في تحيتها لجمانة سيف أشادت لوته لايخت بالأشخاص الذين لا يطالبون بالثأر للجرائم التي ارتكبت ضدّهم وضدّ أقاربهم، لكنهم يصرّون على تحقيق العدالة.
إلى جمانة سيف، الحقوقية السورية والناشطة في مجال حقوق الإنسان
بمناسبة حصولها على جائزة آنه كلاين للمرأة من مؤسسة هينرش بُل
بالنسبة لضحايا الجرائم الفظيعة، العدالة ليست ترفاً أخلاقياً، بل هي حق!
نعم، العدالة مهمة
برلين، 3 آذار/ مارس 2023
"معنى حياتي هو المساعدة في بناء سوريا ديمقراطية توفر نفس الحقوق للرجال والنساء، وحياة كريمة. عندها فقط سينتهي النضال."
تعود هذه الكلمات الملهمة للمحامية السورية والناشطة في مجال حقوق المرأة جمانة سيف الحائزة على جائزة آنه كلاين للمرأة اليوم.
لكن الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية في سوريا يعني الألم. ألم تعرفه جمانة وعائلتها والكثير من السوريين جيداً.
عانت عائلة جمانة من اضطهاد هائل، بما في ذلك التعذيب والإخفاء القسري والقتل، مما أجبرهم في النهاية على الهروب من سوريا. منذ سن مبكر شهدت جمانة كيف تم اعتقال أفراد من أسرتها وإخفاؤهم من قبل النظام - ولم يُسمع عنهم بعد ذلك. حتى يومنا هذا، لا تعرف مصير شقيقها الصغير إياد. وقد أمضى والد جمانة الموجود هنا معنا الليلة ثماني سنوات خلف القضبان. كانت جريمته العمل من أجل وضع حد للفساد ومن أجل إحداث إصلاحات السياسية في سوريا. بطبيعة الحال الدعوة إلى احترام حقوق الإنسان ليست جريمة، ولكن في سوريا يواجه من يفعلون ذلك عقوبة شديدة من قبل النظام. تقول جمانة إنها درست القانون لمواجهة ملاحقة النظام لعائلتها والناشطات والنساء. واليوم تستخدم تلك المعرفة والخبرة القانونية للنهوض بحقوق المرأة السورية، وإن كان عن بعد، ولتقديم مرتكبي الجرائم البشعة إلى العدالة. تقول: سيستمر النضال حتى يتم احترام الديمقراطية والمساواة في الحقوق والحرية والكرامة في بلدي سوريا.
أثناء إعدادي لهذه المداخلة لصديقتي جمانة - وهي امرأة وزميلة حقوقية أكنّ لها كل الاحترام - تذكرت حديثاً مسائياً طويلاً أجريناه في حانة المسرح الألماني المجاور لهذه المؤسسة قبل عام.
كان مساءً جميلاً شبه ربيعي، وكانت الأجواء مريحة، وكان الناس من حولنا يقضون وقتاً ممتعاً، لكن موضوع مناقشاتنا لم يكن خفيفاً قط.
تحدثت جمانة عن الأدلة المروعة على التعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء والرجال أيضاً الذين اعتُقلوا واختفوا في سجون النظام السوري المتعددة وفي فروع الاحتجاز والاستجواب، وهي أدلة جمعتها جمانة وزملاؤها بانتظام. وشددت على أن الاعتقال في سوريا يعني بالنسبة للنساء الإذلال والعنف الجنسي وحتى الاغتصاب.
كما تحدثنا عن خوف الناجيات من التعذيب والاغتصاب اللواتي هربن من أجل رواية قصصهن، عن خوفهن من الانتقام على أيدي أتباع مخابرات النظام السوري، وعن حياة تتسم بالصدمة وبحالة من التأهب الدائم - حتى بعد الاستقرار في ألمانيا.
أدهشني أنّ أكبر مخاوف جمانة - فيما يتعلق بعملها بخصوص جمع الأدلة على هذه الجرائم البشعة ومساعدة الضحايا - هو أن يتجاهل العالم عذابهم وآلامهم، وأن تمضي الحكومات قدماً في تطبيع علاقاتها مع النظام السوري على الرغم من جرائمه الفظيعة واختفاء أكثر من 130 ألف شخص، وموت مئات الآلاف ومعاناة الملايين.
