الاقتصاد الأخضر- هل هو التعويذة السحرية؟ - التوقعات من مؤتمر ريو 20+
هذا لم يكن سوى اقتباس من القرار 44/228 تحت شعار "المستقبل الذي نريده"، يلتقي رؤساء الدول والحكومات في حزيران 2012 في مؤتمر ريو+20 في البرازيل. ويتصدر موضوع الاقتصاد الأخضر جدول أعمال المؤتمر. ولكن ما هو الاقتصاد الأخضر وكيف يجب أن يكون وأية إجراءات ووسائل يجب اتخاذها من أجل وضعه حيّز التنفيذ. كل هذه أسئلة لا تزال مفتوحة، ناهيك عن كونها، سياسياً، موضع نقاش وخلاف حاد. ومع ذلك، هناك محاولة لوضع "خارطة طريق لاقتصاد أخضر"، خاصة وأن قمة ريو+20 ليست بحاجة إلى أن تكون نسخة عن مؤتمرات دولية سابقة، بل انطلاقة حقيقية نحو عالم اجتماعي وعادل بحد أدنى من الكربون وأقصى من موارد فعّالة.
"على مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية أن يقود التحول من نموذج اقتصاديّ موجه بشكل كليّ تقريباً نحو تعزيز النمو الاقتصادي، إلى نموذج ينطلق من مبادئ تنمية مستدامة وتتمتع فيه حماية البيئة وإدارة عقلانية للموارد الطبيعية بأهمية حاسمة."
الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 22 كانون الأول 1989، والتي منحت الجمعية بموجبه التفويض الخاص بعقد مؤتمر ريو (دي جانيرو) الأول عام 1992 1. ومن المفترض أن تتمحور أجندة المؤتمر المنعقد في ري ودي جانيرو في 20-22 حزيران 2012، أي بعد مرور عشرين عاماً على المؤتمر الأول، حول إيجاد طرق نحو "الاقتصاد الأخضر في سياق تنمية مستدامة ومكافحة الفقر"2. محاولة جديدة لإصلاح الإطار المؤسساتي من أجل تنمية مستدامة، يتمّ القيام بها من قبل الأمم المتحدة.
وعندما تلتقي وفود حكومية من مختلف أنحاء العالم في مؤتمر تحت رعاية الأمم المتحدة وتعود مجدداً لتداول وضع كوكب الأرض من ناحية بيئية واجتماعية وإعطاء "التنمية المستدامة" دفعة جديدة، أو، على الأقل، تعزيز الهيكلية المؤسساتية للبنية البيئية المتشظية للأمم المتحدة، فإن ذلك، من حيث المبدأ، جدير بالترحيب. ولكن، وهذا ما يمكن التنبؤ به مسبقاً، ما تمتع به مؤتمر ريو عام 1992 من نضارة ودينامية، لن يكون من نصيب ريو+20. فعملية التحضير مصابة بالعرج وتفتقر إلى حشد كبير للرأي العام والمجتمع المدني. صحيح أن هذه (الرأي العام والمجتمع المدني) تتابع العملية، إلا أنها ترى (وبحق)، أنه في سياق مؤتمر للأمم المتحدة وفي ضوء فوارق سياسية واقتصادية كبيرة في النفوذ والمصالح، لا يمكن إجراء جدل بنّاء حول نموذج اقتصادي واجتماعي جديد، وذلك كرد على الأزمات المتعددة (الأزمة المالية والاقتصادية والتغيّر المناخي والأمن الغذائي والفقر).
فالنقد الموجه إلى النمو والدعوة إلى نموذج اقتصادي جديد والرغبة في نماذج جديدة للغنى والثروة وأساليب حياة مختلفة، كلها مواضيع لا تقتصر على الأركان الاجتماعية أو الدوائر الأكاديمية فقط. وبالوصل مع تحليلات ومفاهيم سنوات السبعينيات والثمانينيات حول حدود النمو والبحث عن سبل الخروج من فخه، تحرّكت هناك عملية بحث جديدة نحو بدائل اقتصادية واجتماعية لرأسمالية السوق (المالية- النقدية) القائمة. اقتراحات جديدة وقديمة كما الغنى دونما نمو3، أو كيف يمكن أن يكون اقتصاد ما بعد النمو- كل ذلك عاد وبلهفة إلى بساط البحث والنقاش. ولم يعد الخطاب العام يقتصر على الشمال الصناعي فقط. فالنقاشات المجتمعية حول المفهوم، كما بيون فيفر4 والحركات الاجتماعية والمنشورات النقدية للسياسة الاقتصادية، والتي كان يتمّ خوض نقاش مفتوح فيها في بعض الدول الصاعدة5، تظهر تزايد النقد الأساسي لنموذج الإنتاج والاستهلاك، وازدهار البحث عن بدائل.
وفي خضم هذا الخطاب الأساسي، ينطلق جدل منذ حين حول الاقتصاد الأخضر، جدل يتمّ خوضه من قبل تكتلات محلية ودولية، على غرار الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وبعض منظمات الأمم المتحدة- وذلك كرد على التغير المناخي وشح بعض الموارد و(جزئياً) أزمة الغذاء. وتفهم المقترحات المقدمة من برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية نفسها كمساهمات مقدمة إلى ريو+20، وهي ما سيتمّ تحليها تالياً.
وستكون قمة ريو+20 في حزيران 2012 منصة "العرض" الأكثر شهرة لهذا الإبداع اللغوي، حيث يتخوف الكثيرون من قيامها بتنحية "تنمية مستدامة"- تلك المفردة التي طغت على خطاب ريو 1992- جانباً. فخروج مؤتمر ريو+20 ب "خارطة طريق لاقتصاد اخضر"، يُفترض به أن يدفع نحو التصرف- هكذا هي الخطة ولكن بالأساس رغبة الاتحاد الأوروبي أيضاً.
ما هو الاقتصاد الأخضر وما يجب أن يكون عليه وأية إجراءات ووسائل يجب اتخاذها من أجل وضعه حيّز التنفيذ، كل هذه الأشياء لا تزال غير محددة، ناهيك عن كونها، سياسياً، موضع نقاش وخلاف حاد، تماماً كما كان ولا يزال حال نموذج ومفهوم الاستدامة بأبعاده الثلاثة منذ مؤتمر 1992.
