الحدود والمخدرات والمهاجرون في شمال المغرب

على الرغم من أنه لمفهوم الحدود تاريخٌ طويل، يبقى تعريفها ملتبساً إلى حد بعيد. فهو يعتمد على مجموعة كبيرة من العناصر السياسية-الاجتماعية والاقتصادية المعقّدة التي تتناقض في بعض الأحيان. والسبب الأساسي هو صعوبة تحديد شكل الحدود ووظيفتها، بما أنها تتغير وتتطور باستمرار. وهكذا يتغيّر مفهوم الحدود عند الانتقال من اختصاص أكاديمي إلى آخر. ثمة عددٌ من المقاربات المتنوّعة للمفهوم، ويستخدم كل ميدان أفكاراً وفلسفات خاصة به؛ فسواءً في الميدان التاريخي أو الجغرافي أو السياسي أو السوسيولوجي أو الأنثروبولوجي أو النفسي أو غير ذلك، من الواضح أنه ليس هناك تعريفٌ واحد للحدود. بيد أن مفهوم الحدود يعتمد إلى حد كبير على مفهوم جون لوك (John Locke) عن القانون الطبيعي وترسيم حقوق الملكية الخاصة. يقع هذا المفهوم في صلب إنتاج المعارف في العلوم الاجتماعية، وهو متداوَل أيضاً بكثرة في العلاقات الدولية.

غير أن هذا المقال لن ينظر في تعريف الحدود ولا في تعقيداتها في العلاقات الدولية. الهدف هو فهم الحدود على مستوى عملي ويومي. يسلّط المقال الضوء على المرونة التفسيرية في مفهوم الحدود وارتباطاته بمسائل ملموسة مثل الهجرة والمخدرات. على البلدان حول العالم أن تواجه الواقع بأنه مع الزيادة في الهجرة وتجارة المخدرات عالمياً، اكتسبت إدارة الحدود أهمية متنامية. من الأمثلة على ذلك الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر. يعزو الجزائريون سبب الإغلاق إلى تجارة المخدرات من المغرب، لكن المفارقة هي أن الإغلاق يصبّ في مصلحة التجّار. مثالٌ آخر هو الاتفاقيات التي وقّعها المغرب والاتحاد الأوروبي حول إدارة الحدود. الهدف هو السيطرة على تدفّق المهاجرين، كما أنه يُظهر كيف يمكن أن يتبدّل مفهوم الحدود، فالمغرب ليس على المستوى الجغرافي جزءاً من أوروبا، ومع ذلك يجد نفسه يتصرّف وكأنه مسؤول عن القيام بدوريات عند الحدود الأوروبية.

سوف تُستعمَل البيانات التي جمعتُها في الرحلات الميدانية لمناقشة الاستخدام العملي للحدود. بهذا المعنى، يتطرق هذا المقال إلى آراء المعنيين بدلاً من المفهوم التجريدي. لقد اخترت تحليل الحدود الشمالية للمغرب في ما يختص بالهجرة والمخدرات. تفرض هاتان المسألتان على الدولة مراجعة السياسات التي تستخدمها في ضبط الحدود. في حين أن الاتحاد الأوروبي لا يسائل المغرب عملياً حول التدابير التي يتّبعها لضبط الحدود بهدف مكافحة تجارة المخدرات، إلا أنه يبدي اهتماماً شديداً بالإجراءات التي يتخذها المغرب لضبط الحدود المشتركة في مواجهة الهجرة. تدفعنا المحاولات الجماعية التي يبذلها المهاجرون لعبور الحدود في سبتة ومليلية إلى طرح علامات استفهام حول الوظيفة الجغرافية والرمزية للحدود. كيف ينظر المهاجرون إلى الحدود؟ كيف يختبرها الأفرقاء الضالعون في تجارة المخدرات ويتصوّرونها وينظرون إليها؟

