قانون عن العنف الأسري وجهود الإصلاح في قطر

قانون عن العنف الأسري وجهود الإصلاح في قطر

اقترحت أخيراً مجموعة من طلاب القانون في جامعة قطر قانوناً لتجريم العنف الأسري. وكان التشريع المقترح ثمرة عيادة قانونية عن العنف الأسري. وطوّر طلاب اهتماماً بالمسألة نتيجة لمتابعتهم مادة جامعية عن القانون الأسري، قدّمها باحث زائر. وبدأ الطلاب في تنظيم ورش عمل في عطل نهاية الأسبوع لجمع معلومات إضافية عن المسائل المتعلقة بالمرأة. ونتيجة لهذا الاهتمام، وافقت كلية القانون على تقديم صف عن العنف الأسري تحديداً. وسرعان ما رغب الطلاب في منتدى ما لتطبيق العمل النظري الذي أنجزوه في الصف. وكانت النتيجة عيادة استمرت سنة عن العنف الأسري. وأثناء انعقاد العيادة، درس الطلاب التشريعات المتعلقة بالعنف الأسري في دول عربية وإسلامية أخرى، والتقوا كذلك مهنيين مختلفين، شملوا عاملين اجتماعيين وعلماء نفس وقضاة ومحامين. وأثناء انعقاد العيادة، قامت زوجة أمير قطر، الشيخة موزا، بخطوة مهمة تمثّلت بالتوقف في الصف خلال زيارة إلى الحرم الجامعي. وأعطت زيارتها دعماً كبيراً للطلاب المشاركين في هذه الجهود، والأهم أنها بيّنت أن شخصاً نافذاً واحداً على الأقل دعم مبادرة الطلاب. وكانت ثمرة هذا الجهد مسودة رسمية لتشريع مقترح سيقدمها الطلاب إلى المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، لتُستخدَم كدليل في تبني قانون جديد يجرّم العنف الأسري في قطر. وفي خال إقرار هذا القانون، سيكون الأول في قطر، والأول في دول الخليج.

وقالت منظمة الصحة العالمية "إن أحد الأشكال الأشيع للعنف ضد المرأة هو ذلك الممارَس من زوج أو شريك ذكر. وهذا النوع من العنف غير مرئي تكراراً لأنه يحصل خلف أبواب مغلقة، وفعلاً حين لا تعتبره الأنظمة القانونية والأعراف الثقافية جريمة، بل مسألة أسرية ’خاصة‘، أو جزءاً معتاداً من الحياة". وعُرِّف العنف على أساس الجنس في 1993 من إعلان الأمم المتحدة في شأن القضاء على العنف ضد المرأة بأنه "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يُرجَّح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، وسواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".

تتزايد المطالبات بقانون عن العنف الأسري في المنطقة العربية مع تصاعد عدد ضحايا العنف الأسري. وأُجِّلت هذه المطالبات طويلاً بسبب حساسية الموضوع في المنطقة.

تتشارك الدول العربية عدداً من المعتقدات الثقافية والاجتماعية التي تؤثّر في أسلوب إدارة أفراد المجتمع مسائلهم مع بعضهم بعضاً. فالسلطة والفوقية اللتين يتولاهما معاً الرجال وتُمنحَان لهم أحياناً كثيرة في معظم المجتمعات العربية، هما مثال على معتقدات كهذه. فالعادات والتقاليد تلعب دوراً قوياً في تشكيل آراء الناس حول ما يُعتبَر خطأً أو صواباً، وحين يتعلق الأمر بالعنف الأسري، تؤثّر الأدوار والشخصيات الاجتماعية المكرسة أصلاً في فهم الرأي العام وتفسيره لما يُعتبَر عنفاً أسرياً.

وفي ظل هذه الحواجز، لم تتبنَّ سوى دولتين في الشرق الأوسط قوانين عن العنف الأسري. ففي الأردن، أقر البرلمان قانون الحماية من العنف الأسري في 2008. وتكلّف أحكام القانون دوائر معينة في وزارات مختلفة بالتعامل مع حالات العنف الأسري، وتشمل وزارات الصحة، والتربية، والعدل، والتنمية الاجتماعية. ويصف القانون الإجراءات الأساسية الواجب اتخاذها لحماية أفراد الأسرة من العنف الأسري. ويلزِم القانون المواطنين ومقدّمي الخدمات الإبلاغ عن حالات التعنيف، المشهودة والمشتبه بها معاً. كذلك يكلّف وزارة الشؤون الاجتماعية بأن تكون الكيان الحكومي المسؤول عن تقديم خدمات الإيواء لضحايا العنف الأسري[i]. ولا تزال ثمة مشكلات في القانون، تشمل أنه لا يزال لا يجرّم العنف الأسري.

