الجماعات المُتخيّلة- تأملات في أصل القومية وانتشارها
يمكن طلب النسخة المطبوعة من شركة قدمس للنشر والتوزيع
في عصر انتشرت فيه تقليعة تحرر المثقفين التقدميين من القومية (خاصة في أوروبا القائمة على القوميات، وهي أكثر القارات قومية)، وذلك على مستوى الخطاب فقط، ويجري فيه تأكيد طابع القومية شبه المرضي، وتُرجع أصولها الى الخوف من الأخر "وكراهية الأخر"، من المفيد أن نذكّر أنفسنا بأنّ الأمم تُلهم الحب، الذي غالبًا ما يكون عميقًا منطويًا على التضحية بالنفس.
وكما أكدنا في البداية فأن مقولة المنظرين القوميين عن القومية ليست كلامًا ايديولوجيًا فارغًا، بل وصف لطبيعتها، فإذا كانت القومية علاقة انتماء لجماعة متخيلة فهي تتضمن الحب طبعًا. أمّا منتجات القومية الثقافية من شعر ونثر قصصي وموسيقى وفنون تشكيلية فتُظهِر هذا الحب بوضوح شديد في الآف الأشكال والأساليب.
ومن جهة أخرى، كم من النادر حقًّا أن نجد منتجات قومية مماثلة تعبر عن الخوف والنفور. وحتى في حالة الشعوب المستعمرة التي لديها مبرر فعلي لأن تشعر بالكراهية تجاه حُكَامها الإمبريالين، من المدهش أن نرى مدى الضآلة التي يتسم بها عنصر الكراهية من هذه الدروب من التعبير عن الشعور القومي، وذلك في مقابل الكم الهائل من أدب وفكر وفن الكراهية للأخر غير الأوروبي والمختلف (أو المسلم في عصرنا) لدى فئات متنورة تدعي التحرر والقومية، في حين أنها تتبنى باسم نقد القومية أحد أسوء أنماط القومية الرسمية الإمبراطورية، الأمريكية مثلاً، وتعلن نفسها وصية على الأخرين من دون أن يتوافر لديها الحد الأدنى من المعرفة ناهيك عن التعاطف، وذلك عبر الصحافة ومؤسسات الدعم المشروط والمؤسسات غير الحكومية وغيرها. وبالمثل، فأنه إذا ما كان المؤرخون، والدبلوماسييون، والسياسيون، وعلماء الاجتماع على ألفة تامة بفكرة "المصلحة القومية"، فأن ميزة الأساس للأمة هي انها بعيدة عن المصلحة.
ولهذا السبب على وجه التحديد، يمكن لها أن تطالب بالتضحيات. التضحية والشهادة تنبع من الحب لا من القوة والمصلحة. وكما قلنا أعلاه في فهم الليبرالية الماركسية والاشتراكية منهجًا فإنها سرعان ما تكتشف أنه لا أحد يضحي ويناضل من أجل منهج علمي، وأن أهم ما فيها هو الإيمان بها كقيم أو الانتماء الى جماعة، وهذا الايمان هو الذي يدفع للنضال، وعندما يضيع الإيمان بها فإن المنهج يصلح لتأسيس مركز أبحاث أو حلقة نقاش أو للتحليل والتشخيص في خدمة هدف، ولكن المنهج من دون قيم وجماعة تؤمن بهذه القيم وينتمي اليها الناس لا يصلح لتأسيس حركة تسعى لتحسين المجتمع، ناهيك عن السعي لعالم أفضل.
لطلب الكتاب، الرجاء النقر على شركة قدمس للنشر والتوزيع (ش.م.م)