المشاركة السياسية للمرأة في لبنان

الإنتخابات النيابية في لبنان 2009
Teaser Image Caption
الإنتخابات النيابية في لبنان 2009
كيف تتآمر العائلة، الطائفة، والدولة ضدّ مشاركة المرأة في الشأن العام
 

في أيار 2012 غادرت بنين قطايا ذات الأربع وعشرين ربيعاً، وهي امرأة شيعية اعتنقت المسيحية، منزل ذويها في إحدى قرى بعلبك. بعد يومين، اختطف القس الماروني وليد غريوس الذي يُعتَقد بأنه من عمّد بنين. وبعد المفاوضات بين الشيخ محمد يزبك رئيس مجلس الشورى في حزب الله وأسقف دير الأحمر سمعان عطالله، أُعيد غريوس في نفس اليوم من قبل خاطفيه إلى الشيخ يزبك، كما وُضعت بنين تحت حمايته إلى أن تمت إعادتها إلى ذويها الذين تعهدوا بعدم إجبارها على اعتناق الإسلام مرة أخرى. خلال هذا الحادث، اكتف ممثلوا الدولة اللبنانية بصمت واضح سامحين بذلك للقادة الدينيين أن يسووا الأمر بينهم.

قصة بنين مثالٌ واضح عن المكانة المتدنية للمرأة اللبنانية في الحياة العامة والخاصة. إذ اجتمعت ثلاث بنى ذكورية ضد حقها الدستوري في اعتناق الدين الذي تريد والتنقل بحرية في بلادها: عائلتها (ومجتمعها المرتبط بعلاقات القرابة)، طائفتها، والدولة (وذلك بتفويض مهامها في حماية حقوق المواطنين إلى القادة الروحيين وإرادة المجتمع المحلي). المفاوضات بين قائدين دينيين من الذكور قررت مصير بنين، وفعل "إعادتها إلى المنزل" يعكس مكانتها الحقيقية في المجتمع: وهي في الحياة المنزلية، فالمنزل هو المكان المزعوم الذي تنتمي إليه.

إن التمييز على أساس النوع الإجتماعي اليوم، والذي ينبع من هذه البنى الذكورية الثلاث، يطغى على مشاركة المرأة العامة الكاملة والمتساوية وتضعها في مكانة متدنية جداً كنقطة انطلاق في السياسة. فالتركيبة الذكورية للعائلة بشكل خاص تمتد إلى الثقافة السياسية اللبنانية عموماً (والتي تعرف بحسب سعاد جوزيف بالأسرية السياسية)، وهذا أدى إلى خلق نظام سياسي وانتخابي معادي للنساء والشباب والمواطنين خارج الطبقة السياسية الحاكمة الحالية ( والتي تتضمن كلا الحزبين السياسيين). لقد أعاق الإضطراب السياسي المستمر المترافق بسبات تشريعي كل تطور على صعيد إصلاحات التمييز على أساس النوع الإجتماعي أو الإصلاحات الإنتاخبية والسياسية.

العائلة بوصفها النواة الإجتماعية الأساسية

يجب النظر في الوضع المتردي لتمثيل المرأة السياسي أولاً في سياق أشكال التمييز هذه (المكرسة في مختلف قوانين الأحوال الشخصية والقوانين المدنية). تلقي قصة بنين الضوء على الدور الأساسي للعائلة كنواة يرأسها الذكر في لبنان. إذ إن واحدةً من طرق التعريف الرئيسية للبنانيين هي رقم السجل العدلي أو رقم السجل العائلي المشترك بين الذكور من أفراد العائلة. وهذه الطريقة تربط أفراد العائلة والأقارب تحت نواة واحدة؛ يتم إضافة النساء إلى سجل أزواجهنّ عندما يتزوجن ويعدن إلى سجلّ والدهنّ عندما يطلقن. وانطلاقاً من هذا المستوى البسيط من التعريف فإن الحكومة تنظر إلى النساء ليس كأفراد بقدر ما كونهن أفراد في وحدة اجتماعية يترأسها قريب ذكر. إن العائلة وعلاقات القرابة الممتدة جزءٌ لا يتجزأ من السياسة اللبنانية.

