ما هي القضايا الحاسمة قيد النظر في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ؟

موجز

يلتئم المؤتمر الرابع والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ(UNFCCC) في كاتوفيتشي، بولندا، يوم الأحد 2 كانون الأول- ديسمبر، بعد سنتين و11 شهراً و20 يومًا على المؤتمر الحادي والعشرين (COP 21) الذي قدّم في خلاله رئيس المؤتمر لوران فابيوس اتفاق باريس وسط هتافات ممثّلي 196 دولة من الدول الأطراف تبنوّا الاتفاق بالإجماع.

مركز المؤتمر في كاتوفيس

تقدّم ورقة المعلومات الموجزة هذه لمحة عامة عن حالة المفاوضات والقضايا الرئيسية المطروحة في مؤتمر COP 24، وتضع محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في سياق أوسع يتناول الناحيتين الدبلوماسية والعلمية، وتلخّص الوضع الراهن فيما يتعلق ببعض القضايا المحددة التي توليها مؤسسة هاينريش بول مع شركائها أهمية واهتمامًا كبيرين.

 

القسم الأول: أيّ تقدّم أحرزنا بعد ثلاث سنوات على اتفاق باريس؟

نظرة عامة على اتفاق باريس

يرمي اتفاق باريس إلى:

  1. الإبقاء على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية في حدود أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية ومواصلة الجهود الرامية إلى حصر ارتفاع درجة الحرارة في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية.
  2. تعزيز القدرة على التكيّف مع الآثار الضارة لتغير المناخ وتعزيز القدرة على تحمّل تغيّر المناخ وتوطيد تنمية خفيضة انبعاثات غازات الدفيئة،  على نحو لا يهدد إنتاج الأغذية.
  3. جعل التدفقات المالية متماشية مع مسار يؤدي إلى تنمية خفيضة انبعاثات غازات الدفيئة وقادرة على تحمل تغير المناخ.

جرى اعتماد اتفاق باريس بنجاح في 12 كانون الأول- ديسمبر 2015 ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأجيل الانتهاء من التفاصيل التقنية اللازمة "لتفعيل" الاتفاق حتى انعقاد مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين. ويُعَدّ هذا الاتفاق علامة فارقة لأنه نصّ على التزامات أساسية لجميع الدول ونجح في إدخال إجراءات جديدة في مواده ومقرراته هي المسارات التفاوضية لبرنامج عمل اتفاق باريس(PAWP) أو ما يُسمّى بـ "لائحة قواعد اتفاق باريس" (Paris Rulebook) .

تشمل التزامات جميع الدول المحددة في برنامج عمل اتفاق باريس أهدافًا والتزامات طويلة الأجل بشأن:

  • التخفيف (خفض مستويات انبعاثات غازات الدفيئة من خلال المساهمات المحدّدة وطنيًا (NDCs) في جميع البلدان)؛
  • النهج التعاونية (السوقية وغير السوقية)؛
  • البلاغ المتعلق بالتكيّف؛
  • التمويل (من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، بما في ذلك تقديم المعلومات مسبقًا عن التمويل الذي سيقدّم وتقديم المحاسبة المالية)
  • تطوير التكنولوجيا ونقلها
  • إطار عمل محسّن للشفافية (لتوفير المساءلة حول التقدم المحرز)
  • الحصيلة العالمية (لقياس التقدّم المحرز كل خمس سنوات)
  • التنفيذ والامتثال
  • مسائل إضافية محتملة

ماذا حدث منذ اتفاق باريس؟  

عُقِدَت هيئات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الثلاث1 المكلفة تسليم برنامج عمل الاتفاقية  في الوقت المحدد  ست جلسات منذ اعتماد اتفاق باريس. فأي تقدّم تم إحرازه حتى اليوم؟ وأين نحن الآن؟ وما هي فرص نجاح اعتماد "لائحة قواعد اتفاق باريس" في كاتوفيتشي؟

 على الرغم من المناشدات المستمرة التي دعت ممثلي الدول إلى "تسريع العمل على خطة عمل اتفاق باريس" وصل مجموع عدد صفحات الوثيقة التجميعية لنص لائحة قواعد اتفاق باريس التي صدرت بعد دورة المفاوضات في بانكوك في أوائل شهر أيلول- سبتمبر إلى 307 صفحات. وبعد بانكوك، وضع رؤساء الهيئات الثلاث "مذكرة أفكار مشتركة" لتحديد "سبل المضي قدماً، بما في ذلك المقترحات النصية التي من شأنها أن تساعد في تقدّم مداولات الأطراف". لكن عدد صفحات هذه الوثيقة وملاحقها التسعة بلغ 243 صفحة، الأمر الذي لا يساعد كثيرًا في تسريع العمل. 

طول النص هو أحد الأسباب التي أدت إلى إبطاء المفاوضات بشكل غير محتمل. ويكمن سبب آخر في الحرص على التوازن بين المسارات التفاوضية إذ يجب إبقاء جميع بنود خطة العمل في "مستوى مماثل من النضج". والتوازن مسألة خلاف سياسي أساسي بين البلدان المتقدمة والنامية. فالأطراف من البلدان المتقدمة تضغط باتجاه تخصيص مزيد من الوقت للتفاوض بشأن القضايا المعقّدة، بينما الأطراف من البلدان النامية تطالب بتخصيص وقت متساو لجميع البنود. وهذا الاختلال الواضح في التوازن يهدّد فرص اعتماد لائحة قواعد اتفاق باريس في كاتوفيتشي.

