في محاولة للحد من تدفق السوريين إلى لبنان والتخفيف من الاعباء المترتّبة على وجودهم فيه، تم بشكل عبثي وخطير فرض تأشيرة على دخول السوريين إلى لبنان، في خطوة تعد الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين سورية ولبنان، حيث كانت عملية التنقل بين البلدين تتم من خلال إبراز الهوية الشخصية فقط. غير أن عدم حد لبنان من دخول السوريين إليه ونشوب معارك في الاراضي القريبة من الحدود اللبنانية ( حمص، دمشق وريف دمشق) دفع بما يزيد عن مليون ومائتي ألف سوري للعيش فيه، في حين لا يتجاوز عدد سكان لبنان 4 ملايين نسمة، الأمر الذي وضع الكثير من الاعباء الاقتصادية والامنية على بلد يعاني من بنية تحتية هشة، ومشاكل اقتصادية، وانقسام سياسي كبير حول مايجري في سوريا، حيث أن حزب الله، مكون أساسي في الحكومة، يقاتل في سوريا إلى جانب بشار الاسد. كل هذه العوامل وغيرها أدت إلى إصدار معايير جديدة، مع بداية العام الحالي، تفرض على السوري تقديم وثائق تثبت سبب زيارته و تتحقق من امتلاكه المال الكافي لتغطية تكاليفه ليستطيع الحصول على تأشيرة دخول تتراوح بين 24 ساعة و 6 أشهر كحد أقصى.
سيطرة أقل
في حين تسعى السلطات اللبنانية من خلال هذه الاجراءات إلى منع اللجوء، وتنظيم دخول السوريين ومتابعة اماكن وجودهم فوق الاراضي اللبنانية وضبط الوضع اقتصادياً وامنياً، إلا أنه من المتوقع أن تضخّم هذه الاجراءت من المشاكل الموجودة وتساهم في خلق مشاكل جديدة . بالرغم من أن عدد السوريين الذين يدخلون لبنان بصورة قانونية قد تراجع بدرجة كبيرة، حيث صرح مصدر بارز في وزارة الداخلية اللبنانية لصحيفة “الشرق الأوسط” بعد أسبوع على اتخاذ هذه الإجراءات بأنها قلّصت عدد السوريين الداخلين إلى لبنان من 8000 إلى 3000 شخص يوميا.
إن مثل هذه القرارت التي تفتقر إلى البعد الاستراتيجي قد تُحدّ من دخول السوريين إلى لبنان بشكل قانوني غير انها ستزيد من اعداد الراغبين بالدخول بشكل غير قانوني، فمن غير المعقول أن يتمكن لبنان- الذي يتشارك مع سوريا حدوداً تمتد بطول 330 كلم- من السيطرة الكاملة على الحدود. الأمر الذي سيؤدي إلى ازدهار التهريب وإنعاش الجريمة المنظمة في لبنان وما يترتب على ذلك من تعريض السوريين الراغبين بدخوله لكافة أنواع الاستغلال. كما أن الحكومة اللبنانية لن تكون قادرة على معرفة الأعداد الحقيقيّة للسوريين المقيمين على أراضيها أو أماكن تواجدهم. ويمكن حصر أهم الاسباب التي دفعت الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ هذه الاجراءات العبثية بما يلي:
1- الإنقسام الحاد في الحكومة اللبنانية عموماً، و ليس ققط فيما يتعلق بما يجري في سوريا، الامر الذي يزيد من صعوبة الاتفاق على صياغة القرارات وإصدارها، وخاصة عند التطرق للتفاصيل، وعليه فإن معظم القرارات تقتصر على الخطوط العريضة و لايتم مناقشة النتائج السلبية التي قد تترتب عليها.
2- الأرث الجمعي المرتبط بقضية اللاجئين الفلسطينين الموجودين في لبنان، وما ترتبط به من لوم عدد كبير من اللبنانيين للاجئين الفلسطينين واعتبارهم سبب بدء الحرب الاهلية اللبنانية، الأمر الذي قد يساهم في تفسير رغبة الحكومة اللبنانية بالتخلص من اللاجئين السوريين.
