كيف أصبحت ضبابية المعلومات أداة للتحكم بالأماكن العامة في لبنان

تدخّل فني لكريستيان زهر لحملة دالية الروشة
Teaser Image Caption
تدخّل فني لكريستيان زهر لحملة دالية الروشة

لطالما حاول السياسيون ورجال الأعمال النافذون السيطرة على الأماكن العامة في لبنان، وغالباً ما نجحوا في ذلك على طول الساحل وفي المناطق النائية. من المعروف والمشين أن اللبنانيين بمعظمهم محرومون من الوصول إلى أي نوع من الأماكن العامة. فعلياً، لا يتوفر دخول مجاني إلى البحر على طول الشريط الساحلي، كما يوجد القليل جداً من الحدائق العامة في المدن بما فيها العاصمة. مع مرور الوقت، ما قد يعتبر فضيحة في بلدان أخرى أصبح أمراً عادياً في لبنان. على سبيل المثال، تكاثر المنتجعات الخاصة في الحيز الساحلي العام لا يهم أو يحرك الجماهير. بضعة من الناشطين تمكنوا على مر السنين أن يثيروا أسئلة حول هذا الأمر. لكن في هذه المسألة، كان على الناشطين مواجهة عدو غير مرئي لكنه خبيث؛ الشائعات التي ترمي إلى تشتيت انتباه الناس عن حقهم بالوصول إلى الأماكن العامة. نقص التواصل من قبل السلطات، والأسرار المحيطة بالمشاريع الإشكالية، المعلومات غير الوافية، والتضارب بين المجتمع المدني والسلطات، جميعها عوامل أدت باستمرار إلى نشر الشائعات. وغالباً ما أثرت هذه الشائعات في الحملات لحق الوصول إلى الأماكن العامة، وفي بعض الأحيان، أثرت في المشاريع ذاتها. الفضائح المتعلقة بالأماكن العامة عديدة ومتنوعة. إحدى آخر هذه الفضائح تخص شاطئ الداليه المعروف لسكان راس بيروت، والذي تم الإدعاء أنه ملكية خاصة من قبل شركات يمكلكها ورثة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. على مايبدو، فقد خططوا لبناء منتجع ضخم على هذا الشاطئ الصغير المطل على صخرة الروشة. في أماكن أخرى، كانت المشكلة نتيجة سوء إدارة السلطات لقضايا عالية الجدلية مثل مخطط مرآب الحديقة اليسوعية (الذي كان سيبنى تحت الحديقة العامة، مما سيسبب تدميراً مؤقتاً للحديقة ريثما يتم إعادة بناؤها)، أما غابة صنوبر بيروت (حرش بيروت)، مازالت مغلقة للعامة حتى بعد سنوات من إعادة ترميمها، أو مخطط بدء مشروع شق طريق عمره خمسون عماماً- أتوستراد فؤاد بطرس عبر ساحة الحكمة في الأشرفية، والذي أدى إلى استياء الكثير من سكان هذا الحي.

تتم الإشارة إلى هذه المواضيع من قبل الناشطين والمسؤولين كلما سئلوا عن تجربتهم في التعامل مع الشائعات.   

كيف تؤثر الشائعات في حملات الوصول إلى الأماكن العامة؟

"إن طبيعة الشائعات غير المحددة غالباً ما تجعل منها عاملاً مدمراً في قضايا متعلقة بالأمكان العامة." الشائعات هي معلومات غير مؤكدة تنتقل شفهياً، ويتم تضخيمها هذه الأيام من قبل مواقع التواصل الإجتماعي، مما يعطيها مع الوقت قوة الحقيقة"، يشرح ميشيل عبس، عالم اجتماع وإقتصادي، باحث في علم الإجتماع الإقتصادي ومدير قسم في الجامعة اليسوعية، لبنان. "قد تنتشر الشائعات بحسن نية من قبل ناس أساؤوا قراءة الواقع أو تلقوه بطريقة خاصة. كما يمكن أن تثار الشائعات عمداً، وفي مثل هذه الحالة تكون كذباً مباشراً، أو قد تثار من قبل أشخاص لديهم مصلحة في الكشف عن معلومات سرية لكنها حقيقية. في حالة الشائعات التي تخص الحيز العام، من الصعب دائماً التمييز بين الحقيقة والخيال. خذ مثال الضاحية: صمت الجهة المتهمة برغبتها في البناء على هذا الشاطئ أشعلت النقاش. هذا النقاش نفسه، سيأخذ منحىً مختلفاً عندما سيكشف أحدهم مخطط المشروع."

