رياح التغيير تعصف بالمنطقة العربية؟

شكّك كثرٌ في إمكانية التوصل إلى اتفاق قوي وناجح في الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ" (UNFCCC) في باريس عام 2015. غير أن الدورة انتهت بالاحتفال بما اعتُبِر خاتمة قوية للعملية التفاوضية التي استمرت ثلاث سنوات. بإمكان اتفاق باريس أن يحوّل اقتصادنا من اقتصاد معتمد على الوقود الأحفوري إلى اقتصاد قوامه الطاقة المتجددة. وقد كتبت صحيفة "الغارديان" أنها بداية العد العكسي لانتهاء عصر الوقود الأحفوري[1]. من الأسباب التي أتاحت تحقيق هذه النتيجة الناجحة في باريس التصميم على التوصل إلى اتفاق، حتى لو اقتضى الأمر تقديم بعض التنازلات. حضر أكثر من 150 رئيس دولة الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف، ما يجعله التجمّع الأكبر لرؤساء الحكومات في التاريخ. غير أن رؤساء الدول في بلدان الخليج الأساسية، أي السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان، لم يحضروا القمة. حتى في الاحتفال الذي أقيم في نيويورك بعد أربعة أشهر من أجل توقيع الاتفاق، كانت بلدان الخليج العربي من الدول القليلة في العالم التي امتنعت عن المشاركة.

 

إذاً على ضوء غياب المشاركة السياسية على مستوى رفيع، يمكن الافتراض بأن البلدان العربية الغنية بالنفط لا تزال غير محبِّذة لاتخاذ إجراءات قوية لمكافحة تغير المناخ. بيد أن المشهد أكثر تعقيداً. لقد بدّلت كل البلدان مواقفها في المفاوضات حول المناخ في العامَين أو الأعوام الثلاثة الماضية. وقد شملت هذه التحولات البلدان العربية المنتِجة للنفط، وعلى رأسها السعودية، التي اعتُبِرت سابقاً "أطرافاً صعبة" واتُّهِمت بعرقلة المفاوضات. وحصل هذا التغيير بعد تعيين العديد من المفاوضين الجدد مؤخراً في الفريق السعودي المعني بشؤون المناخ، بما في ذلك تعيين رئيس جديد للوفد مكان الدكتور محمد الصبان الذي ترأس الفريق السعودي منذ انطلاقة العملية المناخية الدولية في أواخر ثمانينيات القرن العشرين. وقد عُرِف عن الدكتور الصبان بذله قصارى جهده لعرقلة أي تقدّم في العملية التفاوضية، إنما أيضاً نكرانه على الملأ التغير المناخي.

 

بعد خروج الدكتور الصبان، أصبح الوفد السعودي أقل نزوعاً إلى العرقلة، مع تفضيله اعتماد مقاربة أكثر ديبلوماسية بدلاً من رفض الأفكار رفضاً قاطعاً. كما أضحى الفريق السعودي أكثر انفتاحاً على مخاطبة المجتمع الأهلي، وخلال الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف، أتاح رئيس الوفد السعودي لممثّلي المجتمع الأهلي فرصاً يومية للمشاركة في النقاش. وفي المسائل الملموسة، تُبدي السعودية استعداداً للعمل من أجل بلوغ صافي انبعاثات صفرية أو الحياد الكربوني في المدى الطويل. لقد بذل السعوديون جهوداً حثيثة ضد تغيير الهدف المتعلق بحصر الارتفاع في درجة حرارة الأرض معارِضين خفضه من درجتَين مئويتين إلى 1.5 درجة مئوية، لكن حتى في هذه المسألة، قبِلوا لغة التسوية في اتفاق باريس[2]. وقد تعهّدوا لأول مرة أمام المجتمع الدولي باتخاذ خطوات ملموسة في مجال المناخ، ولم يستخدموا "التأثيرات المناوئة لإجراءات الاستجابة" أداةً للعرقلة والتعطيل، وذلك خلافاً للاستراتيجية التي كانوا قد دأبوا على اللجوء إليها في السابق[3].