وتتمتع المرأة التونسية، في المقابل، بمقدار مقبول من الحماية من العنف الأسري وفق القانون الجديد. ففي الحالات التي تشمل أعمال عنف، يشدّد قانون العقوبات التونسي العقوبة سنةً في السجن وألف دينار تونسي إن كان المهاجم زوج (زوجة) الضحية أو قريباً (قريبة) له (لها)[ii]. كذلك للضحايا الإناث للعنف الأسري الحق بطلب الطلاق، ولهنّ أيضاً الحق بمكان إقامة، ودعم مالي، والوصاية، وتعويض مالي عن أي أضرار عاطفية أو مادية[iii]. كذلك يجرّم القانون التونسي الاغتصاب الزوجي ويعاقب عليه بالإعدام.

وكما في أماكن أخرى في العالم، يحدث عنف على أساس الجنس في قطر، وكما في أماكن أخرى في العالم، يُبرَّر العنف ضد المرأة على أساس الدين والثقافة والتوقعات الاجتماعية أو من خلال لوم الضحية. وبيّنت أخيراً دراسة أُجرِيت خلال العقود الأربعة الماضية أن 45 بالمائة من النساء في أوروبا عانين شكلاً من أشكال العنف على أساس الجنس. وعلى غرار أماكن أخرى في العالم، يصعب جداً الحصول على الأعداد الفعلية لحالات العنف الأسري. وعلى الرغم من أن منظمات مثل المؤسسة القطرية لحماية الطفل والمرأة تعلن عدد الحالات التي تتلقاها سنوياً، ليس مستغرباً استمرار وجود حالات عنف أسري غير مبلَغ عنها. وهذا ليس حكراً على قطر، طبعاً. فالنساء حول العالم يترددن في الإبلاغ عن حالات التعنيف لأسباب مختلفة. والنتيجة أن البيانات المتوافرة عن قطر لا يُعتَد بها. وبعد قول هذا، لا يزال في إمكاننا التأكد من بعض المسائل والاتجاهات بالنظر في الحالات المبلَغ عنها والمتوافرة.

المؤسسة القطرية لحماية الطفل والمرأة

أُسِّست المؤسسة القطرية لحماية الطفل والمرأة في 2002 على يدي الشيخة موزا بوصفها رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة. وشُكِّلت المؤسسة ليس فقط للمساعدة في التعامل مع المسائل الناتجة عن العنف على أساس الجنس فهي تملك أيضاً تفويضاً بتقديم دعم نفسي وقانوني ومالي لضحايا هذا العنف. ووثّقت المؤسسة 521 حالة من حالات العنف الأسري ضد نساء، بحلول نهاية أيلول/سبتمبر 2012. وهذا يمثّل زيادة مهمة في أعداد الحالات المبلَغ عنها منذ أطلقت المؤسسة معلومات للمرة الأولى في 2004، حين أُبلِغ عن 15 حالة فقط. ويمكن لهذه الزيادة أن تكون نتيجة لعوامل كثيرة، تشمل جهود المنظمات، مثل المؤسسة القطرية لحماية الطفل والمرأة، وزيادة الوعي، وزيادة التحصيل العلمي العالي للنساء في قطر. ولهذا تُعتبَر البحوث المستمرة في مواقف الناس من المسائل المتعلقة بالعنف على أساس الجنس، أساسية في أي مجتمع. ويعكس العدد المتزايد للباحثين، وفي شكل ملحوظ المكلفون منهم من وكالات حكومية بدرس هذه المسائل، ليس فقط جهداً مهماً من الدولة لإبراز هذه الحالات وإقناع المجتمع بالاعتراف بهذه المسائل المهمة، بل كذلك تصميماً من الدولة على أن تجرّم أخيراً العنف على أساس الجنس. ومن الأمور المشجعة في شكل خاص أن الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية المرعية من حكومات قلقة من الارتفاع في معدّل العنف الأسري، وأظهرت تصميماً على محاولة التعامل مع المسألة. وعلى الرغم من أن مسائل كهذه يمكن أن تندرج في مجال المجتمع المدني، تتولى المنظمات غير الحكومية المرعية حكومياً موقع القيادة في هذه المسائل. ولعبت حملات التوعية العامة لهذه المنظمات دوراً فاعلاً في تعزيز الوعي لدى الرأي العام. وفي الواقع، فإن هذه الإجراءات خطوات أولية مهمة قبل تطبيق قانون يجرّم العنف الأسري، فتغيير عقلية الناس أساسي لنجاح أي تشريع.