يلعب برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة دوراً رئيساً في صياغة مفهوم الاقتصاد الأخضر. ومع "صفقة الأخضر الجديدة الكونية" (وهي مجموعة مقترحات تهدف للتعاطي التغيّر المناخي والأزمات الاقتصادية- المترجم)، طالب برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة في العام 2008 ببرامج استثمارية لإنعاش الاقتصاد العالمي وتوجيهه مسبقاً نحو استثمارات خضراء، وبالتالي تعبيد الطريق أمام الانتقال إلى عالم ذي كربون أقل. كما يلعب البرنامج ومنذ سنوات دوراً ريادياً في الجدل حول إدخال وسائط/ سندات مرجعها السوق في حال حماية نظام البيئة6. وسواء تعلق الأمر بحماية الغابات، أو تعدد الأنواع، يسعى البرنامج إلى حماية الأنظمة البيئية، ليس فقط لكونه يقدّر خدماته للإنسانية وللناس المستفيدين منها مباشرة (وعلى سبيل المثال ضمه إلى احتساب الناتج المحلي الإجمالي). كما يسعى إلى منح خدمات أنظمة البيئة قيمة سوقية والاستثمار فيها بشكل مستدام: "اقتصاد أخضر يدرك قيمة رأس المال الطبيعي ويستثمر فيه"7.
تناقش منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وتكتل الدول الصناعية منذ 2009 إستراتيجية نمو أكثر اخضراراً، وهو ما يشكل نقطة انطلاق جيدة، خاصة إذا ما تبادلت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الأفكار فيما بينها حول التوجه الإستراتيجي والأولويات المتعلقة باقتصاد اخضر. وربما آن الأوان للتصدي سياسياً وعلى مستوى الرأي العام للمفاهيم المختلفة.
اقتصاد أخضر حسب برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة
تعود المبادرة الأكثر أهمية لولوج حقل الاقتصاد الأخضر ومنذ عام 2008 إلى برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة و "مبادرة الاقتصاد الأخضر"8 المتفرعة عنه. وعوضاً عن دراسة- تييب الكبيرة (تييب: اقتصاديات الأنظمة البيئية والتنوّع الحيوي- المترجم)، التي أشرف عليها بافان سوخديف9، يُشكل التقرير الشامل والصادر في شباط 2011 تحت عنوان "نحو اقتصاد أخضر- سبل نحو تنمية مستدامة واجتثاث الفقر" عماد هذه المبادرة. إذا تنتظر قمة ريو+20 مادة على درجة كبيرة من الأهمية، مادة كانت قد وجدت طريقها مسبقاً إلى تقرير السكرتير العام للجنة التحضيرية للقمة المذكورة. ويحمل التقرير في طياته رزمة من التحليلات والتوصيات من أجل تنمية مستدامة واقتصاد أخضر، ناهيك عن استنتاجاته الاستقرائية للتأثيرات الإيجابية المحتملة للاستثمارات الخضراء على التشغيل وكثافة/ تفعيل الموارد والانبعاث والبيئة بشكل عام، مقارنة بالاستثمارات في "المشاريع التجارية أو الصناعية المعتادة".
يقترح برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة استثمارات موجهة في عشرة قطاعات رئيسة (من بينها الطاقة والزراعة والتطوير الحضري والأحراش والمياه وتربية الأسماك وحماية النظام البيئي) تيسر بسرعة وفعالية ولوج تنمية خضراء ومناهضة للفقر مدعماً ذلك بحقائق واحتساب للنماذج.
ويُفترض تمويل هذه الاستثمارات سنوياً بقيمة 2 % من الحركة الحالية للاقتصادي العالمي (حوالي 1,3 بليون دولار أمريكي). وربما كان هذا كافياً لقوة محركة وفعّالة نحو اقتصاد عالمي ذي كربون أقل وموارد أكثر نجاعة. ويقع مركز ثقل الاستثمارات بقيمة 360 مليارد دولار أمريكي في قطاع الطاقة، حيث تتصدر هناك الطاقة المتجددة والتزود بالطاقة بما يلاءم البيئة ويكافح الفقر. ويتبع ذلك النقل والبناء الملائمين للبيئة (190 و 134 مليارد دولار على التوالي) وصيد الأسماك والزراعة (110 و 108 مليارد دولار على التوالي). ويفترض بهذه الاستثمارات أن توفر، أساساً، فرص عمل أكثر من تلك التي قد توفرها الاستثمارات في "المشاريع التجارية أو الصناعية المعتادة"- وذلك وفقاً لتوقعات برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة.
كما يُفترض أن يتمّ دعم ومواكبة هذه الاستثمارات من خلال رزمة من الإجراءات والوسائل والظروف السياسية. رزمة تحمل في طياتها- بشكل عام ومجرد وليس منوطاً ببلد من البلدان- كل شيء، حصيلة أربعين عاماً من السياسة البيئية من وسائل حملت اسم التحديث البيئي واقتصاد السوق. "خلطة السياسات" هذه من محظورات ومعايير بيئية- اجتماعية وأدوات اقتصادية على غرار الضرائب والرسوم والسندات القابلة للتداول تعرض هنا للقطاعات المختلفة. وتبقى الحكومات مسئولة عن الظروف المهيأة، والتي عليها، عوضاً عن ذلك، كمحصل حكومي، أن تكون قدوة وأن تؤدي وظيفة مهمة في تشجيع الطلب على شراء المنتجات المستدامة.
يؤكد برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة بشكل أساسيّ على الطاقة الكامنة في شطب الإعانات المالية الضارة بيئياً واجتماعياً من أجل استغلال أكثر نجاعة للموارد وإطلاق وسائل مالية من أجل تنمية بيئية- اجتماعية. فوحدها الإعانات المالية الخاصة بالوقود المتحجر يُقدّر حجمها على مستوى العالم إلى بحوالي 600 مليار دولار أمريكي وفي مجال صيد الأسماك 27 مليار دولار- يبقى جزء كبير منها مسئولاً عن الإفراط في الصيد. ووفقاً للبرنامج، لا يستفيد عادة الفقراء والأكثر فقراً من الإعانات المالية المقدمة في حقول المياه والطاقة وصيد الأسماك. وفي حال أدى شطب الإعانات المالية إلى تفاوت اجتماعي، يدعو البرنامج إلى تقديم تعويضات ملائمة اجتماعياً للمجموعات السكانية المتضررة (وهو ما يشترط، واقع الأمر، توفر مؤسسات حكومية قادرة على تنظيمه).
