نحو ترميم العلاقات اللبنانية السورية

نحو ترميم العلاقات اللبنانية السورية

"1:شو بدك تسوي بالكراتين اللي بالممر؟

2:بدي طلعون على السقيفة

1: معناها خليني ساعدك فيهون

2: لشو تعذب حالك، انا هلق بجيب واحد سوري يطلعون"

هذا الحديث جرى أمامي في أحد الأماكن البيروتية خلال عام 2012. لابد من التوضيح هنا بأن السيدة التي قالت هذه العبارة ليست عنصرية تجاه السوريين ولكن يبدو أن هذه هي النظرة الراسخة حيال السوري في لبنان. ففي مقال للكاتب اللبناني حازم الأمين " هنا دمشق" يلحظ أن الحضور السوري في ذاكرة اللبنانيين مرتبط بمركبين سلبيين على حد تعبيره و"لا مجال لذكرهما إلا على نحو فظ، وهما «الجندي السوري المحتل»، و «المواطن السوري المنتَهَك والممنوع من أن يرتقي إلى سوية بيروتية»"[1].

لم أزر لبنان إلا مرات قليلة قبل انتقالي إليه في مطلع عام 2012، إذ كنت أشعر بالخجل من مواجهة إعتقاد أنه يمكن أن ينظر الي على انني ممثل للنظام السوري، فقط لكوني سورياً، وذلك على الرغم من معارضتي للنظام سابقاً وحالياً. فعادةً ما يتم مماهاة النظام السوري والشعب أو تحميل الشعب أخطاء النظام الحاكم. بالنسبة إلي، كسوري مطلع على المآسي والمصائب التي تعرض لها الشعب اللبناني خلال تواجد الجيش "السوري" في لبنان (1976-2005)، أستطيع أن أتفهم الانطباع الغير مريح لكلمة سوري في هذا البلد. غير أن ما يغيب عن معظم اللبنانين ،وربما بسبب معاناتهم الكبيرة، هو ان كل الأعمال الوحشية التي ارتكبها النظام السوري في لبنان إنما هي امتداد لممارساته الأكثر وحشية في سوريا نفسها، آخذين بالحسبان الصلاحيات المطلقة للنظام السوري في أرضه. وبالتالي فإن صمت السوريين بغالبيتهم عن المماراسات غير المشروعة بحق اللبنانيين، وإن أسيىء فهمه لبنانياً، لم يكن نابعاً من رضى عن هذه الممارسات وإنما له علاقة بتخوفهم من البطش الذي يلحقه النطام بمعارضي سياساته إن في داخل سوريا او خارجها. ً. ورغم ذلك كانت هناك محاولات بارزة لعدد من المثقفين السوريين لدعم مطالب الشعب اللبناني بانسحاب الوجود العسكري والمخابراتي للنظام السوري. ففي 22/02/2005، وجه اكثر من 140 مثقفا سوريا رسالة الى بشار الاسد عبروا فيها عن الحاجة الى "التزام تطبيق اتفاق الطائف والمبادرة الى سحب القوات العسكرية السورية من لبنان... وتفادي تطورات لا تحمد عقباها" ... ودعوا الى ان تكون المبادرة "كاستجابة لرغبة الشعبين السوري واللبناني في صياغة علاقة جديدة بينهما، تبطل الذرائع الخارجية، وتمهد الطريق لاعادة بناء الثقة والتعاضد بين الشعبين والدولتين"[2]. وتلى هذا الموقف العلني رسالة اعتذار وجهتها كاتبة سورية الى الشعب اللبناني عن خطاب بشار الأسد حين أعلن انسحاب الجيش السوري من لبنان، قالت فيها ان "السوريين كل السوريين تمنوا لو يستطيعون أن يفعلوا مثلكم، تمنوا لو يشاركونكم.. ان يرفعوا معكم علم لبنان في ساحة الشهداء لا بل في الصالحية[3] أمام ما يسمى مجلس الشعب السوري"[4]. وعلى الرغم من شجاعة وجرأة هذه المواقف