3- إن غياب التنسيق بين الحكومة اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني يقلل من فرص التخطيط الاستراتيجي بعيد الأمد ويزيد من القرارات الشعبوية العبثية ذات الاهداف قصيرة المدى.
دائرة مفرغة:
لمى، شابة سورية مقيمة في لبنان منذ ما يقارب السنة ونصف وتعمل مع إحدى منظمات الاغاثة اللبنانية، حاولت في بداية العام تجديد إقامتها غير أن مالك المنزل الذي تسكن فيه لم يوافق على تسجيل عقد الإيجار في البلدية لأن ذلك يرتب عليه دفع ضرائب لا يقوم بدفعها حالياً. وحين قررت البحث عن بيت جديد لم تستطع إيجاد بيت تستطيع تحمل نفقاته، فقررت عدم تجديد إقامتها على أمل إلغاء القانون.
عزام، شاب سوري يدرس في أحد الجامعات اللبنانية حاول في شهر شباط تجديد اقامته على اساس دراسته، لكنه فوجئ بوجود شرط جديد لإثبات كيفية تأمين معيشته في لبنان ( حوالات مصرفية، حساب بنك ...) فهو ليس لديه سجل لحوالات مصرفية لأن أهله يرسلون مصروفه من سوريا مع الأصدقاء والأقارب، كما أنه لا يستطيع فتح حساب مصرفي في لبنان بدون أن يكون لديه عمل او إقامة فيه- وذلك نتيجة العقوبات الاقتصادية على سوريا- وعليه فقد وجد نفسه في حلقة مفرغة فقرر عدم تجديد إقامته على أمل تغيير القانون.
الكرم اللبناني
أما فيما يتعلق بضبط الوضع الاقتصادي، فإن غياب وجود إحصاءات دقيقة عن وضع اللاجئين وأماكن تواجدهم سيزيد من صعوبة حصول لبنان على مساعدات دولية تساعد في التخفيف من الاعباء الاقتصادية المترتّبة على وجود اللاجئين السوريين، كما أن تبني الحكومة اللبنانية لسياسة عدم تجديد تصريحات العمل للخبراء الأجانب العاملين مع منظمات الإغاثة الدولية يقلل من قدرة هذه المنظمات على الاستمرار في تقديم خدماتها.
على الرغم من الشعور العام لدى اللبنانيين بافتقاد الأمن وتحميل اللاجئين السوريين مسؤولية رفع نسبة الجريمة في لبنان، لكن الأرقام الرسميّة الصادرة عن قوى الأمن الداخلي في لبنان منذ عام 2011 (تاريخ اندلاع الثورة السورية) حتى الفصل الثالث من 2014 تقول عكس ذلك. حيث انخفضت نسبة الجريمة المرتكبة من السوريين بحق اللبنانيين من 6% عام 2011 إلى 5% عام 2014 في حين ارتفعت نسبة الجريمة المرتكبة من اللبنانين بحق السوريين من 2% عام 2011 إلى 9% عام 2014 كما أن الجرائم المرتكبة من السوريين بحق السوريين ارتفعت من 5% إلى 12% عام 2014. فالاحصاءات تشير إلى تزايد الجرائم المرتكبة ضد السوريين نتيجة غياب إطار قانوني يحميهم فما هي نسبة الانتهاكات التي يمكن أن ترتكب بحقهم في ظل تزايد اعداد الموجودين منهم بصورة غير شرعية، وما قد يترتب على ذلك من آثار سلبية على الوضع الامني في لبنان.
وبالرغم من الكرم غير المسبوق الذي استقبل به الشعب اللبناني للاجئين السوريين الأمر الذي يفسر عدم انفجار الوضع في لبنان، إلا أن هناك شعور عام بضرورة الحد من تدفق اللاجئين السوريين، لكن كل المقابلات التي أجريتها تشير إلى أن معظمهم لايعتقد بأن هذه الإجراءات هي الطريقة الصحيحة للقيام بذلك فهي تزيد من تفاقم المشكلة بدل أن تساعد على حلّها.