محد زبيب، صحفي ومؤسس مشارك "لمشاع"، وهي مجموعة تقوم بالحملات لإستعادة الأماكن العامة في لبنان، يعتقد أن الشائعات تلعب دوراً في مثل هذه الحالات، لكنها ليست العامل الأساسي الذي يحفز الناشطين. "في قضية الداليه، على سبيل المثال، دافعنا الوحيد هو حق الوصول المجاني إلى الشاطئ‘، يقول. النظام الذي نعيش في ظله ليس شفافاً، هذا صحيح. عملياً، لا يوجد آلية للبحث عن الحقيقة، وغالباً ما يواجه الناشطون كماً كبيراً من المعلومات و/أو الشائعات. لكن اعتراضنا على هذا المشروع أو ذاك، هو مسألة مبدأ."

 غير أن الشائعات، وفقاً لزبيب، أثرت بشكل كبير في حملات استعادة الأماكن العامة من خلال استهدافها للرأي العام. "لعقود، تم استخدام الشائعات بشكل منتظم لثني العامة،" يشرح. "للسيطرة على الداليه، قام الحزب السياسي الذي يقف خلف الشركات التي تملك المكان بنشر فكرة أن هذا المكان مرتع لتجار المخدرات، العاهرات، المغتصبون، وأطفال الشوارع. الداليه كانت مكاناً محبباً لمواطني بيروت، العديد منهم سبحوا هناك حتى أواخر الستينيات. ومن ثم، خلال الحرب والسنوات التي تلت، بدأ هذا المكان ينعزل ويفقد مرتاديه تدريجياً، جزئياً بسبب الشائعات التي انتشرت أنه منطقة غير آمنة. وقد حدث ذلك عندما تم شراء الأراضي بشكل ضخم من قبل الشركات. كانت استجابتنا، إجراء دراسة أظهرت أن عدد الشكاوى الرسمية حول أحداث تخص هذا المكان متدنية جداً. تم استخدام الأسلوب نفسه بما يخص حرش بيروت. ما تزال البلدية ترفض إعادة  فتح هذه الحديقة العامة تحت ذريعة أنها ستجذب نشاطات محرمة. حقيقة أن هذه الحديقة محاطة بحي شعبي يتألف من مجتمعات من خلفيات دينية مختلفة، تجعلنا نعتقد أن السلطات مهتمة بمنع طبقات اجتماعية ومجتمعات دينية مختلفة من الإختلاط."

عبير سقسوق، مهندسة شابة وعضوة في الحملة المدنية لحملة دالية الروشة، تعتقد أن الشائعات موجودة على جميع المستويات فيما يتعلق بالأماكن العامة، وخاصة في مسألة الداليه؛ "قد تكون الشائعات نتيجة الموقف الضبابي للسلطات التي ترفض جميعها تحمل أي مسؤولية"، تقول. ‘عندما بدأنا بنقاش قضية الداليه مع السلطات، قال وزير البيئة ومسؤولون في مجلس التنمية وإعادة الإعمار أنهم كانوا ضد البناء في هذه المنطقة، ودفعونا لزيادة الضغط على وزارة الداخلية. الأخيرة، مع المديرية العامة للعمران والمجلس البلدي في بيروت أنكروا أية مسؤولية، مما يجعل الأمر صعباً علينا في مواجهة هذه "القضية الشبح".‘

وتضيف؛ "كما ألاحظ أيضاً أن الشائعات تنتشر أحياناً دون أن يتم دفعها من أي أحد. حملتنا اسمها "دالية الروشة". هذا العنوان تم خلطه في أذهان العديد من الناس بصخرة الروشة نفسها. هؤلاء الناس اعتقدوا أن هناك مشروع سيتم تنفيذه على الصخور، مما دفعهم لإظهار رد فعل تجاه الموضوع. لكنه من المزعج أن نفكر أن أغلب الناس سيهتمون بحماية رمز وطني أكثر من الحفاظ على حقهم بوصول مجاني إلى الشاطئ."

كيف تستخدم الشائعات كأدة سياسية

الشائعات بهذا المعنى، تبدو أنها تستخدم كأداة سياسية بامتياز للتأثير برأي الناس حول الأماكن العامة، لتفادي الأسئلة والنقاشات المزعجة. رجا نجيم، ناشط منخرط في العديد من القضايا المذكورة أعلاه، يتهم السلطات بإخفاء الحقيقة واستخدام الشائعات للتلاعب بالجماهير ولإعاقة حملات الناشطين. "العديد من الأشخاص النافذين في الإدارة يعملون بسرية لضمان مصالحهم، بالرغم من حقيقة أن القانون يلزمهم بجعل قراراتهم علنية"، يقول. "الشائعات تملي فراغ المعلومات الدقيقة. يعود الأمر لنا في التعامل مع مثل هذه الشائعات والبحث عن الحقيقة عن طريق المخبرين داخل جهاز الإدارة غير الراضين عن سلوك المسؤولين. أو يمكننا إحباط محاولاتهم من خلال الحصول على معلومات يقدمها استشاريون خبراء، كما في حالة أوتستراد فؤاد بطرس، المشروع الذي سيؤدي إلى هدم العديد من الأحياء التقليدية والذي يتلقى دعم مجلس التمنية وإعادة الإعمار ومجلس مدينة بيروت."  