يعزز الدستور اللبناني من التعارض بين حقوق المرأة اللبنانية كفرد وبين مكانتها القانونية كفرد أدنى في وحدة اجتماعية ذكورية، ألا وهي العائلة. فيما تكفل المادة السابعة المساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، يفوض الدستور جميع مسائل الأحوال الشخصية (الزواج، الطلاق، الميراث، الحضانة، النفقة، إلخ) إلى المحاكم الدينية المختلفة. بزعم أن طوائف لبنان المتعددة يجب أن تؤسس محاكمها الدينية ومحاكم الأحوال الشخصية الخاصة بها مستقلة عن الدولة. وبشكل تلقائي فإن هذه النظم القضائية لا تقع تحت سيادة القانون المدني اللبناني وهي خارج أحكام الدستور التي تحمي حقوق الأفراد.

إن الضعف التاريخي الذي تعاني منه الحكومة اللبنانية عنى تفوّق روابط القرابة والروابط العائلية. في مقال من جزئين بعنوان "الدليل القانوني لكونك امرأة لبنانية" لمايا مكداشي، لاحظ المقال بعد استبيان العديد من القوانين اللبنانية أنه "لا يوجد كتلة مواطنين لبنانيين، هناك مواطنون لبنانيون (ذكور)، ومواطنات لبنانيات (إناث)".

تحدد محاكم الأحوال الشخصية ربّ الأسرة بالذكر، وغالباً ما تصدر قوانين ذكورية تميز ضد المرأة. وعادة ما تسعى لتعزيز العائلة كوحدة (بمعنى أنها تضمّ أفرادها)، بمعزل عن مصالح أعضائها الفردية، وخاصة النساء. وبما أن كل مجتمع ديني لديه قوانين الأحوال الشخصية الخاصة به، فإن النساء لسن متساويات حتى على صعيد التمييز ضدهنّ. فالنساء المارونيات، على سبيل المثال، يجدن الطلاق صعباً جداً، فيما لا ترث المرأة السُّنيّة ميراثاً متساوياً مع إخوتها. كما أن النساء المطلقات من كافة الطوائف تجدن صعوبات في الحصول على حق حضانة أبنائهنّ.

حرص السياسيون في السنوات الأخيرة على تعزيز مكانة العائلة بوصفها الوحدة الأساسية في المجتمع ويرأسها الذكر لمعاملة المرأة كمواطنة دونية وللحفاظ على تفوق المحاكم الدينية على المحاكم المدنية فيما يخص قانون الأسرة. فعلى سبيل المثال، خلال حكومة ميقاتي الثانية (2011-2013) تم تجاهل وتعطيل ورفض ثلاثة قوانين كان يمكن أن يكون لها أثراً كبيراً في تحسين حياة النساء. إذ تم تعديل القانون المقترح لحماية النساء من العنف الأسري والمقدم من قبل منظمة حقوق المرأة (كفى) بشكل مجحف بحيث أعطيت الأولوية القضائية للمحاكم الدينية على المحاكم المدنية مما سمح للمحاكم الدينية أن تقرر فيما إذا كان الفعل عنيفاً ويستحق التجريم أم لا. كما عارض نواب البرلمان تجريم الإغتصاب الزوجي. لقد تواطأت المصالح الذكورية للتغاضي عن العنف ضد النساء بشكل واضح، ولإبقاء النساء في مكانهن- في المنزل. كما رفض القادة الدينيون مقترحاً للزواج المدني في لبنان، مما سيحرر المواطنين، وخاصة النساء، من التحيّز وعدم المساواة الذي تفرضه محاكم الأحوال الشخصية، إذ ستتولى محاكم الدولة مسائل الزواج والطلاق. عندما أصبحت خلود شكرية ونضال درويش أول ثنائي لبناني يسجل زواجاً مدنياً في لبنان في تشرين الثاني 2012 ، استناداً إلى القرار رقم 60 المعمول به في ظل المندوب السامي الفرنسي أثناء الإنتداب (والذي يعطي الحقوق للطوائف، لكنه أيضاً يعترف بالحقوق الفردية)، استجاب مفتي الجمهورية الأول، رشيد قباني، بالتصريح أن المسملين الذين يؤمنون بالزواج المدني يجب "ألا يغسلوا، يسجوا، يصلى عليهم، أو يدفنوا في المقابر الإسلامية"، وأن أي مسؤول قانوني أو تنفيذي يدعم الزواج المدني هو مرتدّ. وتحت هذا الضغط من التعنيف العلني، صرح رئيس الوزراء نجيب ميقاتي أنه يجب تأجيل النقاش حول الزواج المدني.