كانت خشيتها أن يصبح السوريون الذين عوقبوا وعُذّبوا واغتُصبوا وقُتلوا لأنهم "تجرأوا" للمطالبة بشيء يعتبره الكثير منا أمراً مفروغاً منه: الحق في العيش دون خوف من الملاحقة في بلد يحترم الحرية والحقوق والديمقراطية، أن يصبحوا "مجرد أرقام"، وأن ننسى أسماءهم وقصصهم. وأعربت عن قلقها أن حكام سوريا و"شبيحتهم" الأمنية المسؤولين عن جرائم فظيعة تستمر حتى يومنا هذا لن يحاسَبوا أبداً، وألا تحل عدالة شاملة لمعاناة ملايين من السوريين.
منذ بداية حملة التطهير التي شنها النظام السوري ضد المعارضين ومن ثم حربه الوحشية ضد المدنيين، كان من الواضح أنه على الرغم من أن الحكومات في جميع أنحاء العالم سارعت إلى إدانة الانتهاكات وأعلنت دعمها للشعب السوري، إلا أن قدرتها على حماية الضحايا ووقف الجرائم كانت محدودة. في بيانات وفي قرارات الأمم المتحدة أصروا على محاسبة الجناة، ولكن كان من الواضح أن تحقيق العدالة لضحايا الجرائم الفظيعة سيشكل تحدياً.
إن السعي لتحقيق العدالة أمام المحاكم السورية كان ولا يزال إلى اليوم أمراً غير مجد، إذ أنه في سوريا تُستخدم المحاكم لمعاقبة من يدافعون عن حقوق الإنسان، وليس لمعاقبة مسؤولي النظام الذين ينتهكون تلك الحقوق.
من حيث المبدأ كان ينبغي تفعيل المحكمة الجنائية الدولية التي تتمتع بولاية التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية ولمقاضاة مرتكبيها، في حال كانت الدول غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك. لكن سوريا ليست عضواً في المحكمة، وكان مجلس الأمن الدولي مشلولاً بسبب فيتو روسيا والصين ضد القرار الذي كان سيمنح المحكمة الولاية القضائية على الفظائع في سوريا.
لذلك قررنا أنه، بدلاً من دق أبواب مجلس الأمن الدولي حيث ستستخدم روسيا - بدعم من الصين - حق الفيتو مراراً وتكراراً لحماية النظام السوري وحماية مسؤوليه من العدالة الدولية، نركز على ضرورة واحدة، وهي تأمين الأدلة على الجرائم بطريقة تصلح لاستخدامها أمام محكمة ما.
لذا لجأنا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة - حيث يكون جميع أعضاء الأمم المتحدة ممثلة ولا يتمتع أحد بحق الفيتو. وهكذا عملنا مع دول شاركتنا رأينا لإنشاء آلية أممية تكون مكلفة بالتحقيق في الجرائم الدولية الخطيرة في سوريا وجمعها وتحليلها وتأمينها بغرض المساعدة في ملاحقات جنائية مستقبلية أمام محاكم تعمل وفقاً للمعايير الدولية للإجراءات القانونية اللازمة. أردنا أن نمنح الضحايا السوريين أملاً، وأردنا أن يعرف الجناة أنه يتم تأمين الأدلة على جرائمهم وأنه يمكن استخدامها في أية ملاحقة جنائية. كما أردنا أن يعرف الذين اعتقدوا أنهم سيفلتون من العقاب على جرائم الاغتصاب والتعذيب والقتل وقصف منازل المدنيين والمستشفيات والمدارس أنهم سيواجهون العدالة - ربما ليس على الفور، ولكن في يوم ما.
لم يكن هناك نقص في ما يمكن أن أسميه "الشك المهذب" الذي عبّر عنه العديد من الدبلوماسيين لهذه المبادرة. "الجمعية العامة لم تفعل هذا من قبل، ولا يمكن القيام به" جادل البعض. وطلب منا آخرون "ألا نضيّع وقتنا، لأن روسيا ستحشد بالتأكيد ما يكفي من الدعم لإسقاط المبادرة". ولكن، هناك سابقة لكل شيء، وماذا كنا سنخسره؟ عدم المحاولة لم يكن خياراً. وبدأت الدول شيئاً فشيئاً في الانضمام، وأصبح العديد منها متحمسة جداً للمبادرة، من بينها ألمانيا.
