المشهد التركي المتبدل - أردوغان من متلقي الإعتذار الإسرائيلي إلى معتذر من شبان ساحة تقسيم

ليس إلا الثورة السورية وتفاعلاتها الاقليمية المتسارعة، ما يمكنها تفسير هذا الانقلاب الدراماتيكي في وضع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. فإلى ما قبل أسبوعين فقط من تمرد منتزه تقسيم، كان الرجل يبدو في منتهى القوة والبريستيج. استقبل في واشنطن كما لم يستقبل زعيم تركي قبله، على رأس وفد من حزب العدالة والتنمية حصراً، فيما اعتبره المراقبون بمثابة مباركة من الحليف الأميركي لقيادة أردوغانية مديدة لتركيا الغد التي يحلم أردوغان باحتلال منصب رئاستها منتخباً من الشعب، وفق التعديل الذي يريد إدخاله على النظام السياسي.

اليوم تبدو تلك الأحلام وقد انهارت، أو في سبيلها إلى الانهيار، تحت وقع التمرد الشبابي الذي اندلع مساء الحادي والثلاثين من شهر أيار في ساحة تقسيم، وسرعان ما فاض عنها إلى جميع أنحاء البلاد كالنار في الهشيم. وانقلبت الحال بأردوغان من ذلك الرجل القوي الذي يوبخ معارضيه ومنتقديه، ويتلقى من إسرائيل أول اعتذار علني في تاريخها، ويتمتع بدعم أميركي قوي، إلى رجل أرهقته سنوات حكمه المديدة بلا منافسة، فترهل أداؤه كأي مستبد شرق أوسطي يضطر إلى الانحناء أمام الريح العاتية لشعب أمسك بزمام المبادرة وقلب الطاولة في لحظة جنون.

لن تدخل هذه المقالة في تحليل التمرد الشبابي في ساحة تقسيم، فالحدث ما زال يتفاعل وهو مفتوح على آفاق لا يمكن التنبؤ بها. بل ستهتم بتطورين بارزين هما: القاء حزب العمال الكردستاني لسلاحه في إطار مشروع حل سلمي استراتيجي للمسألة الكردية في تركيا، وذوبان الجليد في العلاقات التركية – الإسرائيلية بعد اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي علناً من تركيا عن قتل تسعة مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة مرمرة الزرقاء ضمن "قافلة الحرية" التي حاولت فك الحصار الإسرائيلي الخانق عن قطاع غزة، أواخر أيار 2010.

أوباما يعمل على ترتيب "البيت الداخلي" لحلفائه في مواجهة استحقاقات الثورة السورية

بحركة لا تخلو من الاستعراض، مد الرئيس الأميركي باراك أوباما تليفونه إلى مضيفه نتانياهو في مطار بن غوريون، طالباً منه أن يعتذر من رئيس الوزراء التركي الموجود على الطرف الآخر من الخط. وهو ما تم فوراً في ختام زيارة أوباما لإسرائيل، قبل انتقاله إلى الأردن، الحليف الثابت الآخر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

لم يخفِ نتانياهو أن تداعيات الأحداث في سوريا هي التي دفعته لتقديم الاعتذار من تركيا، بعد ثلاث سنوات من المعاندة. ففي مواجهة الزلزال السوري الكبير الذي أخذ يفيض عبر الحدود على الدول المجاورة، كان على الولايات المتحدة أن تعيد الانسجام إلى العلاقات بين حلفائها في الطوق المحيط بسوريا، خاصةً وأن الضغط المعنوي يزداد عليها بسبب إحجامها عن التدخل المباشر لإنهاء المأساة الإنسانية المتفاقمة والحرب التي تهدد بإحراق الإقليم بأسره.