ينظر إلى المواطنة من منظور ذكوري إذ إنها تورث من قبل الأب. يحل إرث الأب مكان إرث الأم- فالنساء المتزوجات من أجانب لا يمكنهن منح الجنسية اللبنانية لأبنائهن أو أزواجهن. في كانون الثاني عام 2012، رفضت لجنة وزارية مسودة قانون يجعل من المرأة والرجل متساوين تحت قانون الجنسية. بررت اللجنة قرارها بزعمها أن عدداً كبيراً من اللبنانيات متزوجات من فلسطينيين وبالتالي منحهنّ حق الجنسية سيخلخل التوازن الديموغرافي الطائفي، مما يزيد عدد المسلمين نسبة إلى المسيحيين. لقد استخدمت الشواغل الطائفية لتبرير خروقات دستورية وتبرير التمييز ضد النساء.

الأسرية السياسية (التوريث السياسي)

إن التركيبة الذكورية للأسرة في لبنان تستنسخُ في السياسة اللبنانية. إذ كان التوريث السياسي واحداً من العوامل الرئيسية التي تؤثر في علاقة الدولة بالمواطنين، في عملية ذات اتجاهين. يعتمد المواطنون على عائلاتهم وأقاربهم (روابط القرابة) ليستخلصوا المطالب والميزات من الدولة، ويوظف ممثلوا الدولة هذه الروابط لتفعيل المناصرين والتحكم في قطاعات الدولة. وعندما تفشل الدولة في تأمين الحماية والموارد لمواطنيها، فإنهم يلجؤون للداخل إلى أسرهم، مرجعياتهم الدينية، وطوائفهم. تكاد تكون جميع الكتل السياسية قائمة على التحالفات الأسرية والولاءات الشخصية للقائد (الزعيم). كما أصبحت التكتلات السياسية مكونة من عائلات وأغلب المناصرين يقبلون أن يرث ابن الزعيم منصبه. وهذا بدوره يمأسس التوريث السياسي ضمن الدولة. إذ أن الولاءات السياسية والطوائف تميل للإنتقال من جيل إلى جيل.

أثر التوريث السياسي تاريخياً بطريقة مشاركة المرأة في السياسة، كناخبة وكمرشحة. إذ تم منح النساء اللبنانيات حق التصويت والحصول على مقعد في البرلمان عام 1953. واعتادت النساء اللبنانيات كناخبات أن توصتن كجزء من العائلة، مرؤوسة من الزوج، الأب، أو الأخ. لم تصوت النساء لرجال خارج إطار روابطهن الأسرية. إن غياب التصويت السري اللائق في الإنتخابات اللبنانية جعل التصويت الحر أمراً صعباً على معظم المواطنين (عدا عن النساء)، وخاصة في المجتمعات ذات العدد القليل من الناخبين.