وأخيراً في مساء يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2016، رغماً عن استياء روسيا وسوريا الشديد، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة القرار A/71/248 الذي أنشئت به هيئة التحقيق للأمم المتحدة التاريخية في شأن سوريا، وحملت هذا الاسم الغريب: الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، باختصار IIIM.
عُيّنت كاثرين ماشي-أول، وهي قاضية فرنسية تتمتع بعقود من الخبرة في العمل في المحاكم الدولية المتخصصة، لإنشاء الآلية وقيادة عملها الهام. اليوم تساعد كاثرين وزميلتها ميشيل جارفيس الموجودة معنا الليلة وفرق خبراء الآلية بنشاط التحقيقات والملاحقات القضائية التي يقوم بها أكثر من اثني عشر مدعياً عاماً وطنياً يعملون بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. هذا المبدأ - المكرس في العديد من القوانين الوطنية والمتسق مع القانون الدولي - يمنح الهيئات القضائية الوطنية الولاية القضائية على الجرائم التي تُعتبر جسيمة بحيث يمكن مقاضاتها، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرائم، وبغض النظر عن جنسية الضحايا أو الجناة المشتبه بهم.
لدى ألمانيا أحد أفضل القوانين في العالم التي تتبنى نموذج الولاية القضائية العالمية، وقد أثمرت بشكل خاص فيما يتعلق بالجرائم الفظيعة في سوريا.
في 13 كانون الثاني/يناير 2022 انتهت هنا في ألمانيا أول محاكمة في العالم تتعلق بجرائم النظام السوري ضد الإنسانية. أدانت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز المدعى عليه أنور ر، وهو ضابط مخابرات سابق في النظام السوري، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية كشريك في قتل 27 شخصاً وحرمان ما لا يقل عن 4000 شخص من الحرية وتعذيبهم، والعنف الجنسي الجسيم بما في ذلك اغتصاب المعتقلين من الإناث والذكور، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة. كما وجدت المحكمة أن الفظائع كانت جزءاً من سياسة الدولة للقضاء على الاحتجاج السلمي وقمع المعارضة العلنية. لأول مرة في العالم نسبت محكمة مستقلة سياسة الجرائم ضد الإنسانية من قبل النظام السوري إلى قمة السلطة مباشرة!
إن محاكمة كوبلنز - والمحاكمات اللاحقة الجارية هنا في ألمانيا ضد ممثلي النظام السوري - لم تكن لتحدث على الأرجح لولا الجهود الدؤوبة والحازمة التي بذلها محامون سوريون شجعان بشكل لا يصدق، مثل جمانة، الذين عملوا مع الناشطين السوريين والشهود والضحايا وعائلاتهم، فقد حوّلوا جنباً إلى جنب مع محامين من ECCHR هنا في برلين الشهادات والأدلة الأخرى إلى دعاوى جنائية كبيرة قُدّمت إلى المدعي العام الاتحادي الألماني.
وبفضل جمانة وزملائها أضيف العنف الجنسي والاغتصاب أخيراً إلى التهم الجنائية الموجهة إلى أنور ر. - شكراً لك جمانة، لقد أحدثتِ فرقاً للنساء السوريات الشجاعات اللواتي ساندتِهن!
أحد المدعين المشاركين في محاكمة كوبلنز كان وسيم مقداد الذي تُرافقنا موسيقاه الجميلة هذا المساء - موسيقى تجعلني أبتسم وأبكي في نفس الوقت. وقال وسيم في بيانه الختامي المؤثر أمام المحكمة: "أقف أمامكم اليوم مطالباً بالعدالة. أنا لا أسعى إلى الانتقام أو القصاص. سوريا التي أحلم بها والتي ناضلت وما زلت أناضل من أجلها يجب أن تقوم على أسس العدالة وسيادة القانون، وليس على العنف والعنف المضاد والانتقام". وتابع قائلاً: "كسوريين، نتطلع إلى اليوم الذي ستكون فيه بلادنا... دولة تحترم حقوقنا ولا تهاجمنا. لقد سئمنا من الوضع المستعصي في سوريا على مدى عقود سُفكت دماؤنا أثناءها دون أن يحاسَب أحد".