وبالإضافة إلى ما سبق، تفرض القضايا المتداخلة والمشتركة بين جميع بنود خطة العمل والهيئات الثلاث حجر عثرة آخر لأن التقدّم في مسار واحد يعتمد في أغلب الأحيان على تقدّم مسار آخر. وعلى الرغم من إقرار مذكرة الأفكار المشتركة بعدم وجود "حل سحري لجميع المسائل المتداخلة"، أدى غياب الحلول بشأن المسائل المتداخلة المعقّدة إلى تباطؤ التقدم، وقد يهدّد فرص التوصّل إلى صيغة نهائية للائحة قواعد اتفاق باريس في مؤتمر COP 24.

القسم الثاني: ما هي البنود المدرجة في جدول أعمال مؤتمر COP 24؟

الانتهاء من حزمة خطة عمل اتفاق باريس - - لائحة قواعد اتفاق باريس

تم تكليف مؤتمر COP24 بتسليم جميع أجزاء حزمة خطة عمل اتفاق باريس من أجل إقرارها في كاتوفيتشي. فهل هذا الهدف عملي بالنظر إلى مسائل طول النص والتوازن والمواضيع المتداخلة الموصوفة أعلاه؟

تلمّح إحدى الإضافات الملحقة بمذكرة الأفكار المشتركة إلى سبيلٍ ممكنٍ للمضي قدمًا، بل أن هناك فقرة افتتاحية صريحة بهذا الشأن:

أي من عناصر المعلومات العديدة المحدّدة حاليًا ... هو في الواقع ضروري لتفعيل اتفاق باريس؟

بهذا السؤال يحاول الرؤساء معرفة رأي البلدان الأطراف بشأن الأمور التي يتعيّن البت بها في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف والأمور التي يمكن تأجيلها. والإضافة الملحقة تفصل المقترحات النصية إلى قسمين: نصف أول يجب التفاوض بشأنه في كاتوفيتشي، ونصف آخر يمكن تأجيله. أما امكانية تطبيق هذا الاقتراح على حزمة خطة عمل اتفاق باريس بأكملها فتبقى مجرد تكهنات حيث أن إجراءً مماثلا لا يمكن حسمه إلا بتوافق الأطراف.

أفادت مصادر حديثة بأن نتائج الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف قد تشمل الموافقة حصرًا على العناصر التأسيسية وخارطة الطريق لوضع الصيغة النهائية، بدلاً من لائحة قواعد كاملة تحتوي على تفاصيل تقنية. لكن إن كانت لائحة القواعد تفعّل اتفاق باريس، فما هو مقدار التفاصيل التقنية المطلوب للقيام بذلك؟

تمويل أنشطة التصدي لتغيّر المناخ في لائحة قواعد اتفاق باريس

سوف يعتمد نجاح مؤتمر COP 24 على التقدم المحرز في المفاوضات بشأن تمويل أنشطة التصدّي لتغيّر المناخ. تلك هي المعركة السياسية الرئيسية التي  تخيّم على كل مؤتمر من مؤتمرات الأطراف تقريباً حيث تسعى البلدان النامية إلى التأكد من رغبة البلدان المتقدمة وصدق نيتها في تقديم معلومات كمّية ونوعية تفصيلية كافية حول التمويل العام- وذلك قبل تقديم التمويل وبعده- بما يعزّز قدرتها على الاستشراف والمساءلة.

يسمح تمويل أنشطة التصدي لتغيّر المناخ القابل للاستشراف والمساءلة ببناء الثقة في نظام ما بعد اتفاق باريس، ويزوّد البلدان النامية بالتيقّن المالي الذي تحتاجه لتخطيط وتنفيذ التزاماتها بالمساهمات المحددة وطنيًا التي يتوقّف أكثرها على تمويل إضافي من البلدان المتقدمة.

قد تكون هذه المسألة - وهي مسألة إجرائية تقنية للغاية - أكبر عائق أمام نجاح مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين. فاتفاق باريس ينص على إجراء يلزم البلدان المتقدمة بتقديم المعلومات عن الدعم المالي الذي تمنحه إلى البلدان النامية بعد أن تكون قد منحت هذا الدعم، ولا ينص على أي إجراء يلزم البلدان المتقدمة بتقديم المعلومات، مسبقًا، عن مقدار الدعم الذي تنوي تقديمه ونوعه.

هذا يعني أن برنامج عمل اتفاقية باريس لا يتضمن أي إجراء يربط المعلومات المتعلقة بالتمويل العام المراد تقديمه من البلدان المتقدمة بالمعلومات المتعلّقة بالتمويل المقدّم بالفعل. نتيجة لذلك، تطالب البلدان النامية بمثل هذا الربط لأن معرفتها المسبقة بمقدار التمويل الذي ستتلقاه ونوعه تحدّد قدرتها على تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق باريس وتسمح لها باختيار السبل المناسبة لتنفيذ هذه الالتزامات. ويكتسي هذا الإجراء أهمية خاصة بالنسبة للبلدان النامية التي يحثها المؤتمر، تحت شعار رفع مستوى الطموحات العام في التصدّي لتغير المناخ، على المضي في تعزيز التزامها الذي يتوقف، كما ذكرنا أعلاه، على التمويل الإضافي من البلدان المتقدمة.

تؤكد البلدان المتقدمة أن اتفاق باريس لا يلزمها باعتماد إجراء معيّن تطلع البلدان النامية بموجبه على مستويات الموارد المالية التي تتوقع تقديمها إليها. لا بل تنظر البلدان المتقدمة إلى هذا الموضوع على أنه مجرد إجراء إبلاغي عمليّ يمكن مناقشته في وقت لاحق ومجالات أخرى من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

ونظرًا لعدم توافر تعريف متّفق عليه لتمويل أنشطة التصدّي لتغيّر المناخ، تختلف البلدان حول ما يمكن إدراجه في إطار الإبلاغ عن التمويل. وفي حين تقتضي مصلحة البلدان المتقدمة توسيع فئات الإبلاغ لتشمل مثلاً الجهود غير المالية على غرار تدابير بناء القدرات ونقل التكنولوجيا أو التمويل المقدّم من خلال قروض تجارية، ترغب الدول النامية في إبقاء التركيز على الإبلاغ عن الموارد المالية الجديدة والإضافية المقدّمة علاوة على المساعدة الإنمائية الرسمية.