كما هو الأمر بالنسبة للعديد من زملائهن الذكور، كان التوريث السياسي الطريقة الرئيسية لدخول المرأة إلى البرلمان، غالباً بعد وفاة قريبها الذكر، وبالتالي فإن القول الشائع هو أن "النساء اللبنانيات يدخلن البرلمان متشحات بالسواد." إن مستوى مشاركة المرأة السياسية في لبنان يعد الأدنى في المنطقة. فمنذ عام 1953، خدمت 17 امرأة فقط في برلمان لبنان، والعدد الأقصى لعضوات البرلمان في دورة نيابية واحدة كان ستة (من أصل مجموع 128 في انتخابات 2005). وفي عام 2004 عينت حكومة كرامي امرأتين في منصب وزيرة للمرة الأولى. في حين فشلت حكومة ميقاتي في تعيين أي إمرأة كوزيرة.

أحدث مرشحة ترث مقعد البرلمان من قريبها الذكر هي نائلة تويني، التي حصلت على مقعد والدها المتوفى جبران تويني عن مقعد الأشرفية للأرثودوكس اليونان في انتخابات 2009. وكان سجلها مخيباً للآمال، إذ فشلت في استخدام المنبرين التوأمين المقعد النيابي والصحيفة (إذ أنها ورثت صحيفة النهار المؤثرة عن والدها، وعن جدها غسان تويني) لمناصرة أي من الإصلاحات التي تختص بالمساواة الجندرية على الرغم من أنها تعرضت لحملة طائفية معادية للنساء بسبب زواجها من خارج الطائفة من مضيف برامج تلفزيونية شيعي. لكن عضوات برلمان أخريات كنّ أكثر نشاطاً في محاولة الترويج لقضايا المرأة على الرغم من أنهن حصلن على مقاعدهن عن طريق العائلة. إذ أن ستريدا جعجع، زوجة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، كانت مثابرة في دعمها لمشروع قانون العنف المنزلي.

غير أن هؤلاء النساء هنّ الإستثناء لا القاعدة. لم يقم السياسيون اللبنانيون الرجال فقط بمنع أي مسودة قانون يهدف إلى المساواة الجندرية في قانون الأحوال الشخصية فحسب، بل كانوا عدائيين تجاه تعزيز مشاركة المرأة السياسية، وغالباً ما يظهرون كرهاً كامناً للنساء. فعلى سبيل المثال، عندما انتقدت حكومة ميقاتي في 2011 لأنها فشلت في إشراك النساء في صفوفها، أجاب زعيم حزب التيار الوطني الحر، ميشيل عون (والذي تتمتع كتلته بأكبر عدد من الوزراء)، بأن النساء تنقصهن الخبرة في العمل بأمور الشأن العام. كما أنه رفض منح النساء "هبة" مواقع السلطة، داعياً إياهن للخروج والقتال من أجلها.

الأحزاب السياسية وثقافة الإنتخاب

على الرغم من أن العديد من الأحزاب السياسية تعتمد بشدة على مشاركة النساء كناخبات، فارزات للأصوات، ومنظمات للفعاليات (على سبيل ذكر بعض المهام التي تقوم بها النساء في الأحزاب) غير أن القليل إن وصلن يتبوأن مناصب قرار، والتي تبقى المساحة الحصرية لزملائهن الذكور. ينظر بشكل عام إلى مساواة المرأة (من قبل النساء والرجال) على أنها ثانوية مقابل أولويات الحزب السياسية والطائفية، والتي عادة ما يتعامل معها من قبل قيادة الحزب على أنها مسائل وجودية.

في الماضي، أنشات عضوات الأحزاب لجاناً للتركيز على قضاياهن واستخدمنها كمنصات لمهنتهن السياسية وذلك لتدعيم دورهن ضمن الأحزاب السياسية. غير أن هذه اللجان همّشت النساء في نهاية الأمر عوضاً عن تشجيع مشاركة أوسع لهن في الأحزاب. إذ كانت هذه اللجان محصورة بنقاش قضايا المرأة وتحولت وظيفتها تدريجياً إلى المنظمة غير الحكومية للحزب. كمثال على ذلك منظمة النساء التابعة للحزب الإشتراكي التقدمي. على الرغم من قيادته الممتازة والعديد من السياسيين الواعدين فيه، غير أن الحزب الإشتراكي التقدمي لم يرشح بعد أية عضوات للإنتخابات.

