"تمييز وظلم وإجحاف"، بهذه الكلمات الثلاث تصف مسؤولة الوحدة القانونية في حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" في لبنان كريمة شبو حرمان الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي من حق منح جنسيتها لأسرتها.
وتعتبر أن التمييز ضد المرأة قائم في لبنان بالمقارنة مع الرجل الذي يمنح الجنسية لزوجته وأولاده، مضيفة أن الإجحاف بحق المرأة اللبنانية مرده حرمانها من حقها بالمواطَنة "الكاملة".
'حجج واهية'
وفي مقاربة للموضوع من الناحية القانونية، تشير شبو إلى أن الدستور اللبناني ينص على أن المواطنين والمواطنات متساوون أمام القانون بالحقوق والواجبات دون أي تمييز، مستدركة أن الواقع مختلف وبالتالي فإن القوانين تتضمن إجحافا وعدم مواءمة.
وتضيف شبو أن القوانين اللبنانية لا تتواءم مع الاتفاقيات الدولية التي تلزم إعطاء الحقوق بالتساوي للمواطنين، رغم توقيع لبنان تلك الاتفاقيات.
وفي مقابل طرح الحملة مطالب قانونية بناء على معطيات محددة، يتم الرد عبر "حجج واهية" لعدم تعديل القانون، وفقا لكريمة شبو.
ويتمحور الرد حول "الحفاظ على التوازن الديموغرافي"، أو "حق العودة وعدم التوطين" بالنسبة للفلسطينيين.
وفي هذا السياق، تقول شبو إن الحق لا يخضع لجنس أو دين، ولا يخضع لأي اعتبارات طائفية ومصالح سياسية، مشددة على أن المطالبات لا تتطرق للموضوع من زاوية سياسية، لكن ينظر إلى القضية من جانب المرأة اللبنانية وحقها بغض النظر عن جنسية الزوج.
وتضيف "لمناقشتهم بالمنطق نفسه الذي يحاجون به، وفي حال كانت المسألة تتمحور حول التوطين، يمكن قلب المعادلة ونطرح السؤال التالي: لماذا الزوج اللبناني يعطي الجنسية للمرأة الفلسطينية؟".
قانون الجنسية.. منذ الانتداب
تتحدث شبو عن عوائق أمام شعارات تتغنى بانفتاح لبنان وتطوره، شعارات كادت أن تتحول إلى ظاهر فحسب، بينما الأساس لا يزال يعود لعام 1925 (قانون الجنسية منذ الانتداب الفرنسي).
فالمادة الأولى من هذا القانون تنص على أنه يعدّ لبنانيا كل شخص مولود من أب لبناني، فيما يدور الصراع حاليا على إدخال تعديل على المادة وإقران المرأة فيه، على أن يعدّ لبنانيا كل شخص مولود من أب لبناني أو أم لبنانية.
أما المادة الخامسة من القانون، فتنص على أن المرأة الأجنبية التي تقترن بلبناني تصبح لبنانية بعد مرور سنة على الزواج.
وعليه، تسعى الحملة لإجراء تعديل يضمن منح المرأة اللبنانية الجنسية لزوجها الأجنبي وأولادهما.
وتقول مسؤولة الوحدة القانونية في حملة "جنسيتي" إن التعديلات التي تنشدها الحملة يجب أن تأتي بما يحقق المساواة بين الجنسين.
وللإشارة، أجري تعديل واحد فقط على هذا القانون عام 1936، وتحديدا على المادة التي كانت تنص على إسقاط الجنسية من المرأة اللبنانية في حال تزوجت من أجنبي والتحاقها بجنسية الزوج، فلم يعد مفعول إسقاط الجنسية قائما بعد التعديل.
والمثير للجدل، أن المرأة اللبنانية تعطي الجنسية لأولادها في حالة واحدة فقط، وذلك في حال كان الولد غير شرعي، فيسجل مجهول الأب ويمنح الجنسية اللبنانية.
واقع وتحديات
تقول المسؤولة القانونية إن المشكلة ليست بالجنسية فقط، إنما بتبعات الموضوع أيضا، نظرا لتجارب ومواقف مزعجة تتعرض لها الأسرة برمتها.
وأثمر العمل الدؤوب تعديلات إجرائية على شروط إقامة زوج المرأة الأجنبي وأولادها في لبنان، والتخلص من خطر الترحيل من البلاد.
وفي عام 2010، وبعد نحو ثماني سنوات على إطلاق الحملة جرت تعديلات نصت على "إقامة مجاملة"، وهي إقامة مجانية لأسرة المرأة اللبنانية، مع تجديد صلاحيتها.