ومن المتوقع أن تستمر المناقشات الحامية في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف حول موعد بدء العمل على هدف جماعي كمي جديد بشأن التمويل يتم تحديده بحلول عام 2023 لتوسيع نطاق هدف التمويل بمائة مليار دولار في السنة بحلول عام 2010 (وهو  لا يزال بعيدًا كلّ البعد عن التحقّق) الذي تم اقتراحه للمرة الأولى في عام 2009 في مؤتمر الأطراف الخامس عشر الكارثي في كوبنهاغن، والذي يمثل خط الأساس الحالي.

تمويل أنشطة التصديّ لتغيّر المناخ في الصندوق الأخضر للمناخ

على الرغم من أن الموضوع غير مدرج رسميًا في جدول الأعمال، ستشهد الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف أيضًا محادثات خلف الكواليس حول ما إذا كانت الدول المتقدمة، ولا سيما الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا، قادرة على وراغبة في تقديم تعهّدات متصاعدة لأول إعادة تغذية رسمية للصندوق الأخضر للمناخ (GCF) التي انطلقت في الاجتماع الحادي والعشرين لمجلس إدارة الصندوق في المنامة بالبحرين في أواخر تشرين الأول- أكتوبر.

وبما أن الصندوق الأخضر للمناخ هو الصندوق المتعدد الأطراف الرئيسي الذي تستخدمه الآلية المالية لاتفاق باريس، فسوف تكون المؤشرات المبكرة على زيادة الدعم في فترة التنفيذ القادمة للصندوق الأخضر للمناخ، بالنسبة للبلدان النامية، بمثابة اختبار حقيقي لمدى صدق الوعود التي تعهدت بها البلدان المتقدمة في إطار اتفاق باريس. ويمكن أن يساعد هذا أيضًا في تقدّم مفاوضات التمويل الخاصة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

حقوق الإنسان في لائحة قواعد اتفاق باريس

من أهم الانتصارات التي حقّقها اتفاق باريس تضمين عبارات عن حقوق الإنسان في ديباجته وإن لم تكن هذه العبارات مرسّخة في مواد الاتفاق. تحتوي الديباجة على إشارات محدّدة إلى التخفيف من حدة الفقر، وحقوق الشعوب الأصلية، والمشاركة العامة، والمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة ، والأمن الغذائي، وتحقيق التحوّل العادل للقوى العاملة، وإيجاد العمل الكريم، والإنصاف بين الأجيال ، وسلامة النظام الإيكولوجي.

وعلى الرغم من أن مجموعة واسعة من ناشطي المجتمع المدني وبعض المندوبين القطريين يدفعون باتجاه إدخال لغة حقوق الإنسان إلى لائحة قواعد اتفاق باريس، يبدو أن العديد من المندوبين لا يفهمون أهمية حقوق الإنسان في العمل في مجال المناخ، بما في ذلك ارتباط هذه الحقوق بتمويل أنشطة التصدّي لتغيّر المناخ.  ولهذا السبب، لا تزال المساعي في مجالي التوعية وبناء القدرات حاجة أساسية وحاسمة.

لا يتوقّف الناشطون عن المطالبة باعتماد لغة أكثر صراحة بشأن حقوق الإنسان في المسارات التفاوضية المختلفة لـخطة عمل اتفاق باريس، بما في ذلك في توجيه المساهمات المحدّدة وطنيًا وتخطيط التكيّف ومراقبته. ويتضمن النص حول تحسين إطار الشفافية بعض الإشارات إلى الأبعاد الاجتماعية للعمل المتعلق بالمناخ، ولكن يجب توضيحها والدفاع عنها، لا سيما الإجراءات التي تراعي احتياجات الجنسين في توزيع الدعم المالي والتكنولوجي على البلدان النامية. ويتضمن النص حول الحصيلة العالمية إشارات إلى "جهود القضاء على الفقر، والأمن الغذائي، وفرص العمل، والعدالة الاجتماعية في البلدان النامية، واللاجئين والنازحين بسبب تغيّر المناخ" إذا تم الحفاظ عليها في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف تكون كفيلة بتسليط الضوء على جوانب العمل المناخي المتعلقة بحقوق الإنسان.

ويأمل ناشطو المجتمع المدني أن تدعم جهودهم رمزية الذكرى السنوية السبعين لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) التي تصادف الأسبوع الثاني من مؤتمر الأطراف. ذلك لأن ديباجة اتفاق باريس تنص على التزامات في مجال حقوق الإنسان يفرضها الإعلان العالمي أصلاً على البلدان.  وبناءً عليه، من المتوقّع أن يساهم الوزن الأخلاقي الذي تنطوي عليه الالتزامات المذكورة في إحراز بعض التقدّم في كاتوفيتشي.

المسائل غير المطروحة في خطة عمل اتفاق باريس

هناك العديد من المسائل المدرجة في جدول أعمال الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف ولكن ليس في برنامج عمل اتفاق باريس. تشمل هذه المسائل آلية وارسو الدولية المعنية بالخسائر والأضرار المرتبطة بأثيرات تغير المناخ؛ منبر المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية؛ عمل كورونيفيا المشترك بشأن الزراعة، الانبعاثات الناجمة عـن الوقود المستخدم في الطيران والنقل البحري الدوليين؛ الاعتبارات الجنسانية وتغيّر المناخ؛ والمرحلة السياسية من حوار تالانوا.