إنّ النظام الإنتخابي وثقافة الإنتخاب العامة في لبنان، هي حكر على الذكور إلى حد بعيد. وكانت مهمتها الأساسية إنتاج النخب السياسية: أسر سياسية وأحزاب طائفية (وغالباً ما تتبادل الصفتان- المثال الأكثر وضوحاً، حزب الله). أجرى لبنان الإنتخابات النيابية بشكل منتظم كل أربع سنوات منذ عام 1943 (بالطيع ما عدا الفترة أثناء الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً إذ علقت الإنتخابات آنذاك)، غير أن النظام والثقافة الإنتخابية لم تتغير إلا قليلاً. فالطبقة السياسية الحاكمة كانت بارعة جداً في تحييد الخلافات لمنع أي محاولة جادة لإصلاح النظام الإنتخابي. لذا بقيت الإنتخابات مبنية على على المحسوبية الطائفية، مع تفشي شراء الأصوات والترويج العدائي.

إن تشكيل التحالفات داخل الطوائف هو أمر من اختصاص الزعيم. فالمقايضة الإنتخابية بين القادة الذكور على المقاعد والنفوذ لا تقصي النساء فحسب بل الشباب وجميع المواطنين العاديين رجالاً ونساءً.

العملية برمتها لا ترحب بالنساء، الشباب، ومعظم المواطنين العاديين الذين لا ينتمون إلى أسر سياسية تقليدية (كعائلة جميّل مثلاً)، فهؤلاء لا يختارون الإنضمام إلى أحزاب سياسية كبيرة مبنية على الطائفة (كتيار المستقبل، أو التيار الوطني الحر) أو إنهم أثرياء بما يكفي (مثل العديد من أعضاء البرلمان كرئيس الوزراء السابق ميقاتي أو جنبلاط حليف عضو البرلمان عن الشوف نعمة طعمة) للإنضمام إلى القوائم الإنتخابية التي يترأسها الزعيم في القطاعات الإنتخابية متعددة المقاعد في لبنان (حيث إن الفوز مبني على الحصول على أغلبية بسيطة)، لذا يجب على المرشحين المستقلين أن يساهموا بمبلغ كبير من المال و/أو الأصوات، ويتم ذلك عادة من خلال روابط القرابة الممتدة والمحسوبيات، وأي شخص خارج الطبقة السياسية المتماسكة يتم إقصاؤه (عمداً).

هناك عائقٌ آخر في نظام الإنتخابات الطائفي في لبنان (وهو أيضاً مصدر للتمييز بين النساء). إذ لا تواجه النساء صعوبات ليتم اختيارهن كمرشحات فقط بل إن فرصهن تكاد تكون معدومة إن كنّ تنتمين إلى طائفة لديها مقاعد قليلة في البرلمان.

تعويق الإصلاح الإنتخابي

كانت الحصة النسبية أو "الكوتا" واحدة من التوصيات الأساسية لتعزيز تمثيل المرأة في البرلمان (وإصلاحاً رئيسياً دعت إليه منظمات حقوق المرأة). ويمكن أن تكون الحصة النسبية على شكل مقاعد مخصصة في البرلمان، أو (ما هو مفضل) ملزمة للحزب أو القوائم الإنتخابية أن تحوي نسبة معينة من المرشحات النساء (عادة بين 30-50%). لكن الحصة النسبية بحد ذاتها غير كافية لتعزيز تمثيل النساء وتتطلب إصلاحات انتخابية أوسع ونظاماً انتخابياً يوفر تمثيلاً أوسع وأكثر عدالة. أولاً، في نظام انتخابي قائم على التمثيل النسبي (مقابل النظام الحالي حيث يحصل الفائز على كل شيء بأغلبية بسيطة)، حيث تطبق الحصة النسبية على قوائم الأحزاب والكتل إما بوضع المرشحات من النساء بشكل إيجابي أو بتناوب أسماء المرشحين الذكور والإناث على القوائم. ثانياً، تنظيم الإنفاق على الحملات والدعاية الإنتخابية الذي سيوازن مضمار التنافس، مما يسمح للنساء بفرصة أكبر للتنافس الشريف ويوفر لهن فرصة أفضل للتواصل مع الجماهير.