يُعرّف البرنامج الاقتصاد الأخضر كونه اقتصاد يقود إلى رخاء وعدالة اجتماعية أكبر ويقلص في الوقت عينه المخاطر البيئية وشح الموارد، هذا إن لم يكن يساعد على إدارتها بشكل مستدام. كما يتمّ صراحة اعتبار فصل استهلاك المواد الخام والطاقة عن النمو الاقتصادي هدفاً (هذا في حال كان ذلك ممكناً). ووفقاً لبافان سوخديف، مدير "مبادرة الاقتصاد الأخضر" التابعة للبرنامج، فإنه "في اقتصاد سوق بيئيّ، لا يتعلق الأمر بكبح النمو والرخاء، بل بفهم جديد للمعنى الحقيقي للرخاء"- وهي مهمة فُوّض للقيام بها من قبل دويتشي بنك10. كما أدرجت في إطار اقتصاد السوق البيئي مطالب وتوصيات للاستثمار أكثر في ما يُطلق عليه خدمات النظام البيئي، تلك التي يرى فيها البرنامج عاملاً اقتصادياً بقي يلهث دون قيمته الحقيقية: "ما يُدعى بخدمات النظام البيئي هي في الغالب سلع وخدمات عامة شكّل غيابها الاقتصادي حتى الآن السبب الرئيس خلف بخس قيمتها وسوء إدارتها وأخيراً ضياعها"11. والمطلوب إعلاء شان رأس المال الطبيعي هذا بالنسبة للاقتصاد الأخضر. فتقليص الانبعاث الحراري من إزالة الأحراش/ الغابات والتآكل)- وسيلة تحظى منذ مباحثات المناخ في بالي (2007) بالكثير من النقاش في حماية الغابات على مستوى الكون- يُشكل فرصة نادرة للبرنامج لتحويل استغلال غير مستدام للغابات (تقطيع الغابات من أجل تجارة الأخشاب وتربية المواشي) إلى استغلال أخضر، من خلال، وأخيراً، منح أجر لمستغلي الغابات والأرض لقاء خدماتهم البيئية12.
يُشدد التقرير كثيراً على تأثيرات النمو والتشغيل الإيجابية التي يُطلقها الاستثمار الأخضر في بعض القطاعات الرئيسة وخدمات النظام البيئي ويحافظ في نفس الوقت على البيئة. يسعى البرنامج وبشكل خاص لدى الحكومات في الجزء الجنوبي من الكون إلى كسر الصورة النمطية أو الأسطورة، بأن الاستثمارات البيئية ربما كانت على حساب النمو الاقتصادي وأن البيئة والاقتصاد يقعان على طرفي نقيض. فالاقتصاد الأخضر ليس ترفاً مقصوراً على الدول الصناعية الغنية فقط، بل محرك نمو وأكثر نجاحاً في التخلص من الفقر من الاستثمار في "المواد العضوية القابلة للتحلل الحيوي" وتلك المعهودة.
مفهوم محدود المدى
ما يتم هنا التوصية به واقتراحه، ليس بالضرورة نموذجاً اقتصادياً واسعاً وجديداً يستدرج السؤال حول ما يجب أن يكون عليه اقتصاد يناسب نظاماً بيئياً ويعمل معززاً للرخاء ومقلصاً للفقر.13 ليس هناك، من حيث المبدأ، ما يمكنه وضع الحاجة التقليدية للنمو موضع شك، بل على النقيض من ذلك يتمّ إبراز الطابع المعزز للنمو للاستثمارات الخضراء. "من المفترض أن يتمّ بمساعدة تقنيات بيئية ونهج اقتصادي يستغل الموارد بشكل فعّال جعل الرأسمالية قابلة للحياة مستقبلاً"14. لا يحتوي مفهوم الاقتصاد الأخضر وفقاً لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة على أي شيء يمكنه أن يُحدث تأثيراً جذرياً في الاقتصاد (العالمي)، وهو ليس مفهوماً شاملاً ينحرف بجوهر القيم/ المقاييس الاقتصادية الدقيقة (سياسة المال والنقد والتجارة) نحو اتجاه بيئيّ- اجتماعي. ولكن عندما يتعلق الأمر بالمطالبة بموارد مالية جديدة من أجل استثمارات اقتصاد أخضر، لا يمتلك البرنامج الشجاعة للقيام بذلك أبداً. وهنا كان بوسع البرنامج أن ينتهز الفرصة ويضع التعاون بين الاقتصاد والبيئة التي يروج لها على المحك. فالرسوم المفروضة على الرحلات الجوية والبحرية قد يكون لها أثراً توجيهاً، هذا من جهة، وتوفر موارد مالية تصب في إعادة البناء البيئي محلياً أو في الجنوب من جهة أخرى.
أما نقائص التقرير الكبيرة، فتكمن في التالي:
* لا يؤسس برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة تعريفه على مبادئ وحقوق وقيم القانون الدولي (حقوق الإنسان العامة والحق في الماء والغذاء والقانون الدولي الخاص بالبيئة)، تلك التي يستوجب خضوع الاقتصاد الأخضر لها. فلم يعد هنا مجرد الإشارة إلى الأبعاد الثلاثة للاستدامة كافياً، خاصة وأن تقدماً كبيراً قد حصل منذ مؤتمر قمة ريو 1992 خاصة في مجال تطوير وتشفير حقوق الإنسان البيئية والاجتماعية. فالبعد الاجتماعي يتمّ تقريباً رؤيته فقط في سياق سوق العمل والقدرة الكامنة على تقليص الفقر. إلا أن الحقوق الاجتماعية والسياسية تشمل ما هو أبعد من ذلك. كما يغيب عن المشهد وبشكل كليّ نظرة تفاضلية إلى ما هو خاص بالنوع الاجتماعي15.