 

ليست الأسباب التي دفعت بالسعودية إلى إجراء هذه التغييرات في مواقفها حول تغير المناخ واضحة. هل أدرك قادة المملكة فجأةً الأثر الوشيك لتغير المناخ؟ أياً تكن الأسباب، يُدلي الوزراء السعوديون بتصريحات أكثر تقدّمية وتجدداً إلى حد كبير حول هذه المسائل خلال الأعوام القليلة الماضية. تشمل هذه التصريحات ما توقّعه وزير النفط السعودي علي النعيمي عن أن السعودية سوف تعمد إلى إلغاء استخدام الوقود الأحفوري بصورة تدريجية بحلول منتصف القرن الحالي. كذلك، تنوي السعودية بيع حصّة تبلغ نحو خمسة في المئة في شركة "أرامكو" النفطية المملوكة من الدولة، في العام 2017. يبدو أن المملكة تدرك أن عصر النفط يشارف على النهاية، وأنه من مصلحتها الإفادة قدر الإمكان من الوضع الراهن. والإبقاء على الانخفاض في أسعار النفط مؤشّر إضافي على أن المملكة تحاول التخلص من احتياطاتها بأسرع وقت ممكن عبر إقصاء المنافسين.

 

من الأسباب المحتملة الأخرى خلف تغيير المملكة موقفها "لعبة الملامة" التي تشهدها عادةً المفاوضات المناخية الدولية. أُلقي اللوم على الصين بسبب فشل القمة المناخية التي أُجريت في كوبنهاغن في العام 2009، مع ما ترتّب عن ذلك من عواقب سياسية على الحكومة الصينية. منذ ذلك الوقت، لم تُرِد أي حكومة أن تُصوَّر بأنها المسؤولة عن انهيار الجولة المقبلة من المحادثات المناخية. لقد كانت السعودية محط تغطية سلبية واسعة في وسائل الإعلام خلال الأعوام القليلة الماضية، الأمر الذي ربما شكّل مصدراً للضغوط، وتهديداً محتملاً في حال لم يتم التوصّل إلى اتفاق مناخي جديد في باريس. في كل دورة من دورات مؤتمر الأطراف في الماضي، حصلت السعودية على العديد من "الجوائز الأحفورية"، وهي جوائز يومية توزّعها المنظمات الأهلية على البلدان الأسوأ أداءً في المفاوضات المناخية. ربما دفعت التغطية الصحافية السلبية التي أثارتها هذه "الجوائز"، بالحكومة السعودية إلى إعادة النظر في استراتيجيتها، واستبدال الدكتور الصبان، الذي اعتمد نهجاً تعطيلياً مباشراً جداً، بشخص أكثر ديبلوماسية ومستعد للانخراط في حوار بنّاء.

 

بغض النظر عن السبب، ما تفعله السعودية أو تقوله حول السياسة المتعلقة بتغير المناخ يرتدي أهمية بالنسبة إلى المنطقة العربية. تتولّى السعودية رئاسة النقاشات حول المناخ في جامعة الدول العربية، ولطالما كان موقفها هو المسيطِر في المنطقة العربية. في الأيام الأولى لمفاوضات المناخ الدولية، حظيت السعودية بدعمٍ قوي من بلدان أخرى في الخليج العربي لم تولِ اهتماماً سياسياً كبيراً لتغير المناخ، ورضخت للموقف السعودي. غير أن هذا الوضع تبدّل في الأعوام الثلاثة إلى الخمسة الماضية، إذ بدأ العديد من البلدان العربية بالابتعاد شيئاً فشيئاً عن الموقف السعودي. وقد يكون هذا الأمر من الأسباب الإضافية التي دفعت بالسعوديين إلى تغيير استراتيجيتهم.

 

نظراً إلى الاهتمام السياسي الذي أثارته المفاوضات الدولية حول تغيّر المناخ، بدأت البلدان العربية تدرك الأهمية التي ترتديها مسألة التغير المناخي؛ ليس فقط لناحية تأثيراته على المنطقة، إنما أيضاً بسبب الفرص الاقتصادية التي يمكن أن يتيحها. أصبحت الإمارات العربية المتحدة رائدة عالمياً في تطوير الطاقة المتجددة، عبر إنشاء مدينة مصدر للأبحاث حول تكنولوجيا الطاقة المتجددة التي أُطلِقت عام 2006 وتضم حالياً مقر "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة". تنظّم الإمارات سنوياً "القمة العالمية لطاقة المستقبل" حيث يناقش كبار الخبراء وقادة العالم سبل التخلي عن الوقود الأحفوري والانتقال بالاقتصاد العالمي إلى المصادر البديلة.