الحدود، مصدر توتّر

إن موقع المغرب الجغرافي يجعل منه نقطة عبور بديهية إلى أفريقيا، ولطالما كانت هناك تشنّجات عند حدوده، لا سيما مع جارته الشمالية، إسبانيا. لقد أدّى البحر المتوسط دوراً مزدوجاً على امتداد التاريخ، عبر توليد علاقات للتبادل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في حين أنه أيضاً مصدر للتشنّجات والنزاعات الجيوسياسية. لقد ساهمت المسألة المتعلقة بكيفية السيطرة على هذه المنطقة، في الانقسام بين الشمال والجنوب، وهو انقسام لا يمكن فهمه فعلاً إلا في سياق تاريخي. انطلاقاً من هذه التشنّجات، لدى الحدود دورٌ مهم تؤدّيه كي نتمكّن من فهم عدم تناسقها واختلال توازنها، وفي ذلك وسيلةٌ لفهم الطبيعة المعقّدة للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ونظرة الأفرقاء المعنيين إلى الحدود.

قبل عام 1991 واعتماد تأشيرات السفر في إسبانيا، كان التنقّل بين المغرب وجارته الشمالية حراً وسلساً. لكن مع انضمام إسبانيا إلى منطقة شنغن، بات يُفرَض على سكّان أفريقيا الشمالية الحصول على تأشيرة سفر، ما أحدث تغييراً دائماً في علاقتهم مع حدود الاتحاد الأوروبي. فجأةً، أصبح هناك اختلال في التوازن في الطريقة التي يختبر بها الناس الخطوط غير المرئية التي تفصل بين البلدان؛ كان بإمكان المواطنين الإسبان دخول المغرب من دون تأشيرة سفر، في حين أنه بات لزاماً على المغاربة طلب الحصول على تأشيرة وتبرير أسباب إقامتهم في إسبانيا.

منذ ذلك الوقت، ازدادت موجات الهجرة غير الشرعية المؤلّفة في شكل أساسي من مواطنين مغاربة، فشهدت العلاقة بين البلدَين لحظات من التشنّج. وعام 2002، تسبّبت إدارة الحدود بأزمة ديبلوماسية بينهما بعدما لمّحت إسبانيا إلى أن هناك "تساهلاً" واضحاً من جانب المغرب. فنتيجة زيادة الهجرة غير الشرعية من المغرب في التسعينيات ومطلع القرن الحادي والعشرين، أصبحت الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء المصدر الأساسي للتشنّجات. يصل المهاجرون إلى مدن حدودية في شمال المغرب على غرار طنجة أو على مقربة من سبتة ومليلية ويترقّبون فرصة سانحة للعبور.

الهجرة غير الشرعية على متن مراكب تنطلق من شمال المغرب دفعت بإسبانيا إلى ممارسة ضغوط على المغرب لضبط حدوده الشمالية في محاولة للحؤول دون دخول المهاجرين إلى إسبانيا بطريقة غير شرعية؛ وقد انطبع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بممارسة ضغوط على المغرب الذي تحوّل بمثابة دولة عازلة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي.

على الرغم من التدابير المشدّدة لضبط الحدود التي وضعتها كل من الرباط ومدريد، تُبذَل في كل عام محاولات جديدة لعبور الحاجز الذي يفصل الجيبَين الإسبانيين عن البر الرئيس المغربي. تشير التقديرات إلى أن عشرين ألف شخص يحاولون عبور الحدود سنوياً، ومؤخراً، انضمت إلى المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء أرتال من اللاجئين وطالبي اللجوء الهاربين من النزاعات في سوريا وليبيا والعراق.

