها الصحية، أما بالنسبة للاجئين القادمين من سوريا فإن معظمهم يعاني من عدم القدرة على دفع التكاليف الطبية وخاصة تلك المتعلقة ب 50% من العمليات الجراحية. يقول محمد الناصر المهجر الى مخيم الرشيدية والقادم من مخيم سبينه في جنوب دمشق "والدتي احتاجت الى عملية قلب، والعملية تقدر تكلفتها ب 3000 دولار. الأونروا تدفع النصف، وعلينا نحن أن ندفع النصف، من أين سوف أتي بالمبلغ المتبقي، وخاصة أننا لا نعمل، وممنوعون من العمل أصلاً مثلنا مثل الفلسطيني المقيم في لبنان، الى الآن لم نستطع إجراء العملية، و لن نستطيع".
لعل أكثر اللاجئين تحركاً على هذا الصعيد هم الذين ذهبوا الى مخيم البداوي في شمال لبنان، ففي كل أسبوع لديهم وقفة احتجاجية للضغط على الأونروا لزيادة الدعم الصحي . يقول محمد الأسود مسؤول الملف الصحي في اللجنة الشعبية لمخيم البداوي، وهو لاجئ فلسطيني من سوريا، "بشكل عام معظم الحالات المرضية الموجودة في البداوي و البارد هي أمراض مزمنة، ومنذ شهرين كان هناك 6 حالات سرطان أطروا للمغادرة والعودة الى سوريا بسبب الكلفة المالية الكبيرة في لبنان، الى جانب مغادرة بعض حالات الأمراض العصبية. أما الأطباء المختصين فيحتاج المريض هنا لدفع المال للعلاج لأنه على الغالب غير موجود في الأونروا أو المراكز الأخرى مثل الأطباء الجراحيين مثلاً". وتضيف السيدة سمر، إحدى الموظفات العاملات في الأونروا "العيادات التابعة للوكالة تفتح في الصباح، وهناك مراجعين في كل يوم وخاصة الأطفال، ولكن المشكلة الحقيقية عندما يكون هناك مشكلة صحية لطفل أثناء المساء، لنقل أن حادث أصاب أي طفل لاجئ". أما المشكلة الأخرى التي لا يجد المهجرون الفلسطينيون من سوريا حل لها، فهي مشكلة علاج الأسنان، حيث أن لا أحد يقدم خدماته المجانية في هذا المجال وتكلفة العلاج باهظة جداً. وعليه فغالبية العائلات التي التقيناها لم تراجع عيادة الأسنان منذ تسعة أشهر.
الدولة اللبنانية والنأي بالنفس:
ساهمت الخصوصية التي ترتبط بالوجود الفلسطيني في لبنان في تحديد شكل تعاطي الحكومة اللبنانية مع موضوع الفلسطينيين القادمين من سوريا، وذلك بإستخدام سياسة النأي بالنفس. وقد نجمت هذه الخصوصية بشكل أساسي بسبب انخراط الفلسطينين في الحرب الاهلية اللبنانية 1975-1990، ونتيجة الخوف من توطين الفلسطينيين في لبنان الأمر الذي سوف يؤثر على التوازن الديموغرافي والمذهبي الدقيق في لبنان مسلمون ومسيحيون من جهة، وسنّة وشيعة من جهة أخرى، وخاصة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين هم من المذهب الإسلامي السنّي.
وعليه لم تتحمل الدولة اللبنانية عموماً مسؤوليتها تجاه اللاجئين الفلسطينين الجدد القادمين من سوريا، حيث رمت بالمسؤولية كاملة على الوكالة الدولية المعنية بهم(الأونروا)، وعلى الهيئات الفلسطينية الرسمية المتمثلة بالسلطة ومنظمة التحرير. حيث أطلقت عليهم تسميات مختلفة، نازحين، أو مهجرين أو ضيوف، وذلك خوفا من الالتزامات القانونية والترتيبات الخاصة بحقوق اللاجئين، وهي بهذا تتنصل من توفير الحقوق الأساسية للاجئين الذي نصت عليها القوانين والتشريعات الدولية.