وهنا نصل إلى عثرة كبيرة. فبالرغم من الجهود المثلى لحملات المجتمع المدني (كالحملة المدنية للإصلاح الإنتخابي) وجهود العديد من منظمات المرأة التي حشدت أعضاء البرلمان والقادة السياسيين لتمرير قانون انتخاب عادل، فإن الكتل السياسية الرئيسية أغلقت الصفوف مراراً لتعزيز الوضع الراهن. إن الخطاب السياسي حول الإصلاح الإنتخابي محصور بالنظام الإنتخابي الذي يعتقد كل حزب أو تكتل أنه سيقدم أفضل النتائج له، مما عنى قدراً لا بأس به من الغش. وعوضاً عن تنافس انتخابي حقيقي، تفضلال كتل السياسية الرئيسية نموذج الإستفتاء حيث يمكنهم التحكم بالنتائج قدر الإمكان. إن أية قيود على إنفاق الحملات، شراء الأصوات وأي إصلاح آخر يمكن أن تضعف أو تفتت علاقات المحسوبية، هي خارج الحسبان.

كما أن المأزق السياسي المستمر الذي يعيشه لبنان جعل أي إصلاح سياسي نحو الأمام مستحيلاً. فالعملية التشريعية متوقفة معظم الوقت، لأن المتحدث باسم البرلمان نبيه بري، والذي يتحكم بمقعد السلطة بشكل محكم، يميل إلى عقد جلسات البرلمان فقط إن توفر توافق سياسي قبلها- وهو شيء نادر الحدوث هذه الأيام. لقد امتدت المواجهة بين كتلة 8 آذار و14 آذار (التي يقودها كل من حزب الله وتيار المستقبل) إلى الثورة السورية، حيث يدعم كل منهما بشكل حثيث النظام أوالمعارضة على التوالي. إضافة إلى أن القطبية السياسية والطائفية قلصت النقاش حول الإصلاح الإنتخابي إلى نقاش حول أي نظام يمكن أن يحقق النجاة لكل طرف.

وبالتالي، فإن تعزيز تمثيل المرأة السياسي يواجه عقبات عديدة تبدو اليوم عصية على الحل وهي؛ دولة ضعيفة تاريخياً، تعويق العمليات السياسية والتشريعية، قوانين أحوال شخصية تمييزية وتوريث سياسي راسخ. لذا يبدو أنه من الصعب إحداث أي إصلاح ذو معنى من الأعلى إلى الأسفل، ليس فقط على بما يخص حقوق المرأة بل إصلاح سياسي حقيقي للنظام السياسي الحالي بوجود الطبقة الحاكمة الحالية.

إن حملات حقوق المرأة، وعلى وجه الخصوص حملة "كفى" التي دعت لمشروع قانون بخصوص العنف الأسري إضافة إلى دفع مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي نحو قانون جنسية جديد، اخترقت الوعي العام بنجاح بالعمل المستمر وكلاهما نجحتا بتمرير مشروعيهما إلى جدول أعمال مجلس الوزراء من خلال الحشد المستمر للوزراء وأعضاء البرلمان. إذ عملت الحملة المدنية للإصلاح الإنتخابي باستفاضة على مر السنين للضغط على السياسيين لتمرير قانون انتخابات عادل ولحشد الرأي العام لدعم إصلاحات انتخابية رئيسية.