* وعوضاً عن ذلك، يغفل تقرير البرنامج في تعريفه للاقتصاد الأخضر عن تمييز نفسه عن الاقتصاد غير المستدام والملوث والضار من خلال طرح أولويات ملائمة. على سبيل المثال: يستحق الاقتصاد الأخضر صفة "أخضر" فقط عندما لا تكون هناك طاقة نووية ولا قطران ولا كائنات متغيرة الجينات ولا زراعة أحاديّة. ويبقى البرنامج رهينة أسطورة إستراتيجيات "الكل رابح" متجنباً إرسال رسائل واضحة فيما يتعلق بطريقة التعاطي سياسياً مع كبار ملوثي البيئة ومستغلي الموارد الطبيعية. كما لا يضع قائمة بالأولويات (باستثناء تقليص المعونات المالية) التي يجب الكف عن الاستثمار فيها. ووفقاً لهذا التعريف بنواقصه، يكون الاقتصاد الأخضر أقرب إلى إستراتيجية مكملة، منه إلى مفهوم اقتصاديّ أساسيّ قائم بذاته.
* يتمّ النظر إلى التناقضات القائمة بين النظام التجاري وعملية إعادة البناء البيئي بشكل أوليّ- بدائيّ فقط. أما كيف يجب إحداث إصلاح جذري في النظام المالي العالمي الحالي من أجل الوصول إلى الأهداف الخاصة بتنمية خضراء ومستدامة ومكافحة للفقر، فهو ما يبقى خارج نطاق الرؤية ولا يتم تقديم مقترحات بشأنه.
* يروّج البرنامج لسندات مرجعها السوق على غرار تجارة الانبعاث الغازي (وهي مقاربة أساسها السوق وتستخدم للتحكم في التلوث من خلال تقديم حوافز لتقليص انبعاث الملوثات- المترجم)، أو برنامج تقليص الانبعاث من إزالة الأحراش/ الغابات والتآكل المطوّر، كما لو كانت، تقريباً، دواءً لكل داء. إلا أن هذه محط انتقاد- خاصة فيما يتعلق بتأثيرها البيئيّ والاجتماعي وتشكلها بالملموس (إصلاح جذري لتجارة الانبعاث مثلاً). وإلى نقد شديد تتعرض أيضاً عملية تتجير/ تسليع الموارد الطبيعية وجعلها جذابة لقطاع الاقتصاد الخاص، وهكذا التفريط بها لصالح الاستغلال التجاري. وكدرجة جديدة من الخصخصة والتتجير للطبيعة، يتمّ وبشدة مهاجمة تثبيت أسعار ما يُطلق عليها الخدمات البيئية- كما يُسميها البرنامج- حتى من قبل بعض الحكومات، كما البوليفية، ومنظمات المجتمع المدني. وبدلاً من حماية الموارد الطبيعية بالتعاون مع السكان المحليين ضد المصالح التجارية، يتمّ تحويل الطبيعة إلى سلعة وليس من النادر طرد السكان المحليين أيضاً. ويسود منذ زمن جدل حول هذا المفهوم بين المجموعات السكانية الأصلية والمنظمات غير الحكومية وبعض الحكومات.16
* يتوجه البرنامج ببرنامجه الاستثماري نحو الجزء الجنوبي من الكون بشكل كليّ تقريباً. وقد تمّ تشكيل مناطق العمل تبعاً لذلك. ويعتبر الترويج هناك لتقبل فكرة أن تغيير الاتجاه وسلوك طريق التنمية الأخضر مجدٍ من ناحية اقتصادية إستراتيجية صحيحة. ولكن، على ما يبدو، ترى الدول الصناعية في مفهوم البرنامج للاقتصاد الأخضر برنامجاً بيئياً وتنموياً موجهاً إلى الجنوب (مع كل ما ينطوي عليه من فرص استثمار) وليس إليها. وبذلك يرسخ البرنامج صورته كفاعل في قضايا البيئة في الجزء الجنوبي من الكون، بدلاً من تحديد أولويات واضحة للدول الصناعية (ومعايير ومبادئ) لتبدأ بتطبيقها في عقر دارها أولاً.
إذا يبقى مفهوم الاقتصاد الأخضر لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، من ناحية مفاهيمية، محدوداً جداً. ولكنه برنامج استثماري (شاملاً مقترحات مفيدة للظروف السياسية)- إذا ما تمّ تطبيقه- سيجعل إجمالي الدخل الوطني الكوني أكثر اخضراراً وأقل كربوناً وأكثر تفعيلاً للموارد الطبيعية، وهو، مع كل هذه النقائص، شيء مرحب به. ويبقى ذلك مشجعاً وبعيد المدى بالنسبة للبرنامج، وهو برنامج وليس منظمة خاصة تابعة للأمم المتحدة. ولكنه "المنظمة" الوحيدة17 العاملة في إطار الأمم المتحدة والتي قدّمت مشروعاً مدروساً يسترشد بالأولويات الاقتصادية وربما شكل خطوطاً عريضة مناسبة- شريطة توفر النية السياسية لدى الدول الأعضاء- لمباحثات قمة ريو+20 (للمزيد حول هذه النقطة لاحقا.