بيد أن قبول الاعتذار الإسرائيلي لم يكن بالأمر السهل على أردوغان الذي بنى شعبيته في المنطقة العربية، إلى حد كبير، على نبرته العالية ضد الصلف الإسرائيلي. فمنذ حادثة دافوس الشهيرة، حيث وبخ الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس بالقول: "أنتم تجيدون قتل الأطفال الفلسطينيين"، والعلاقات بين البلدين إلى تدهور مطرد، بموازاة ارتفاع شعبية الزعيم التركي في الشارع العربي. لذلك فقد أعلن أردوغان، فور حصوله على اعتذار نتانياهو، عن عزمه على زيارة قطاع غزة قريباً، في محاولةٍ منه للحفاظ على مكانته لدى الفلسطينيين والشارع العربي في المرحلة القادمة التي من المتوقع أن تشهد إعادة المياه إلى مجاريها بين تركيا وإسرائيل. فصورة "نصير المظلومين" التي اكتسبها أردوغان في تعاطيه مع الشأنين الفلسطيني والسوري، معرضة للاهتزاز تحت الضغط الأميركي الساعي إلى تنسيق الجهود بين حليفيه المهمين أمام استحقاقات الثورة السورية. وجاء الرد الأميركي سريعاً وفظاً، حين أعلن وزير الخارجية كيري في أنقرة عن عدم ترحيب الإدارة الأميركية بزيارة أردوغان لقطاع غزة، لأن من شأن هذه الزيارة إلى منطقة حكم حماس أن تثير غضب إسرائيل. من المحتمل أن هذا الموضوع كان مطروحاً على طاولة المباحثات بين أوباما وأردوغان في واشنطن في السادس عشر من شهر أيار الفائت. وتقول التسريبات إن الحل الوسط الذي تم الاتفاق عليه هو أن تشمل زيارة أردوغان الضفة الغربية أيضاً إضافة إلى غزة. وفي هذه الحالة سيضطر أردوغان إلى استخدام مطار إسرائيلي للوصول إلى رام الله حيث مقر حكومة أبو مازن المقربة من الولايات المتحدة.

هل هذا كل شيء؟ بل هو فقط ما يطفو على السطح السياسي من عودة الدفء إلى العلاقات التركية – الإسرائيلية. أما إذا نقبنا في الطبقات الأعمق، فسوف "نصادف" النفط والغاز كثروتين واعدتين في شرق البحر المتوسط. تتحدث تقارير متواترة عن وجود حقول غنية بالنفط والغاز تحت قاع البحر على امتداد الشواطئ الإسرائيلية واللبنانية والسورية وصولاً إلى قبرص على مرمى حجر من شواطئ تركيا المحرومة من هذه الثروة الاستراتيجية والمتعطشة إليها. يعيد مراقبون السبب الأصلي لعودة العلاقات التركية – الإسرائيلية إلى الطموح التركي في نيل حصة من هذه الثروة، بالتوازي مع طموح مماثل بصدد نفط إقليم كردستان العراق وغازه، الأمر الذي سنرى، بعد قليل، مفاعيله في التطور الآخر المهم، أي السلام الكردي – التركي.

إذن لا بد من تطبيع علاقات تركيا مع إسرائيل، لتستفيد تركيا من الثروة النفطية الواعدة، بوصفها بلد عبور للغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، إضافة إلى تلبية حاجتها المحلية المتعاظمة التي تلبيها حالياً كل من روسيا وإيران. من شأن حصول تركيا على حاجتها من النفط والغاز من إسرائيل وشمال العراق أن يخفف من ارتباطها بكل من روسيا وإيران اللتين تقفان على الجبهة الأخرى في الموقف من الثورة السورية. وربما هذا ما يفسر، إلى حد كبير، الصراع الخفي بين طهران وأنقرة الذي أخذ يظهر إلى العلن بكثرة في تصريحات القادة الإيرانيين، سواء في الموقف من الثورة في سوريا أو من الصراع الداخلي في العراق بين التحالف الشيعي بقيادة المالكي من جهة، والتحالف الكردي – السني من جهة ثانية. وهذا ما يقودنا إلى القسم الثاني من المقالة.

