معرض "المنفى"

[gallery]

 

"أيها المنفى، دلنا على الطريق إلى المنفى المر"

يوروبيديس، الباخوسيات

 

"أنت هنا". هذا هو موقعك على الخريطة. الآن يمكنك أن تربط نفسك بكل هذه الطرق والأماكن التي أحاول أن أخبرك عنها. تخيل نفسك واقفاً وسط حقولٍ أو جبال وتحاول أن تتعقل في خطوتك التالية. غادرت منزلك البارحة، منذ أسبوعين، ٦ أشهر، عامين... إلى أين ستذهب؟ ماذا ستأخذ؟

أنت هنا...

بدأت العمل على مشروع المنفى عام ٢٠١٢. كانت الفكرة صادقة وتابعت بمساعدة كبيرة من أشخاص مختلفين (شكراً بنتي، حايد، هبة، منى، ليلى، مارك، نوال، خالد، هاني وكل الأشخاص الذين ستقابلون من خلال قراءة قصصهم). تجولنا في لبنان (وبالطبع يمكننا السفر والتجول أكثر فأكثر) وتحدثنا إلى الناس، محاولين فهم ما يمرون به. أشخاص اضطروا لمغادرة منازلهم وبلادهم. مكانهم على الأرض.

كل الناس الذين قابلتهم أثناء المشروع، أخبروني أشياء مهمة عن أنفسهم وتجاربهم. وهذا ما أحاول نقله لكم. أعلم أني لست مجرد رسولة؛ فقد تدخلت أثناء المشروع، طرحت الأسئلة، وأقدم لكم الناتج.

 

"لم يخطر في بالي أن شيئاً كعود ثقاب محترق، أو قصاصة ورق في الوحل، أو رقة شجر ساقطة، أو مسمار صدئ عديم القيمة، يمكن أن يكون لها روح"

ب. ترافن، سفينة الموت

 

سألت كل شخص عن شيء، عن غرض أحضروه معهم من سوريا وكيف سافروا إلى لبنان معه. بينما كنت أعمل وأجمع القصص أصبح جلياً ويفطر القلب أكثر فأكثر أن العديد منهم لم يحضر معه أي شيء. الآخرون أحضروا الألم، المعاناة والجروح. والبعض أبقوا فقط على الذكريات. لم يكن لديهم الوقت ولا المساحة ليفكروا بممتلكاتهم. أمسكوا أطفالهم وغادروا مرتدين ما عليهم من ملابس في تلك اللحظة.

أصبح الشيء رمزاً، حول انتباهي إلى شيء آخر، شيءٍ أكثر أهمية. هذه التجربة كلها حولت اتجاه المشروع: رمزية الشيء الممتدة إلى رمزية ما فقد، أو ما هو المعنى الحقيقي للأشياء التي تروي حكايا، كما يقول علماء أصول الإنسان (الأنتروبولوجيون)

سؤالي الناس عن شيء، شيءٍ ذو معنى أو أهمية لهم، جعلني أفهم أن السبب الحقيقي لإنجاز هذا المشروع هو البحث عن طريقة نستطيع من خلالها الحديث عن ملايين الناس المهجرين حول العالم دون أن نغفل شخصيتهم المميزة، تجربتهم، وقصتهم الفردية. تركوا منازلهم بسبب الحرب، التدمير، الخوف، والفقر. لن أعطيكم بيانات كبيرة. لن أعطيكم أرقاماً وإحصائيات مخيفة. أعتقد أنكم تعرفونها (أرجوا ألا تنسوها).

لا نستطيع تشييئهم وتجاربهم بتحويلهم إلى أعمدة من الأرقام، كوم من الورق، صفحات من التقارير. طبيعتنا كبشر، كما يقول سارتر، تجعلنا قابلين لتشييء الآخرين. يجب أن نعي أنه بمجرد النظر أو التوجه إلى شخص آخر، نستطيع أن نضعه في موقع الشيء لتحديقنا، كلامنا، أو أفعالنا. البنى النحوية للغة بحد ذاتها، تصعب تجنب هذه الحالة أيضاً. نتحدث دائماً عن شخص أو شيء. لكن وبنفس الوقت "الشيء" موضوع اهتمامنا هذا أو مشاعرنا يمكن أن يعني أكثر مما تصورنا بداية. كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ ماذا يمكننا أن نفعل؟ هل فقدنا التواصل مع قلوبنا؟ أين تفهمنا للآخرين؟

 

"ماذا علينا أن نفعل إذاً؟" تسأل شخصية تراجيدية في فيلم بيتر فاير "عامٌ من العيش الخطر. يبقى هذا السؤال مفتوحاً. يلخص الحزن، اليأس، انعدام الحيلة، ولكن في نفس الوقت، الحاجة إلى التصرف، تغيير الإدراك، إرادة إعادة العمل على مواقعنا. قد لا يكون هذا بليغاً، إذ أنه ليس إشارة ضخمة.

 

إنها محاولة للبحث عن طرق أخرى للإستجابة والإعتراض على كل المعاناة التى نراها. قد يكون متاحاً لنا عوضاً عن الحديث عن شخص ما، أن نبدأ التوجه إلى أنفسنا، إلى مواقعنا وامتيازاتنا. أستطيع أن أحول الإنتباه من اللاجئين إلى نفسي، أن أضع نفسي داخل الوضع وليس خارجه. أن أكون أكثر من مجرد مشاهدة. هل يمكن لهذا أن يعكس الرواية المعتادة؟ هل نستطيع التعرف إلى أنفسنا في هذه القصص والتجارب؟

 

"المفارقة التي أود الإشارة إليها هي أن هذه الأشياء التي تحمل وظيفة، من حيث المبدأ، فائدة، غرضاً، نعتقد أننا نختبرها كأدوات بحتة، في حين أنها في الواقع تحمل أشياء أخرى، فهي أيضاً أشياء أخرى: إنها حاملات للمعنى... هناك دائماً معنى يطغى على استخدام الشيء... لا يمكن لأي شيء أن يهرب من المعنى"

ر. بارثيس،  التحدي السيميائي

 

أرجو أن يكون هذا الشيء الذي كان محط تركيز مشروعي، وسمح لي أن أروي الحكايا باستخدام الأدوات والوسائل التي أعرف كيفية استخدامها، أن يشير إلى مشكلات في إدراكنا للاجئين والنازحين هذه الأيام. أود الإعتراض على على هذا المنظور. نحتاج أن نراجع أنفسنا.

نحن هنا. أين أنتم؟

---

 

مفهوم الأنسان الى مقتنياته مرتبط بالوضع الذي يجد نفسه فيه، غالبًا ما يكون اكثر من مجرد شيء يمتلكه. للذين يغادرون منازلهم على عجلة، أو يرحلون نهائيًا لمستقبل مجهول، أي مقتنى جلبوه من منازلهم هو بمثابة هذا الارتباط بحياتهم وعاداتهم السابقة، بعائلاتهم ومحيطهم الذي لم يعد جزءً من حياتهم الحالية. التقت المصورة مارتا بوغدانسكا باللاجئين السوريين وطلبت منهم أن يجلبوا لها أي مقتنى أو ذكرى يربطهم بحياتهم السابقة ومشاركة قصصهم التي تدور حول هذه المقتنيات. البعض لديه سترته المفضلة. الأخر على جسده ندوب تذكره بالمحن التي مر بها حتى وصوله الى هنا. ومنهم لديه قداحة بلاستيكية. عرضت الصور والقصص أول مرة شهر أيار/مايو في بيروت وتعرض حاليًا على موقعنا هنا.