تُقدِّم الحواجز حول جيبَي سبتة ومليلية الإسبانيين الواقعَين في الأراضي المغربية، دليلاً على الطريقة التي تستخدم بها أوروبا حدودها من أجل التصدّي للهجرة من الجنوب. على الرغم من الأسيجة، يعيش المهاجرون في الغابات المحيطة بالمدينتَين، معزولين عن السكان المحليين ويتحيّنون اللحظة المؤاتية للعبور. يطوّرون جماعياً استراتيجيات للتملّص من الضوابط المفروضة عند الأسيجة التي تفصلهم عن وجهتهم النهائية: أوروبا. يشجّعهم الانتظار على تعلّم الصبر إنما أيضاً على فهم الحدود بصورة أفضل. يتنقّلون بحرية بين مدن الشمال الحدودية: طنجة وتطوان والناظور، وبحسب الفصل، الصيف أم الشتاء، يختارون اللحظة المناسبة لهم للعبور.

للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في طنجة تجربة مختلفة تماماً عن تلك التي يعيشها الأشخاص الذين يحاولون العبور إلى سبتة ومليلية. بين عامَي 2014 و2015،[i] خلال تقصّينا عن طنجة كبلدة حدودية، اكتشفنا أن لها حدوداً مزدوجة: الحدود الجغرافية الخارجية التي تقود إلى أوروبا، والحدود الاجتماعية الداخلية التي تفصل المهاجرين عن السكّان المغاربة في المدينة. ثمة اختلاف نوعي بين تجربة المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء مع هذه الحدود وتجربة المهاجرين الأوروبيين. تستقبل طنجة، المدينة المرفئية، يومياً مراكب قادمة من جبل طارق وطريفة. هذه الحدود مغلقة أمام المغاربة وشعوب البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء، غير أن المهاجرين والسيّاح الإسبان يعبرونها بسهولة. المواطنون الإسبان الذين يعملون في طنجة خلال أيام الأسبوع، يعودون بسهولة إلى إسبانيا في عطلة نهاية الأسبوع، حتى لو كانوا يعملون، بحسب ما أظهرته الدراسة التي أجريناها، بطريقة غير نظامية في المغرب. وهكذا، في تناقضٍ صارخ مع النظرة إلى الأشخاص القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، لا تنظر السلطات المغربية ولا أبناء البلاد إلى الإسبان بأنهم مهاجرون غير شرعيين يعبرون الحدود.

كلمة حدود هنا يُفهَم بها "حواجز"، إنها حواجز لوقف الهجرة. تعتمد هذه النظرة إلى الحدود بقوّة على التفكير الذي كان سائداً في القرن السابع عشر، والذي رأى في الحدود الأطراف الأبعد للمملكة، وأقاليم يتوجّب حمايتها من الأعداء. بغية عبور هذه الحدود، يتواصل المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء مع "الراصِدين"، كما يُسمّون، الذين يتألفون في معظمهم من المغاربة. دور الراصِد هو جمع المعلومات حول مواقع القوات البحرية المغربية، والطريق الأفضل لخرق الحدود سواءً عبر البر (سبتة ومليلية) أو البحر. تبلغ كلفة هذه المعلومات نحو ألف درهم إماراتي (مئة يورو)، وهي بمثابة رسم اشتراك يجب تسديده قبل محاولة العبور.

هذه الحدود سياسية في شكل أساسي، لكنها تكشف النقاب أيضاً عن التشنّجات بين المهاجرين وأبناء البلاد لأنها تطرح علامات استفهام حول الحدود التي تنشئها السياسة العامة لإدارة الهجرة. الرغبة في عبور الحدود تُغذّيها محاولات ناجحة قليلة يقوم بها المهاجرون، لا سيما خلال فصل الصيف. في 12 آب/أغسطس 2014، شهدت بعض المدن في جنوب إسبانيا تدفقاً كبيراً للمهاجرين. وقد تحدثت صحف مثل "إل بايس" و"إل موندو" عن إنقاذ نحو تسعمئة شخص من البحر على أيدي خفر السواحل في طريفة، ونَقْل نحو 1200 شخص بعد وصولهم إلى الساحل الإسباني قادمين على متن الزوارق المسمّاة "باتيراس". وبحسب الصحف، كانت حركة الهجرة هذه من نتائج محاولة قامت بها السلطات المغربية للحد من ضغوط المهاجرين في شمال البلاد. غير أن هذه الموجة ترافقت مع حادثة ديبلوماسية كبرى، عندما اعترض خفر السواحل الإسباني اليخت العائد لملك المغرب قبالة ساحل سبتة في السابع من آب/أغسطس 2014. وقد تمت تسوية المسـألة سريعاً عبر تدخّل وزير الداخلية الإسباني في الدقائق التي أعقبت الحادثة، وتوجَّه محافظ سبتة شخصياً لتقديم اعتذار رسمي إلى العاهل المغربي. لكن العديد من الصحف الإسبانية ربطت بين وصول هذا العدد الكبير من المهاجرين والحادثة في سبتة. وقد حاولت أن توحي بأن المغرب وجّه رسالةً من خلال السماح للمراكب بمغادرة الساحل الشمالي باتجاه إسبانيا، مشيرةً إلى أنه من الضروري النظر إلى الحدود باعتبارها قضية مرتبطة بالسياسة والأراضي.