لا نتوقع أن تحرز الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف تقدمًا كبيرًا في هذه المسائل. فمذكرة الأفكار المشتركة تشير على نحو صريح إلى أن "بعض البنود غير المرتبطة بخطة عمل اتفاق باريس لا حاجة إلى إنجازه في كاتوفيتشي أو النظر فيه بصورة متعمقة في هذه الدورة". ومع ذلك، سوف نتقدم  بملاحظات على عدد قليل من هذه المسائل التي تنطوي على أهمية أساسية لعمل مؤسسة هاينريش بول وشركائها.

الخسائر والأضرار

في هذا السياق يشير مفهوم الخسائر والأضرار إلى الخسائر التي  لا يمكن تعويضها (الأرواح وسبل العيش والأرض والتراث الثقافي) والأضرار قابلة للاسترداد (لا سيما البنية التحتية مثل الطرق والمباني وخطوط الطاقة الكهربائية) المرتبطة بتأثير أحداث قد تكون ناجمة عن تغيّر المناخ أو متفاقمة بسببه، بما في ذلك الظواهر الجوية بالغة الشدة والكوارث بطيئة الظهور. إنها واحدة من أكثر القضايا حساسية في محادثات تغير المناخ. أما الحلقة المفقودة فهي كالعادة تكمن في عدم كفاية الموارد المالية المجموعة والمقدّمة من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية.

على الرغم من أن اتفاق باريس خصّص مادة كاملة لمسألة الخسائر والأضرار، لم تدرج هذه المسألة بشكل رسمي في برنامج عمل اتفاق باريس. لكن في بانكوك استقطبت هذه المسألة اهتماما كبيرا غير متوقع إذ شدّدت مجموعة من البلدان النامية على ضرورة تضمين خطة عمل اتفاق باريس الحاجة إلى تحديد المعلومات المتعلقة بالخسائر والأضرار في قواعد إطار الشفافية المعزّز. لهذا السبب، نتوقع من البلدان النامية، ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة النامية، أن تدفع أيضًا باتجاه تضمين الالتزام بالتعويض عن الخسائر والأضرار في بند التمويل في لائحة قواعد اتفاق باريس.

وفي ظل موجة الظروف الجوية الشديدة المدمّرة مثل الأعاصير المدارية والفيضانات وحرائق الغابات وما ينتج عن ذلك من تدمير وخسائر في الأرواح التي اجتاحت التغطية الإخبارية العالمية في السنوات القليلة الماضية، وبما أن التركيز المقترح حاليا على حلول التأمين ضيق للغاية وغير كافٍ، نتوقع أن تتصاعد الضغوط في كاتوفيتشي لمعالجة هذه المسألة بوصفها جزءًا من عملية استكمال الصيغة النهائية للائحة قواعد اتفاق باريس.

 الاعتبارات الجنسانية وتغير المناخ

من المتوقّع أن تشهد الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف اتخاذ مزيد من الإجراءات بشأن الاعتبارات الجنسانية وتغيّر المناخ. في العام الماضي، أرسى مؤتمر فيجي في بون خطة عمل للمسائل الجنسانية  في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ. ومن المتوقع أن تقوم البلدان الأطراف وفقًا لهذه الخطة بعقد حلقة عمل تتناول مجموعة واسعة من المعلومات وتركّز على: البيانات المصنّفة حسب نوع الجنس، والتحليل الجنساني بشأن التأثيرات المختلفة لتغير المناخ على النساء والرجال مع إيلاء اهتمام خاص للمجتمعات المحلية والشعوب الأصلية، وإدماج الاعتبارات الجنسانية في مساعي التكيّف والتخفيف وبناء القدرات والتمكين على العمل من أجل المناخ والتكنولوجيا والسياسات والخطط والإجراءات المالية. كما ستسعى حلقة العمل إلى التشجيع على إحراز مزيد من التقدم في تعزيز التوازن بين الجنسين عند تشكيل الوفود الوطنية لشؤون المناخ.

حوار  تالانوا

ينص اتفاق باريس مع مقرراته على تكليف مؤتمر الأطراف بعقد "حوار تيسري" هو بمثابة اختبار تجريبي لـما يُسمّى "الحصيلة العالمية" التي ستجريها البلدان كافة كل خمس سنوات ابتداءً من عام 2023 بهدف تقييم وتعزيز مساهماتها المحددة وطنياً والتقدّم المحرز على المستوى العالمي نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس.

أعاد مؤتمر فيجي تسمية الحوار التيسيري ليصبح "حوار تالانوا" من "Tala" أي "الحديث أو سرد القصص" و"Noa" أي "صفر أو بدون إخفاء أي تفصيل". أعدت فيجي هذا الحوار بالاشتراك مع دولة المغرب التي ترأست مؤتمر COP22 قبل أن يتم إطلاقه في كانون الثاني- يناير عام 2018 بقيادة فيجي وبولندا التي تترأس مؤتمر COP24. تمحورت المرحلة التحضيرية حول ثلاثة أسئلة: "أين نحن الآن؟"، "أين نريد أن نذهب؟" و"كيف نصل إلى هناك؟" تم تحميل ما مجموعه 220 إجابة إلى منصة الكترونية عبر الإنترنت بحلول الثاني من شهر نيسان- أبريل، وأتت الغالبية العظمى لهذه الإجابات من جانب أصحاب المصلحة من غير الأطراف. تم نشر نظرة عامة على الإجابات في 23 نيسان- أبريل وإصدار ملخّص للمرحلة التحضيرية في 19 تشرين الثاني- نوفمبر. ومن المتوقع أن تُعقد جلسة  اختتامية للمرحلة التحضيرية في 6  كانون الثاني- ديسمبر.