الاونروا ومحدودية الامكانيات:
يمكن القول عموماُ بأن الأونروا، حالها حال الكثير من الوكالات والمنظمات الدولية، لم تكن جاهزة لاستقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينين الذين قدموا من سوريا. وذلك يعود إلى عدة اسباب منها القدوم المفاجئ لاعداد كبيرة من اللاجئين بعد وصول المعارك إلى المخيمات، إضافة إلى عدم قدرة الوكالة على جمع المبلغ الذي رصدته لخطة الاستجابة السريعة التي تم اطلاقها بتاريخ نيسان 2012 لتغطية عمليات الاغاثة للاجئين الفلسطينين داخل سوريا ولأولئك الذين لجؤوا إلى دور الجوار(لبنان والاردن). بلغ المبلغ المطلوب 54 مليون دولار اميركي، خصص منه 8 ملايين دولار لللاجئين إلى لبنان، غير أن المبلغ التي تم جمعه لغاية شهر تشرين الاول 2012 بلغ 250 ألف دولار فقط.
وبالرغم من أن اللاجئين الفلسطينين الذين قدموا من سوريا استفادومن نفس الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطيين في لبنان وخاصة في مجالي الصحة والتعليم، بالإضافة إلى بعض المستلزمات الطارئة للعائلات اللاجئة كأدوات المطبخ، كما أوجدت الأونروا مكتب حقوقي يتابع شؤون الفلسطيني القادم من سوريا لما يتعلق بمشاكل الإقامة، أو لأي مشكلات أخرى أمنية مع الدولة اللبنانية. كما قدمت الاونروا مساعدات مالية على شكل دفعات غير منتظمة (تم توزيع أربع دفعات حتى تاريخ تشرين الثاني 2011). إلا أن الاحتياجات تبقى أكبر بكثير من الامكانات المحدودة. في هذا السياق يقول السيد غالب ناصر، مسؤول المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، "هناك انتهاكات حقيقية لحقوق الفلسطيني الإنسانية في لبنان عموماً وبالنسبة للمهجرين القادمين من سوريا خصوصاً، فمن المفترض قانونياً أن تكون الأونروا هي المسؤولة عن حماية اللاجئين، والحماية هنا تعني أن على الأونروا تقديم كل ما يلزم للحفاظ على حياة اللاجئ، تأمين الطعام والملبس، والتعليم، والمسكن واجب عليها، العائلات المهجرة لا تجد ما تأكله في كثير من الأيام، والكثيرين منهم يطردوا من البيوت المستأجرة لعدم قدرتهم على الدفع، ويمضون أيام في الشوارع، أو في بعض مراكز الجمعيات الأهلية ريثما يأتي أحد و يعطف عليهم ويعطيهم المال لاستئجار بيت صغير مرّة أخرى، أليس هذا تخلي الأونروا عن مسؤوليتها اتجاه اللاجئين".
وبالرغم من تشكيل لجنة مشتركة تتألف من مندوب من المنظمة وآخر من الأونروا، ومندوب من السفارة الفلسطينية للتواصل والتنسيق مع الأمن اللبناني، يبقى موضوع الاستجابة السريعة والتنسيق المباشر مع المؤسسة الرسمية الفلسطينية واللبنانية من المواضيع التي تستدعي المراجعة والتطوير، حيث يؤكد أبو جابر، مسؤول العلاقات السياسية في الجبهة الشعبية، "اقترحنا على الأونروا تشكيل خلية أزمة، وأن تعطى صلاحيات أوسع لمنظمة التحرير في لبنان، وخاصة للجان الشعبية التي تتابع بشكل مباشر أوضاع المهجرين، لجهة ضرورة تأمين موازنة دائمة لملف المهجرين من سوريا".