مجلس مدينة بيروت هو أحد المؤسسات الرسمية المعنية بقضايا متعلقة بالأماكن العامة في العاصمة. هاكوب تيرزيان، عضو في المجلس البلدي، ينفي وبشكل قاطع أي تلميح إلى التورط في نشر شائعات حول أي قضية تتعلق بالمصلحة العامة. "مثل هذا السلوك قد يكون خياراً للإستخبارات لكن قطعاً هو ليس خيار لمجلس بلدي يحمل مسؤولية علنية جميع قراراته"، يؤكد. وفقاً له، فالمجلس هو من كان ضحية الشائعات التي تستهدف مشاريعه التي ينظر إليها على أنها إشكالية.

مشيراً إلى قضية تابعها عن قرب، قضية مرآب الحديقة اليسوعية، يقول؛ "هدفنا كان بناء مرآب يلبي حاجة ملحة تحت الحديقة الحالية، وبنفس الوقت إعادة تصميم الحديقة بشكل أكثر انفتاحاً وعصرية. بدأت الشائعات بالإنتشار، وأعتقد أنها نبعت من الخصوم السياسيين للمجلس البلدي. قيل أننا لن نعيد بناء الحديقة مطلقاً. ثم، ادعى أحدهم أنه يوجد آثار تحت الحديقة. في الحقيقة يوجد بعض القطع الأثرية في الحديقة اليسوعية، لكن تم إحضار هذه القطع من مناطق أخرى، ولا يوجد أي دليل على وجود آثار تحت الموقع. ونتيجة لذلك، تم تأجيل مشروع المرآب ومازال الناس يتشاجرون على أماكن وقوف السيارات كل ليلة في هذه المنطقة.

لكنه يعترف أن الشائعات قد تكون مفيدة في بعض الأحيان. "أذكر مرة أني سمعت إشاعة حول قرار من المحافظ بتدمير درج المدينة القديم"، يقول. "استقصينا الأمر وتبين أن الإشاعة حقيقية. وبالتالي كان لدينا فرصة التدخل لإيقاف هذا المشروع الإشكالي."

صعوبة مواجهة الشائعات

إن الطبيعة الغامضة للشائعات وعدم اليقين المحيط بأصلها يجعل من الصعب الرد عليها. "تنتشر الشائعات بشكل عشوائي؛ لا نحتاج معرفة من أطلقها لنرد عليها بشكل مناسب"، يقول ميشال عبس. "ومن جهة أخرى، فإن الشائعات في الشأن العام مرتبطة بشكل وثيق مع أعمق انشغالات الناس. وبالتالي، من الصعب معرفة كيف يتلقاها الناس وكيف تتطور." وفقاً لعالم الإجتماع، الشفافية هي الطريق الوحيد للقضاء على الشائعات. يقترح أن نظاماً سياسياً أكثر شفافية سيقلل من أثر الشائعات على العامة. "لكن لا نستطيع الرهان على ذلك"، يضيف. "الشيء الوحيد الفعال في هذا النظام السياسي، بعيداً عن الجهود المبذولة في القضايا الأمنية، هو توليد المنفعة. قضايا الشأن العام، ليست في أعلى قائمة أولويات السلطات. كيف يمكن أن يصبحوا أكثر شفافية حين يكون لديهم الكثير من الأشياء لإخفائها؟"

تتفق عبير سقسوق ومحمد زبيب على أن الشفافية وكشف الحقائق هما الطريقة الوحيدة لإحباط تأثير الشائعات. عمل كل منهما على تغيير الوصمة التي لحقت بأماكن كالداليه. "الشائعة قصة" تقول عبير سقسوق. "عوضاً عن المحاولات اليائسة لإنكار ما يقال للناس، أجد أنه من المثمر إلقاء الضوء على الجانب الآخر من القصة، إظهار ماهية الأمكان العامة الحقيقة."محمد زبيب، يؤكد على "أهمية مفهوم الحقوق المدنية" والتي بالنسبة له "فوق أي اعتبار آخر، وحتماً فوق المنفعة الخادعة لأي مشروع خاص."