بعد حكم المحكمة كتبت جمانة أن محاكمة كوبلنز تمثل "خطوة كبيرة" في السعي لتحقيق العدالة، و"تمثل بداية الحساب لجرائم نظام الأسد التي مرت دون عقاب لأكثر من خمسين عاماً".
وأخبرني مُدّعٍ سوري آخر كيف منحته المحاكمة شعوراً بالتمكين، فقال: "في قاعة المحكمة هذه لم أكن مجرد ضحية للتعذيب، بل كنت هناك لأطالب بالعدالة".
كما قال مراقب سوري للمحاكمة. "هذه هي المرة الأولى التي أكون فيها في قاعة محكمة حيث الحقائق والأدلة تُصبح مهمة، ولا تكون نتيجة المحاكمة أمراً مفروغاً منه. هذه عدالة فعلية".
نعم، محاكمة كوبلنز هي منعطف هام للعدالة الدولية وهي مثال قوي على أن الحقائق والأدلة والعدالة مهمة! يمكننا تقديم مرتكبي الجرائم الفظيعة، بما في ذلك العنف الجنسي والاغتصاب، إلى العدالة أمام محاكم وطنية. وللمحاكم الوطنية دور حيوي أيضاً فيما يتعلق بقول الحقيقة والذاكرة التاريخية حول الجرائم البشعة التي ارتكبها حكام مستبدون وأنظمتهم. وقد أدى العمل الدؤوب الذي قامت به جمانة وزملاؤها إضافةً إلى الشجاعة الرائعة للنشطاء والناجين السوريين إلى تحقيق ذلك!
كما يجب توجيه الشكر إلى مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني وإلى القضاء الألماني على تصميمهم ومهنيتهم في "فتح طريق لتحقيق العدالة للسوريين، بينما انغلقت أمامنا مسارات أخرى"، كما قالت جمانة.
كما نتوجه بالشكر الجزيل لمؤسسة هينرش بٌل على دعمكم المالي وغيره من أشكال الدعم لجهود العدالة التي يبذلها السوريون. لقد فهمتم منذ البداية أهمية الشروع في رحلة العدالة المبدئية هذه. كان من شأن دعمكم الثابت إحداث هذا الفرق. شكرًا لكم!
لكن محاكمة كوبلنز كشفت أيضاً عن بعض أوجه النقص، بما في ذلك الثغرات القانونية فيما يتعلق بتعريفات الجرائم، والقيود السخيفة للحصول على الترجمة، وعدم حصول أعضاء الصحافة والمراقبين على المعلومات أثناء إجراءات المحاكمة، وعدم كفاية الدعم وحماية حقوق المدعين والضحايا والشهود، وعدم الاعتراف بأهمية سجلات المحاكمة بالنسبة للذاكرة التاريخية وقول الحقيقة.
بناءً على هذه الدروس الصعبة قدمت جمانة وECCHR توصيات بتحسينات مطلوبة بشكل عاجل إلى وزارة العدل وبعض أعضاء البرلمان الألماني. ويسعدني أن أبلغكم أنه قبل بضعة أيام فقط، في 23 فبراير/شباط، قدمت وزيرة العدل قائمة بإصلاحات تعكس إلى حد بعيد تلك المقترحات التي قدمتها جمانة وزملاؤها. عفارم!
نعم، العدالة مهمة، ونحن بحاجة إلى تحسين القانون وتطبيقه باستمرار لضمان تحقيق العدالة بالفعل لأنها تهم الضحايا، ولأن الإفلات من العقاب على الجرائم الفظيعة يغذي المزيد من الجرائم.
يشجع الإفلات من العقاب أولئك الذين يحسبون بسخرية أنهم يستطيعون - دون عواقب – ارتكاب جرائم مروعة، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب، لإسكات المعارضة من خلال نشر الخوف والرعب.
عدم معاقبة قصف المستشفيات والمدارس والأسواق ومنازل المدنيين والبنية التحتية يشجع الطغاة الوحشيين وأنظمتهم النذلة على الاستمرار في ارتكاب جرائم الحرب، كوسيلة فعالة لتحقيق أهدافهم ولترسيخ سلطتهم وثروتهم وامتيازاتهم غير المقيدة.
إن الإفلات من العقاب على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجريمة العدوان اليوم ستكون له عواقب مدمرة على العالم الذي سيسكنه أطفالنا غداً.
