إنسوا الأسد

إن تكلفة إعادة إعمار سوريا ستصبح باهظة الثمن سياسياً واقتصادياً. ماهو استعداد الغرب للدفع؟

إن لم تستطع إسقاط الطاغية، تعاون معه، يبدو أن هذه هي النتيجة التي وصل إليها المجتمع الدولي بعد أربع سنوات كارثية في سوريا. ففي حين بدت أيام بشار الأسد معدودة في ٢٠١١،  يتزايد اليوم عدد الاشخاص الذين يقترحون  اعتباره جزء من الحل، كما وضّح مؤخراً  في فيينا مندوب الأمم المتحدة الخاص ستفان  دي مستورا.

كلما زاد تجاهل انتهاكات الديكتاتور السوري الفظ والمنهجي لحقوق الإنسان، كلما بدا أنه يتخذ مكانة الشريك الموثوق به لدى البعض. يعود هذا بشكل أساسي لإرهاب داعش والانتهاكات المرتكبة من قبلها،  حيث يُنظر للأسد، بدون تردد، على أنه أهون الشرور بالرغم من عدم التناسب بين حجم انتهاكات النظام ضد المدنيين -سواء من حيث النسبة أو الوحشية- وبين تلك المرتكبة من قبل جهات أخرى. وعليه فالإيحاء بأن الوضع في سوريا يمكن تهدئته عن طريق التعاون مع الأسد في حرب ضد الإرهاب ساذج بقدر سوء التخطيط  المتعلق بالتنفيذ الفعلي.

الحرب ضد الدولة الإسلامية تتطلب ثلاثة أمور: الوسائل، الإرادة، والإستراتيجية

إن نظام الأسد خاضع للعقوبات الدولية. غير أنه يستلم كميات هائلة من المساعدات المالية والعسكرية من إيران وروسيا. ما هي احتمالية محافظة حلفاء دمشق على هذا الدعم في حال تم إعادة تأهيل الأسد من قبل الغرب؟ في ظل الروبل الروسي الضعيف والتبعات الإقتصادية لإنخفاض سعر النفط على إيران، سيكون من مصلحة الإثنين تقليص مسؤوليتهم الناجمة عن انخراطهم في سوريا. إن تاريخ العلاقات الروسية السورية بشكل خاص يشير إلى أن موسكو كانت مهتمة بالتعاون مع سوريا فقط إن كان هذا يعني تسجيل موقف سياسي ضد الغرب.

وعليه فإعادة إعمار سوريا ستصبح باهظة الثمن سياسياً واقتصادياً. ماهو استعداد الغرب للدفع؟ 

يستمد  الأسد قوته في ساحة المعركة من الميليشيات السورية غير النظامية والمقاتلين الأجانب. كما قال صحفيان هولنديان قاما برحلة من دمشق عبر حماة إلى حلب مع الجيش السوري: "فيما عدا القوات الخاصة في حلب، نادراً ما شاهدوا قوات للجيش النظامي." تخلت الدولة السورية عن احتكارها لاستخدام القوة لصالح "جيش الدفاع الوطني"- مقاتلون من الميليشيات السورية إضافة إلى ميلشيات من إيران، العراق، لبنان وحتى أفغانستان. مثل هذه القوات غير المتجانسة قد تسبب الكثير من الضرر لكنها ستواجه صعوبة في تطبيق خطط المعارك الإستراتيجية.

لم يكن بمقدور النظام الدفاع عن جزء كبير من الشمال ضده حتى عندما كان مناوئ النظام، الجيش السوري الحر، سيء التجهيز. وحتى في بداية ٢٠١٣ صرح المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن أن قوة الجيش السوري تضاءلت إلى النصف عن قوته الأساسية. إعلان الأسد كشريك سهل- ولكن إلى أي مدى الغرب مستعد للمضي في تمكينه ليوافق توقعاته؟ بتزويده بالسلاح؟ بقوات على الأرض؟ والأكثر صعوبة حتى هو موضوع الإرادة السياسية. هدف الأسد هو إعادة إعمار دولية، بما يستطيع أن يضمن قوته. لكن الذي يستعد لفعله لتحقيق ذلك مازال معلقاً في الهواء. بداية، فإنه مدين أكثر بكثير لإيران وروسيا من الغرب. في حال تباينت المصالح يعتقد المرء أن الأسد المعروف بتمييز نفسه كمعاد للمواقف الغربية لن يجعل  المصالح الغربية فجأة من أولوياته

علاوة على ذلك، فإن النظام قد اعترف منذ وقت طويل بقيمة الإرهاب: فهو غير قادر على تلميع صورته من خلال اتخاذ خطوات إيجابية،لذلك  يعتمد النظام على استحضار ما يبدو أنه "البديل" الأسوأ. يكاد لا يوجد ما ينبه الغرب بقوة كالشعور بالتهديد الفعلي للإرهاب الإسلامي. لذا، لا يوجد أي سبب يجعلنا نعتقد أن الأسد سيتخلى أو يتخلص من ورقة رابحة قيّمة كالدولة الإسلامية. في ٢٠٠٣، استخدم النظام جل جهوده لتسهيل رحلة الجهاديين إلى العراق، ليتجنب أن يصبح هدفاً للقوات الإمريكية. تم سجن العائدين في السجون السورية وإطلاق سراحهم عمداً في ٢٠١١ بمحاولة  لتجسيد خطر الإرهاب. مما يؤدي إلى الاستنتاج أيضاً أن الدعم السوري هذه المرة ضد الإرهاب سيقتصر على جرعات مثلية وأن النظام سيحكم خيار استخدام الإرهاب كوسيلة ضغط.

فيما يتعلق بالإستراتيجية، إن العديد من السنة في المنطقة الآن يشعرون أن حياتهم أقل أهمية من حياة الأقليات في نظر الغرب. أغلب ضحايا عنف النظام من السنة، كماأنهم في حقيقة الواقع بالكاد تلقوا أي دعم ضد الأسد، وعلاوة على ذلك  فإن اعتبار المجتمع الدولي الآن  للأسد شريكاً محتملاً ضد الدولة الإسلامية، قد يضخم إدراك مؤامرة شيعية-غربية ضد السنة.   وفي حين أن الربح من خلال التعاون مع النظام في المعركة ضد الدولة الإسلامية غير محتم، فإنه من المؤكد أن مثل هذا التعاون من شأنه الدفع إلى تدفق مقاتلين جدد للدولة الإسلامية- ليس لأسباب عقائدية، ولكن ببساطة لأن السنة ليس لديهم أحد آخر يلجأون إليه لحمايتهم من النظام.

---

ترجمتها عن الانكليزية علا صالح