السورية، إلا أنها لم تلقى ملاحظة من غالبية اللبنانيين ولم تساهم بالتالي في تخفيف ما تراكم من كراهية تجاه السوريين عموماً، واستمرت رؤية العسكري ليس كجزء من نظام قمعي، بل كسوري أولاً وأخيراٌ. وبهذا أستطاع النظام السوري أن يحقق غايته بحكم لبنان ونهب خيراته من دون أن يتحمل مسؤولية أخطائه. ومع تغييب ماهية الجاني الحقيقي، وقف المواطن اللبناني بمواجهة المواطن السوري، أي ضحية بمواجهة ضحية أخرى. ولعل ذلك يفسر موقف معظم اللبنانيين السلبي من الثورة السورية، حيث أنه وبالرغم من خوف معظم اللبنانيين من النظام في سوريا ،بما في ذلك المؤيدين له، فإنهم لا يساهمون بتقويضه، مع توفر الفرصة لذلك، بل يقومون بالدفاع عنه أو التزام سياسة النأي بالنفس. وعلى عكس الفطرة العامة بأن تتحد ضحيتين ضد مضطهد واحد، نرى ان جزء كبير من الشعب اللبناني لا يقدم العون الضروري للشعب السوري الثائر للتغلب على جلادهما. ورغم التطمينات التي حاول المعارضون السوريون بُعيد انطلاقة الثورة في 15/03/2011 تقديمها للشعب اللبناني من أجل فتح صفحة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل، إلّا أن معظم الجيل اللبناني الذي عايش هيمنة العسكر السوري لازال غير قادر على فصل الكلمتين عن بعضهما. ومن المفيد هنا التنويه إلى ان التطمينات جاءت على المستوى السياسي ممثلاً برئيس المجلس الوطني المعارض آنذاك، برهان غليون، بتاريخ 06/12/2011 مفادها "ان الحكومة المقبلة في سوريا لن تتدخل في الشأن الداخلي اللبناني، لذا فإننا نرسل رسالة واضحة إلى جميع حلفاء وعملاء وأزلام النظام السوري في لبنان أن يفكروا بمستقبلهم في بلدهم بين أبناء وطنهم بعد انهيار هذا النظام المجرم البائد في دمشق"[5].كما جائت على المستوى العسكري إذ أعلن المتحدث باسم الجيش السوري الحرّ آنذاك، بتاريخ 21 /1/2012 أننا " نحترم السيادة اللبنانية، وسيادة الأخوة اللبنانيين على أرضهم، لا بل نحن نعتذر لهم عما ذاقوه من نظام الأسد الأب (حافظ الأسد) والابن (بشار الأسد) في السنوات الماضية"[6]. إلا أن هذه المبادرات التي قدمت في المرحلة الأولى للثورة لم يبنى عليها من قبل المعارضة السياسية والعسكرية السورية، الأمر الذي كان جليا في غياب دور فاعل في عملية تحرير الرهائن اللبنانيين الذين تم خطفهم في ريف حلب بتارخ 23/05/2012، والتي كان من الممكن أن تساهم بتقديم ترجمة عملية لحسن النوايا من جانب المعارضة السورية كبداية لتاريخ جديد.

وعلى الرغم من عدم إنخراط اللبنانيين بشكل عام في دعم الثورة السورية إلا أنها لعبت دور كبير في تغيير العلاقات السورية اللبنانية. وبهدف التحليل المبسط يمكن تقسيم مواقف اللبنانيين من الثورة السورية إلى ثلاث شرائح أساسية كما يلي:

- شريحة داعمة للثورة السورية: هنا يمكن التمييز بين أربعة إتجاهات أساسية. إتجاه متعاطف إنسانياَ مع ما يجري في سوريا، إتجاه داعم للثورة السورية لأسباب دينية، إتجاه مؤمن بأهداف الثورة ومبادئها، وأخيراً إتجاه معادٍ للنظام السوري على مبدأ "عدو عدوي صديقي".