فقط رجا نجيم  له رأي أن الشائعات يمكن مكافحتها بالشائعات في بعض الأحيان. "خصومنا، سواء السياسيون أو المستثمرون، يستخدمون الشائعات لإيقفاف حملاتنا ضد مشاريعهم الإشكالية"، يقول. "هؤلاء الخصوم أقوى منا بكثير. ولديهم وصول أفضل إلى الإعلام. أعتقد أنه في حالات معينة، من المبرر محاربتهم بسلاحهم، بشرط أن يكون الهدف نبيلاً. على سبيل المثال، يمكن أن نعطي انطباعاً أننا نعمل على موضوع معين في حين أن كل جهودنا منصبة بفعالية على أمر آخر. برأيي، في حالات خاصة، لا خيار لدينا، لا يتركون لنا أي خيار آخر."

من جهتها فإن عبير سقسوق مقتنعة أن استخدام الشائعات من قبل منظمات المجتمع المدني ليس بالإستراتيجية المثلى إطلاقاً. "أعتقد أن الشفافية  والحقيقة هي وسائل أنجع بكثير"، تقول. "لدينا العديد من الأدوات الأخرى بين أيدينا، بدأً من القضاء والقوانين. لكني أعلم أن الحملة المدنية لحماية الداليه منظمة من قبل أشخاص مختلفين كلياً، وأنا أحترم وجهات نظر الجميع."

يصرح محمد زبيب "أنأى عن استخدام الشائعات كأداة، ليس لأسباب أخلاقية، بل لأني أعتقد أنها لا تخدم الهدف." يشرح أن "الإستفزاز هو أسلوب مجموعة مشاع في العمل. على سبيل المثال، فقد سجلنا في الصحافة قائمة بأسماء جميع السياسيين المتورطين في خرق الملكية العامة على الساحل. وهذه القائمة تظهر أن كل الأحزاب السياسية اللبنانية متورطة على حد سواء في المسألة."

فيما يتعلق برد فعل السلطات على الشائعات، يقول هاكوب تيرزيان أنه غالباً ما نصح المجلس بتبني "سياسة اتصال أفضل لمواجهة الشائعات فيما يتعلق بمشاريعه." يقول "أعتقد أن نجاحنا وشفافيتنا هي العوامل التي ستساعدنا في التغلب على الشائعات التي تعيق مشاريعنا." يتابع في شرح أسلوبه ويقول؛ "شخصياً، وفيما يتعلق بالمشاريع التي أتابعها عن كثب، مثل الترميم الأخير للدرج التاريخي في بيروت، أتواصل مع العامة عن طريق نشر صور ومعلومات على حسابي الشخصي على صفحات التواصل الإجتماعي، وكافة الوسائل الأخرى المتاحة. عندما يرى الناس ما يتم إنجازه، لايوجد مكان للشائعات."

محفور في العقول

قد يتساءل المرء لم تبدو الشائعات ذات تأثير قوي على الشعب اللبناني. ماهي المميزات الخاصة باللبنانيين في هذه المسألة؟ يؤكد ميشال عبس حقيقة أن "ظاهرة الشائعات عالمية." لكنه يضيف، "في لبنان، وخاصة بالمسائل المتعلقة بالأماكن العامة والشأن العام، فإن غياب الثقة بين الشعب والسلطات يجعل الناس حذرين من قرارات السلطات. في بلد مثل لبنان، حيث لايثق الناس بحكومتهم أو حتى ممثليهم المنتخبين، شائعات سوء الإدارة تنتشر بسهولة كبيرة، بسبب تجارب مريرة عديدة سابقة."

وفقاً لعبس، قد تكون المشكلة ثقافة محلية، مشتقة من عادات تعود إلى زمن المتصرفية، حين وضع نظام فاسد في الحكم ولم يتم تصحيحه أبداً. بما يثير الدهشة، هاكوب تيرزيان يوافق، "لا تتكلف السلطات عناء إشاعة جو من الثقة‘ يقول. "ويخفقون في مهام كبيرة كإجراء الإنتخابات في موعدها، وإدارة أمور الحياة اليومية. أرجو أن نصبح مجتمعاً حيث الأفراد في مواقع السلطة تتم محاسبتهم على أعمالهم بشكل مستمر وعلى جميع المستويات. الشائعات تحتل أهمية غير مستحقة في مجتمعنا لأننا نحاول البحث عن الحقيقة فقط عندما يتأخر الوقت، ومن ثم نلوم كل شيء على القدر. يجب أن نصبح مجتمعاً أكثر عقلانية، لم يعد لدينا المزيد من الأعذار."