اللجان الشعبية ..هيئات بلا مال
منذ أن بدأ الفلسطينيون بالقدوم الى لبنان من سوريا، شكلت منظمة التحير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية لجان شعبية داخل المخيمات، وظيفتها متابعة أوضاع المهجرين وتأمين متطلباتهم ومستلزماتهم وحل مشاكلهم. إلا أن هذه اللجان بقيت عاجزة أمام تحقيق الأهداف التي من أجلها تم تأسيسها، لأنها هيئات بدون ميزانية مالية تستطيع من خلالها تقديم العون للمهجرين. فهي تعتمد فقط على ما يقدم لها من هبات، ومن ثم توزيع هذه الهبات الى اللاجئين، وبالتالي تقتصر مهمة هذه اللجان على دور الوسيط فقط. يقول أبو إياد الشعلان أمين سر هذه اللجان في لبنان، " قدرات عمل اللجان ضعيفة بسبب عدم تخصيص ميزانية لهم، والموضوع المالي مهم هنا لأن غالبية الحاجات خدماتية تتعلق بالطعام والشراب والمسكن، حاولنا ما نستطيع، وهذه حدود إمكانياتنا، وخاصة أننا لم نتوقع هذا الكم الهائل من الفلسطينيين السورين الذين قدموا الى لبنان،لا زلنا نتواصل مع الجهات الرسمية الفلسطينية لتفعيل دور اللجان بشكل أفضل. لكن الأزمة في سوريا طالت أكثر ونخاف من قدوم أعداد أخرى. عملنا بالأساس يجب أن يصب بالضغط على الأونروا لتحمل مسؤولياتها".
دور مؤسسات المجتمع المدنية اللبنانية والدولية
لعبت مؤسسات المجتمع المدني اللبناني دور أساسي في إغاثة المهجرين الفلسطينيين والسوريين، ففي صيدا تم تشكيل لجنة الطوارئ الصيداوية والتي انبثقت عن اللقاء الموسع لمؤسسات المجتمع المدني والأهلي اللبناني والفلسطيني لإغاثة العائلات السورية والفلسطينية. وفي صور شكلت لجنة طوارئ ضمت الى جانب المؤسسات الفلسطينية بعض المؤسسات اللبنانية كمؤسسة "عامل". كما لعبت المنظمات الدولية دور ايجابي في مساعدة الفلسطينين القادمين من سوريا. حيث لعب المجلس النرويجي الأعلى (NRC) دور الكبير في إعادة تأهيل وترميم أكثر من 30 منزل لتصبح صالحة للسكن، الى جانب تقديم مساعدات عاجلة كالثياب والأغطية. كما كان هناك دور فاعل لجمعيات ومؤسسات ايطالية، هي بالأساس ناشطة داخل مخيمات الجنوب، حيث تقدم مساعدات غذائية، وبرامج دعم نفسي للأطفال. وقد أكد ماجد كيلاني، رئيس اللجنة الشعبية في مخيم عين الحلوة، على الدور الكبير الذي لعبته المؤسسات الدولية، والعربية في مساندة مؤسسات المجتمع المدني اللبناني والفلسطيني في التخفيف من النقص الحاد في موضوع المساعدات الإغاثية العاجلة لللاجئين. وبشكل عام هناك جهود كبيرة بذلت من قبل مؤسسات المجتمع المدني اللبنانية والعربية والدولية، إلا أن عدم تنسيق هذه المؤسسات في ما بينها، وغياب برنامج واضح ومنظم لكيفية إدارة الأزمة يجعل جهود هذه المؤسسات غير واضحة وغير ناجع بالشكل المطلوب.
اتجاهات المجتمع المحلي تجاه المهجرين الجدد:
يقول السيد (أحمد .س)، فلسطيني لبناني من مخيم شاتيلا، "أنا رب أسرة وأعمل في مهنة الدهان، كنت أعمل أسبوع في الشهر، أما الآن قد يمضي شهر كامل دون أن أعمل، الوضع أصبح أسوء من السابق، وأنا اعرف أن إخواننا من مخيمات سوريا وضعهم سيئ، بالنهاية هم أخوتنا وعلينا مساندتهم، ولكن أيضاُ لدينا أطفال علينا إطعامهم، هذه مسؤولية قيادتنا الفلسطينية، لماذا لا يعملون على تأمين حاجات المهجرين الفلسطينيين من سوريا".