السلام الكردي – التركي بوصفه إعادة تموضع في الاستقطابات الإقليمية

كان عيد النوروز مختلفاً في تركيا هذا العام. فبخلاف جو المصادمات بين النشطاء الكرد والشرطة التركية التي طالما طبعت عيد الربيع الكردي بطابع دموي، كان العيد هذه المرة عيد سلام وأمل لتركيا بكردها وأتراكها. ففي الحادي والعشرين من آذار امتلأت الساحة الرئيسية في ديار بكر (أو "آمد" كما يفضل الكرد تسميتها) بأكثر من مليون شخص توافدوا من مختلف المدن والبلدات والقرى الكردية للاستماع إلى رسالة وجهها لهم عبد الله أوجالان من سجنه على جزيرة إيمرالي في بحر إيجة، حيث يقضي عقوبةً بالسجن المؤبد. كانت الرسالة تاريخية فعلاً من حيث أنها شكلت منعطفاً حاسماً في صراع دموي امتد قرابة ثلاثة عقود وكلف الطرفين أكثر من أربعين ألف قتيل وترحيل عشرات آلاف الكرد إلى غرب البلاد، بعد إحراق الجيش التركي لقراهم في التسعينات من القرن الماضي، فضلاً عما سببه هذا الصراع من زيادة هيمنة الجيش على الحياة السياسية التركية، وحالة طوارئ وأحكام عسكرية مديدة في الولايات الجنوبية الشرقية حيث الكثافة السكانية الكردية. بل من شأن عملية السلام التي أعلن أوجالان عن إطلاقها في رسالته، إذا ما قيض لها النجاح، أن تشكل منعطفاً حاسماً في تاريخ مشكلة تعود بجذورها إلى قيام الجمهورية في عشرينات القرن الماضي. والمشكلة الكردية هي الوجه الأبرز لمشكلة أكثر شمولاً وجذرية تتعلق بالذهنية السلطوية القسرية التي قامت عليها الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، في عشرينات القرن الماضي، على أنقاض الامبراطورية العثمانية التي كانت في الوقت نفسه امبراطورية إسلامية أممية يقوم عليها السلطان – خليفة المسلمين.

قام التصور الكمالي للدولة الجديدة على دعامتي القومية العرقية والعلمانية، فكان طبيعياً، والحال هذه، أن يصطدم النظام الجديد بالإسلام من جهة وبالأثنيات غير التركية من جهة ثانية. لكن الأغرب من ذلك، بعد، هو اصطدامها بالجماعات الدينية غير المسلمة والمذاهب الإسلامية غير السنية أيضاً. الهندسة الاجتماعية التي تصورها أتاتورك بتبسيط شديد قامت على بناء "الدولة – الأمة" على النمط الأوروبي، فكان هذا يتطلب من جهة أولى التخلص من الجماعات غير المسلمة (الأرمن والسريان واليونانيين واليهود) عن طريق التهجير القسري، للحصول على تركيبة سكانية منسجمة يوحدها الانتماء إلى دين الإسلام؛ ومن جهة ثانية تتريك العناصر غير التركية كالكرد والعرب والشركس واللاز والبوماك وغيرها من الجماعات التي كان شجع بعضها على هجرة معاكسة إلى تركيا، من بلاد القفقاس ومن البلقان، تعويضاً عن تهجير الأرمن واليونانيين كما لإقامة التوازن مع المكون الكردي؛ ومن جهة ثالثة محاربة دين الإسلام باسم علمانية متشددة على النمط اليعقوبي الفرنسي. العمليات الثلاثة فشلت فشلاً ذريعاً في التطبيق العملي، بل إنها فتحت جراحاً لم تندمل إلى اليوم. فتهجير الأرمن أنهى الوجود الأرمني في تركيا، لكنه خلق بالمقابل مشكلة أرمنية لم تجد لها حلاً إلى اليوم. ومحاولة طمس الهوية القومية الكردية، فشلت فشلاً مضاعفاً، فازداد تمسك الكرد بانتمائهم، برغم كل الضغوط وسياسات الإنكار والمجازر التي ارتكبت بحقهم. بالمثل فشلت محاولة طمس الهوية المذهبية للعلويين الذين ازدادوا، بمرور الزمن، التفافاً حول هويتهم الجمعية، وخاصةً بعد صعود التيار الإسلامي (السني) إلى الحكم منذ العام 2002 . كذلك فشلت محاولة اقتلاع الإسلام من المجتمع، ليشهد مطلع القرن الواحد والعشرين صعوداً كبيراً للتيار الإسلامي الذي سيعيد صياغة معنى تركيا وموقعها من العالم.