 

نجحت قطر في الفوز باستضافة الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف عام 2012 بعد منافسة شديدة مع كوريا الجنوبية. وقد أمّنت النتائج التي توصّلت إليها الدورة، في ظل القيادة القطرية، ركيزة قوية لاتفاق باريس بعد ثلاث سنوات. ونجحت قطر أيضاً، خلال الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف، في إقناع البلدان الخليجية الأساسية (السعودية والكويت والإمارات وعمان والبحرين) بالتعهّد بتقديم خطط عمل ملموسة حول المناخ في المستقبل، وإدراج ذلك في إطار التنويع الاقتصادي بعيداً من الوقود الأحفوري. وساهمت هذه الدورة أيضاً في نشر التوعية حول تغير المناخ بطريقة غير مسبوقة في مختلف أنحاء العالم العربي، ما أدّى إلى إطلاق مبادرات عدة في المنطقة، منها حملات للمجتمع الأهلي.

 

لم تقتصر زيادة الاهتمام بتغير المناخ على منطقة الخليج وحسب؛ بل عمد أيضاً كل من لبنان والمغرب إلى تعزيز قدراته التفاوضية، وقاما بتأدية دور أقوى في المفاوضات الأخيرة. سوف يستضيف المغرب الدورة المقبلة من مؤتمر الأطراف، أي الدورة الثانية والعشرين، في مراكش في أواخر العالم الجاري. وقد انضم لبنان، مع الإمارات، إلى "حوار كارتاخينا"، وهو عبارة عن مجموعة من البلدان من مختلف أنحاء العالم تضغط من أجل أن يبادر الجميع إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزماً لمكافحة تغير المناخ. في 17 نيسان/أبريل 2015، أطلقت مجموعة من البلدان تُعرَف بـ"أصدقاء إصلاح الدعم الحكومي للوقود الأحفوري" بياناً يدعو المجتمع الدولي إلى بذل مزيد من الجهود لإلغاء الدعم الحكومي للوقود الأحفوري بصورة تدريجية. انضم المغرب إلى البيان، ويسعى حالياً، مع المجموعة، إلى إشراك الحكومات حول العالم في محاولة لبناء الزخم من أجل الدفع باتجاه إصلاح الدعم الحكومي للوقود الأحفوري. وكذلك نظّم المغرب، بالاشتراك مع المفوضية الأوروبية، وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، منتدى لتقويم "المساهمات المعتزَمة المحددة وطنياً" (INDCs) الخاصة بجميع البلدان المشارِكة في الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف، وكذلك الإجراءات التي تتعهّد هذه البلدان باتخاذها في مجال العمل المناخي. وقد اعتُبِر هذا المنتدى حدثاً أساسياً في إطار الاستعداد لانعقاد الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في باريس.

 

ظهر التباين الأوضح عن الموقف السعودي في موضوع المناخ عندما خاض المغرب مواجهة مع السعودية على خلفية الخطط الهادفة إلى خفض انبعاثات المركّبات الكربونية الفلورية الهيدروجينية (HFCs) بصورة تدريجية، وهي مواد قوية تُصنَّف في إطار غازات الدفيئة، وذلك خلال المفاوضات التي أجريت بموجب بروتوكول مونريال عام 2015. كانت السعودية قد تمكّنت سابقاً من دفع الجامعة العربية إلى اتخاذ موقفٍ يفرض على جميع البلدان العربية معارضة الخفض التدريجي للمركّبات الكربونية الفلورية الهيدروجينية بموجب بروتوكول مونريال. لكن بعد ذلك بوقت قصير، استطاع المغرب، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، الحصول على موقف داعِم للخفض التدريجي للمركبات الكربونية الفلورية الهيدروجينية بموجب بروتوكول مونريال. يعني ذلك أن البلدان العربية في القارة الأفريقية تبنّت موقفَين متناقضين ضمن هيئتَين إقليميتين مختلفتين.