هذه الحدود التي تشكّل نقاط دخول إلى أوروبا، هي في شكل أساسي نقاط دخول إلى سوق عمل ضخمة. من هذا المنطلق، تفصل الحدود الشمال عن الجنوب، وترسم الحد الفاصل لاختلال التوازن السياسي والاقتصادي بين ساحلَي المتوسط. بهذا المعنى، لا تلتقي الحدود بل تشكّل وسيلة من وسائل الفصل.

الحدود والمخدرات

إذا كانت الحدود والهجرة تفصل بين إسبانيا والمغرب وتربط بينهما في آنٍ واحد في سياق المحاولات التي يبذلانها من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية، المخدرات هي مسألة أخرى تتحدّى مفهوم الحدود. تشكّل الحدود الشمالية، لا سيما الحدود مع سبتة ومليلية، جزءاً من الحياة والممارسات اليومية للسكان المحليين. إنها تؤدّي دوراً اقتصادياً مهماً في التجارة القانونية والتبادلات غير الشرعية على السواء، لا سيما التهريب. منذ ستينيات القرن الماضي، سهّل هذا الارتباط الوثيق بين الحدود والسكان المحليين تجارة القنّب المغربي إلى إسبانيا. وقد سلك القنّب الطريق نفسه الذي سلكته المنتجات المهرَّبة لعبور مضيق جبل طارق.

على الرغم من فرض ضوابط وقيود صارمة على الحدود، لم تتوقّف تجارة القنّب من المغرب. لقد علمنا، خلال الأبحاث التي قمنا بها، أن سجن طنجة يضم أكثر من ثمانين شاباً إسبانياً جرى اعتقالهم على خلفية محاولتهم تهريب كميات من القنّب، صغيرة في معظمها، إلى إسبانيا. يولّد موقع طنجة على مقربة من إسبانيا الانطباع بأن عبور الحدود سهلٌ إلى حد ما، بيد أن السجن في طنجة لا يؤوي فقط بين جدرانه شباناً من إسبانيا، إنما أيضاً مواطنين بلجيكيين وفرنسيين. لقد وافق هؤلاء الأشخاص على تأدية دور ناقلي المخدرات (يُسمّون "البغال") بغية كسب حفنة قليلة من المال، إما عبر نقل بضعة غرامات أو كيلوغرامات من القنّب في سياراتهم أو شاحنات التخييم العائدة لهم، أو عبر ابتلاع كميات صغيرة من الكبسولات الشبيهة بحبة الزيتون بالنيابة عن التجار أو من أجل استخدامهم الخاص. ناقلو المخدرات الذين يتنقّلون بين المغرب وإسبانيا هم في غالبيتهم من الأوروبيين الذين يستخدمهم التجّار لأن لديهم حظوظاً أفضل بعدم الوقوع في أيدي السلطات، في حين أن المغاربة يُنظَر إليهم بعين الشك من المسؤولين المحليين والإسبان. في وسائل الإعلام المغربية، يوصَف الأوروبيون بأنهم ضحايا التجّار، في حين تُقدَّم صورة غير مؤاتية عن المغاربة.