- شريحة داعمة للنظام السوري: أسباب هذا الدعم استراتيجية عند البعض وعقائدية عند البعض الآخر. غير أن جزء كبير من هذه الشريحة تناقض دعمه للنظام مع كره للسوريين الموجودين في لبنان وبخاصةً في الفترة الاولى لانطلاق الثورة السورية، حيث كان النزوح للبنان مقتصراً على الناشطين السوريين المعارضين.

-شريحة كارهة للسوريين عموماً: لا يوجد عند هذه الشريحة موقف واضح من الثورة، إلّا أن جزء منها لايمانع قتل السوريين بعضهم لبعض إنطلاقاًمن مبدأ "خلِ يدوقو اللي دقناه". تاريخياً، كانت غالبية هذه الفئة كارهة للسوريين غير أن هذا الكره تزايد خصوصاً بعد موجة النزوح الكبيرة من محافظتي حمص و دمشق، وما رافق ذلك من تحميل اللاجئين السوريين عبء ارتفاع الاسعار، التدهور الامني، وزيادة حدة التوتر بين الاطراف اللبنانية، وما الى ذلك من مشاكل قائمة في لبنان. ومن المفيد هنا التنويه إلى أن هذه الشريحة للمرة الثانية تحمل الشعب السوري أخطاء جلادهما، حيث انه من المعلوم أن النظام السوري هو السبب الرئيس وراء تهجير السوريين، وهو الذي هدد علناً بورقة الاسد او نحرق سوريا والمنطقة، في تصريحات عدد من كبار المسؤولين السوريين، كان آخرها ما جاء في المقابلة الأخيرة للأسد مع قناة الإخبارية السورية بتاريخ 17/04/2013 بأن "الحريق لن يتوقف عند حدودنا" وأن "الحريق في سوريا لابد ان ينتقل إلى دول الجوار".

غير أن العمل على تجاوز الخلاف اللبناني - السوري أصبح الآن أهم من أي مرحلة سابقة، فالموضوع لم يعد يقتصر على كره بعض اللبنانيين و السوريين لبعضهم البعض، بل تحول إلى صراع سوري - لبناني خاصةً بعد توالي الانباء عن تدخل حزب الله كطرف فاعل في الصراع المسلح في سوريا، ما أدى إلى اعتبار عناصر حزب الله ومؤيديه أعداء للثورة السورية وما تبع ذلك من عمليات خطف وقتل متبادل بين المجموعات المعارضة المسلحة وحزب الله والانعكاسات السلبية لذلك على السوريين الموجودين في لبنان. ثم ما لبث أن أصبح لهذا الصراع شق لبناني داخلي بدأ بمناوشات لبنانية لبنانية على أراضٍ لبنانية، تطور لاحقاً الى صراع مسلح لبناني لبناني على أراضٍ سورية بعد دعوات كل من شيخي السنة الأسير (صيدا) والرفاعي (طرابلس) للجهاد في سوريا رداً على تدخل حزب الله المسلح هناك. وعليه فلا بد من العمل على مستويين أساسيين لتجاوز هذه الأزمة يمكن تلخيصهما بما يلي:

1. على المستوى السوري:

• في المرحلة الراهنة، على المعارضة السياسية والعسكرية العمل الجاد لتحرير المحتجزين اللبنانيين بأسرع وقت ممكن والتأكيد على رفض نقل الصراعات اللبنانية إلى سوريا[7]، والإنخراط في عملية سياسية للتوصل إلى هدنة مع حزب الله[8].