ويذهب محمد زبيب أبعد من ذلك في نفس النهج، إذ يقول "إن فهمنا للأماكن العامة، بما فيها الشواطئ العامة، موصومة بسنوات من الحملات الترويجية. لا مشكلة لدى اللبنانيين في تصديق الشائعات حول السمعة السيئة للأماكن العامة لأن فكرة أماكن عامة آمنة تم تدميرها في أذهانهم من قبل آلة ترويج عملاقة" يقول. "يدهش الأجانب عندما يعلمون أن اللبنانيين ليس لديهم وصول مجاني إلى البحر من أي نقطة على شريط ساحلي بطول 240 كم، لكن اللبنانيين يجدون من الطبيعي أن يدفعوا لقاء الدخول إلى شواطئ خاصة، لأنهم مقتنعون أن الأمان والتنظيم لا يمكن توفيرهما في الأماكن العامة. هذه الفكرة لها جذورها في حملة دعائية طويلة مفادها أن: "الحكومة‘ فاسدة ولايمكن إصلاحها. إضافة لذلك، فإن أي شخص يتمكن من البناء على ملكية حكومية لا تتم محاسبته. وهذا بالطبع نتيجة نظام سياسي مبني على التبعية الدينية وليس على الإنتماء الوطني. لطالما غذي ويغذى اللبنانيون بفكرة أن الحكومة خصم، عوضاً عن أنهم شركاء الحكومة أو أنهم بالفعل الحكومة ذاتها. الفساد هو من صنع الفرد، وكل شخص في الحكومة يجب أن يكون شريكاً في محاربته."

محمد زبيب مقتنع أن الحل في أيدي الناس. "إذا قررنا جميعنا الذهاب إلى الشواطئ العامة، سنتمكن من عكس التهمة بسوء سمعتها" يقول. ‘وسنستعيد معناها الأساسي في حياتنا. وإذا طالب الأغلبية باستعادة حقهم في الوصول إلى الأماكن العامة، عندها لن يستطيع الأشخاص الفاسدون في السلطة احتواء هذه الحركة."

لماذا إذاً لا يأتي إلا عدد قليل من الناس عندما تنظم الإعتصامات لحماية الأماكن العامة كالداليه؟ "نعي أننا نواجه آلة دعائية ضخمة كانت دائرة لسنوات" يقول زبيب. "هناك العديد من الأسباب لعدم اهتمام العامة، خاصة في حالة الداليه. أولاً، هذه القضايا ليست أولوية في بلد يواجه أسئلة وجودية بشكل مستمر ومشاكل أمنية جدية. كما أنه ليس بالمصادفة اختيار الشركات لهذه الأوقات العصيبة لطرح الموضوع. ثانياً، الشائعات التي تحاك عن الشاطئ تجعل الناس يشعرون بعدم الإنتماء لهذا المكان. وثالثاً، لقد تغير الحي كثيراً منذ الحرب. راس بيروت الآن مليء بالأبنية الضخمة غالية الثمن التي يسكنها المهاجرون والأجانب. وهم معزولون عن هذا الشاطئ الذي كان هاماً جدا للسكان الأصليين. لاحظوا أن اعتصامات لأماكن أخرى كالحديقة اليسوعية جذبت عدداً أكبر من الناس لأن السكان شعروا أنهم معنيون أكثر." 

لرجا نجيم رأيه الخاص حول هذا الموضوع؛ "لا أعتقد أن الناس اليوم أكثر وعياً بحقوقهم المدنية عن السابق، لكن يوجد نشطاء أكثر مهنية على الأرض" يقول. "أعتقد أن السلطات والمستثمرين يخفون المعلومات ويبثون الشائعات على أمل أن هذه المجموعة الصغيرة من الناس ستمل وترحل. الإستمرارية، هنا، هي مفتاح النجاح."

هل من الممكن النجاح في استعادة الأماكن العامة في مثل هذا السياق؟ الناشطون متفائلون إلى حد ما. ويشيرون إلى الوعي العام كعامل أساسي في هذه المسألة. فقط التقدم على المستوى الشعبي يمكن أن يجبر السلطات على تنفيذ القانون للمصلحة العامة عوضاً عن تفضيل المنفعة الخاصة عن طريق تمرير التشريعات. وفقط الوعي العام يمكنه تحجيم قبضة الشائعات على عقول الناس. غير أن كل هذا يأخذ وقتاً، ومع مرور الوقت هل سيبقى لنا شيء ندافع عنه؟

---

ترجمة علا صالح من الانجليزية