اقتصاد اخضر= نمو متناغم مع البيئة: الجدل في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية
على هامش مؤتمر لمجلس منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عُقد على مستوى الوزراء في حزيران 2009، مَنح 34 وزيراً التفويض بوضع إستراتيجية لنمو متناغم مع البيئة. وفي أيار 2011 قدمت المنظمة المفهوم/ الفكرة العامة الخاصة بذلك.18 ويرى هذا المفهوم في نفسه مساهمة جوهرية مقدمّة إلى قمة ريو+20. أما نقطة الانطلاق، فقد شكلها خطر التغيّر المناخي والخوف من تناقص خطير في الكثير من المواد الخام والموارد الطبيعية، إضافة إلى الفقدان المتواصل للتعددية الحيوية والإفراط في صيد الأسماك وشح المياه والأرض. "نحن بحاجة إلى نمو متناغم مع الطبيعة، لأن مخاطر التنمية في تصاعد دائم، طالما بقي النمو الاقتصادي ينهش رأس المال الطبيعي"، كما ورد في التقرير.19 يجب تطوير مصادر نمو جديدة من خلال رفع الإنتاجية (استهلاك الطاقة واستغلال الموارد بشكل فعّال وناجع) والتجديد (أشكال جديدة من القيمة المضافة من أجل التغلب على مشاكل البيئة) وأسواق جديدة (تشجيع الطلب على تقنيات ومنتجات وخدمات ملائمة للبيئة). على الإستراتيجية الخاصة بنمو متناغم مع البيئة أن تقوم مقام عدسة "يتمّ من خلالها النظر إلى النمو" والحيلولة دون "تجاوز القيم البيئية النهائية الحرجة على المستويات المحلية والمناطقية والكونية".20 فمن خلال التجديد، يمكن وباستمرار إرجاء هذه الحدود وبالتالي المساهمة في "فصل النمو الاقتصادي عن استهلاك رأس المال الطبيعي".21 ولذلك تعتبر الاستثمارات الخاصة باستخدام أكثر فعالية لرأس المال الطبيعي ضرورية من أجل ضمان مداخيل المواد الخام والموارد الطبيعية للاقتصاد. وكحافز على التجديد، يتمّ النظر بعين الرضا إلى دمج تكاليف البيئة (سعر ثاني أكسيد الكربون على مستوى عالٍ)، كذلك إلى تقليص المعونات المالية الضارة بالبيئة. يخلق التوسع في الطاقة المتجددة وتقنيات البيئة ملايين من فرص العمل الجديدة- تقدر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عدد فرص العمل الجديدة في مجال إنتاج وتوزيع الطاقة المتجددة "حتى 2030 بعشرين مليون فرصة".22
هناك الكثير مما يلفت النظر في إستراتيجية النمو هذه المتناغمة بيئياً، خاصة الدعوة إلى دمج ثابت للتكاليف البيئية، أو ملاحظة أن الوسائل التي مرجعها السوق "ليست الحل الأمثل في كل الظروف". "ففي كثير من الأحيان، يمكن أن تشكل لوائح وأحكام موضوعة بشكل جيد [...] وسيلة ملائمة أكثر"23. وكما هو متوقع، يعود المبدأ الأردو- ليبرالي (وهو مفهوم خاص بنظام اقتصادي يقوم على اقتصاد السوق، يتمّ فيه ضمان المنافسة الاقتصادية وحرية المواطن في السوق وذلك من خلال إطار منظم توفره الدولة- المترجم) الخاص بالظروف العامة التي تخلق الثقة والطمأنينة والقدرة على التخطيط، ليجد نفسه في إستراتيجية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وإذا ما حصل، كما هو مخطط له، ووجدت هذه الإستراتيجية مدخلاً إلى تقارير دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وكانت هناك دراسات قطاعية (خاصة بكل قطاع) أخرى أكثر دقة، فهذه تعتبر خطوة صغيرة في مقابل الإستراتيجية المطلقة، إستراتيجية "النمو فوق الجميع".24 فالقلق من شح عوامل إنتاجية مهمة هو بحق تهديد اقتصاديّ والتغلب عليه يعتبر في عداد الممكن.
وبشكل ملائم لإستراتيجية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، قدّم "معهد ماكنسي العالمي" في تشرين الثاني 2011 ورقة حول ثورة الموارد يتصدرها التحذير من مغبة أن يقود شح الموارد إلى أسعار عالية جداً من جهة، وإلى انحسار عوامل إنتاج مهمة بشكل كليّ، من جهة أخرى. والجواب الوحيد هنا أيضاً هو: إنتاجية وفعالية وتجديدات واستثمارات بالبلايين، خاصة في "نظام الموارد" من أجل ضمان الطلب المستقبلي عليها. وفي مواجهة التحديات (ارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الخام)، ستقف "الفرص" الاقتصادية المتعددة التي تسلّط الضوء على وجه الاقتصاد. وكما هو الحال بالنسبة لإستراتيجية برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، ينطبق هذا بشكل أكبر في حال منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، إذ تقف في الصدارة خيارات التقنية والتجديد. فالأمل يكمن في الفصل المطلق. فهي جزء من العقيدة، مع أن معظم الاختبارات تُظهر، أنه وحتى الآن لا يوجد أبداً فصل مطلق للنتاج الوطني الإجمالي عن استغلال الموارد. فالفصل ضرورة لا بد منها، "الخفض المطلق لاستغلال الموارد مطلوب وبشكل مُلح. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ ما هي حدود الفصل الممكنة من ناحية تقنية واقتصادية؟".26
ومن هنا كانت ثورة الفعالية، كحقل تجاري لا بد من خوضه والارتقاء به، شيئاً صحيحاً. ولكنه يتمّ الترويج لها كدواء لكل داء بالرغم من أنه من الواضح- بغض النظر عن مدى فعاليتنا- أن علينا تدبير الاقتصاد بشكل آخر وأن طرق حياتية أخرى بالكاد ستبقى ضمن الحدود البيئية. ثانياً، يتمّ وصف ثورة الفعالية كشيء يتدبر الأمر دونما أية تأثيرات اجتماعية سلبية كامنة ولا ينتج عنه، بيئياً، سوى أثر "الكل رابح". ومع زراعة النباتات لإنتاج الوقود بدلاً من الغذاء، وهنا، على أبعد حد، من المفترض أنه أصبح واضحاً لدينا أن ما يُطلق عليه استثمارات خضراء تحتاج هي أيضاً إلى تقديرات اجتماعية وتقنية وبشكل خاص تحكّم ومشاركة ديمقراطية من خلال السكان. فمن جهة يحتاج الاقتصاد الأخضر إلى بوصلة اجتماعية واضحة وإجراءات توزيع لصالح عامة الناس وتلك الشريحة المسحوقة من الفقراء في كل مجتمع، إضافة إلى الفقراء في الدول النامية والصاعدة. ومن جهة أخرى إلى التحكم الديمقراطي والمشاركة المجتمعية. وليس هناك من مفهوم/ تصور مطروح- من برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة وحتى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية- يعطي هذه الأمور حقها.