هذا ويتم أيضاً ضبط كميات كبيرة من المخدرات في ميناء طنجة المتوسط، ما يسلّط الضوء على الموقع الذي تشغله طنجة على طريق الاتجار على الرغم من فتح طرقات أخرى. يمكن إخفاء القنّب بسهولة في شاحنات تنقل منتجات مصنّعة في مناطق التجارة الحرة، وتغادر من ميناء طنجة المتوسط باتجاه أوروبا. لقد ساهم وصول آلة ضخمة لمسح الشاحنات في خفض تدفّق المخدرات، لكنه لم يضع حداً نهائياً لعمليات ضبط المخدرات ومصادرتها. حدود طنجة هي حدود مدينة عابرة للأوطان بكل ما للكلمة من معنى. إنها نقطة عبور للمنتجات المصنوعة في المغرب إنما أيضاً للمخدرات، سواءً القنّب المحلي الصنع أو الكوكايين المستورَد. يتطلب نقل المخدرات عبر الحدود منظمة شبيهة بالمافيا، إنما أيضاً التواطؤ من عدد من المسؤولين المغاربة والإسبان.

في تموز/يوليو 2015، تمت مصادرة كمية كبيرة من المخدرات في إسبانيا، حيث ضُبِطت شاحنتان مقطورتان قادمتان من ميناء طنجة المتوسط تحملان خمسين طنّاً من القنّب، في أكبر عملية لنقل المخدرات في التاريخ الإسباني. يُنقَل القنّب من طنجة إلى عواصم الاتحاد الأوروبي عن طريق إسبانيا. مثلاً، في تشرين الأول/أكتوبر 2015، ضُبِط في باريس 7.1 أطنان من القنّب الذي جرى نقله من المغرب. تُعطي تجارة المخدرات نظرة عن الحدود مختلفة جداً عن تلك التي يعطيها السياسيون.

قابلية الحدود للاختراق، بسبب الهشاشة الاقتصادية والفساد السياسي من جملة أسباب أخرى، تتيح لتجّار المخدرات شقّ مسارات جديدة لنقل بضائعهم عبرها. إذا كان الطريق التقليدي لنقل المخدرات يمرّ عبر إسبانيا، ليس مفاجئاً أن نرى أن التجّار يفتحون مسارات موازية جديدة، مثلاً عبر ليبيا. قد تكون هذه الطرقات أقل مباشرةً وأكثر كلفة، لكنها أقل خطورة للبضائع. وقد دفع هذا التحوّل بمهرّبي المهاجرين إلى تنويع أنشطتهم مع إقدام ذوي المهارات بينهم المعروفين بخبرتهم في عبور المتوسط، على وضع خدماتهم بتصرّف تجّار المخدرات.

تميل وسائل الإعلام، سواءً في حديثها عن المخدّرات أو المهاجرين، إلى التركيز بشدّة على الأرقام، وهكذا أصبحنا معتادين على سماع عناوين رئيسة من قبيل: "ضبط طن من القنّب على الحدود بين المغرب وإسبانيا"، أو "توقيف مئة مهاجر يحاولون عبور الحدود". يتحدّثون عن المخدرات، كما المهاجرين، بالأرقام فقط لتسليط الضوء على فاعلية إجراءات ضبط الحدود أو عدم فاعليتها.

تبدو الحدود، عند النظر إليها من خلال عدسة الهجرة وتجارة المخدرات، أشبه بمساحات من الالتباس موجودة خارج منطق الدولة المعياري. إنها تكشف كيف أن علاقاتنا الملموسة مع الحدود لا تتبلور بطريقة واضحة إلا عندما تكتسب أهمية استراتيجية بالنسبة إلى المعنيين بها. يدفعنا تحليل الممارسات الاقتصادية-الاجتماعية المتعلقة بالحدود إلى التفكير أبعد من التفسير التبسيطي، ما يحفّزنا على أن نرى في الحدود ميادين عمل ديناميكية.