السلام الكردي – التركي، من هذا المنظور، يشكل مفتاحاً لحل عقدة المشكلات التاريخية المزمنة، ومدخلاً مناسباً لتعميق التجربة الديموقراطية عبر صياغة دستور مدني عصري ينقل البلاد إلى المعايير العالمية للحقوق والحريات في مجتمع متنوع ومنفتح.

فالمناقشات المواكبة لعملية السلام، في الرأي العام التركي، ألغت جميع التابوهات التقليدية وكشفت الغطاء عن كل ما يعتمل في العمق الاجتماعي من تناقضات. الواقع أن حكومة أردوغان ذات الخلفية الإسلامية كانت الأقل تفاعلاً إيجابياً مع الديناميات التي أطلقتها بنفسها. فالوجود المديد في السلطة (11 سنة تخللتها 3 انتخابات عامة) والدعم الشعبي الكبير، أغريا الطاقم الحاكم، وخاصةً أردوغان، بعنجهية سلطوية وضيق صدر بالنقد واستفراد في تقرير مصير البلاد، اجتمعت معاً لتشكل سبب الانفجار الاجتماعي القائم اليوم انطلاقاً من المقاومة المدنية في منتزه تقسيم.

ولكن ما هي التوافقات التي تمت بين حكومة أردوغان وحزب العمال الكردستاني وصولاً إلى عيد النوروز الذي أعلن فيه أوجالان نهاية مرحلة الكفاح المسلح وبداية النضال السلمي لحركته الكردية؟

ما زالت بنود الاتفاق بين الطرفين يكتنفها الغموض "البنَّاء" إذا جاز لنا التعبير، ويتم تسريبها تباعاً لامتصاص ردود الفعل المتوقعة من المعارضة التركية المتشددة. ما أعلن حتى الآن هو انسحاب مقاتلي الكردستاني من الأراضي التركية باتجاه جبال قنديل في شمال كردستان العراق، وهو ما بدأ تنفيذه فعلاً في أوائل شهر أيار. بالمقابل انسحبت قوات الجيش التركي المتمركزة في جنوب شرق الأناضول حيث الكثافة السكانية الكردية، لكي لا تحدث أي احتكاكات من شأنها أن تقوض عملية السلام من أولها. الخطوة الثانية تتمثل في إجراء تعديلات دستورية للتخفيف من الصفة "التركية" للدولة ومؤسساتها، وإدخال نوع من الاعتراف بالهوية القومية الكردية واللغة الكردية. والحال أن الحكومة كانت وعدت بصياغة دستور أكثر عصرية وانفتاحاً، بدلاً من التعديلات الجزئية. لكن المسار يبدو متعسراً لأن تغيير الدستور القائم يتطلب توافقاً وطنياً غائباً بين الكتل البرلمانية والقطاعات الاجتماعية. كذلك يريد أردوغان تمرير تغيير النظام البرلماني القائم إلى نظام رئاسي ليختم حياته السياسية كأول رئيس منتخب من الشعب مباشرةً ويتمتع بصلاحيات واسعة، الأمر الذي ترفضه أحزاب المعارضة العلمانية والقومية المتشددة. ومن المفترض أيضاً إلغاء أو خفض حاجز العشرة بالمئة المطلوب الحصول عليها من الناخبين لدخول أي حزب البرلمان. وهو الحاجز الذي وضع أصلاً لمنع أي حزب سياسي كردي من دخول البرلمان.

كما تدور نقاشات غنية حول فكرة اللامركزية الإدارية التي يطالب بها الكرد ليتمكنوا من إدارة مناطقهم ذاتياً. وتجد هذه الفكرة جذورها لدى المفكر الليبرالي الأمير صباح الدين الذي كان قد طرحها في لحظة تفكك الامبراطورية العثمانية، ولم تحظ وقتها بآذان صاغية. أخيراً ثمة تسريبات حول إصدار الحكومة لقانون عفو عام يشمل عبد الله أوجالان إلى جانب مقاتلي الحزب ومناصريه المدنيين الذين بلغ عدد المعتقلين في صفوفهم الآلاف خلال السنوات الثلاث الماضية.