تمكن النظام السوري من مواصلة قمعه العنيف إلى حد كبير بسبب الدعم الثابت من روسيا وإيران. وقد شارك كلا البلدين بشكل مباشر في ارتكاب جرائم حرب في سوريا، وقد قصفت القوات الروسية المستشفيات والمدارس والمدنيين من الجو وحولت البلدات السورية إلى أنقاض، وعملت الميليشيات الإيرانية جنباً إلى جنب مع قوات النظام السوري التي كانت ترتكب جرائمه على الأرض.
وفي الوقت نفسه لا يزال مصير آلاف الأشخاص الذين اختطفهم داعش غير معلوم، وتظل القيود المفروضة على حقوق الإنسان والحريات قائمة في الأجزاء التي تحتلها تركيا في شمال شرق سوريا. كما اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة نشطاء وصحفيين. ونفذ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش عدة عمليات عسكرية في أجزاء من سوريا، كما أن أكثر من 60 ألف من المشتبه بانتمائهم إلى داعش وأفراد عائلاتهم ونسائهم وأطفالهم محتجزون في ظروف مروعة. وقد شنت إسرائيل ضربات عسكرية في سوريا.
سوريا ليست آمنة! للاجئين السوريين الحق في التماس الحماية والحصول عليها، ولا ينبغي إجبار أحد على العودة إلى بلد لا تتم فيه حماية حقوقهم الإنسانية.
نعم، لا يزال الإفلات من العقاب قائماً في سوريا، ولكن يتم جمع الأدلة على الجرائم التي ترتكبها جميع الأطراف، وستبقى للعدالة أولوية بفضل مثابرة الناشطين والمحامين السوريين أمثال جمانة.
العدالة مهمة!
هل ستكون جريمة العدوان الروسي على أوكرانيا "قبلة الموت" للقواعد الدولية؟
أم هل هي بداية حقبة جديدة من الحماية والعدالة؟
عندما بدأت روسيا غزوها العسكري الشامل على أوكرانيا - مصحوباً بحملة وحشية من جرائم الحرب - سارع الكثيرون إلى إعلان أن هذا الانتهاك الصارخ لميثاق الأمم المتحدة - "دستورنا العالمي" - وحجم انتهاكات قوانين الحرب لا يمثل فقط أكبر تهديد لنظامنا الدولي، بل يشكل نهايته.
ولكن هل هذا هو الحال بالفعل؟ ألا يمكن أن يكون العكس صحيحاً؟ جوابي هو أن الأمر مرهون بنا!
نشهد رداً على حرب بوتين الفاضحة صحوة مؤسسات دولية كانت "نائمة"، إلى جانب تصميم غير مسبوق على فرض حظر الحرب، وتعزيز العدالة لهذه الجريمة الكبرى.
كما أن حجم الفظائع الروسية ما بين تدمير وقتل واغتصاب وتعذيب وترحيل واختطاف أطفال قد أشعل عزماً دولياً وإقليمياً ووطنياً غير مسبوق على تأمين الأدلة على الجرائم البشعة، والسعي لتحقيق العدالة للضحايا.
أوكرانيا ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، لكن كييف أحالت الولاية القضائية على جميع أراضيها إلى المحكمة فعلياً في عامي 2013 و2014. وتُحقق المحكمة بنشاط في الجرائم المرتكبة في أوكرانيا، وقد تلقت دعماً مالياً إضافياً كبيراً من عدة دول للقيام بذلك. يمكن للمحكمة الجنائية الدولية مقاضاة كبار القادة السياسيين - بمن فيهم ربما رئيسا روسيا وبيلاروسيا - على جرائمهم. من ناحية أخرى، لا تتمتع المحاكم الوطنية - التي تعمل بموجب الولاية القضائية العالمية - بسلطة مقاضاة الرؤساء بالنيابة ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية - الذين يتمتعون بالحصانة من متناول المحاكم الوطنية.
تقوم سلطات التحقيق الأوكرانية - بمساعدة خبراء من عدد من الدول - بجمع أدلة على جرائم الحرب. ويقوم العديد من المدعين العامين الوطنيين الأوروبيين، بمن فيهم المدعي العام الاتحادي الألماني، بإجراء تحقيقات، وتعمل EUROJUST، وهي وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية، بمثابة نقطة محورية لجهود جمع الأدلة هذه.
