"بوزع عيلتي على كل البيت مشان اذا نزل برميل ما نموت كلنا مع بعض، او منبقى كلنا مع بعض بنفس الغرفة مشان نموت مع بعض؟ بنام بالقبو مشان اذا نزل برميل، اوبنام بأعلى طابق مشان ما اختنق اذا كان بالبرميل غاز سام". هذا ما نشرته إحدى منظمات حملة كوكب سوريا على صفحتها منذ عدة ايام بعد هجوم النظام على بلدة سرمين الواقعة في ريف إدلب بالغازات السامة. هذه الأسئلة ليست إنشاء أو مبالغة للإيحاء بمدى صعوبة الحياة التي يعيشها السوريين نتيجة القصف الذي يتعرضون له بشكل شبه يومي، فقد خطرت ببالي اسئلة مشابهة في آخر زيارة قمت بها لمدينتي الاتارب الواقعة في ريف حلب ـ والتي لاتبعد عن بلدة سرمين سِو بضعة كيلو مترات ـ حيث كان قد تعرض مركز الاتارب قبل أيام من وصولي لقصف من قبل إحدى طائرات النظام السوري مما أدى إلى مقتل ما يزيد عن ٣٠ شخصاً جميعهم من المدنيين. تزايد تواتر شعوري بقروب الموت مع وصولي هناك ومعرفة تفاصيل ما حدث من أمي التي فصلها شارع واحد عن الانفجار، الأمر الذي زاد من هوسي بالتفكير بالمكان الأنسب للاحتماء في حال قصف الطيران وما هي فرص موتي في كل مكان أكون فيه.
يعرف النظام جيداً تأثير الخوف - من الموت الناجم عن القصف العشوائي- على نمط حياة السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرته، حيث ينشغل الكل بالنجاة اللحظية ليغيب التفكير بالمستقبل. حيث يسمع عادةً صوت طيارات النظام عدة مرات في اليوم، حتى لو كان الهدف المراد قصفه غير موجود في المنطقة، لبث شعور بالخوف وعدم إتاحة المجال لخلق مناطق آمنة تسمح بخلق نظم إدارة بديلة تتغلب على معادلة "الأسد او نحرق البلد". هذا ما أكدته نتائج الاستبيان الذي قام به العاملون على الحملة والذي شمل ٢٧٧ ناشط سلمي سوري لمعرفة ما هي الاولويات التي يجب التركيز عليها في الوضع السوري الراهن، حيث كان هناك إجماع على ضرورة ايقاف البراميل المتفجرة وغيرها من اسلحة القتل العشوائية، وضرورة المضي في محادثات سلام جدية تسهم في وقف القتل اليومي عن طريق الوصول إلى إتفاق سياسي عادل.
من المثير للإهتمام مراقبة ردود فعل صناع القرار وغيرهم من المشتغلين في الملف السوري في كل مرة يتم فيها ذكر ضرورة إيقاف البراميل المتفجرة، فعلى الرغم من وجود قرار صادر من مجلس الامن بموافقة جميع اعضائه بما في ذلك حلفاء النظام السوري، روسيا والصين، منذ ما يزيد عن السنة، وبالرغم من أن بشار الاسد قد نفى وجود براميل متفجرة في مقابلته التي أجراها مع قناة البي بي سي، إلا أن معظم صناع القرار يتغاضون- بالرغم من معرفتهم بأهمية ذلك- عن التذكير بضروة تفعيل قرار الامم المتحدة لإيقاف هذه البراميل التي تعتبر السلاح المسؤول عن وفاة الغالبية العظمى من المدنيين، بالإضافة إلى تدمير المنازل والبنى التحتية ونزوح أعداد كبيرة من السوريين داخلياً او لجوئهم خارجياً. لعل أهم أسباب عدم الرغبة بتسليط الضوء على هذا الموضوع الهام إنما يعود إلى شعورهم بان الطريقة الوحيدة الناجعة بهذا الخصوص هي التدخل العسكري لفرض منطقة حظر طيران في ظل غياب أي رغبة دولية لفعل ذلك. لكن يغيب عن معظم هؤلاء عدة أمور هامة أهمها:
- إن غياب طرح موضوع ايقاف استخدام النظام للبراميل المتفجرة يسهل استخدام النظام لها في ظل غياب أي حالة ضغط دولية على النظام وحلفائه ولو بحدها المعنوي،
- إن عدم محاولة تنفيذ قرار الامم المتحدة الخاص بوقف البراميل المتفجرة، يفرغ جميع قرارت الامم المتحدة من محتواها ويجعلها لاتتعدى ان تكون حبر على ورق، الأمر الذي كان واضحاً في استخدام النظام لبراميل متفجرة تحتوي على غازات سامة في بلدة سرمين بعد أقل من اسبوعين على صدور قرار من مجلس الامن رقم ٢٢٠٩ يحرم استخدام الغازات السامة في سوريا، بما فيها غاز الكلور، تحت طائلة التهديد باستخدام تدابير تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة
- إن عدم ايقاف البراميل يساعد داعش في نشر خطابها الدعائي كمعني وحيد بالدفاع عن الاسلام والقادر على انهاء جرائم نظام الاسد
- إن إيقاف البراميل المتفجرة قد لايعني بالضرورة استخدام القوة العسكرية، حيث أثبت النظام السوري في أكثر من مناسبة بأنه مستعد للتخلي عن أحد أهم أوراقه الاستراتيجية حين يشعر بوجود ضغط حقيقي، ففي عام ١٩٩٨ قام حافظ الاسد بتسليم عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، للأتراك بسبب التهديد باستخدام القوة العسكرية، كما وافق بشار الاسد على إخراج الجيش السوري من لبنان في عام ٢٠٠٥ نتيجة تزايد الضغوط، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، إضافةً إلى تخلي بشار الاسد عن اسلحته الكيميائية في عام ٢٠١٣ نتيجة التهديد الاميركي بضربة عسكرية،
- إن إيقاف البراميل سيساعد على تقوية النشاط السلمي المدني، ويحد من النزوح والهجرة، ويساعد على محاربة التطرف، ويسرع في الضغط بإتجاه إيجاد حل سياسي.
إن أختيار الحملة لأسم كوكب سوريا ناجم عن شعور لدى معظم السوريين بالعزلة والوحدة، بالرغم من تعاطف الكثيرين غير أن هذا التعاطف الصامت وحده لايكفي، فجميعنا لدينا مسؤولية أخلاقية للضغط على جميغ الاطراف لإيقاف البراميل المتفجرة وغيرها من الاسلحة العشوائية والعمل على إيجاد حل سياسي منصف، وإشعار الذين يعيشون على كوكب سوريا بأننا نسمع ندائهم ونقف إلى جانبهم.