 

عام 2015، قدّمت معظم البلدان العربية، ومنها دول الخليج الغنية بالنفط، مساهماتها المعتزمة المحددة وطنياً. وقد صاغت السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة مساهماتها في إطار التنويع الاقتصادي بعيداً من الوقود الأحفوري، وذلك عملاً بالوعود التي أُطلِقت خلال الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف في قطر. يمكن القول بأن التزام هذه البلدان بتنويع اقتصاداتها بعيداً من الوقود الأحفوري أكثر أهمية من التزامها بإجراء خفض مباشر في انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبّب بتغير المناخ. فالتقليل من اعتمادها على الوقود الأحفوري كركيزة اقتصادية أساسية يوجّه رسالة مفادها أن هذه البلدان تستعد لعالم ما بعد الوقود الأحفوري، وأنها تتقبّل اتخاذ إجراءات أقوى على المستوى العالمي لمكافحة تغير المناخ. وهذا أمرٌ أساسي لأنه يؤشّر إلى أن المنطقة تدرك أنه سيتوجّب التوقف تدريجاً عن استخدام النفط في المستقبل. لكن علينا أن نحاذر من المغالاة، أو من استعجال الاحتفال والتهليل، لأنه يجب النظر إلى هذه البيانات على ضوء رد الفعل السعودي حيال الحملة من أجل التخلي عن استعمال الوقود الأحفوري، والتي أدّت إلى تحويل تريليونات الدولارات الأميركية بعيداً من قطاع الوقود الأحفوري. فقد عارض علي النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية، حملة التخلي عن الوقود الأحفوري، قائلاً بأن الصناعة النفطية وُصِفت بأنها "الجانب القاتم"، في حين أنها تشكّل في الواقع قوة من أجل الخير.

 

بيد أن "المساهمات المعتزمة المحددة وطنياً" التي التزمت بها السعودية وسواها من البلدان العربية لا تزال تشكّل خطوة مهمة، وتوجّه إشارة قوية إلى المستثمرين بأنه حتى السعودية تبتعد رويداً رويداً عن اقتصاد الوقود الأحفوري وتتحوّل نحو الطاقة المتجددة. فضلاً عن ذلك، تزدهر مشاريع الطاقة المتجددة في مختلف أنحاء المنطقة. يتلقّى المغرب عروضاً في إطار مناقصة لبناء مزرعة لطاقة الرياح قادرة على إنتاج 850 ميغاواط بمتوسط كلفة يبلغ 30 دولاراً أميركياً لكل ميغاواط ساعة، وهذه كلفة متدنّية قياسية، ما يجعلها أرخص من متوسط الكلفة عند استخدام أي مصدر آخر للطاقة. وكذلك يسعى المغرب إلى زيادة اعتماده على الطاقة المتجددة لتبلغ حصتها 52 في المئة من استهلاكه للطاقة بحلول سنة 2030، مع العلم بأن الوقود الأحفوري كان يؤمّن كامل احتياجاته من الطاقة قبل عشرة أعوام. وكذلك التزمت الإمارات العربية المتحدة بجعل حصة الطاقة المتجددة 24 في المئة من مجموع استهلاكها للطاقة بحلول سنة 2021، وتستمر اللائحة...

 

سوف يستضيف المغرب، كما أشرنا آنفاً، الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ"، في مراكش في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. يُتوقَّع أن تستقطب هذه الدورة مزيداً من الاهتمام بمسألة التغير المناخي في المنطقة، أملاً بأن تساهم في تحفيز تحرّكات أقوى تشكّل حاجة ماسّة جداً. ليست هناك راهناً مبادرة عربية مشتركة يمكن أن تبرهن عن دور قيادي عربي خلال الدورة المقبلة لمؤتمر الأطراف. فالإعلان الأخير الصادر عن "منظمة التعاون الإسلامي" حول التغير المناخي، لم يتضمن أيّ جديد – وهذه فرصة مهدورة نظراً إلى الأوضاع وعلى ضوء الأمل بحشد الزخم من أجل أن تكون الدورة الثانية والعشرون لمؤتمر الاطراف في المغرب ملهِمةً ومحفِّزة.

 

يناشد اتفاق باريس جميع البلدان السعي جاهدة للإبقاء على الارتفاع في درجة الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية، مع تحقيق صافي انبعاثات صفرية خلال النصف الثاني من القرن. بحسب "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC)، ومن أجل الحصول على الفرصة الفضلى لتحقيق أهداف باريس، يجب خفض الانبعاثات بصورة تدريجية وصولاً إلى الإلغاء التام للانبعاثات الصادرة عن قطاع الطاقة بحلول منتصف القرن الحالي. يمكن أن يُترجَم ذلك بالحاجة إلى العمل من أجل تحقيق نسبة مئة بالمئة من الطاقة المتجددة بحلول سنة 2050. يدعو اتفاق باريس جميع البلدان إلى وضع استراتيجيات إنمائية منخفضة الانبعاثات تعرض المسار الذي سيسلكه كل بلدٍ نحو تحقيق هذه الأهداف في المدى الطويل.