لكن جزءاً مهماً من "لغز العدالة" مفقود. لا يوجد حالياً سبيل متاح لمحاسبة القادة السياسيين والعسكريين الروس - وربما البيلاروسيين - على الحرب غير القانونية نفسها - جريمة العدوان على أوكرانيا والجريمة العليا التي تنتج عنها جميع الفظائع الأخرى. لسوء الحظ يقتصر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على مواطني الدول التي منحت المحكمة ذلك الاختصاص، ولم تفعل روسيا ولا بيلاروسيا ذلك. بالطبع يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يحيل جريمة العدوان ضد أوكرانيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن روسيا ستستخدم بالتأكيد حق الفيتو ضد أي محاولة من هذا النوع.
إذن، أليس هناك شيء يمكننا القيام به؟ هل ستكون رسالتنا إلى القادة الآخرين: "إذا كنت تريد تغيير حدودك بالقوة، فامضِ قدماً. قد تواجه إدانة وعقوبات دولية، ولكن ليس أكثر من ذلك". كلا! إذا كان الحفاظ على النظام العالمي في حد ذاته على المحكّ، فإننا نحتاج إلى استجابات دولية جريئة. وفي الحالة الراهنة نحتاج إلى محكمة دولية خاصة لجريمة العدوان على أوكرانيا. وبما أن مجلس الأمن مشلول، علينا مرة أخرى اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يمكنها، وينبغي لها، أن تتبنى قراراً يمهد الطريق لإنشاء مثل هذه المحكمة. وعلى الدول أن تُصلح المحكمة الجنائية الدولية على وجه السرعة لضمان أن يكون لها الولاية القضائية الكاملة على جريمة العدوان في المستقبل.
على عكس جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإن جريمة العدوان ليست صعبة الإثبات أمام المحكمة، كما قال أستاذ القانون فيليب ساندز في مقابلة: "جريمة العدوان ضربة قاضية، بحيث أن لائحة الاتهام تكتب نفسها. لا توجد صعوبة في الإثبات وتقديم الأدلة. والجريمة ليست فقط قرار شن الحرب، بل قرار الاستمرار في شنها ... كل عمل وكل هجوم وكل قنبلة على مسرح يقيم فيه ألف شخص هي جريمة عدوان. وأنا لا أريد أن أدع هؤلاء الناس يفلتون من العقاب. "
في ضوء الاهتمام الكبير بأوكرانيا والجهود الدولية الجارية لضمان العدالة بخصوص الجرائم المرتكبة هناك، يشير بعض النقاد بحق إلى المعايير المزدوجة، ويثيرون مخاوف جدية من أن نزاعات أخرى وجرائم فظيعة في أماكن أخرى قد تم تجاهلها ولا يزال يتم تجاهلها. يجادلون بأن يُنسى ضحايا الجرائم المروعة في أماكن أخرى حول العالم. وهم على حق بالفعل، ويجب أن يتغير ذلك!
لكن الرد على تلك الانتقادات المشروعة لا ينبغي أن يكون حرمان الضحايا الأوكرانيين من العدالة، بل يجب أن يكون الجواب مضاعفة جهودنا من أجل إنصاف ضحايا جرائم آخرين، وفي كل مكان!
لا يجوز أن يعني الفشل في تحقيق العدالة في الماضي التساهل في المستقبل أيضاً.
بدلاً من ذلك يجب أن نعتبر هذه اللحظة نداءً للاستيقاظ وأن نستغلها لتعزيز العزم الدولي على حماية نظامنا الدولي المبني على قواعد. يجب أن نصرّ على احترام القانون الدولي وأن نعمل على ضمان العدالة بخصوص الانتهاكات في أي مكان. عندها فقط يمكن للقواعد الدولية أن تكون بمثابة أدوات ذات مصداقية لحماية الناس وحقوقهم الإنسانية في كل مكان.