الاقتصاد الأخضر في صلب محادثات قمة ريو+20
يرى كل من برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في تصوراتهما حول الاقتصاد الأخضر مساهمة أساسية مقدمة إلى قمة ريو+20. فهل تجد مقارباتهما وتوصياتهما ومقترحاتهما صدى لها هناك؟ كيف سيتم استقبالها وتقييمها؟
بداية: لو أمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تتفق حقاً على "خارطة طريق للاقتصاد الأخضر" ذات أهداف شاملة وبرنامج زمنيّ لتنمية متناغمة مع المناخ والبيئة، لشكل ذلك خطوة إلى الأمام نحو، مثلاً، "نزع الكربون من الاقتصاد العالمي".27 فبالنسبة للأمم المتحدة، والتي فقدت الكثير من القوة المعيارية في مجال التنمية المستدامة، ربما شكل هذا تزايداً في الأهمية. أما فيما يتعلق بالإصلاح المؤسساتي، فليس من المعروف بعد إذا ما كانت ستحصل حقاً إصلاحات جذرية وبالتالي تعزيز البنية البيئية للأمم المتحدة، أم لا. على كل حال ربما كان هناك إجماع على إعلاء شأن برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة.28 في غضون ذلك لا تبشر التحضيرات الخاصة بقمة ريو+20، خاصة في ما يتعلق بالاقتصاد الأخضر، بالأمل بالخروج باتفاقيات أو قرارات ملموسة.
فالمباحثات جميعها مسكونة بشكوك كبيرة حول مفهوم الاقتصاد الأخضر، خاصة من قبل الدول النامية والصاعدة. ألا يُشكل الاقتصاد الأخضر عقبة على طريق النمو ومكافحة الفقر؟ أليس النمو الأخضر أبطأ من "العادي"؟ أليس الاقتصاد الأخضر بدعة من بدع الدول الصناعية من أجل تسويق مجالات تجارتها الخضراء عالمياً؟ هل حماية الإنتاج الوطني الأخضر واردة؟ من هم الرابحون والخاسرون من الاقتصاد الأخضر؟ كل هذه الأسئلة وجدت طريقها إلى تقرير السكرتير العام للأمم المتحدة المقدم إلى الاجتماع التحضيري الثاني لقمة ريو+20 في آذار 2011 29 وإلى المسودة الأولى للوثيقة النهائية العائدة إلى كانون الثاني 2012 30 وتشغل منذ حين التحضيرات المحلية والدولية. وإذا ما سيكون هناك أصلاً شيء على غرار "خارطة طريق لاقتصاد أخضر"، كما يدعم ذلك الاتحاد الأوروبي خلال الفترة التحضيرية، ذلك ما يبقى في علم الغيب. فلا يلوح في الأفق إجماع عام وتعريف مشترك لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد الأخضر وما عليه أن يقدم.
وقد كان مارتن كور، مدير "مركز الجنوب" الممول من قبل الدول النامية ومقره جنيف، قد طرح أفكاره في أواسط 2011 حول مفهوم الاقتصاد الأخضر.31 وقد وجدت انتقاداته طريقها إلى مسودة الوثيقة النهائية لقمة ريو+20.
وتتضمن انتقاداته الكثير من الأفكار الجيدة والمهمة من أجل تنمية مستدامة، خاصة عندما يُشدّد على أبعادها الاجتماعية والمقاربات التنموية القائمة على حقوق الإنسان ومكافحة الفقر المطلوبة من كل إستراتيجية اقتصادية. وللأسف، لم يقم "مركز الجنوب" حتى الآن بدراسة مستفيضة لتقرير برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة حول الاقتصاد الأخضر. ففي الفترة الذي ظهرت فيها هذه المساهمة التي يكثر الاستشهاد بها، كان تقرير برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة متوفراً، كذلك الأمر بالنسبة لإستراتيجية- "النمو الأخضر"، والتي تمّ تجاهلها أيضاً.
أما النقد الذي يمارسه مارتن كور، فقد تخطاه الزمن في كثير من النقاط، ناهيك عن أنه يسترشد بموازين القوى السياسية والاقتصادية التي كانت قائمة أيام قمة الأرض عام 1992. فبدلاً من المساهمة في تعريف للاقتصاد الأخضر وإبراز ما فيه من طاقة كامنة من أجل سبل تنمية بيئية وعادلة، يتمّ العودة إلى مفاهيم قديمة من مخلفات الصراع شمال- جنوب. وهكذا يتم توجيه النقد إلى الاقتصاد الأخضر، كونه يشكل غطاءً لحماية مصالح الشمال. يحذر كور وبحق من مغبة أن يقود الاقتصاد الأخضر إلى تشويه جديد للتجارة وعوائق جديدة أمام الاستيراد من الدول النامية. ذلك صحيح ومن هنا يستوجب الأمر نفض المعاهدات التجارية الثنائية منها والمتعددة فيما يتعلق بهذا الشأن. ولكن الاتجار (أو الاستثمار) في تقنيات الطاقة لم يعد مقتصراً على الدول الصناعية. فالمنتجون الصينيون في مجال الطاقة الشمسية يعتبرون منذ حين وعلى مستوى دولي رواداً في هذا المجال.
وحتى لو صح القول، أن الشمال هو المسئول الرئيس عن التغيّر المناخي وتلوث البيئة وضياع تنوّع الأنواع، وعليه بالتالي أن يتصرف أولاً وعلى الفور وأن يقدم تعويضات، فمن غير المسئول وعلى ضوء الدينامية التي تسود الجنوب، إعفاء الحكومات من مسئوليتها بضرورة التصرف بحكمة في مواردها من أجل الأجيال الحالية والمستقبلية.
يتعرض تقرير برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة لطاقات مهمة قِطاعية تكمن في الاقتصاد الأخضر. وحتى برنامج الاستثمار هذا الخاص ببرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة لا يبدو أنه يحظى بإجماع الدول الصاعدة والنامية. ويا حبذا لو قام "مركز الجنوب" بتوجيه نقد بناء إلى النقائص في تقرير برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، وبالتالي المساهمة بخلق حالة تقبل لسبل تنمية خضراء وقليلة الكربون وذوي موارد أكثر فاعلية.