تفيد المعلومات ووجهات النظر المستقاة من المرحلة التحضيرية في أنها تساعد الرئاسات على التحضير للمرحلة السياسية المقرّر إطلاقها في 11 كانون الأول-ديسمبر والتي ستسمح للوزراء والممثلين رفيعي المستوى باستعراض الجهود الجماعية للأطراف والمشاركة في طاولات مستديرة ومناقشات ثنائية. ومن المتوقع أن تقدّم الرئاسات أهم النتائج التي خلصت إليها في الاجتماع الختامي للمرحلة السياسية في 12 كانون الأول- ديسمبر.

تجدر الإشارة إلى أن النتيجة المحتملة لحوار تالانوا كانت مسألة مطروحة للمناقشة في الاجتماع التمهيدي لمؤتمر COP 24 الذي عقد في كراكوف في 23-24 تشرين الأول- أكتوبر. وتسرد المذكّرة الموجزة للاجتماع الأشكال المحتملة لتلك النتيجة، وتلخّصها كما يلي:

لم تعرب الغالبية العظمى من الأطراف عن أي نية في إصدار وثيقة ختامية متفاوض عليها كيما يتسنى للمفاوضين في كاتوفيتشي التركيز على برنامج عمل اتفاق باريس. في المقابل، رحّب كثيرون بفكرة أن تقدم رئاسات المؤتمر إعلانا أو بيانا أو تقريرا مع امكانية تضمين فقرة إضافية حول حوار  تالانوا في قرار مؤتمر الأطراف.

لكن تبدو هذه النتيجة ضعيفة أمام التوقّعات العالية التي تنطوي عليها عملية الحوار.

القسم الثالث: التوقعات المنتظرة من مؤتمر بولندا

الرئاسة البولندية- أولويات مؤتمر COP 24

يتمتع رئيس مؤتمر COP24 ميخائيل كورتيكا، وزير الدولة في وزارة البيئة في بولندا، بسمعة إيجابية عمومًا داخل البلد وفي الدوائر الدولية. لكن تدور توترات داخلية في الحكومة البولندية، كما هو الحال في العديد من الحكومات، بين قطاعي الاقتصاد والبيئة. وعلى وجه الخصوص، يمكن لوزارة الطاقة البولندية التي تشدد على سيادة بولندا في تحديد مجموعة مصادر الطاقة لديها ودور التكنولوجيات التي تسمح باستخدام الوقود الأحفوري بطريقة فعالة ومناسبة للمناخ، أن تعرقل جدول أعماله الطموح في كاتوفيتشي.

في الاجتماع التمهيدي لمؤتمر COP24 في كراكوف في 23-24 تشرين الأول- أكتوبر، دعا كورتيكا إلى رفع مستوى الطموح في العمل من أجل المناخ واستكمال قواعد تنفيذ خطة عمل اتفاق باريس، مشيرًا إلى أن التقرير الخاص الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حديثًا عن الاحترار العالمي بـواقع 1.5 درجة مئوية (أنظر التحليل أدناه) يهدف إلى تحفيز زيادة الاستثمار في التكنولوجيات المراعية للبيئة والإسراع بالتخلّص التدريجي من الفحم. وقال كورتيكا إن تغير المناخ هو تحد عالمي وليس هناك مجال لاختيار سياسات محلية أو وطنية بصورة اعتباطية.

وبينما يؤكد كورتيكا ما اتفق عليه رؤساء الهيئات التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أن مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين يهدف أولا إلى وضع صيغة نهائية للائحة قواعد اتفاق باريس، قد يؤدي هذا التركيز على الصيغة النهائية إلى عرقلة تحقيق أهداف أكثر طموحاً بيئياً.

وأشار العديد من المشاركين في الاجتماع التمهيدي لمؤتمر الأطراف إلى العملية التي أُطلِقَت مؤخراً لإعادة تغذية الصندوق الأخضر للمناخ بوصفها عنصرًا أساسيًا لتعزيز الثقة بين الأطراف، خاصة في ضوء انسحاب الولايات المتحدة من تمويل الصندوق المذكور والمخاوف المستمرة بشأن خطته.

الرئاسة البولندية- رسائل إلى الجمهور

حدّدت الرئاسة البولندية رسائل ثلاث إلى مؤتمر COP24 تعتبرها الأكثر أهمية في السياق البولندي. يلخّص هذه الرسائل عنوان كبير هو "الإنسان والتكنولوجيا والطبيعة"، أي  التحوّل العادل، والتنقّل الخفيف (e-mobility)، والحياد المناخي.  ترتبط هذه المواضيع ارتباطا وثيقا بالنقاش الدائر في هولندا حول الطاقة والمناخ (لا سيما التحوّل العادل والضباب الدخاني والتنقل الخفيف الذي ينظر إليه على أنه محرِّك محتمل للتنمية الاقتصادية). لا شك في أن معالجة الحكومة لهذه المواضيع بادرة إيجابية، يبقى أن السؤال الذي يطرح هو ماذا سينتج عن هذه الأفكار على الصعيد العملي؟ 

في الاجتماع التمهيدي الاجتماعي لمؤتمر COP 24 الذي عقد في آب- أغسطس، قال كورتيكا: "تتمثل مهمّتنا في ضمان تحوّل عادل ومشترك يسمح لنا بحماية المناخ والحفاظ على التنمية الاقتصادية وأماكن العمل في نفس الوقت. يجب أن تكون التنمية مسؤولة في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمناخية." في هذا السياق، يعقد الرئيس البولندي أندريه دودا في 3 كانون الأول- ديسمبر  مؤتمر قمة لرؤساء الدول ورؤساء الوزراء بهدف التركيز على موضوع "التحول العادل". ومن المتوقع أن يصدر عن مؤتمر القمة "إعلان سيليزيا بشأن التضامن والتحول العادل" الذي سيخلص إلى أنه يجب إدراج المتطلبات الاجتماعية في عملية تحوّل الطاقة لتحقيق قبول واسع النطاق للسياسات التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات.