في الصيف الماضي اجتمعت مع الدكتور دينيس موكويجي الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2018. تحدّث عن جرائم الحرب المستمرة في بلده جمهورية الكونغو الديمقراطية، ووصف بتفاصيل مروعة معاناة النساء والأطفال - بمن فيهم الرضع - الذين تعرضوا للاغتصاب الوحشي والاعتداء الجنسي من قبل قوات المتمردين، والضحايا الذين يتلقون الآن العلاج من جراحهم الجسدية وندوبهم النفسية في مستشفاه. وشدد موكويغي على أهمية تحقيق العدالة في جرائم الحرب البشعة هذه التي يقصد مرتكبوها تدمير حياة النساء والأطفال وأسرهم ونسيج مجتمعاتهم. ثم تحدث عن الحرب ضد أوكرانيا والعنف الجنسي الشنيع الذي يرتكبه الجنود الروس هناك، وقال إنه من خلال العمل في مستشفى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تستمر الفظائع مع الإفلات من العقاب، بينما لا تحظى باهتمام دولي يُذكر، يمكن للمرء أن يصبح "غيوراً" من التركيز الدولي على الفظائع في أوكرانيا والالتزامات بالسعي لتحقيق العدالة للضحايا هناك.
ولكن بعد ذلك توقف الدكتور موكويجي، وقال بصوت حازم: "كلا، أنا لست غيوراً، بل أقول برافو! وأقول أيضاً: دعونا نكرر نفس الالتزام في كل مكان، دعونا نقف مع الضحايا والناجين من الاغتصاب وغيرهم من الجرائم الخسيسة في جميع أنحاء العالم - لديهم جميعاً الحق في أن تتحقق العدالة!"
نعم، العدالة مهمة، ويجب تطبيقها دون تمييز. لا يمكننا الإصرار على تحقيق العدالة في جرائم دولية في مكان واحد ونتجاهل - أو حتى ننكر - العدالة في أماكن أخرى. لا يمكننا تجاهل الجرائم لمجرد أن المسؤولين عنها قد يُعتبرون حلفاء، أو لأن المطالبة بالعدالة للضحايا في مكان معين لا تخدم مصالحنا الوطنية. لا يمكننا التعامل مع تطبيق القانون الدولي كقائمة نختار منها ما نشاء.
دعونا نستلهم من مثابرة وشجاعة جمانة وزملائنا السوريين الرائعين، الذين لديهم من الإنسانية والكرامة ما لا يجعلهم يطالبون بالانتقام من الجرائم التي عانوا منها هم وأحباؤهم، بل يصرّون على العدالة باعتبارها الطريق الوحيد إلى الأمام.
دعونا نستمع إلى جمانة سيف والدكتور موكويغي، ودعونا نُصعّد هذا الزخم الدولي لتعزيز العدالة لضحايا الجرائم البشعة في كل مكان.
دعونا نتأكد من أن حرب روسيا ضد أوكرانيا لن تكون نهاية القانون الدولي والنظام المبني على قواعد، وتكون بدلاً من ذلك نقطة بداية جديدة لعزمنا القانوني وتصميمنا السياسي على ضمان عدم استمرار الجناة في الإفلات من العقاب على التعذيب والاغتصاب والقتل. يجب أن يؤخذ حظر الحرب على محمل الجد، وأن تتم محاكمة الجرائم الدولية سواء ارتُكبت في أوروبا أو في إفريقيا أو في آسيا أو الشرق الأوسط أو في أمريكا الشمالية أو الجنوبية.
دعونا ننشط من أجل خطة جديدة وطموحة للعدالة، تضع الناس والمجتمعات الأكثر تضرراً من الجرائم في صميم اهتمامها.
عزيزتي جمانة، لا يجدي أن أخبرك كم يشرفني أن أكون هنا هذا المساء للاحتفال بك وبعملك وشجاعتك وإنسانيتك. أنتم تلهموننا للقيام بعمل أفضل، وبذل المزيد من الجهد، وعدم التخلي عن النضال من أجل حقوق المرأة، ومواجهة منتهكي حقوق الإنسان، والإصرار على المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة، بغض النظر عن هوية الضحايا أو الجناة. لقد أظهرتم لنا أنت وزملاؤك الرائعون أنه بالعمل الجاد هناك طريق للعدالة. لقد حرّكتِ جبالاً، والعمل مستمر!
لقد ذكرتمونا بأن العدالة لضحايا الاغتصاب وغيره من الجرائم الفظيعة ولعائلاتهم ليست ترفاً أخلاقياً، بل هو حق!
شكراً لك عزيزتي جمانة، وتهانينا الحارة بمناسبة حصولك على جائزة آنه كلاين للمرأة.
بقلم لوته لايشت
الترجمة: غونتر أورت