مازال مجتمع المثليين يعاني من الإعتداءات

Laique Pride_8217
Teaser Image Caption
Laique Pride_8217

لقد حقق مجتمع المثليين في لبنان مكاسب مهمة، لكن الإعتداءات المستمرة تذكّرنا أنه مازال هناك الكثير لننجزه. آخر حادثة في سلسلة الهجمات ضد مجتمع المثليين حدثت في 9 آب، عندما داهمت الشرطة حمّاماً شعبياً يرتاده الرجال المثليون عادةً ولكن ليس حصرياً. إذ اعتقل سبع وعشرون رجلاً بمن فيهم رواد وعمال الحمّام بتهمة المثلية الجنسية (المادة 534 من قانون العقوبات) ومنافاة الحشمة (المادة 520).

وفي مقابلة مع  جريدة "لوريان لوجور" صرّح مصدر رفيع في قوات الإستخبارات الداخلية أن الشرطة لم تتعمّد اعتقال المثليين بل كانوا فقط يعملون بأمر من النائب العام. كما أكد المصدر أنه لم يتم أي انتهاك شرجي وأنه تمّت معاملة الرجال باحترام.

أُفرج عن ست رجال بكفالة، بعد خمسة أيام من حادثة الإعتقال وتم تحويل الآخرين إلى سجن زحلة حيث تعرضوا لإعتداءات نفسية وجسدية من قبل النزلاء الآخرين الذين تم إعلامهم أنه سيتم تحويل مجموعة من الرجال المثليين إلى هناك مسبقاً.

لطالما أشيد بلبنان على أنه البلد الأكثر تحرراً في الشرق الأوسط، وجنّة آمنة للمثليين، المثليات، ثنائيي الجنس، والمتحولين جنسياً (LGBT). غير أن سمعة لبنان المتسامحة مع المثليين تقوّض باستمرار بسبب هجمات واعتداءات الشرطة على مجتمع المثليين.

منذ 2004، العام الذي أُسّست فيه أول جمعية للمثليين –حلم- والناشطون يتحدون الشرطة ورهاب المثلية الممأسس المتمثل بالمادة 534 من قانون العقوبات التي تجرم "المجامعة على خلاف الطبيعة". فعادةً ما تتذرع الشرطة بهذه المادة لملاحقة المثليين.

لقد نجح النشطاء اللبنانيون في عدة جولات نجاحاً يتمثل بالعلنية والدعم المتزايد لمجتمع المثليين من قبل اللبنانيين والإعلام.

حتى العام 2005، داهمت الشرطة باستمرار البارات والنوادي المثلية، وتم اعتقال رواد هذه الأماكن وتعريضهم للإعتداءات الجسدية واللفظية. ممارسات الشرطة لم تواجه إلّا اعتراضاً خجولاً، لأن حقوق المثليين لم تكن أولوية للمجتمع المدني ولم يكن الإعلام مستعداً لكسر المحرمات المتعلقة بالمسألة.

لكن الحال تغير، ففي عام 2012، داهمت الشرطة إحدى صالات السينما في بيروت واعتقلت 36 رجلاً بتمهمة ممارستهم المجامعة المثلية، حيث قام طبيب في مخفر حبيش ذو السمعة المشينة بفحصوات شرجية للتحقق فيما إذا قاموا بمجامعة "مخالفة للطبيعة". لكن هذه المرة، عبّر أعضاء المجتمع المدني والإعلام بشكل علني وغير مستتر عن غضبهم ضد هذه الممارسات، دافعين بوزير العدل شكيب قرطباوي لإتخاذ إجراءات وإصدار تعميم يطالب الشرطة بوقف الفحص الشرجي.

بدوره تفاعل رئيس نقابة الأطباء اللبنانيين د. شرف أبو شرف مع الإحتجاج ضد هذه الفحصوات وأعلن أن هذه الممارسات تخرق القانون اللبناني والأخلاق الطبية، وأنها تشكّل خرقاً فادحاً لحقوق الإنسان. وأضاف د. شرف أن أيّ طبيب يقوم بهذه الفحوصات سيتعرض لإجراءات تأديبية.