بالإضافة إلى ما سبق، سيكون تحقيق التوازن بين الانبعاثات وعمليات الإزالة (من الغابات والتربة) موضوعًا مهمًا آخر بالنسبة لبولندا التي تشدّد على الدور الرئيسي للبواليع في تحقيق أهداف اتفاق باريس. غير أن نسخة مسرّبة من "إعلان كاتوفيتشي الوزاري بشأن الغابات من أجل المناخ" أثارت موجة قلق واسعة بين ناشطي المجتمع المدني في مجال الغابات. فالإعلان المذكور يلمح إلى أنه سيكون من السهل تحقيق التوازن بين مصادر انبعاث غازات الدفيئة وعمليات إزالتها بواسطة البواليع (الغابات)، وذلك لا يعدو كونه وصفة لتعويض استمرار انبعاثات غازات الدفيئة من الوقود الأحفوري.

من المتوقع في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف أن تعرض بولندا أيضًا تقنية لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون بواسطة التربة والغابات ضمن مشروعها "مزارع فحم الغابات".

يعد التنقل الخفيف (Electromobility) أحد أعمدة استراتيجية بولندا للتنمية المسؤولة (حزمة النقل النظيف). ومن المتوقع في مؤتمر الأطراف أن تطلق بولندا شراكة "معاً نسوق التغيير" (Driving Change Together Partnership) في مجال التنقل الخفيف، بالتعاون مع المملكة المتحدة. وسوف ترحب بولندا بانضمام الدول والمدن والمنظمات غير الحكومية إلى هذه الشراكة التي تنوي تنظيم منتدى سنوي حول التنقل الخفيف في بولندا وتحفيز الظروف القانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعزّز تطوير النقل النظيف.

وستكون مسألة مكافحة الضباب الدخاني حاضرة أيضاً في مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين. وفي هذا السياق، أطلقت بولندا برنامج "الهواء النقي" في شهر حزيران- يونيو بهدف تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني والحد من التلوّث.

المنظور البولندي- المجتمع المدني

في الفترة التي سبقت الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، وجّه المجتمع المدني البولندي دعوات للتخلص التدريجي الشامل من الفحم، وإعداد استراتيجية تحوّل عادل على أساس حوار اجتماعي واسع النطاق، ودعم الطاقة المتجددة والديمقراطية في إدارة الطاقة، وإرساء تدابير تضمن كفاءة الطاقة وتحسين نوعية الهواء، وإعلان طموح بشأن تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة. اكتسبت حركة المناخ البولندية زخمًا في الأشهر الماضية على الرغم من كونها حديثة النشأة. وجرت في السابق محاولات لتشكيل حركات مماثلة في وقت انعقاد مؤتمري أطراف سابقين في بولندا (COP14  في بوزنان عام 2008، وCOP19 في وارسو عام 2013) ولكنها سرعان ما اضمحلت. في شهر تمّوز-يوليو، استضاف أول مخيّم مناخي بولندي أكثر من 400 شخص (أكثرهم من بولندا) من مجموعة واسعة من الحركات الشعبية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى المبادرات الكاثوليكية العديدة بشأن المناخ التي ظهرت في بولندا لتشكل تقدّما ملحوظا يعزّز التوعية على تغير المناخ في مجتمع تؤثر فيه الكنيسة الكاثوليكية تأثيرا كبيرًا.

ناشد المجتمع المدني البولندي رئيس الوزراء ماتيوس مورافيكي لضمان نجاح مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين وإشراك المجتمع المدني كشريك قوي في المؤتمر المذكور  كما جرى الوعد بذلك في اجتماعات إحاطة رئاسة مؤتمر COP24 التي عقدت في إطار جلسات التفاوض في بانكوك في أيلول- سبتمبر. وكان المجتمع المدني قد انتقد بشدة مشروع القانون الخاص بمؤتمر 24 COP (الصادر في كانون الثاني- يناير) الذي يمنح الشرطة صلاحيات إضافية لجمع معلومات خاصة عن المشاركين في مؤتمر الأطراف ويحظر أي مظاهرة عفوية في كاتوفيتشي خلال فترة الأسبوعين بأكملها. لكن مشروع القانون هذا لم يعارضه أي حزب سياسي، وموقف المنظمات غير الحكومية الدولية تجاهه كان أقل حدة من موقف المنظمات غير الحكومية البولندية (كونه يندرج ضمن القواعد الروتينية المعتمدة في الاجتماعات الدولية الكبرى حول العالم وليس فقط في بولندا). أما المسيرة الدولية من أجل المناخ المقرر إجراؤها في وسط مدينة كاتوفيتشي في 8 كانون الأول- ديسمبر فوافقت عليها السلطات.

ستحظى المنظمات غير الحكومية بمساحة كبيرة في مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين، لأنه منهم ولأجلهم، مع مجموعة من أصحاب المصلحة، وبمستويات تنسيق أفضل من تلك التي شهدتها مؤتمرات الأطراف السابقة في بولندا التي نذكر منها مؤتمر Greenpeace Climate Hub.  وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن كاتوفيتشي أصغر بكثير من وارسو، وعلى الرغم من خبرتها المتواضعة في استضافة الاجتماعات الدولية الكبيرة، تسعى إلى الاستفادة من انعقاد مؤتمر COP24 فيها لإشراك الناس في النقاش حول المناخ، بما في ذلك في  لقاءات تنظّمها في ساحة السوق.

القسم الرابع: تأثير تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشأن الاحترار العالمي بـواقع 1.5 درجة مئوية على مؤتمر COP24

دعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في قرارها بشأن اعتماد اتفاق باريس، الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، وهي الهيئة الأممية المكلفة تقييم الجانب العلمي لقضية تغير المناخ، إلى إعداد تقرير خاص في عام 2018 يستعرض تأثيرات الاحترار العالمي بواقع 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية.