ولا يزال العمل مستمرا نظرا لمعاناة أولاد المرأة اللبنانية من المنع من ممارسة بعض المهن، أو منعهم من الانتماء للنقابات.
أما بالنسبة للمدارس فأولوية القبول تكون للطلاب اللبنانيين، ولكن توصلت الحملة في العام الماضي إلى استثناء أولاد الأم اللبنانية.
وتخلص شبو إلى أن "عقيلة ذكورية" تهيمن على الشركات، ويمارسها رجال السياسة في لبنان.
الطائفية.. أبرز الأسباب
يصف النائب اللبناني سمير الجسر هذه القضية بـ"المشكلة المعقدة"، وهي تدخل ضمن التعقيدات في لبنان، حسب رأيه.
وشدد الجسر على تأييده لهذه المسألة باعتبار أن منح الجنسية هو حق للمرأة، في حين إن الواقع اللبناني والوضع الطائفي فيه يحول دون إنجاز تقدم قانوني في هذه القضية.
وتطرق النائب اللبناني إلى مشكلة تأييد البعض منح الأم اللبنانية جنسيتها لأسرتها في العلن، في حين يعملون في الواقع بشكل مخالف ويضعون العراقيل.
وفي تفسير لذلك، يقول الجسر إن هذا مرده إلى "حسابات طائفية"، بمعنى أن البعض يحصي عدد النساء من طائفة معينة ويجري تحليلات في سياق طائفي.
واستنادا إلى مقولة أن "الجنسية هي عقلية"، يقول الجسر إن الدول تعطي الجنسية للأفراد المقيمين فيها بعد أعوام نظرا لاكتسابهم ذهنية البلد وإمكانيتهم على التأقلم فيه.
وفي الختام، يشير الجسر إلى أنه لا بد من التساؤل حول هذه القضية من منطلق أن الأب اللبناني يعطي الجنسية، ولكن لماذا الأم محرومة من ذلك؟
القانون.. ذريعة
وفي قراءة للقضية، يؤكد المحامي اللبناني علي الدبس عدم وجود أي نص في القانون اللبناني يُلزم منح الأم اللبنانية جنسيتها لأسرتها.
ويوضح المحامي أن المعارضين لإعطاء المرأة اللبنانية جنسيتها يتخذون من هذا النص ذريعة، حيث لا تتطرق أي مادة فيه إلى منح الأم الجنسية.
ويشير المحامي علي الدبس إلى أن المجلس النيابي "سيد التشريع"، وبالتالي في حال تم إقرار مشروع قانون حول هذه القضية، سيصبح نافذا.
ولكن من يمنع مجلس النواب من التقدم بهذه الخطوة، هي الظروف السياسية والقوى الفاعلة في المجلس، وفقا للمحامي.
ويضيف الدبس أن هناك قوى طائفية تسمو مصالحها على القانون، في حين لا أحد يصرح علانية بمعارضته منح الأم اللبنانية جنسيتها بل يكون هناك ممارسة بالخفاء لمنع هذا الموضوع.
ويتابع المحامي الدبس أن ما من كتلة نيابية أو نواب كأفراد يجرؤون على القول على العلن إنهم يعارضون أو يرفضون هذا الإجراء.
أما بالنسبة للرأي العام اللبناني، فيلفت الدبس إلى عامل الانتماء الطائفي في لبنان، وبالتالي تعيش البلاد في قبضة النظام الطائفي على الحكم.
تجارب رائدة
انطلقت الحملة من لبنان عام 2002، ومن ثم إلى دول عربية أخرى حققت فيها إنجازا.
ففي مصر، استطاعت الأم منح الجنسية لأسرتها عام 2004، تلتها الجزائر عام 2005، والمغرب عام 2007.
أما الحالة التونسية، فهي تعتبر رائدة في هذا المجال، إذ تمّ إقرار القانون منذ عام 1936، وجرى لاحقا تعديل على التعديلات السابقة.
وفي لبنان، عملت الحملة على تغيير الخطاب تجاه المرأة المتزوجة من أجنبي، فبعدما كان يُنظر للقضية على أنها سبق صحافي، أو أن المرأة "مسكينة" وحالتها تستدعي الشفقة، أصبح ينظر لها من جانب حقوقي، وفقا لحملة "جنسيتي".
"القصة ليست استجداء، ولكن حق. وسنأخذه بالقوة".. هكذا أصبح خطاب المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي، وفقا لشهادات نساء معنيات.