وفي عام 2013، أعلنت جمعية الأطباء النفسيين اللبنانية أن المثلية الجنسية ليست اضطراباً عقلياً، ولا تتطلب علاجاً. هذا التصريح التاريخي كان خطوة هائلة باتجاه وضع حد للعنف النفسي الذي يتعرض له العديد من المثليين عندما تجبرهم عائلاتهم على استشارة أطباء نفسيين يمتهنون بشكل سيء مهنتهم مدّعين قدرتهم على "شفاء" المثلية.

على الصعيد القانوني، شكّل قراران قضائيان علامة فارقة للحركة المثلية في لبنان. الأول في البترون من قبل القاضي منير سليمان عام 2009 حيث أفاد في حكمه: " أن الرجل جزء من الطبيعة وأحد مكوّناتها وخلية داخل خلية فيه، لا يمكن القول أن أي ممارسة أو سلوك من قبله مخالف للطبيعة[….] وبالتالي العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي ليست "مخالفة للطبيعة" وبالتالي يجب ألا تخضع لعقوبة قانونية."

كما أخذ القاضي ناجي الدحداح، قاضي محكمة الجديدة في بيروت، حكم البترون خطوة إلى الأمام بقرار صدر بتاريخ 28 كانون الثاني 2014، حيث رفض قضية ضد امرأة متحولة الجنس. اتُّهمت المرأة من قبل الدولة "بممارسة الجنس المثلي مع رجل" وفي عرض أسباب الحكم، شرح دحداح:

" الهوية المرتبطة بالنوع الإجتماعي لا تُحدد فقط بالأوراق الثبوتية؛ إذ إن تطور الشخص وتطور إردراكه/إدراكها لهويته/ لنوعه الإجتماعي يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار."

مع هذا الحكم القضائي، أقرّ القاضي دحداح بمشروعية الحق باتخاذ ميل جنسي مختلف والأكثر أهمية أنه أقرّ الحق بالتعبير عن النوع الإجتماعي، إن هذا الحكم تقدمي حتى بالمعايير الغربية.

لا جدال أن وضع المثليين في لبنان اليوم أفضل بكثير مما كان عليه قبل عشر سنوات، غير أن إنجازات مجتمع المثليين تبقى هشّة. إن المادة 534 (أو تفسيرها) وفشل الحكومة اللبنانية باتخاذ خطوات جذرية لمناهضة رهاب المثلية الممأسس يخلق مساحة لمن يريدون النيل من المثليين ضمن النظام الأمني والقضائي لخرق كرامة وحقوق الإنسان الأساسية للمثليين.

مؤخراً هذا العام، تم اعتقال خمس رجال في حي المصيطبة في بيروت بعد تلقي الشرطة مكالمة تُعلمهم "بنشاطات غير قانونية" تحصل في شقة ما. وفقاً للرجال المعتقلين، تركّزت التحقيقات حول أمرين أساسيين: معرفة علاقة الرجال الخمسة ببعضهم البعض؛ كيف التقوا، وفيما إذا كانو يمارسون الجنس معاً.

بعد التحقيق، أمرت القاضية رندة يقظان الشرطة بإجراء فحوصات شرجية للرجال الخمسة "لإثبات" مثليتهم. تم إجراء الفحوصات من قبل د. أحمد المقداد. لقد تجاهل كل من السيدة يقظان ود.مقداد التعميم الذي أصدرته نقابة الأطباء ووزير العدل إضافة إلى الغضب الشعبي ضد هذه الممارسات الهمجية.

دون موقف رسمي واضح ضد هذه الخروقات من قبل الحكومة اللبنانية، جهاز الأمن والجهاز القضائي، سيبقى مجتمع المثليين تحت رحمة الأفراد الأشدّ فساداً والأقل دراية في هذه المؤسسات.

---

نشر أوّلاً باللغة الإنكليزية في موقع NOW. يوم 25 آب/أغسطس 2014
ترجمته من الإنكليزية علا صالح