ومن الواضح أن التقرير المذكور الذي صدر في 8 تشرين الأول -أكتوبر  هو من أهم دراسات التقييم العلمية في تاريخ الهيئة الحكومية الدولية البالغ ثلاثين عامًا. فالرسائل الرئيسية التي يتناولها التقرير جاءت حاسمة على نحو غير متوقع: حصر ارتفاع درجة الحرارة في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية ممكنٌ شرط تنفيذ تخفيضات جذرية للانبعاثات وتطبيق مسارات تحويلية وحماية النظم البيئية الطبيعية واستعادتها.  ولكن أيضا: اعتماد حدّ 1.5 درجة مئوسة ضروري جدًا من أجل احتواء تأثيرات تغير المناخ والمخاطر التي يفرضها على الإنسان والنظم الإيكولوجية.

وبالاستناد إلى أحدث التقديرات العلمية، يخلص التقرير إلى أن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.0 درجة مئوية (+/- 0.2 درجة مئوية) قد حدث بالفعل، وأن تأثيرات تغير المناخ الناتجة عن هذا الاحترار بدأت تظهر في العديد من المناطق. وبالتالي، فإن الاحترار العالمي بواقع 1.5 درجة مئوية يشكل خطراً حقيقياً على الملايين من البشر حول العالم ويتطلب اتخاذ تدابير تكيف شاملة وحثّ الجهات المسؤولة تاريخياً عن تغيّر المناخ على تقديم الدعم المالي والتكنولوجي.

ونظرًا للمخاطر الكبيرة والتأثيرات غير القابلة للإصلاح التي قد تنتج عن ارتفاع درجة حرارة الأرض بواقع 1.5 درجة مئوية وأكثر، يقدم التقرير تفسيرًا دقيقًا لهدف حصر ارتفاع درجة الحرارة في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، ويركز على سيناريوهات التخفيف التي تضبط أو تجنّب أي تجاوز محتمل للسقف المذكور (ارتفاع درجة الحرارة إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية). وتحقيقًا لهذه الغاية، يوجّه التقرير دعوة واضحة لخفض الانبعاثات بشكل جذري: يجب خفض انبعاثات غازات الدفيئة في العالم بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 (مقارنة بمستويات عام 2010)، والوصول إلى نسبة الصفر بحلول عام 2050 تقريباً.

تشمل توصيات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشأن تلك التخفيضات في الانبعاثات تسريع التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وجعله أكثر شمولاً، تسريع الإمداد بالكهرباء، خفض الطلب على الطاقة، إحداث تغييرات في أنماط الاستهلاك والغذاء، وحماية النظم الإيكولوجية الطبيعية واستعادتها.

أصدر تحالف المناخ والأرض والطموح والحقوق (CLARA) تقريرًا عن دور قطاع الأراضي في العمل المناخي الطموح في إطار حصر ارتفاع درجة الحرارة في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية  " (Missing Pathways to 1.5oC: The role of the land sector in ambitious climate action) بعد أسبوع واحد من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ. ويبيّن تقرير التحالف كيف أن تعزيز الطموح في مجال ضمان حقوق الأراضي واستعادة النظم البيئية للغابات والانتقال إلى أنظمة غذائية أكثر استدامة يساعد في حصر الاحترار العالمي في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية عن طريق خفض الانبعاثات العالمية بمقدار 23 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2050، مما يلغي الحاجة إلى استخدام تقنيات الهندسة الجيولوجية.

ولا بد من الإشارة في هذا السياق أيضًا إلى الوثيقة التي نشرتها مؤسسة هاينريش بول تحت عنوان "مقاربة واقعية جذرية من أجل عدالة مناخية: استجابة المجتمع المدني للتحدي المتمثل في حصر ارتفاع درجة الحرارة في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية". والوثيقة عصارة خبرات وتجارب ومعارف مجموعة من المؤسسات والشبكات والمنظمات الدولية التي تعاونت معها مؤسسة هاينريش بول على مدى السنوات الماضية، والتي انكبّت في إطار عملها السياسي وأبحاثها وممارستها على رسم خطط جذرية قائمة على العدالة الاجتماعية والبيئية ترمي إلى إحداث التغيير السياسي المطلوب في شتى القطاعات لحصر الاحترار في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية.

إن الرسائل السياسية التي ينطوي عليها تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وتقارير المجتمع المدني المذكورة هي بالضبط ما يحتاج العالم إلى سماعه: حصر ارتفاع درجة الحرارة في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية ممكن، واحتواء تأثيرات أزمة المناخ ضروري. كل ما في الأمر أن السقف أصبح 1.5 درجة مئوية بعد أن كان درجتين مئويتين، لكنه يتطلب إجراءات مناخية سريعة ومُلهِمَة وتخفيضات حادة في الانبعاثات.

هل سيصغي مندوبو الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف إلى هذه الرسائل فيسرّعوا عملهم لوضع الصيغة النهائية لقواعد اتفاق باريس بحيث يمكن للبلدان تنفيذ مساهماتها المحددة وطنيا وتعزيزها فيما بعد؟ هل سينجح تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تعزيز الطموح نحو خفض انبعاثات غازات الدفيئة وتحقيق زيادة في الموارد المالية المقدمة؟ هل سيدرك العالم أخيراً أن استخدام تقنيات الهندسة الجيولوجية غير المتوافرة حالياً للعودة إلى حد 1.5 درجة مئوية بعد "تجاوز" سقف الحرارة محفوف بالمخاطر وغير مضمون النتيجة؟

لنأمل ذلك، لأنه لا توجد آلية رسمية تسمح بالاستفادة من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لتطوير اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، باستثناء تنظيم "حدث خاص" يمتد على ثلاث ساعات وتستضيفه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بالاشتراك مع هيئة فرعية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في 4 كانون الأول- ديسمبر. والفرصة الأخرى الوحيدة المتاحة للاستفادة من التقرير هي في حوار تالانوا. ولكن، كما أشار تحليلنا أعلاه، لا يتوقّع أن يؤول حوار تالانوا في مؤتمر COP24 إلى أكثر من إعلان أو بيان أو تقرير صادر عن رئاسات مؤتمر الأطراف وربما، فقرة إضافية واحدة تدرج في قرار مؤتمر الأطراف.