ويُعزَى المقدار الضئيل للأدبيات المتعلقة بالعنف الأسري في قطر إلى عوامل مختلفة. وتساهم هذه العوامل أساساً في عدم موثوقية أي من البيانات النموذجية المتوافرة. وثمة اعتبارات واضحة، اجتماعية وكذلك أسرية، إن لم تمارَس ضغوط على النساء لئلا يتقدّمن ويُبلِغن عن مسألة تُعتبَر من المجتمع، وكذلك من الشرطة، مسألة خاصة يمكن أن تتسبب بفضيحة في هذا المجتمع العربي المحافظ. وحتى في الأوضاع التي تستجمع فيها امرأة معنّفة ما يكفي من الشجاعة للاتصال بالشرطة، تُواجَه أحياناً كثيرة بشرطي يصر على أن تعيد النظر في التقدّم بشكوى رسمية، خوفاً من أن يظهر اسمها في مستند رسمي، ما قد يكون أيضاً سبباً لفضيحة. ويجري التوسط أحياناً كثيرة مع النساء في هذه الحالات لاكتفاء بتعهّد موقّع من المعنّف بأنه سيتوقف عن ضربها.

ومن العوامل الأخرى التي تساهم في استمرار عدم الإبلاغ عن العنف الأسري، غياب الوعي لدى النساء بحقوقهن. فبعض النساء يحتملن العنف ويبقين صامتات لأنهن إما غير مثقفات حول حقوقهن وواجباتهن الفعلية في المنزل، أو يفتقرن إلى المعرفة الكاملة بحقوقهن القانونية في المحاكم. كذلك يقبل بعض النساء العنف ويعتبرن أن من غير المناسب أن يواجهن أزواجهن، أو أي فرد في الأسرة، في محكمة. ويعكس هذا التردد عرفاً ثقافياً يجبر النساء على إطاعة أقاربهن الذكور واحترامهم.

الاعتبارات الدينية

وثمة عامل أخير يساهم في العنف الأسري وهو التداخل بين الثقافة والفهم الإسلامي، إلى جانب سوء فهم للشريعة الإسلامية. تشكّل التفسيرات الأبوية للقرآن المدرسة الفكرية السائدة المتبعة من مسلمين كثيرين حول العالم. ويشجع هذا الفهم أيضاً الرجال على ارتكاب العنف، فهم يؤمنون بأن الإسلام يضمن هذا الحق ويقدّم لهم حصانة.

ويستند معظم التبرير الإسلامي إلى آية واحدة في القرآن. فالآية 4:34 من القرآن تُستخدَم من بعض علماء الدين لتبرير ضرب الزوجة. تقول الآية: "الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً"[i].

خضعت معاني العبارات في العربية لجدال رئيسي. فمثلاً، فُسِّر معنى "قوّام" في طرق مختلفة، من متفوق إلى ملزم مالياً بإعالة النساء الأفقر. ويمكن أن تترتب على هذا نتائج بالنسبة إلى المعنى الكامل للآية. وتحدّد الباحثة نوال هـ عمّار أربعة تفسيرات مختلفة على الأقل لهذه الآية. وتراوح التفسيرات بين من "يعتبر ضرب الزوجة مسموحاً إن لم تطِع الزوجة زوجها" ومن "يفهم أن الإسلام يسمح بضرب الزوجة لكن بشروط تأخذ في الاعتبار سلامتها". لكن آخرين يفسرون الآية بأنها "تقر باستثناءات حين يكون ضرب الزوجة مسموحاً لأنه عموماً غير مقبول". وتقول عمّار أيضاً إن ثمة علماء دين مسلمين يدّعون أن الآية 4:34 "فُهِمت خطأً وهي لا تشير حتى إلى الضرب حين تستخدم العبارة العربية اضربوهن". وثمة محاولات كثيرة أخيرة لتفكيك العبارة العربية اضربوهن، فهي تأتي من الجذر (ض ر ب) الذي يحمل معاني كثيرة تشمل الضرب والترك والهجر.

وهذه الآية هي المصدر الرئيسي للتبرير الديني للتعنيف الزوجي. وبعد قول هذا، يتفق علماء الدين الأبرز على أن أي عقاب جسدي للزوجة يجب أن يكون رمزياً ولا يتقصد التسبب بأي أذى أو ألم.