• مستقبلاً، أصبح واضحاً أن الاعتذار على مستوى الافراد ليس كافياً لخلق علاقات طبيعية بين اللبنانيين والسوريين. المطلوب هو تقديم اعتذار على مستوى دولة والانخراط بشكل حقيقي في تطبيق عدالة انتقالية من خلال محاسبة المسؤولين السوريين عن جميع الانتهاكات التي ارتكبوها في لبنان وتبيان مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا وتعويض عائلات الضحايا اللبنانية. فالمفتاح الوحيد هنا هو شعور اللبنانيين بأن العدالة قد تحققت ضد نظام ساهم بمآسي لم يستطع لبنان حتى الآن تجاوز نتائجها. كما يجب على الحكومة السورية المستقبلية التعامل مع لبنان كدولة وفق الاعراف والبروتوكولات الدولية بشكل يتجاوز سياسة التعامل مع الطوائف اللبنانية من منطلق حليف/عدو وما يترتب على ذلك من تدخل في شؤون لبنان الداخلية.

 2. على المستوى اللبناني:

• في المرحلة الراهنة، يجب ممارسة ضغط على كافة الطوائف اللبنانية بعدم التدخل المسلح في الصراع السوري لما لذلك من آثار على مستقبل لبنان. وعلى الرغم من رفض الرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي دعا إلى عدم "إرسال أسلحة أو مقاتلين إلى سوريا، أو إقامة قواعد تدريب داخل لبنان" وذلك "لتحصين الوحدة الوطنية اللبنانية وتجنيب العيش المشترك أي اهتزاز أو اضطراب"[9] غير أن واقع الحال يشير إلى أن الأمور تسير بعكس هذا الاتجاه.

• مستقبلاً، المشاركة الفاعلة في تحقيق عدالة إنتقالية تهدف لمحاسبة النظام السوري وشركائه في لبنان، بما لايتجاهل العمل على تغيير الصورة النمطية والعنصرية الراسخة لدى معظم اللبنانيين تجاه الشعب السوري والمحصورة بثنائية العامل أوالجندي لوضع أسس جديدة في العلاقات بين البلديين والشعبين.
---------------

• [1] جريدة الحياة اللندنية، حازم الأمين، هنا دمشق، 13/01/2013، http://alhayat.com/Details/471818

[2] موقع صيداويات الالكتروني، رسالة من مثقفين سوريين الى الأسد، 23/02/2005، http://www.saidacity.net/_NewsPaper.php?NewsPaperID=980&Action=Details

[3] منطقة في قلب العاصمة دمشق ويتواجد فيها مجلس الشعب السوري

[4] الحوار المتمدن، عليا سلواني ، اعتذار من الشعب اللبناني عن خطاب الرئيس الأسد، 07/03/2005، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=32993

[5] منديات لبنان، حديث لبرهان غليون مع صحيفة المستقبل اللبنانية، http://www.lebanon.ms/vb/showthread.php?t=26063

[6] موقع صوت الجبل، تصريح للناطق بأسم الجيش الحر،21 /1/2012، http://www.sawtaljabal.com

[7] نشر على موقع الجزيرة نت أن المنسق السياسي والإعلامي للجيش الحر رفض هذه الدعوة الجهادية في نص جاء فيه "نحن في القيادة المشتركة العليا نشكرهما، لكننا نرفض أي دعوة للجهاد في سوريا ونرفض أي وجود للمقاتلين الأجانب من أي مكان أتوا " ، 24/04/2013، http://www.aljazeera.net/mob/f6451603-4dff-4ca1-9c10-122741d17432/36c6a…

[8] نشر الموقع الرسمي للتيار الوطني الحر نص فيديو مصور للرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، معاذ الخطيب، والذي طالب فيه الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، "بسحب قوات الحزب من سائر الأراضي السورية والتواصلِ مع الثوار في مناطق القرى الشيعية لضمان أمن الجميع"، 24/04/2013، http://www.tayyar.org/Tayyar/News/PoliticalNews/ar-LB/khatib-nasrallah-…

[9] الجزيرة نت، مادة أخبارية، 24/04/2013،http://www.aljazeera.net/news/pages/36c6a702-3028-46e6-a99d-d32d1b7b3659