 

على الرغم من التغييرات في السياسة المناخية في العالم العربي، لم تستوعب بلدان المنطقة بعد، في شكل كامل، تداعيات اتفاق باريس على اقتصاداتها. لا يزال عدد كبير من البلدان العربية يعتبر الوقود الأحفوري قطاعاً اقتصادياً أساسياً في المستقبل: ينوي لبنان التنقيب عن احتياطات النفط والغاز التي تم اكتشافها مؤخراً قبالة الشاطئ اللبناني؛ وبدأت مصر، في خطوة عبثية، الاستثمار في محطات للكهرباء تعمل بواسطة الفحم، ما يزيد من كلفة وارداتها. يبدو أنه لدى بلدان المنطقة رأيان متعارضان في هذا المجال. غالب الظن أن هذا التباين يعود إلى غياب الترابط والتنسيق بين الوزارات، لا سيما بين الوزارات المسؤولة عن التنمية الاقتصادية من جهة وتلك المعنية بتغير المناخ والسياسة الخارجية من جهة أخرى.

 

سوف تشكّل الدورة الثانية والعشرون لمؤتمر الأطراف في المغرب محك اختبار كبيراً للمنطقة العربية، لا سيما في ما يختص بتفسير اتفاق باريس. يُتوقَّع أن يدفع المغرب، بصفته الدولة المضيفة للدورة المقبلة لمؤتمر الأطراف، نحو التفسير الأكثر طموحاً للاتفاق. بيد أن عدداً كبيراً من البلدان العربية سيعارض هذا التفسير. لقد تمكّنت قطر، في الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف عام 2012، من حشد الدعم من البلدان العربية الأخرى، لكن في ذلك الوقت، لم تكن صيغة الاتفاق تؤشر إلى انطلاق العد العكسي لانتهاء حقبة الوقود الأحفوري، وإلى التقدّم باتجاه اعتماد الطاقة المتجددة بنسبة مئة في المئة. سوف يواجه المغرب صعوبة في حمل البلدان العربية الغنية بالنفط على تجرّع هذه الكأس المرّة. غير أن الامتناع عن القيام بذلك من شأنه أن يهدّد تمامية اتفاق باريس، ويؤدّي إلى خسارة المغرب ماء الوجه أمام المجتمع الدولي. توجّه المنطقة العربية رسائل متباينة حول التغير المناخي، غير أن هذا الأمر في ذاته هو إثبات إضافي على أن المنطقة تتغير رويداً رويداً، وتتّجه نحو تبنّي مقاربة أكثر طموحاً لمواجهة التغير المناخي.

 

[2]  يحدّد النص الختامي للاتفاق الهدف الآتي: "... حصر الزيادة في معدل درجة الحرارة العالمية بأقل من درجتَين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ومواصلة الجهود للحد من الارتفاع في درجة الحرارة عند مستوى 1.5 درجة مئوية...".

[3]  "التأثيرات المناوئة لإجراءات الاستجابة لتغير المناخ" هي أحد بنود جدول الأعمال في المفاوضات المناخية، والهدف منها معالجة أي تأثيرات سلبية يمكن أن تنجم عن الخطوات المتّخذة لمكافحة تغير المناخ. بموجب هذا البند، طالبت السعودية بالحصول على تعويضات عن أي تراجع في تجارتها النفطية بسبب اتخاذ إجراءات أوسع نطاقاً في مجال التغير المناخي. غير أن بلداناً كثيرة رفضت ذلك معتبرةً أنه من غير المنطقي التعويض على السعودية، لأن السعوديين جمعوا ثروة طائلة بفضل النفط الذي ساهم إلى حد كبير في تغير المناخ. نتيجةً لذلك، رفضت السعودية مواصلة المفاوضات حول أي بنود أخرى على جدول الأعمال، قبل إحراز تقدّم في مسألة "التأثيرات المناوئة لإجراءات الاستجابة".