وفي المجتمع القطري، كما في كثير من المجتمعات الإسلامية الأخرى، تبقى الآية من التبريرات الأهم للعنف على أساس الجنس. وسمح سوء تفسير الآية على المستوى الدولي لمقدار العنف بألا يكون فقط أكثر انتشاراً من أي وقت في تاريخ المنطقة، بل يبدو كذلك أنه يحظى بقبول اجتماعي أكبر. في دراسة رائدة في العام 2007، رعاها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، وأجرتها الدكتورة كلثم الغانم، تبيّن أن 23 بالمائة من المشاركات تعرضن لنوع من العنف. وفي الدراسة نفسها، سجلت الدكتورة الغانم أن المعدل في صفوف المتزوجات كان أعلى عند 24 بالمائة. ومن بين اللواتي تعرضن للعنف، صرّح 64 بالمائة بأن العنف اتخذ شكل الضرب، وأشار 1.2 بالمائة إلى أنهن عانين عنفاً جنسياً في شكل اغتصاب. وتناقش دراسة الدكتورة الغانم أيضاً الصعوبات التي تواجه الإبلاغ عن حالات عنف. وتقول: "في ثقافة كتلك السائدة في قطر، حيث يُتوقَّع من النساء حفظ شرف الأسرة، من غير المقبول الكشف عن أي شيء يمكن أن يجلب العار والخزي إلى الأسرة أو القبيلة. وبما أن المؤسسات الأمنية الحكومية جزء من هذا السياق الثقافي، تقيّد أداءها المواقفُ الاجتماعية، ما يجعل إحصائياتها غير دقيقة وتطبيقها للقوانين المضادة للعنف غير فاعل". كذلك وكلما استُدعِيت المؤسسات الأمنية الحكومية، كالشرطة، في حالة تتضمن عنفاً أسرياً، تطالب أحياناً كثيرة الضحية الأنثى بألّا تتقدّم بشكوى رسمية، والاكتفاء بوعد مكتوب من المرتكب بأنه لن يستخدم العنف مجدداً. ويُقال للضحية الأنثى إن هذا الإجراء اتُّخِذ لمساعدتها وأسرتها على تجنب أي فضيحة محتملة. ويكون الضغط على الضحية الأنثى لتلزم الصمت مكثّفاً أكثر في شكل مفهوم إن كان المرتكب من الأسرة نفسها، كأن يكون أخاً، أو في حالة ضرب الزوجة، إن كانت المرأة متزوجة من أحد أبناء عمومتها أو خؤولتها.

وفي مرحلة أحدث، في 2010، أجرى معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية في جامعة قطر مقابلات وجاهية مع 689 مواطناً قطرياً، وسألهم السؤال التالي: "طبيعي أن تقوم خلافات بين الأزواج والزوجات وأن يتجادلوا أحياناً. وقد يوبخ الأزواج زوجاتهم أحياناً، وقد يضرب بعض الأزواج زوجاتهم. هل مبرر في رأيك أن يصفع زوج زوجاته أو يضربهن (وفق الشروط التالية)؟". ثم قُدِّمت إلى المشاركين ست حالات مختلفة، شملت: "أ – إن خرجت الزوجة إلى السوق من دون إخباره؛ ب – إن زارت الزوجة صديقات من دون إخباره؛ ج – إن زارت الزوجة قريبات من دون إخباره؛ د – إن أهملت الزوجة الأولاد؛ هـ - إن أبدت الزوجة قلة احترام تجاه زوجها؛ و – إن أبدت الزوجة قلة احترام تجاه أهل زوجها". وبيّنت نتائج المسح أن شريحة مهمة من السكان تبرر أن ضرب الزوجة ما زال ممارسًا. وبرّر 33 بالمائة من المشاركين الذكور، إلى جانب 24.2 بالمائة من المشاركات الإناث، ضرب الزوجة لسبب واحد على الأقل من الأسباب المذكورة في المسح. وكان هذا النوع من النتائج أيضاً قابلاً للمقارنة مع نتائج تقرير الدكتورة الغانم في 2008 والذي بيّن أن 13.5 بالمائة من أفراد العيّنة، وعددهم ألف و117 شخصاً، قبلوا العنف ضد النساء، مؤمنين بالسلطة الأعلى للرجال.

تقدم إلى الأمام؟

أبرزت إصلاحات قانونية أخيرة في قطر رغبة الدولة في تقليص معدلات العنف الأسري في البلاد. فالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، بقيادة الشيخة موزا، أُسِّس رسمياً في 1998 للتعامل مع مسائل يمكن أن تهدد سلامة الأسرة وأمنها، خصوصاً منها المسائل المتعلقة بالعنف الأسري. ومن خلال المجلس، دُفِع بأجندة للإصلاح القانوني خلال السنوات الـ15 الماضية، أفضت إلى بعض التغيير في المناخ السياسي لقطر.