ملاحظات ختامية
تُذكّر الوثائق التحضيرية لقمة ريو+20 بتعريف التنمية المستدامة في أجندة 21 وبيان ريو الصادر عن القمة المعقودة عام 1992، وتُوصل معها. ومن الصحيح التشديد باستمرار على العدالة بين الأجيال وداخلها، إضافة إلى البعد الاجتماعي للتنمية. فالخطاب العام لقمة ريو+20 والأفكار والمقترحات حول الاقتصاد الأخضر، من برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة وحتى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، لا تكف عن التعرض لأزمة المناخ والغذاء والموارد الطبيعية. ومن هنا تُشكل قمة ريو+20 فرصة كبيرة لتحديد أولويات لعلاجها. والمقترحات بهذا الخصوص مكدسة على الطاولة. فمن يريد وضع حد للإفراط في صيد الأسماك، يجب عليه تحديد الحصص النسبية بشكل صارم. ومن يريد أن يقف في وجه التغير المناخي، عليه تحديد انبعاثات الغاز بسرعة وصرامة. من يريد أن يؤمن الغذاء للبشرية كافة، يُوفر له التقرير الزراعي العالمي الصادر عن مجلس الزراعة العالمي32 مفهوماً/ تصوراً يشكل خير معين له في إعادة تشكيل الاقتصاد الزراعي العالمي، اجتماعياً وبيئياً. من يريد أن يوقف إزالة الأحراج والغابات، عليه أن يُشرّع قوانين خاصة بذلك والأهم من ذلك أن يقوم بتطبيقها وأن يقوم بملاحقة تجارة الأخشاب غير المشروعة تحت طائلة القانون.
وبالقياس إلى حجم التحديات، تبقى الردود السياسية الرسمية عليها متواضعة جداً. فالكثير من القرارات السياسية الوطنية الخاصة بتطوير الطاقات المتجددة، سواء في الاتحاد الأوروبي أو في الصين، لا تعدو كونها تموضعاً هزيلاً كما تنعكس في النص التحضيري لقمة ريو+20. إلا أنه ولحسن الحظ لا يزال هناك روّاد اقتصاديون من أجل استدامة أكثر ينتشرون في أنحاء العالم المختلفة. فقمة ريو+20 ليست بحاجة إلى أن تكون نسخة عن مؤتمرات دولية سابقة، بل انطلاقة حقيقية نحو عالم اجتماعي وعادل وقليل الكربون وفعّال الموارد. ولا يبدو أن هناك نية حقيقية، سواء في الشمال أو في الجنوب، للقيام بذلك. "وكما هو معتاد"، يسيطر سبيل التنمية "المواد العضوية القابلة للتحلل الحيوي" والاستغلال المكثف للموارد. قمة ريو+20 لن يكون بوسعها الوقوف أمام ذلك، إذا كانت برامج "مخضوضرة" محدودة كما تلك الخاصة ببرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة بالكاد تملك فرصة للنجاح كبرنامج عمل (أو "كخارطة طريق لاقتصاد أخضر"). ولكن هناك من لاعبين سياسيين في جميع مجتمعات العالم لا يناقشون فقط، بل يتصرفون ويعيشون بشكل مختلف وينتجون بشكل مختلف ويقفون في وجه جميع التطورات المشوهة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. ومن هنا يبقى الأمل قائماً.
بيئة، مناخ، استدامة: من ريو إلى ريو+20
رديو جانيرو 1992
شهد عام 1992 في ريدو جانيرو لقاء ممثلي حكومات رفيعي المستوى والمجتمع المدني في قمة الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية، والتي اطلق عليها لاحقاً قمة الأرض. وقد شكل هذا المؤتمر ثاني أكبر مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة والمناخ، إذ خرج عنه اتفاقيات البيئة الخاصة بحماية المناخ والتنوع الحيوي ومحاربة التصحر الأكثر أهمية حتى الآن. وقد وضعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ حجر الأساس لاتفاقية كيوتو للحد من انبعاث الغازات الدفيئة. وقد ربطت قمة الأرض بين حقليّ البيئة والتنمية بشكل مباشر ورسخت مفهوم "التنمية المستدامة".
يوهانسبورغ 2002
عشرة سنوات بعد ذلك، شهدت مدينة يوهانسبورغ عام 2002 مؤتمراً تكميلياً: القمة الدولية حول التنمية المستدامة (ريو+10). وقد ركّز المؤتمر على موضوعي الماء والطاقة. إلا أنه لم يأت بجديد في ضوء التزامات جديدة.
ريودي جانيرو 2012
وبعد ذلك بعشر سنوات، ينعقد مرة أخرى في ريودي جانيرو في الفترة الواقعة بين 20 و 22 حزيران 2012 المؤتمر التكميلي الثاني، مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة (ريو+20). وترنو أنظار المؤتمرين إلى هدفين أساسيين اثنين: تشجيع "اقتصاد اخضر" والجمع بين التنمية ومكافحة الفقر والنمو الاقتصادي وحماية المناخ، هذا من جهة. ومن جهة أخرى خلق الظروف المؤسساتية داخل الأمم المتحدة من أجل تنمية مستدامة، معمار جديد خاص بالبيئة والاستدامة.
-----------------
الهوامش
1. يتوفر تقدير حول قمة ري ودي جانيرو الأولى مقدم من قبل برباره أونموسج. بين الأمل والخيبة. مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية: تقييم، الأمم المتحدة، 40 سنة، 4/1992، ص. 117-122- Eine Einschätzung des ersten Rio-Gipfels ist zu finden bei Barbara Unmüßig, Zwischen Hoffnung und Enttäuschung. Die Konferenz der Vereinten Nationen über Umwelt und Entwicklung (UNCED): eine Bewertung, Vereinte Nationen, 40. Jg., 4/1992, S. 117–122.
2. أنظر وثيقة الأمم المتحدة -UN-Dok. A/RES/64/236 24.12.2009.
3. قارن: يتيم جاكسون، رخاء بلا نمو- حياة واقتصاديات في عالم متناهٍ، مؤسسة هاينريخ بول، ميونيخ 2011 (بالألمانية).