إعادة رسم الاستقطابات الاقليمية

تجمع الكثير من التحليلات على أن ما دفع بحكومة أردوغان إلى الانخراط في تسوية سياسية مع حزب العمال الكردستاني، بعد طول امتناع وتلكؤ، إنما هو الصراع الإقليمي الذي ازداد تبلوراً بمناسبة الثورة السورية ومن حولها. فهناك في جهة أولى إيران وعراق المالكي ونظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان، مقابل تركيا والسعودية وقطر ومعسكر 14 آذار اللبناني. والأمر الأكثر إثارة للحساسية التركية إنما هو سيطرة مقاتلي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني على المناطق الشمالية المحاذية للحدود التركية. وقبل عقد من الآن كان قد تشكل أول كيان كردي في التاريخ في شمال العراق، وإن كان في إطار فيدرالي. التحدي الجديد الذي طرحه حزب الاتحاد الديموقراطي على أردوغان، وهو المتورط بقوة في دعم المعارضة السورية التي تعمل على الإطاحة بنظام الأسد، دفعه إلى إعادة حساباته. فالسلام مع حزب العمال الكردستاني في الداخل سيتيح له احتواء الشمال السوري الكردي ويتقي شره. كما سيسمح بإعادة تموضع الحزب الكردستاني في سوريا، من مناصر لنظام الأسد إلى جزء من القطب الإقليمي السني الذي يضم أيضاً مسعود بارزاني والسنة العراقيين في مواجهة المالكي المرتبط بإيران.

وهنا يدخل أيضاً عامل النفط والغاز بمخزونهما الواعد في إقليم كردستان العراق (تفيد بعض التقديرات أن من شأن البدء باستخراج مخزون إقليم كردستان، أن يضع العراق في المرتبة الأولى عالمياً، قبل السعودية وروسيا). فبارزاني يحتاج تركيا متنفساً وحيداً في محيط معادٍ (إيران والحكومة المركزية في بغداد) لتصريف مخزون الإقليم من الطاقة، الأمر الذي من شأن تحققه أن يرسي الأسس الاقتصادية المتينة للانفصال التام عن بغداد وإعلان الدولة الكردية المستقلة. وتشكل الثورة السورية فرصة مؤاتية ليس فقط لكرد سوريا المتطلعين إلى كيان فيدرالي في مناطقهم، بل أيضاً لمسعود بارزاني الذي يأمل بتوسيع نطاق كيانه الكردي غرباً. وتصب محاولات بارزاني المتكررة للتوفيق بين جماعة أوجالان في سوريا والأحزاب الكردية التقليدية المنضوية في إطار "المجلس الوطني الكردي" في إطار طموحه الاستقلالي هذا. لم يكن أمام أردوغان، إذن، خيارات كثيرة. فإما التورط بصدام مباشر مع الفرع السوري للكردستاني، الأمر الذي سيدخل تركيا في نفق مظلم ويقضي على دورها الداعم للثورة السورية ضد نظام الأسد، أو التوافق مع الكردستاني في تركيا نفسها وبتوافق تام مع بارزاني. وهذا ما اختاره أردوغان.

من شأن الإدارة السيئة لأزمة تمرد ساحة تقسيم، كما ظهر إلى الآن، أن تقوض كل الجهود السابقة التي تم استثمارها سواء في عملية السلام الكردية – التركية، أو في الثورة السورية ومستقبل سوريا ما بعد الأسد. فقد تلقى أردوغان ضربة كبيرة جداً من حيث لا يحتسب: من جيل شاب دنيوي secular، لم يعد يحتمل نبرة أردوغان الأبوية الزاجرة ورغبته في تقييد حرياتهم الشخصية.

ما زال الصراع مفتوحاً بالنسبة لحكومة أردوغان على جميع الجبهات الداخلية والخارجية. ستؤثر الأحداث الراهنة على الاستحقاقات الانتخابية القريبة في السنتين القادمتين.