لكن غياب الوعي والمبادرة هما العدو الرئيسي للمرأة اللبنانية. إذ نجح القادة السياسيون في صدّ جهود المجتمع المدني، وذلك بشكل كبير بسبب غياب الضغط الكافي من قاعدتهم الشعبية. لذا فإن الوضع المتردي لتمثيل المرأة السياسي والمكانة المتدنية لحقوق الإنسان الخاصة بها مقابل الرجل لم تدفع أي حركة نسائية خارج النخب المدينية للضغط على أعضاء البرلمان والقادة السياسيين في دوائرهم الإنتخابية المحلية.

هل تمهد الأحزاب السياسية الطريق أمام النساء؟

على الرغم من كون الأحزاب السياسية جزءاً من المشكلة، غير أنهم الفرصة الأفضل للنساء لتحسين وضع حقوق الإنسان الخاص بهن والحصول على مهام سياسية في المستقبل القريب، وذلك لأن الطريق التشريعي والتنفيذي مسدود. إن ضغطاً منظماً وواضحاً من العضوات النساء في الأحزاب السياسية اللبنانية الرئيسية قد يكون الطريق الوحيد في الوقت الراهن لتمرير قوانين تحرر النساء من التمييز القانوني على أساس الجندر في حياتهن الخاصة، وتدعم تمثيلهن السياسي العام. فالعضوات الشابات، وخصوصاً أولئك اللواتي كنّ أو مازلن منخرطات بشكل كبير في السياسية في الجامعات وبالتالي شحذن مهاراتهن السياسية، قد يكنّ الأجدر وفي المكان الأنسب لقيادة مبادرة من هذا النوع. وعلى سبيل المثال، إن عضوات الأحزاب يجب أن يحملن قياداتهن مسؤولية تعويق إصلاحات قوانين الأحوال الشخصية، التعليقات الكارهة للنساء للصحافة، وإخفاقهم في دفع عدد كافي من النساء إلى صفوف السياسية الأولى. حتى الآن، معظم النساء تراعين تراتبية الحزب الهرمية الذكورية، وتقبلن بالقرارات من الأعلى إلى الأسفل دون اعتراض، حتى عندما تكون هذه القرارات ضد مصالحهن (إحباط مشروع قانون العنف الأسري، على سبيل المثال). إن الولاء الحزبي يعني أيضاً إجبار القيادة على إصلاح البنى الداخلية لما هو أفضل.

هذا النوع من الإصلاح الحزبي الداخلي يتطلب عدداً من العضوات لديهن الإرادة والتصميم على مواجهة البنى الذكورية لأحزابهن وفي كثير من الحالات لمجتمعاتهن وعائلاتهن. وهذا يعني أن تصبح المشاركة السياسية للمرأة مسألة عامة وليست حكراً على مجموعات المجتمع المدني وهيئات المرأة. وفي نهاية المطاف هذا يتطلب أن يقوم جميع أعضاء الحزب العاديين، ليس فقط النساء، بالمطالبة بديمقراطية داخلية وشفافية داخل أحزابهم.

ترجمتها الى العربية علا صالح

 

 
 
Image removed.

نبذة عن الكاتبة

شغلت دورين خوري منصب مديرة برنامج في مكتب مؤسسة هينريش بُل في بيروت من العام 2009 حتى آب/أغسطس 2012. عملت سابقاً كباحثة وخبيرة في شؤون الإنتخابات في المركز اللبناني لدراسات السياسات كما شغلت منصب المديرة التنفيذية في الجمعية اللبنانية لديمقراطية الإنتخابات. هي متخصصة في قضايا الإنتاخابات والحكم الرشيد ومحاربة الفساد والإعلام البديل. أنهت في نيسان 2013 شراكة بحث في المؤسسة الألمانية "ويسنشافت أوند بوليتيك" في برلين.