4. Vgl. Tim Jackson, Wohlstand ohne Wachstum – Leben und Wirtschaften in einer endlichen Welt; Heinrich-Böll-Stiftung, München 2011.
5. توماس فاتهوير، بوين فيفر- حق في حياة جيدة، سلسلة منشورات البيئة، مؤسسة هينرش بُل، كتاب 17، برلين 2011- Thomas Fatheuer, Buen Vivir – Recht auf gutes Leben, Schriftenreihe Ökologie der Heinrich-Böll-Stiftung, Band 17, Berlin 2011.
6. أنظر: Chandran Nair, Consumptionomics – Asia’s Role in Reshaping Capitalism and Saving the Planet, Oxford 2011.
7. قارن: The Economics of Ecosystems and Biodiversity (TEEB): Mainstreaming the Economics of Nature: A Synthesis of the Approach, Conclusions and Recommendations of TEEB, 2011. 10.
8. أنظر: UNEP, Towards a Green Economy – Pathways to Sustainable Development and Poverty Eradication, Nairobi 2011.
9. أنظر: http://www.unep.org/greeneconomy/
10. أنظر: http://www.earthscan.co.uk/?tabid=102480 15.
11 http://www.unep.org/greeneconomy/Portals/88/documents/ger/GER_press_de…
12. أنظر: UNEP, Towards a Green Economy, p. 22.
13. EDD+ and a Green Economy: Opportunities for a Mutually Supportive Relationship, UN-REDD Programme, Policy Brief, Issue No. 01, 2011
14. قارن جاكسون مصدر سابق
15. نيلس سيمون/ سوزانه دروجه، اقتصاد أخضر: رؤية محدودة المدى، إس، في، بي- أكتيويل، 19 آذار 2011 - Nils Simon/Susanne Dröge, Green Economy: Vision mit begrenzter Reichweite, SWP-Aktuell 19, März 2011.
16. قارن بشكل تفصيلي بهذا الشأن: كريستا فيشترش: المستقبل الذي نريد- وجهة نظر أنثوية، مؤسسة هاينريخ بول، برلين 2012 - Vgl. ausführlich dazu Christa Wichterich: The Future We Want – Eine Feministische Perspektive, Heinrich-Böll-Stiftung, Berlin 2012.
17. توماس فاتهوير، دولارات وآمال وجدل- خفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات في الأمازون، مدونة مناخ العدالة، 8.11. 2010 (أنظر رقم 16 بالألمانية) .
Thomas Fatheuer, Dollars, Hoffnungen und Kontroversen – REDD in Amazonien- Blog Klima der Gerechtigkeit 8.11.2010 http:// klimadergerechtikeit.boell.org - Die Waldfrage in Durban- Hoffnung, Furcht und kleine Schritte, ebd.
18. قدم مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية مؤخراً مجموعة من المقالات بعنوان: الطريق إلى ريو+20، من أجل اقتصاد أخضر تقوده التنمية
UNCTAD hat jüngst eine Aufsatzsammlung präsentiert: The Road to Rio+20 – For a Development-led Green Economy, New York und Genf 2011, http://www.unctad.org/en/docs/ditcted20108_en.pdf
19. Auch die UNESCO beteiligt sich mit einer eigenen Publikation am Rio+20-Prozess: From Green Economies to Green Societies – UNESCO’s Commitment to Sustainable Development, Paris 2011.
20. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على الطريق نحو نمو متناغم مع البيئة. تلخيص لصانعي القرار السياسي، أيار 2011.
21. OECD, Auf dem Weg zu umweltverträglichem Wachstum. Zusammenfassung für politische Entscheidungsträger, Mai 2011.
22. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على الطريق... (مصدر سبق ذكره) ص. 4
23. OECD, Auf dem Weg, a.a.O. (Anm. 18), S. 4.
24. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على الطريق... (مصدر سبق ذكره) ص. 8
25. OECD, Auf dem Weg, a.a.O. (Anm. 18), S. 8.
26. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على الطريق... (مصدر سبق ذكره) ص. 12
27. OECD, Auf dem Weg, a.a.O. (Anm. 18), S. 12.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على الطريق... (مصدر سبق ذكره) ص. 19 28..
29. OECD, Auf dem Weg, a.a.O. (Anm. 18), S. 19.
30. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على الطريق... (مصدر سبق ذكره) ص. 11
31 OECD, Auf dem Weg, a.a.O. (Anm. 18), S. 11.
32. دانييل متلر، إلى الأمام نحو اقتصاد أخضر؟ في نشرة منبر وتنمية 3/2011، ص. 8-9 - Daniel Mittler, Vorwärts zur Green Economy?, in: Rundbrief Forum & Entwicklung, 3/2011, S. 8–9.
أنظر رقم 25 بالإنجليزية 33. .
34. McKinsey Global Institute, McKinsey Sustainability & Resource Productivity Practice, Resource Revolution: Meeting the World’s Energy, Materials, Food, and Water Needs, November 2011.
35. أنظر جاكسون (مصدر سبق ذكره)، ص. 88
36. Siehe Jackson, a.a.O. (Anm. 3), S. 88.
37. عالم برسم التحول- عقد اجتماعي من أجل تحوّل كبير، توصية رئيسة، برلين 2011، ص. 338 - WBGU, Welt im Wandel – Gesellschaftsvertrag für eine Große Transformation, Hauptgutachten, Berlin 2011, S. 333.
أنظر مساهمة شتيفان باور في هذه الكراسة 38 .
39. Vgl. dazu den Beitrag von Steffen Bauer in diesem Heft, S. 10–15.
40. أنظر: UN Doc. A/CONF.216/PC/7 v. 22.12.2010.
أنظر: 41.
The Future We Want, Zero Draft Outcome Document, 10.1.2012, http://www.uncsd2012.org/rio20/index.php?page=view&type=12&nr =324&menu=23
42. أنظر: Martin Khor, Risks and Uses of the Green Economy Concept in the Context of Sustainable Development, Poverty and Equity, South Centre, Research Paper 40, Genf, Juli 2011.
43. أنظر: http://www.weltagrarbericht.de/