لكن الأبرز كان إقرار الحكومة في 2006 قانون الأسرة القطري الذي يمثّل تقدّماً مهماً في حقوق المرأة في قطر حين يتعلق الأمر بمسائل الزواج والطلاق والإعالة والرعاية والإرث. فقبل 2006، في الواقع، كانت للقضاة حين يحكمون في قضايا مرتبطة بهذه المسائل، الحرية الكاملة في تفسير الشريعة الإسلامية وفق فهمهم الشخصي الخاص. وكانت النتيجة أحكاماً غير متناسقة وتكراراً متحيزة ضد المرأة. وخلال عملية قوننة قانون الأسرة، قُرِّرت الحقوق والقواعد المرتبطة به كلها ووُحِّدت على أساس إجماع لعلماء الدين والقضاة وفق الشريعة. وعلى الرغم من أن هذا لم يحلّ طبعاً كثيراً من المسائل المعلقة المتعلقة بحقوق المرأة وفق الشريعة، لم تعد النساء وأطفالهن عرضة لتفسيرات كثيرة للشريعة من القضاة الأفراد مثل السابق[1].

كذلك لعب المجلس الأعلى لشؤون الأسرة دوراً فاعلاً في دعم بعض البحوث التي أُجرِيت عن الموضوع، بما فيها بحث الدكتورة الغانم. وكان من الخطوات المهمة الأخرى تضمين الحاجة إلى التعامل مع المعدّل المتزايد للعنف الأسري في إستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011 – 2016. وهذه هي الخطة الإستراتيجية أو خطة العمل الأولى لقطر لتحقيق الأهداف المحددة في رؤية قطر الوطنية 2030 الخاصة بالأمير. وتقترح الإستراتيجية تبني تشريع يجرّم العنف الأسري. ووفق خطة العمل هذه، "ستقلّص الحكومة العنف الأسري من خلال تأسيس نظام متكامل للحماية يضمن الخصوصية والحماية والدعم للضحايا، إلى جانب أي شخص يبلغ عن أحداث عنيفة، وستؤسس مراكز مساعدة، وترشّد مناهج جمع البيانات، والأهم أنها ستجرّم العنف الأسري"[2].

في النضال ضد العنف الأسري، مهم تكريس الاختصاص الدقيق وفق القانون. فلو أُحيلت المسألة إلى محاكم القانون الأسري، سيصعب أكثر تجريمها. فتطبيق القانون سيبقى متروكاً للتفسير الشخصي لقاضي محكمة القانون الأسري، وتفسيراته للآية 4:34. أما جعل المسألة من اختصاص محكمة الجنايات فلن يجرّم العنف الأسري فحسب بل سيصل أيضاً إلى مرحلة متقدمة في تغيير المفاهيم المجتمعية لتعتبر العنف الأسري جريمة يجب أن تُعامَل كجريمة. ولكي ينجح أي إصلاح قانوني، من الحيوي تجريم حالات العنف الأسري وجعلها من اختصاص المحاكم الجنائية المدنية وليس المحاكم الشرعية. ومن شأن خطوة من هذا النوع أن يصل إلى مرحلة متقدمة في التعامل مع مسألة الإبلاغ غير الكافي، فما أن يُجرَّم العنف الأسري حتى يزداد احتمال إبلاغ الضحية الأنثى عمّا تعرضت له، بل واحتمال دعم عائلتها لقرارها هذا.

---------------------------------------------------------------

هوامش:

[1] إلى اليوم، لم تقونن السعودية، التي تتبع المذهب الحنبلي في تفسير الشريعة الإسلامية، على غرار قطر، مسائل الشؤون العائلية، على خلاف سائر دول مجلس التعاون الخليجي كلها.

[2] Qatar National Strategy 2011-2016, published by the Qatar General Secretariat for Development Planning, March 2011.

[i] Abdullah Yusuf Ali, The Holy Quran: Translation and Commentary, (Lahore: 1937, Saudi Revision).

[i] Violence against Women Assessing the Situation in Jordan: UN, 2009. Accessible via http://www.un.org/womenwatch/ianwge/taskforces/vaw/VAW_Jordan_baseline_….

[ii] "إن كان المعتدي قريباً أو زوجاً للضحية، تكون العقوبة السجن لسنتين والغرامة ألفي دينار"، قانون العقوبات التونسي، المادة 218.

[iii] قانون الأحوال الشخصية، المادة 31.