القسم الخامس: ما هي النتيجة المحتملة لمؤتمر COP24؟

قبل حوالي ثلاث سنوات، التزمت 196 دولة بالتفاوض على عناصر برنامج عمل اتفاق باريس وإكمال لائحة قواعد اتفاق باريس في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف. بدت العملية للجميع معقدة وتستغرق وقتا طويلا، فتم تخصيص وقت كاف لها.  وزمن التذرّع بالحجج ولّى وذهب.

تحاول الدول إعادة التفاوض بشأن اتفاق باريس واللجوء إلى شتى أساليب التأخير والمماطلة لتفادي اتخاذ القرارات بشأن القضايا السياسية الأساسية القائمة منذ أمد طويل والواضحة بما فيه الكفاية. وهذا أمر غير مقبول. وسيشكل المجتمع المدني جبهة موحدة في كاتوفيتشي وحول العالم لإخضاع دول العالم للمساءلة عن التزاماتها وحثها على زيادة طموحاتها المناخية باعتبارها مسألة ملحّة شدّد عليها بقوة التقرير الخاص الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن الاحترار العالمي بـواقع 1.5 درجة مئوية.

تتحرك دبلوماسية المناخ ببطء في حلقة مفرغة. ولمّا كان الدبلوماسيون غير قادرين، على ما يبدو، على إحراز التقدم المطلوب، تتضح بشكل متزايد ضرورة تدخّل مواطني العالم العاديين لرفع هذه القضايا إلى المحاكم. والواقع أن في المحاكم تنظر حاليًا في قضيتين تفتحان آفاق الأمل.

في 9 تشرين الأول- أكتوبر ثبّتت محكمة الاستئناف في لاهاي- هولندا قراراً صادرا في 24 حزيران- يونيو في دعوى "مؤسسة أورغندا ضد هولندا" التي رفعتها مؤسسة أورغندا و 886 مواطنا هولنديا ضد الحكومة الهولندية. وأكدت المحكمة في قرارها أنه يجب على الحكومة خفض انبعاثاتها بنسبة 25 في المئة على الأقل بحلول عام 2020 مقارنة بمستويات عام 1990، وأن أي تخفيضات بنسبٍ أقل قد تشكل انتهاكًا لحقوق المواطنين الهولنديين المكرّسة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وهذه أول دعوى قضائية على الإطلاق يقدّمها مواطنون ليحاسبوا حكومتهم على المساهمة في تغير المناخ. وفي 16 تشرين الثاني- نوفمبر، أعلنت الحكومة الهولندية نيتها في الطعن في الحكم. وبذلك تكون هولندا التي لطالما افتخرت بكونها رائدة في مجال المناخ قد فوّتت فرصةً لإثبات ذلك.

في قضية المزارع الأسرية ومنظمة Greenpeace  ألماني، رفعت ثلاث عائلات مع منظمة Greenpeace دعوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية الألمانية لفشلها في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. وعدت الحكومة الألمانية في عام 2007 بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2020 مقارنة بمستويات عام 1990، غير أن حسابات وزارة البيئة الخاصة تشير حاليًا إلى أنها لن تحقق هذا الهدف. ويزعم أفراد الأسر الثلاث، وجميعهم يعملون في الزراعة الطبيعية العضوية، أنهم بدأوا يعانون من تأثيرات تغير المناخ وأن الدولة الألمانية تنتهك حقوقهم الأساسية في الحياة والصحة والملكية والحرية المهنية المكرّسة في الدستور الألماني. وهذه أول دعوى قضائية تتعلق بالمناخ تشير إلى التقرير الخاص الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن الاحترار العالمي بـواقع 1.5 درجة مئوية باعتباره مرجعًا.

هناك خطر في أن تأتي نتيجة COP24 غير متناسبة مع التطورات الحالية الأوسع نطاقًا. أمور كثيرة تحدث على ساحة العمل المناخي العالمية إذ يقوم العلماء والمواطنون، لا سيما في البلدان النامية الصغيرة، بالدفع نحو تحقيق هدف حصر الاحترار العالمي بـواقع 1.5 درجة مئوية، في حين أن محادثات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ تتعامل مع الموضوع بالأساليب التقليدية المعهودة، لا بل يبدو المفاوضون غير قادرين، وفي كثير من الأحيان، غير راغبين في دفع العمل إلى الأمام، ما يقلّص المساحة والوقت اللازمين لإجراء مناقشات مهمة حول زيادة الطموح للوصول إلى الهدف المنشود. فإذا تبين أن تحديثات المساهمات المحددة وطنيا المتوقعة في الفترة 2019-2020 مجرّد حبر على ورق، أو إذا أظهرت تراجعًا في الطموح نتيجة تعنّت الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من مصادر الانبعاثات الكبيرة، فستصبح الاستراتيجيات الأكثر جذرية هي القاعدة، علما أن هذه الاستراتيجيات قد تقود إلى اتجاهات عديدة، جيدة وسيئة، على حد سواء.

شكر خاص لمن شاركوا في تنقيح هذه الوثيقة ومراجعتها: كاتارزينا أوغرين، ليان شالاتيك، ليندا شنايدر، ليلي فوهر وهانز فيرلوم.