أما الحاجة أم مصطفى، الفلسطينية اللبنانية من مخيم برج البراجنة، فتقول "منذ شهر وابني يبحث عن منزل كي يتزوج فيه ولا يجد،أصبح من المستحيل إيجاد منزل فارغ، وإذا وجد يكون اّجار المنزل باهظ،. لماذا ارتفعت أجرة المنازل؟ يا خالتي والله قدوم المهجرين مش السبب بل جشع الناس يلي بتاجروا بهموم الناس، يا خالتي كان البيت أجرتا لا تتجاوز 150$ وهذا البيت بيكون مفروش ومواصفاته جيدة، بس هلأ أجار البيت يتجاوز ال300$ دولار مش حرام هيك؟"
وحول موقف المواطن اللبناني من دخول الفلسطينيين الى لبنان، نجد أن هناك تباين في الآراء كلاً حسب انتماءاته السياسية و الدينية، فهناك من يرى أن الموضوع إنساني وهذا واجب على الشعب اللبناني أن يقف مع اللاجئين بصرف النظر عن جنسيتهم، ودينهم. ومنهم من قال بوجوب إقفال الحدود بوجه كل اللاجئين لأن لبنان لا يمكن أن يحتمل هذه الأعداد. لينا جورجس، لبنانية من طرابلس، تعلق على الموضوع قائلة "أنا أحب الفلسطينيين ومن الداعمين للقضية الفلسطينية، والمشكلة بالنسبة لي ليست بأعداد الفلسطينيين، المشكلة الأكبر بأعداد اللاجئين الذي تجاوز النصف مليون، أنا بالمعنى الشخصي لم يتغير علي شيء و لكن أسمع تذمر من أصدقائي حول صعوبة إيجاد عمل لهم، وأنهم أصبحوا يشعرون أنهم غرباء في بلدهم".
أما السيد أشرف درويش، لبناني من منطقة عنجر على الحدود السورية اللبنانية، فيقول"هذا واجب أخلاقي وديني،أنهم أخوتنا وعلينا تقديم المساعدة لهم".
وبالنسبة الشاب غريسيان.س،لبناني من الاشرفية، فيخالفهم الرأي "أنا أعيش في منطقة فيها غالبية مسيحية، وأعلم من النقاشات التي تدور أنهم لا يريدون دخول أي فلسطيني، ولا حتى سوريين، ويتابع في منطقتنا ( الأشرفية) لا تزال أثار الحرب الأهلية موجودة وخاصة اتجاه المخيمات الفلسطينية".
خاتمة
تعيش العائلات الفلسطينية المهجرة الى لبنان أزمة حقيقية بسبب عدم قدرة هيئة الأمم المتحدة (الأونروا) على تأمين حاجاتهم الاساسية ولو بحدها الأدنى نتيجة عجزها المالي، الى جانب تقصيروعجز الفصائل الفلسطينية عن تأمين حاجات اللاجئين الجدد ريثما تنتهي الأزمة في سوريا. ربما هذا ما جعل الكثير من الكتاب و السياسيين، وحتى اللاجئين الفلسطينيين سواء من لا يزال داخل مخيمات سوريا المحاصرة منذ تسعين يوم، ويمنع عنها الغذاء والدواء، أو ممن هرب الى لبنان خوفاً من الموت، أن يطلبوا نقل ملف اللاجئين من وكالة الأونروا الى المفوضية السامية في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لطلب الحماية الدولية التي تسمح بتطبيق اتفاقية جنيف للجوء عليهم. وفي ظل عدم القدرة على تطبيق هذا المطلب، يتوجب الدولة اللبنانية مراجعة قراراتها وسياساتها بما يضمن ما يلي:
1- تغير قانون حرمان الفلسطيني من العمل في الكثير من الوظائف، أكثر من 70 وظيفة، والتي تبقي المخيمات الفلسطينية في مستواها الاقتصادي المتدني، والتي تعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر.
2- تغير سياسة الدولة اللبنانية تجاه المخيمات باعتبارها بؤر أمنية. والعمل على خلق فرص تنموية تساعد على تحسين شروط المخيمات وتتح المجال أمام التنمية الاقتصادية بما يضمن الإشراك الفعال للفلسطيني في تحقيق تنمية مستدامة. -
3- القيام بالتزاماتها تجاه الفلسطينين القادمين من سوريا بما يضمن سلامتهم وتوفير ملاذ آمن لهم.
4- أما بالنسبة لعمل مؤسسات المجتمع المدني، المحلية والعربية والدولية، فيجب عليها التنسيق أكثر وتوحيد جهودها ضمن هيئة تنسيق عليا تعمل وفق برامج عمل موحدة، ويمكن لوزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان، أن تلعب الدور المهم في تشكيل هذه الهيئة والتنسيق بين المؤسسات المختلفة.
---
المراجع والهوامش: