مقدّمة: حكايا الدفاع عن النفس
في العام 2010، تخيّل المخرج محمد دياب في فيلمه 678 ما يمكن أن يحدث في القاهرة فيما لو توقّفت النساء عن تحمّل التحرّش الجنسي في الطرقات وفي وسائل النقل العام، وقرّرن بدلًا من ذلك الردّ على هذه التطفّلات بالعنف. وفي مشهدٍ بارزٍ، تصعد فايزة، إحدى الشخصيات الرئيسة في الفيلم، إلى باصٍ مكتظٍّ كالعادة حيث تتعرّض للملامسات في غالب الأحيان، لتجد مشهدًا شديد الغرابة: الركاب مصطفّون/ات باحترامٍ، الرجال في جهةٍ والنساء في جهةٍ أخرى، تفصل بين المجموعتين مسافة معيّنة. “ما خطب الرجال اليوم؟” تصرخ إحدى النساء في الباص، غير عالمةٍ بعمليات الطعن التي ملأت أخبارها عناوين الصحف في ذلك الصباح. يقدّم دياب مسألة الدفاع عن النفس كتدبيرٍ أخيرٍ للوضع غير المحتمل الذي يدفع بالنساء إلى حافّة الجنون. وبينما تضطرّ فايزة في كلّ يومٍ إلى تحمّل التحرّش الجنسي، تلجأ صِبا، بطلة الفيلم الأخرى، إلى الدفاع عن النفس بعد تعرّضها لاعتداءٍ جنسيٍ جماعيٍّ في خلال الإحتفالات بفوز المنتخب المصري في كرة القدم. وتولّد صدمة الإعتداء مسافةً بين صِبا وزوجها الذي يعجز عن التعامل مع ألم زوجته: إذ بعد مشاهدته انتهاك زوجته العلنيّ، يُصاب بالذنب والعار لفشله في تأدية دوره كحامٍ لها.
ويطرح دياب في الفيلم ما يُقصد به التوصّل إلى خاتمةٍ سعيدةٍ كحلٍّ لهذا الخيال السياسي، إذ يقرّر التحرّي المسؤول عن التحقيق في حوادث الطعن العفو عن النساء بعد وفاة زوجته في أثناء المخاض، تاركةً إيّاه من دون وريثٍ ذكرٍ كان يرغب به بشدّة. عوضًا عن ذلك، يبدو أن طفلة التحرّي المولودة حديثًا تفتح عينَي أبيها على محنة النساء المصريّات. وفي المشهد الختامي، تظهر نيللي، البطلة الثالثة في الفيلم، وهي في المحكمة تتعرّض للضغوط من حموَيها المستقبليّين لتسقط الدّعوى ضدّ رجلٍ أمسك بها من الفان في أثناء سيرها إلى منزلها. وعندما يطلب إليها القاضي تأكيد طلب محاميها بإسقاط دعوى التحرّش الجنسي، يعارض خطيبها علنًا قرارها بسحب الشّكوى، ويشجّعها على السّير بها. ينتهي الفيلم بإشارةٍ إلى إدانة المتحرّش وتجريم التحرّش الجنسي في مصر، وهو حدثٌ يحاكي القصّة الحقيقيّة لنهى رشدي، المرأة التي فازت بأوّل قضيّة تحرشٍ جنسيِ في مصر في العام 2009[1]. وضمن هذه السرديّة، تُقدّم الدولة المتجسّدة في شخصَي التحرّي والقاضي كحاميةٍ جديدةٍ للنساء في سياقٍ لم تعد تُعتبر فيه أشكال الحماية الذكورية التقليديّة فعّالة. هكذا، بتبنّيه التغيير القانوني والسياسي والدّعم الضروري من الرجال، يستبعد دياب إمكانية لجوء النساء إلى الوسائل المستقلّة ذاتيًا للدفاع عن النفس، طارحًا حلًا أكثر محافظةً للتحرّش الجنسي في المكان العام.
عادت مسألة الدفاع عن النفس إلى الواجهة مجدّدًا بعد ثورة يناير 2011، مع تزايد وتصعيد التحرّش الجنسي والإعتداءات الجنسية في خلال التظاهرات وفي الأماكن العامة بشكلٍ عام. في الأيام والسنين التي تلت إسقاط حسني مبارك، باتت الإعتداءات الجنسية الجماعية التي ترتكبها جماعاتٌ كبيرةٌ من الرجال أمرًا شائعًا في ميدان التحرير ومحيطه في خلال التظاهرات الجماهيريّة (El Nadeem et al. 2013; FIDH et al. 2014) ، كما ازدهر في تلك الفترة التحرّش الجنسي في الطرقات وفي وسائل النقل العام (El Deeb 2013; Fahmy et al. 2014). ونظرًا إلى فشل الدولة في تحديد الفاعلين ومحاسبتهم على هذه الإنتهاكات، وجّهت مجموعات حقوق الإنسان وحقوق النساء الإتهام إلى المسؤولين في السلطة بالتآمر مع مرتكبي العنف (El-Nadeem et al. 2013)، في الوقت الذي بدأت تظهر فيه بعفويّةٍ مبادراتٌ متعدّدةٌ هادفةٌ إلى منع ووقف هذه الإنتهاكات على الأرض.
إستنادًا إلى البحث الميداني المُجرى في القاهرة بين سبتمبر 2014 ويونيو 2015، بالإضافة إلى المصادر الثانوية التي تتناول موضوع الدفاع عن النفس في مصر، يبحث هذا المقال في ممارسات واستراتيجيات ومجتمعات الدفاع عن النفس التي ظهرت في العاصمة المصرية لاسيما بعد العام 2011[2]. في هذا التحليل، أميّز بين نوعَين من الدفاع عن النفس: يركّز القسم الأول على ما أصفها بالأنماط “المحافِظة” في الدفاع عن النفس، وهي برأيي تشمل المطالبات بالحقّ في الدفاع عن النفس حسبما تصوغه أطرافٌ خاصّةٌ وعامّةٌ بإسم الأمن وحفظ النظام. وأجادل أن تعبيرات الدفاع عن النفس هذه تعمل من خلال تشكيل “آخرٍ” بصفته تجسيدًا للفوضى، وبالتالي منح الأولويّة لإعادة الإستقرار والنظام في إثر ثورة 25 يناير. أما القسم الثاني، فيتطرّق إلى الدفاع النسوي عن النفس، وهو تعبيرٌ عمّا أسمّيه بالأنماط “الراديكاليّة” في الدفاع عن النفس[3]. ومن خلال مقابلاتٍ أجريتها مع عضواتٍ في مجموعتَي “قوّة ضد التحرّش” (OpAntiSH) و”ويندو” (WenDo)، أعاين الطرق العديدة التي تحدّت هذه المبادرات من خلالها منطق الحماية الذكورية وحماية الدولة التي ترسّخ العلاقات الجندرية التقليدية في مصر. في الختام، أناقش أهمية الدفاع النسوي عن النفس ضد العنف الجنسي في المكان العام في ضوء التدابير السياسية والقانونية الأخيرة التي اعتمدها نظام عبد الفتاح السّيسي لتجريم التحرّش الجنسي.
الخوف من الفوضى والدفاع عن النفس في مصر
راج تكتيك الدفاع عن النفس في إثر ثورة 25 يناير، لكن ليس بالضرورة بطرقٍ تحرّرية. بالطبع، المثال الأكثر خطورةً على استخدام الدفاع عن النفس كتبريرٍ لاستخدام العنف ورد في خطاب اللواء السّيسي في تاريخ 26 يونيو 2011، حين صرّح بأنّ القوات العسكرية أجرت فحوص عذريّةٍ للمتظاهرات من النساء “دفاعًا عن النفس ضد الإتهامات المحتملة بالإغتصاب” (Borkan 2011). وشكّل هذا التصريح جزءًا من حملةٍ عامةٍ أوسع للتشكيك في المناضلين/ات الثوريين/ات في خلال فترة الحكم العسكري التي تلت إسقاط حسني مبارك في تاريخ 11 فبراير2001 (Hafez 2014: 24). ومن خلال خطابٍ فعّل قيم العائلة الأبوية والقواعد الأخلاقية، هدف المجلس الأعلى للقوات المسلّحة إلى إعادة فرض سيطرته على المساحة العامة بعد الثورة، عبر طرح المتظاهرات النساء كـ”منحلّات جنسيًا” وبالتالي شرعنة استخدام العنف الجنسي ضدّهن (المرجع السابق: 27).
عملت مشاريع الدفاع عن النفس التي ظهرت في البلاد في خلال أيام الثورة الثمانية عشر (من 25 يناير حتى 11 فبراير، 2011) وفق أنظمةٍ جندريةٍ أكثر تباينًا. في يوم 29 يناير 2011، هرب عدّة آلاف من المساجين من سجن وادي النطرون ومن ثلاثة سجونٍ أخرى (Fayed and Saleh 2011)، وترافق هذا مع انسحاب الشرطة من الشوارع، ما ولّد شائعاتٍ كثيرةً عن وجود عصاباتٍ مسلّحةٍ من المجرمين والسّارقين حول القاهرة (Saleh 2011; Tisdall 2011). واستجابةً لهذه التهديدات المتصوّرة، برزت بسرعةٍ ممارسات الدفاع عن النفس الجماعية. في مجتمع “سيتي فيو” المبوّب في ضاحية 6 أكتوبر في القاهرة، أغلق السكّان الذكور وطواقم الأمن البوّابات بالمركبات، ونظّموا أنفسهم في دواماتٍ نهاريّةٍ وليليّةٍ لحراسة المجمّع من الدّخلاء. “لم نكن نعلم كميّة السلاح التي كانت في حوزة الناس” قالت لي إحدى القاطنات المصريّات (مقابلة 23 مايو، 2015) مستذكرةً الإضطراب في تلك الأيام، ثمّ أضافت أنّ السكّان كانوا “محظوظين/ات” أن كان من بينهم/ن قنّاصٌ سابقٌ في الجيش، إذ كان يراقب الأرض الخالية حول المكان ليلًا، ويصعد إلى أعلى نقطةٍ في المجمّع حاملًا بندقيّته المزوّدة بمنظارٍ ليلي (المرجع السابق) [4].
لم تنحصر مبادرات الدفاع عن النفس الجماعية في المناطق الميسورة، بل شملت القاهرة بالكامل. في أحياء كثيرةٍ، نشأت “لجان شعبيّة” مؤلّفةٌ من شبّانٍ مسؤولين عن حماية المنطقة (Reuters 2011). وبعد أيام الثورة الثمانية عشر، تحوّل بعضها إلى التنظيم على الصعيد المحلّي بهدف تنمية المجتمع وإصلاحه [5] (Mossallam 2011; El-Meehy 2015). لكن معظم هذه اللّجان نشأ فقط لملء الفراغ الأمني وكحلٍّ مؤقّتٍ لحفظ النظام في أوقات الفوضى، وبالتالي اختفى مع عودة الشرطة. وبينما اتّسمت هذه اللّجان بالنشاط، عكس تكوينها الديناميّات الجندرية التي تُموضِع الرجال كحماةٍ والنساء كمحتاجاتٍ للحماية في أوقات الأزمات، كما استنسخت طرق تنظيمها في غالب الأحيان إجراءات الشرطة في المراقبة والتحكّم.
وأدّى تزايد تصوّرات انعدام الأمان في الأماكن العامة إلى تصاعد خوف النساء من العنف الجنسي. وفي ضوء هذا، شهدت فترة ما بعد ثورة 25 يناير شيوع أدوات الحماية الشخصية وتكاثر صفوف الدفاع عن النفس المتاحة للنساء، لاسيما في الأحياء الثرية. وبحسب ما أسرّت لي إمرأةٌ أجنبيةٌ تقطن في مجمّع “قطاميّة هايتس” المبوّب، فإنّها كانت تبقي في سيارتها دومًا مسدّس تيزر (سلاح الصعقة الكهربائية) وتحمله معها كلّما تجوّلت في المدينة وحدها، لا “خوفًا” بل “حيطةً” (مقابلة 3 مايو، 2015). وكما تلحظ لاتشينال (Lachenal 2014: 58) في الإثنوغرافيا خاصّتها عن تدريب الدفاع عن النفس لنساء الطبقة العليا في القاهرة بعد الثورة، فإنّ مشاعر الهشاشة لدى النساء فتحت “سوقًا جديدةً من الفرص المتعلّقة بالأمن الشخصي”. وفي الصفوف التي تصفها، يبرز تعريف النساء كزوجاتٍ وأمّهاتٍ، وهو موقع يتضمّن حاجتهنّ إلى الحماية ومسؤوليّتهن في حماية أولئك ممّن هم/ن تحت رعايتهنّ.
لكن أمثلة دفاع النساء عن أنفسهنّ موجودةٌ في مصر منذ ما قبل ثورة 25 يناير. في العام 2009، وعلى الأرجح في الفترة التي تلت الإعتداءات الجنسية الجماعية في عيد الفطر من العام 2008، أشارت تقارير إلى أن النساء يتعلّمن كيفيّة مجابهة التحرّش الجنسي من خلال دروسٍ في الفنون القتالية دوجو [6] (Fraser 2009). لكن على عكس الصفوف التي تقتصر على النساء فقط والتي أصفها في القسم التالي، كانت هذه الصفوف مختلطةٌ بحيث يمكن للنساء التمرّن على لكمات وركلات الكاراتيه بإشراف مدرّبٍ ذكر. وفي الفترة ذاتها، شكّلت موظّفات شركة “فالكون” الأمنيّة الخاصّة مجموعةً أخرى من النساء اللواتي يمارسن الدفاع عن النفس في القاهرة (Wedeman 2009). وهؤلاء “السيدات الحارسات” المدرّبات للعمل كمرافقاتٍ للنساء المصريات والأجنبيات البارزات، يقمن اليوم بمهمّة التحقّق من هويّات الطالبات وتفتيش حقائبهنّ عند بوّابات جامعة القاهرة. وتمثّل هذه الأمنَنة المتزايدة جزءًا من مجموعة تدابير إتّخذها نظام السّيسي في حرم الجامعات لسحق أيّ تمرّدٍ سياسيٍ ضدّ الإنقلاب العسكري الذي نحّى محمد مرسي في يوليو من العام 2013 (Khorshid 2014).
وسواءٌ شكّلت الأمثلة الواردة أعلاه إستراتيجيّاتٍ جماعيّةً لحفظ النظام، أو مشاريع فرديّةً لحماية الذات، أو حقّقت مطالب ناميةً لسوق الأمن النيوليبرالية، فإنّها تتّسم بعاملَين مشتركَين: الأوّل، هو فهم الدفاع عن النفس كامتيازٍ شخصيٍ بحسب الشخوص الذين/اللواتي يحقّ لهم/ن ممارسة العنف دفاعًا عن أنفسهم/ن، أو ملكيّتهم/ن أو أقاربهم/ن. ويعترف قانون العقوبات المصري الصّادر في العام 1937 بحقّ الدفاع الشّرعي عن النفس، وينصّ في المادّة 245 على أن “لا عقوبة مطلقًا على من قتل غيره أو أصابه بجراحٍ أو ضربةٍ أثناء استعماله حق الدفاع الشّرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله” [7] (Reza 2011: 191). لكن هذا الحقّ مقيّدٌ بمادّتَين: المادّة 247 التي تبطل حقّ الدفاع عن النفس حينما يكون متاحًا للأشخاص اللّجوء إلى القانون لتحقيق الحماية، والمادّة 248 التي تمنع مقاومة السّلطات بإسم الدفاع عن النفس “ولو تخطّى (مأمور الضّبط) حدود وظيفته” (المرجع السابق: 192). ومن خلال هذه الأحكام المقيِّدة، يُخضِع قانون العقوبات الحقّ في الدفاع عن النفس إلى احتكار الدولة للعنف.
إنّ مفهوم الدفاع عن النفس المُصان في قانون العقوبات والمعكوس في الأمثلة الواردة أعلاه، محفوظٌ بشكلٍ مثاليٍّ في الموادّ الترويجيّة لـ”أكاديميّة الحماية” (الصورة 1) وبرنامجها للدفاع عن النفس المُعلن عنه في مجمّع “القطاميّة هايتس” المبوّب، أحد أكثر المجمّعات ترفًا في الضاحية الصّحراوية في مصر الجديدة. متوجّهًا إلى شخصٍ مذكّرٍ في دوره كحامٍ لأسرته، يقول الملصق الإعلاني: “هل تريد أن تكون قادرًا على حماية نفسك؟ هل تريد أن تكون قادرًا على حماية زوجتك وأولادك؟ هل تريد أن تكون زوجتك قادرة على حماية نفسها وأولادها؟ … هل تريد حقًا حماية سيارتك والتعامل مع الخارجين عن القانون؟”. وتتصدّر هذه الأسئلة المكتوبة بالعربية وبالإنكليزية الملصق وسط مشهديّةٍ عدائيّةٍ تهيمن عليها قبضةٌ مقفلةٌ توجّه لكمةً أماميّةً، وسلسلة أشكالٍ في كعب الملصق تمثّل التطوّر المُتخيّل من قردٍ إلى محارب.
أما العامل الثاني الذي تشترك فيه تعبيرات الدفاع عن النفس المختلفة فهو تحديد “الآخر” – “الخارجين عن القانون” في ملصق “أكاديميّة الحماية” – وهو مصدر الخطر على الذات، والملكيّة والمجتمع. في لقاءات غريبة (Strange Encounters) تجادل أحمد (Ahmed 2000: 3) أن شخص الغريب/ة يُنتج “لا بصفته ذاك الذي نعجز عن التعرّف إليه، بل كذاك الذي تعرّفنا إليه مسبقًا بصفته ’غريبًا‘”. وبحسب الكاتبة، يخلق خطاب خطر الغريب/ة شخص الغريب/ة كأحدٍ ما يهدّد “مساحة المجتمع المنقّاة” بمجرّد وجوده/ا فيها، وبالتالي لا بدّ من طرده/ا من أجل حماية مساحة الإنتماء المشتركة هذه (المرجع السابق: 22). بالنسبة إلى أحمد، إنّ المنفعة الإجتماعية والأخلاقية المنشودة التي يعبّر عنها المجتمع وتفرضها مجموعات الحراسة مثل “حرس الحيّ”، ليست سوى وسيطًا لحفظ قيمة الملكيّة وحمايتها في هذه المساحات (المرجع السابق: 27). وفي هذا السياق، تتجلّى تصوّرات الأمان والخطر بواسطة “تأويلات العرق والطبقة والمظهر الخارجي” (Koskela 2005: 262). وتمثّل هذه التقييمات وسائل فوريّةً يستخدمها الأفراد للتمييز بين غرباء وغريباتٍ آمنين/ات وآخرين وأخرياتٍ غير آمنين/ات في اللّقاءات اليومية في المساحة العامة، كما تستخدمها المجتمعات لتحديد الأجساد المثيرة للريبة، والواجب بالتالي استهدافها بالمراقبة والسيطرة. وكما تلاحظ أحمد (2000: 25)، هناك أجسادٌ – ذات دلالاتٍ جندريّةٍ وعرقيّةٍ وطبقيّةٍ معيّنةٍ – تُعتبر في أصلها خطيرة، إذ أنّ علاقات القوّة الموجودة “تسِم بعض الآخرين والأخريات كغرباء وغريباتٍ أكثر من آخرين وأخريات غيرهم/ن” (التوكيد للكاتبة).
في القاهرة، جرى تخيّل هذا “الآخر” على امتداد العقود الماضية من خلال شخصيّاتٍ مختلفةٍ تتعايش مع بعضها البعض. إحدى هذه الشخصيّات هي شخصيّة المتحرّش: وقد عرّفته الأبحاث المبكرة والناشطون/ات وروّج له الإعلام على أنّه شابٌّ عاطلٌ عن العمل ومُفقرٌ وغير قادرٍ على تحمّل تكاليف الزواج نظرًا لتراجع الأوضاع الإقتصادية في مصر، وهو يلجأ بالتالي إلى الحملقة والملامسة كمتنفّسٍ لإحباطه الجنسي، وكوسيلةٍ “لاستعادة رجولته رمزيًا في المكان العام” [8] (Peoples 2008: 3). وعبر التركيز على تحرّش الغرباء كمصدر تهديدٍ رئيسٍ لأجساد النساء وشرفهنّ، يُحيل هذا الخطاب أشكالًا أخرى من العنف الجنسي ضدّ النساء غير مرئيّةٍ على الرغم من كونها منتشرةً بالقدر ذاته، كتلك التي تحدث في المساحة الخاصّة في البيت أو في مكان العمل على يد الأقرباء والزملاء[9]. بالإضافة إلى هذا، إنّ تأطير هذه الظاهرة من قبل المنظّمات غير الحكومية كمشكلةٍ ناجمةٍ عن التسيّب الأمني، قد خدم تبرير الأمنَنة المتنامية للمساحات العامة وتمدّد عنف الشرطة ضد شبّان الطبقة العاملة [10] (Amar 2011: 318).
أما الشخصية الأخرى التي تغذّي القلق من الفوضى، فهي الجموع الفقيرة التي ستهبّ من العشوائيّات لتُقلق “راحة أحياء الطبقة الوسطى” [11] (Karawya 2009: 100). واقتات هذا الخوف منذ أواسط الـ2000 على أفلامٍ مثل “حين ميسرة” لخالد يوسف، كما استغلّته خطابات الإعلام والسلطة قبل ثورة 25 يناير[12]. تحديدًا، ساهم اختراق الجماعة الإسلامية المسلّحة لحيّ إمبابة غير النظامي في التسعينات في صياغة خطابٍ وَسَم العشوائيّات “كمراكز لانعدام القانون، والتطرّف، والجريمة والفقر” (Bayat and Denis 2000: 197).
أخيرًا، هناك شخصيّة البلطجي المرتبطة بشدّةٍ بهذه الأحياء، والمقدّمة تاريخيًا على أنّها “الآخر” الإجتماعي والسياسي الذي يعرّض التناغم الإجتماعي للخطر[13]. ومن اعتبارهم “إرهابيين إجتماعيين” وتهديدًا للأمن القومي في التسعينات (Ismail 2006: 122)، تحوّل البلطجية في خلال الـ2000 إلى أداةٍ قيّمةٍ بيد الشرطة التي وظّفتهم كمخبرين لترهيب المتظاهرين/ات (Amar 2011: 308). وبرز مثالٌ مفضوحٌ على هذا التعاون في 15 مايو من العام 2005 (المعروف بالأربعاء الأسود)، عندما قام بلطجيّةٌ مرتبطون بالحزب الوطني الديموقراطي التابع لمبارك بمهاجمة تظاهرةٍ نظّمتها حركة كفاية المعارِضة، وأقدموا على الإعتداء جنسيًا على النساء الناشطات[14]. ومع تقدّم ثورة 25 يناير، أصبح البلطجيّة “تهديدًا جماعيًا ومباشرًا” في إثر انسحاب الشرطة من الشوارع (Ghannam 2012: 34). وفي خلال أيام الثورة الثمانية عشر، إستُخدم مصطلح البلطجيّة في غالب الأحيان للإشارة إلى البلطجيّة الذين تستخدمهم الدولة لمهاجمة المتظاهرين/ات في ميدان التحرير، لكنّه استُخدم بعد ذلك أيضًا من قبل أطرافٍ مختلفةٍ (من بينها المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة) بغرض تشويه صورة الخصوم وإظهارهم/ن بمظهر التهديد للمجتمع (المرجع السابق: 35، الملاحظة 16).
وتصوّر الأنماط المحافِظة في الدفاع عن النفس إحدى هذه الشخصيّات – أو مزيجًا منها – كسببٍ يبرّر حاجتها إلى الحماية. وتبرز هنا صفوف الدفاع عن النفس التي تصفها لاتشينال (2014: 70)، والتي يشجّع فيها المدرّبُ النساءَ المشارِكات على تصوّر أنفسهنّ أمام بلطجيٍّ يوصف كرجلٍ “قذرٍ” و”سيّء الهندام”، ذي “ندوبٍ في الوجه”، و”يرتكب الجرائم لقاء المال” (المرجع السابق). ويحمل هذا التوصيف اختلافاتٍ طبقيّةً واضحةً بين المتدرّبات من الطبقات العليا والمتحرِّش المُتخيّل، كما يعكس مخاوف عميقةً لديهنّ من استباحة أجسادهنّ وأحيائهنّ وتلويثها في إثر ثورة 25 يناير. لكن بموازاة هذه الأشكال من الدفاع عن النفس المرتكزة على تحديد “الآخر” والتعبئة ضدّه، برزت في مصر بعد العام 2011 أنماطٌ أكثر راديكاليّةً في الدفاع عن النفس.
الدفاع النسوي عن النفس ضدّ التحرّش الجنسي في المكان العام
في يوم 25 يناير من العام 2013، أي في الذكرى الثانية لثورة 2011، تعرّضت تسع عشرة امرأةٍ لاعتداءاتٍ جنسيةٍ جماعيّةٍ في ميدان التحرير وجواره (El Nadeem et al. 2013). ومثّلت هذه الهجمات تصعيدًا في “حلقات الجحيم” التي انتشرت في التظاهرات منذ يونيو 2012 (المرجع السابق: FIDH et al. 2014). وكانت هذه الحادثة المرّة الأولى التي تُصاب فيها نساءٌ عدّةٌ بالجراح الناجمة عن استخدام الشّفرات والأسلحة الأخرى (EIPR 2013). وردًّا على هذه الهجمات، نظّمت النساء مسيرةً يوم 6 فبراير من العام 2013 في وسط البلد في القاهرة، رافعاتٍ سكاكين المطبخ في الهواء وحاملاتٍ لافتاتٍ هدّدت بالثأر الجسدي من المعتدين (الصورة 2). وفي يوم 12 فبراير من العام 2013، دعت مجموعة “إنتفاضة المرأة في العالم العربي” الناشطة على شبكة الإنترنت، إلى تظاهرةٍ عالميّةٍ ضد الإرهاب الجنسي إدانةً لهذا العنف[15]. وتحضيرًا لهذا الحدث، شاركت الرسّامة دعاء العدل على الإنترنت رسمًا يظهر المطربة المصريّة أم كلثوم حاملةً سكينًا مع تعليقٍ يقول “للصّبر حدود”. وانتشر رسم العدل على تويتر، كما أُعيد استخدامه لاحقًا في لافتاتٍ على صعيدٍ عالمي، ما ساهم في تعميم سرديّات الدفاع عن النفس في مصر وخارجها.
لكن ممارسات الدفاع الجماعي عن النفس كانت حاضرةً في ميدان التحرير منذ أواخر العام 2012. وفي 30 نوفمبر من العام 2012، نشأت مبادرة “قوّة ضد التحرّش” ردًّا على تعرّض تسع نساءٍ للإعتداء الجنسي في محيط الميدان[16]، وكانت مهمّتها المباشرة منع ووقف الإعتداءات الجنسية الجماعية التي غدت شائعةً في المنطقة آنذاك، واستخدام العنف حينما يلزم الأمر. ولهذا الغرض، إعتمدت المبادرة على عددٍ متزايدٍ من المتطوّعين/ات من الشابّات والشبّان الذين/اللواتي كانوا/كنّ ناشطين/ات في التظاهرات أو في مجموعاتٍ تعمل على مسائل التحرّش والإعتداء الجنسي في المكان العام، مثل “نظرة للدراسات النسوية” أو “خريطة التحرّش” (HarassMap). وكما تلحظ دالية عبد الحميد، مسؤولة الجندر وحقوق النساء في “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” (EIPR) والمتطوّعة في “قوّة ضد التحرّش”، فإنّ “قوّة ضد التحرّش” تحدّت “التقسيم النمطيّ للعمل” الذي ينصّ على وجوب مشاركة الرجال فقط في فرق التدخّل التي كانت تنقذ النساء المُعتدى عليهنّ، إذ رفضت المجموعة منذ البداية حصر دور المتطوّعات في المهمّات والدّعم اللّوجستي (مقابلة 16 مارس، 2015).
وعرّفت مبادرة “قوّة ضد التحرّش” عن نفسها كمشروعٍ “يساري-نسوي-ثوري”، رافضةً السرديّات التي فعّلت مفاهيم الشرف لإدانة العنف الجنسي في المكان العام، أو تلك التي خاطبت المنطق الذكوري الحمائي مطالبةً الرجال بمعاملة الناشطات كما يعاملون أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم (المرجع السابق). وبالنسبة إلى الصحافية والمتطوّعة في “قوّة ضد التحرّش” ياسمين الرفاعي، فإنّ العمل التعاوني والنقاشات التي نتجت عن الجهود الذاتية للتنظيم الذاتي، كانت “تحويليّة بشدّةٍ” ومثّلت تجربةً تعلّميةً لمئات المتطوّعين/ات الذين/اللواتي شاركوا/شاركن فيها، ما سمح بمزيدٍ من التفاعلات النقديّة مع مسألة العنف الجنسي في المكان العام في مصر (مقابلة 28 مارس، 2015). وفي الوقت الذي توقّفت فيه “قوّة ضد التحرّش” عن العمل في ميدان التحرير في إثر الإنقلاب العسكري في 3 يوليو من العام 2013، كانت المجموعة وضعت نظامًا بالغ الدقّة لمجابهة العنف ضد النساء في التظاهرات. وإلى جانب الفرق التي كانت تتدخّل مباشرةً لوقف الإعتداءات، كانت هناك فرق حمايةٍ تنقل الناجيات إلى مكانٍ آمنٍ أو إلى المستشفى، و”فرق الميدان” التي كانت توزّع الرقم الساخن في الميدان، وفرق الكشّافة التي كانت تراقب المنطقة من على سطوح المباني والشرفات، بالإضافة إلى غرفة العمليّات التي كانت تنسّق ما بين الفرق المختلفة. كذلك تعاونت المبادرة مع كلٍّ من “نظرة” و”مركز النديم” لتوفير الدعم الطبّي والقانوني والنفسي للناجيات.
وبعيدًا عن ميدان التحرير، برزت أمثلةٌ أخرى من الدفاع النسوي عن النفس منذ العام 2013 في القاهرة وفي غيرها من المدن، كمبادرة “ويندو مصر” (WenDo Egypt) التي تقدّم ورش عملٍ للدفاع عن النفس، يمكن فيها للنساء تعلّم كيفية الردّ باستخدام تعابير الوجه والصّوت ولغة الجسد عندما يتجاوز أحدٌ ما حدودهنّ، وكيفية تطوير التقنيات الجسدية للدفاع عن أنفسهنّ ضدّ معتدٍ ما. وهذا الصفّ الذي تعلّمه نساءٌ وتحضره نساءٌ فقط، يوفّر مساحةً آمنةً تمكّن المشارِكات من كافّة الأعمار، والأشكال، والأحجام، والقدرات ومستويات اللّياقة البدنية من اكتساب مهاراتٍ عمليّةٍ يمكنهنّ استخدامها في المواقف الخطرة، ويتيح لهنّ في الوقت عينه استكشاف جذور مخاوفهنّ وتردّدهن في الردّ على التطفّلات الجنسية، عبر الدفاع عن النفس باستخدام الأدوات اللفظيّة والجسديّة. وبحسب مدرّبة ويندو فاطمة عاطف، فإنّ نقص الثقة بالنفس لدى النساء وتصوّرهن بأنهنّ “لسن قادراتٍ كفايةً للدفاع عن أنفسهنّ” هما السبب وراء هذه الممانعة (مقابلة 18 أبريل، 2015).
ومن أجل تعزيز الإصرار لدى النساء، يمنح المقرّر وقتًا وافيًا للنقاشات بما يمكّن المشارِكات من معاينة تمثيلاتهنّ وسلوكهنّ في المكان العام ضمن بيئةٍ غير حُكْميّةٍ، ويتيح لهنّ تطوير تصرّفاتٍ بديلةٍ بدعمٍ من زميلات الصفّ، ومن خلال لعب الأدوار الذي يعيد خلق مواقف التحرّش في الأماكن العامة. وكما تشير مدرّبة ويندو كاميليا القاضي، فقد جرى تعليم النساء أن يكنّ “فتياتٍ صالحاتٍ”، وأن يمشين خافضاتٍ أبصارهنّ وأن يتحدّثن بصوتٍ منخفض (مقابلة 4 أبريل، 2015). ومن خلال التحديق بتحدٍّ في عينَي المدرّبة التي تؤدّي دور المتحرّش، والصّراخ “كفاية” أو “خلاص”، أو الدّفع “به” جانبًا، تبدأ المتدرّبات بالتخلّص من هذه العادات عبر تفعيل الحركات التي تنحرف عن مسرد التصرّفات الجسمانيّة التي تنصّ عليها معاييرُ الأنوثة المهيمِنة. كمجموعةٍ، تتعلّم النساء معًا أنهنّ قادراتٌ ولهنّ الحقّ في الدفاع عن أنفسهنّ.
وعلى نحوٍ لا يشابه صفوف الدفاع عن النفس التي تصفها لاتشينال (2014)، لا يستهدف ويندو بالضرورة الشخص الغريب المختبئ في الظلام. وكما تشير مدرّبة ويندو أخرى، فإنّ معظم المشارِكات يواجهن بعض أشكال التحرّش “الأكثر دوامًا” في أماكن العمل، وهو جانبٌ يتطرّق إليه الصف بطريقةٍ غير مباشرة (مقابلة 27 أبريل، 2015)[17]. وبحسب شيرين سالم، مؤسّسة “ويندو مصر”، فإنّ أثر هذا التدريب في ثقة النساء بأنفسهنّ واحترامهنّ لذواتهنّ “يتسرّب إلى مجالات الحياة الأخرى”، ما يساعدهنّ في مواجهة مواقف التحرّش اليومية (مقابلة 19 مايو، 2015). وعلى نحوٍ مماثلٍ، تشير القاضي إلى أنّ ويندو هو “نمط حياةٍ” يمكن استخدامه كوسيلةٍ لتعزيز الحدود العاطفية والجسدية، ولحماية الذات من الإنتهاك على يد الغرباء أو الزملاء أو الأقرباء.
وبرز في كافّة المقابلات التي أجريتها مع مدرّبات ويندو، الأثرُ الذي تركه تعلّم الدفاع عن النفس في حيواتهنّ: “كنت أشعر بعدم الإرتياح وبالخجل عندما كان أحدٌ ما ينظر إليّ، كأنما كنت أسير عاريةً”، تستذكر مدرّبة ويندو ياسمين ناصف، التي تعبّر اليوم عن شعورها بالـ”أمان” في الأماكن العامة (مقابلة 2 أبريل، 2015). كذلك تشدّد عاطف على تعزيز التدريب حسّ التضامن بين النساء اللواتي يشعرن بضرورة “الدفاع عن الفتيات الأخريات” في الشوارع وفي غيرها من الأماكن. ولهذا الأثر المضاعف تبعاتٌ هامّةٌ يمكنها المساهمة في الحدّ من انتشار العنف الجنسي في المكان العام في مصر، إذ كما تجادل سالم، لو ازداد دعم النساء لبعضهن البعض في الردّ على التحرّش الجنسي، فإنّ الرجال “سيفكّرون مرّتين” قبل الإقدام على التحرّش بهنّ.
تختلف تعبيرات الدفاع عن النفس المذكورة أعلاه عن الأمثلة الواردة في القسم السابق، نظرًا لكونها تهدف إلى قلب النظام الجندري القائم. والأبرز، أنّ الأنماط الراديكاليّة في الدفاع عن النفس لا تنتقي “الآخر” كتجسيدٍ للخطر، بل تتطرّق إلى الأسس البنيوية للعنف الجنسي في المكان العام. وفي ممارسات كلٍّ من “قوّة ضد التحرّش” و”ويندو مصر”، يظهر الدفاع عن النفس كفعل تمرّدٍ ورفضٍ للمنطق الجندري للحماية الذكورية. ووفق هذا المنطق، يوضع الرجال في موقع السيطرة بموجب دورهم كحماةٍ للنساء والأطفال، اللواتي/الذين يشغلون “موقعًا خاضعًا يتّسم بالإتكاليّة والطّاعة” (Young 2003: 2). ويدور خطاب الذكورة الحامية حول التمييز بين الرجال السيئين أو “المعتدين الأنانيين” من جهةٍ – كالمتحرّش وساكن العشوائيّات والبلطجي من الشخصيّات المذكورة أعلاه – ومن جهةٍ أخرى الرجال الصّالحين أو الحماة “ناكري الذات”، الذين يدافعون عن الضعيفات والضعفاء ضدّ تهديد أولئك (المرجع السابق: 4، راجع/ي أيضًا Griffin 1971: 30). وعلى نحوٍ مماثلٍ، تُبنى هذه السرديّة على التمييز بين “النساء الصّالحات” اللواتي يحسنّ التصرّف وبالتالي يستأهلن الحماية، والنساء “السيئات” أو “الساقطات” اللواتي يرفضن حسن التصرّف ويستأهلن بالتالي القصاص العلني المتمثّل بالتحرّش الجنسي أو الإغتصاب (Griffin 1971: 30; Peterson 1977: 361). وفي هذا الإطار، يعمل التحرّش الجنسي في المكان العام كتذكيرٍ مستمرٍّ بهشاشة النساء وحاجتهنّ إلى الحماية، في الوقت الذي يجبر فيه الخوفُ من الإغتصاب النساءَ على الإمتثال ويساهم في حفظ الخضوع الجندري (Griffin 1971: 33; Card 1996: 105).
يعمل منطق الحماية الذكورية على مستوى الدولة أيضًا، إذ يوثّق المؤرّخون/ات على نطاقٍ واسعٍ السيطرة على سلوكيّات وجنسانيّة النساء كأمرٍ محوريٍ في عمليّة بناء الدولة والأمّة في مصر (Baron 2006; Kozma 2011). إنّ التعدّي التدريجيّ للدولة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على المجالات المُدارة سابقًا من قبل الأسرة والمجتمع مثل شرف العائلة، أدّى إلى استبدال الأنماط التقليدية من التحكّم الإجتماعي ببيروقراطيّةٍ طبيّةٍ وقانونيّةٍ وقضائيّةٍ مشكّلةٍ حديثًا، حاولت فرض احتكارها على حماية النساء ومعاقبتهنّ (Baron 2006: 2). وهذا الدور الذي أوكلته الدولة لنفسها كـ”حاميةٍ ومعزّزةٍ” للشرف، هو دورٌ مقدّسٌ في القانون الجزائي (المرجع السابق: 15)[18] وتحديدًا في المادّة 267 من قانون العقوبات التي تمنع “مواقعة الأنثى بغير رضاها”، لكنّها تعرّف الإغتصاب على أنّه اختراق القضيب للمهبل حصرًا، كما أنها لا تنطبق على الحالات التي تكون فيها المرأة زوجةً للمُعتدي (Reza 2011: 198; Sonbol 1996: 287). وتغطّي المادّتان 268 و269 أيّ نوعٍ آخرٍ من الإتصال الجنسي الذي لا يتمّ بالرّضى، لكن تسمية “هتك العرض” لا تشجّع النساء على تقديم الشكاوى القانونية نظرًا إلى دلالتها الضمنية على أنّ الناجية جرى “تلويثها” [19] (FIDH et al. 2014: 19). بالإضافة إلى هذا، إنّ تركيز هاتين المادّتين على الرّضى يضع سلوك المرأة وموقعها الأخلاقي موضع سؤال. أخيرًا، وبينما لم يتضمّن قانون العقوبات أيّ أحكامٍ بشأن التحرّش الجنسي حتى العام 2014، فإنّ المادة 306 التي تجرّم أيّ فعلٍ أو قولٍ “يتضمّن بأيّ وجهٍ من الوجوه خدشًا للشرف أو الإعتبار” (خدش الحياء) إستُخدمت عمومًا في هذه الحالات، ما عزّز المفهوم القائل بأنّ الإعتداء الجنسي يضرّ بشرف المرأة (Abdelmonem 2015: 26).
في تأمّلها في “الأخلاقيّة مزدوجة المعايير” التي تُرسي قواعد سلوكيّةً مختلفةً للرجال وللنساء في القانون وفي الممارسة، تورد بيترسون (Peterson 1977: 360) وصفها الشّهير للدّولة بأنّها مضربُ حمايةٍ للذّكور، مجادلةً بأنّ النساء يصبحن “زبائن ضحيّاتٍ وغير راغباتٍ” لخدمات الحماية من الدولة نظرًا لعدم قدرتهنّ على الإعتماد على بعضهنّ البعض (المرجع السابق: 368). وبصفتها نوعًا من نقابة لتنظيم الجريمة، توفّر الدولة الحمايةَ للنساء في مقابل قيودٍ معيّنةٍ على سلوكهنّ، فالنساء اللواتي يرفضن صفقة حماية الدولة يُحمّلن مسؤوليّة أيّ عنفٍ يواجهنه كنتيجةٍ لإثبات ذواتهنّ، بما في ذلك العنف الذي ترتكبه الدولة بحقّهن (Card 1996: 105). في هذه الحال، وكما في أشكال الحماية الذكورية الواردة أعلاه، يغدو الخطر الأكبر على النساء هو ذاك المتمثّل بحماتهنّ (Stiehm 1982: 373). وتلحظ الباحثات النسويات أنّ علاقة التبعيّة هذه تتفاقم نتيجة الأنوثة المهيمِنة الموصوفة بالهشاشة، والإنهزاميّة والأجساد الضعيفة بدنيًا التي تقع فريسةً سهلةً للإعتداء الجنسي (Griffin 1971: 33; McCaughey 1997: 37). وهذه الحاجة المتصاعدة إلى الحماية تقود إلى القبول بـ”قوّةٍ أكثر أبويّةً واستبدادًا للدولة” (Young 2003: 2).
وتتجسّد صفقة الحماية هذه في اعتماد السّيسي مؤخرًا سلسلةً من التدابير القانونية والسياسية ضدّ التحرّش الجنسي التي تصادر وتقصي عقودًا من النضال ضد التحرّش في المكان العام. ومن بين هذه التدابير تفعيل وحدةٍ مسؤولةٍ عن مراقبة العنف ضد النساء، وتعديل قانون العقوبات في يونيو من العام 2014 لتجريم التحرّش الجنسي، وإنشاء قوّةٍ نسائيّةٍ من الشرطة لمكافحة التحرّش (Ahram Online 2014; Hassanein 2014). كذلك قام “المجلس القومي للمرأة” التابع للدولة بوضع “الإستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء” التي عُرضت بفخرٍ في مايو من العام 2015، بصفتها المقاربة المتكاملة للدولة لمكافحة العنف ضد النساء في المجالَين العام والخاص (NCW 2015). وعلى الرغم من أنّ الإستراتيجيّة تطرح مسألةً هامّةً وعاجلةً، إلا أنها تبقي على تعريفٍ محدودٍ للإغتصاب لا يشمل الإغتصاب بالأصابع والأغراض، أو الإغتصاب الشرجيّ والقمويّ بغضّ النظر عن الجندر، كما تستمرّ باستخدام “اللغة المشحونة أخلاقيًا” المتّصلة بشرف المرأة، لاسيما في ما يتعلّق بالإعتداء الجنسي الذي لازال يُشار إليه كـ”هتك عرض” (EIPR 2015، راجع/ي أيضًا “نظرة للدراسات النسوية” 2015). بالإضافة إلى ذلك، إنّ التركيز على التجريم يضع التعامل مع هذه القضية الحسّاسة في يد الشرطة المعروفة باستخدامها العنف المفرط (والشهيرة أيضًا بالتحرش بالنساء في أوقات الخدمة). إنها بالتحديد المعايير المزدوجة المذكورة أعلاه، تلك التي تسمح للنظام بإعلان نفسه حاميًا للنساء، في الوقت الذي يكثّف فيه ممارسة العنف والتعذيب الجنسي بحقّ المعتقلين/ات من الرجال والنساء في مراكز الشرطة (FIDH 2015). وفي ما يبدو تكرارًا للخطاب المُصاغ في العام 2011 لتبرير فحوص العذريّة، بنى السّيسي على خطاب الرجال “الأشرار” والنساء “الساقطات” لتقديم نفسه كبطريركٍ خيّرٍ، ولاستدعاء حقّه (وبالتالي حقّ مصر) في الدفاع عن النفس بإسم الأمن ضدّ أعداء الداخل الأخلاقيين/ات والسياسيين/ات.
من أجل تصحيح هذا الوضع، دعت ستيهم (Stiehm 1982: 374) إلى نشوء مجتمعٍ من المدافعين/ات “لا توجد فيه أدوار الحامي والمحميّة”. وعلى هذا النحو، أجادل أنّ الأنماط الراديكاليّة من الدفاع عن النفس كتلك التي روّجت لها “قوّة ضد التحرّش” و”ويندو”، تساهم بشكلٍ هامٍّ في تفكيك منطق الحماية الذكورية وحماية الدولة، وكذلك معايير الأنوثة المهيمِنة التي تكمن في صلب تواطؤ الدولة لتكريس العنف الجنسي ضد النساء. وعبر العمل المباشر وخلق مجتمعاتٍ تضامنيّة، تحوّل هاتان المبادرتان تجارب النساء مع أجسادهنّ والمكان العام وعلاقاتهنّ بالآخرين والأخريات، وتساهم من خلال هذا في خلق بنًى أفقيّة من العناية التي تمتدّ عبر الروابط الأسريّة والإجتماعيّة. وتمثّل طرق التنظيم المستقلّة ذاتيًا شكلًا من أشكال مقاومة المقاربات النزوليّة للتحرّش الجنسي في المكان العام، والمفضّلة لدى الدّولة. بهذا المعنى، تسجّل هذه المشاربع وجودها ضمن صراعاتٍ أكبر من الدفاع عن النفس المستقلّ ذاتيًا ضدّ عنف الدولة (Üstündağ 2015).
الحواشي
[1] مع الإشارة إلى أن تجريم التحرّش الجنسي – كما أشير لاحقًا في هذا المقال – لم يتحقّق فعليًا حتى يونيو من العام 2014. للإطلاع على بعض التأمّلات في قضية نهى رشدي، راجع/ي Amar 2011 وAbdelmonem 2015 (بالإنكليزية).
[2] تألّف البحث الميداني خاصّتي من ملاحظاتٍ إثنوغرافيّةٍ ومقابلاتٍ نوعيّةٍ معمّقة، كما شمل قيامي بملاحظة المشارك/ة في النشاطات التي تنظّمها الجمعيات والمجموعات العاملة ضد الإعتداء والتحرّش الجنسي، ومن بينها “ويندو” مصر. وفي خلال بحثي، حضرتُ ثلاثة مقرّراتٍ أساسيّة في الدفاع عن النفس من تنظيم هذه المبادرة، بالإضافة إلى عددٍ من النشاطات التوعويّة الأخرى الموجّهة إلى جمهورٍ واسعٍ من النساء والفتيات. وفي خلال إقامتي هناك، حاورت عضواتٍ رئيساتٍ في المجموعات التي تنظّم ضد العنف الجنسي في المكان العام. أُجريت كلّ المقابلات بالإنكليزية وسُجّلت صوتيًا. في هذا المقال، أستخدم موادّ من مقابلاتي مع مدرّبات “ويندو” ومع متطوّعاتٍ سابقاتٍ في “قوّة ضد التحرش”، بالإضافة إلى مقابلاتٍ مع نساءٍ مصريّاتٍ وأجنبياتٍ يعشن في ضواحي مدينة 6 أكتوبر ومصر الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أنه طيلة فترة عملي الميداني، عملت كزميلةٍ باحثةٍ في معهد سينثيا نيلسون لدراسات الجندر والنساء في الجامعة الأميركية في القاهرة (AUC) تحت إشراف البروفيسورة هيلين ريزّو. وحاز اقتراح بحثي على موافقةٍ معجّلةٍ من لجنة المراجعة المؤسّسية (IRB) في كلٍّ من الجامعة الأميركية في القاهرة وجامعة روتغرز (Rutgers) في الولايات المتحدة الأميركيّة.
[3] أقصد بوصف “راديكاليّة” أنّ تعبيرات الدفاع عن النفس هذه تناصر بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ تغييراتٍ جذريةً في البنى والعلاقات الإجتماعية القائمة. أما الأنماط “المحافِظة” في الدفاع عن النفس، فعلى العكس من ذلك، تعيد إنتاج البنى والعلاقات الإجتماعية القائمة، وبالتالي تساهم في ترسيخها. وأعتبر هاتين الفئتين نموذجَين مثاليّين، ما يعني أن الأمثلة الواردة في المقال تقارب إحداهما أو الأخرى، لكنها لا تطابق بالضرورة توصيفهما بشكلٍ تام.
[4] مع الإشارة إلى أن الخوف من الجريمة ومن الفوضى المدينيّة لدى الطبقات العليا يسبق ثورة 25 يناير، وقد شكّل دافعًا لقرار كثيرٍ من الأسر المصرية الثرية الإنتقال إلى مجمّعاتٍ سكنيّةٍ مؤمنَنةٍ كتلك التي انتشرت حول القاهرة منذ التسعينات (Kuppinger 2004: 44)، إلا أنّ هذا القلق تنامى على نحوٍ مطّردٍ بعد العام 2011. للإطلاع على مناقشة المجتمعات المبوّبة في مصر، راجع/ي Mitchell 1999.
[5] يتجاوز البحث المفصّل في هذه المبادرات مجال هذا المقال، لكن من المهمّ الإشارة إلى أنّ بعض اللّجان الشعبية طوّرت بنىً مستقلةً ذاتيًا من الدّعم الإقتصادي والطبّي، وكذلك من آليّات المساءلة السياسية التي ساهمت في تحوّل مجتمعاتها بعد العام 2011. ولا تنضوي هذه الحالات تحت النمط “المحافِظ” من الدفاع عن النفس الذي أناقشه في هذا القسم.
[6] في أثناء الإحتقال بهذه المناسبة الدينية، أقدم حوالي مئة شابٍّ على الإعتداء الجنسي على النساء في حيّ المهندسين (Leila 2008).
[7] كان مبدأ الدفاع الشرعي عن النفس معترفًا به في دستورَي 1883 و1904، وكلاهما مُصاغٌ وفق المبادئ النابوليونيّة (Grandmoulin 1908: 386).
[8] قدّمت الأبحاث الأكاديمية المنشورة في أواخر الـ2000 التحرّش الجنسي في المكان العام في مصر كظاهرةٍ إجتماعيةٍ مرتبطةٍ بالتحوّلات الإقتصادية والإجتماعية. تحديدًا، فسّرت بيبولز ( (Peoples 2008انتشار التحرّش الجنسي في الشوارع في القاهرة كنتيجةٍ للإرتفاع البنيوي في نسبة البطالة لاسيما بين الشبّان، وتفكّك الأسرة البطريركيّة. وعلى نحوٍ مماثلٍ، عكست إلهي (Ilahi 2009: 64) اعتباراتٍ منتشرةً بكثرةٍ عن التحرّش الجنسي بصفته المتنفّس الوحيد للكبت والإحباط الجنسي لدى الأعداد المتزايدة من الشبّان المصريين “غير القابلين للزواج”. وتتعارض هذه الأبحاث مع نتائج البحث التجريبي التي تشير باستمرارٍ إلى عدم ارتباط التحرّش الجنسي في المكان العام بالمهنة، أو بالمستوى التعليمي أو بالوضع العائلي (Hassan et al. 2008: 17; Fahmy et al. 2014: 24).
[9] بحسب تقريرٍ نشره “مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب” (2015: 3) وتضمّن معلوماتٍ من كافّة القضايا التي عالجها المركز بين عامَي 2007 و2014، تبيّن في معظم الأحيان أن “النساء تعرّضن لأشكالٍ عدّةٍ من العنف في الوقت عينه”. وكما تعكس الدراسة، فإنّ غالبيّة الزبائن الـ162 اللواتي شملتهنّ العيّنة تعرّضن للإغتصاب (وللإغتصاب الزوجي في 20.6% من الحالات)، تبعه الإعتداء الجنسي، والتحرّش الجنسي وغير ذلك من أشكال العنف (المرجع السابق: 12).
[10] على سبيل المثال، وكجزءٍ من حملة “شارع آمن للجميع” التي أطلقها في العام 2005، طالب “المركز المصري لحقوق المرأة” (2009: 36-39) بتركيب كاميرات مراقبةٍ في الأماكن العامة وبنشر عددٍ أكبر من أفراد الشرطة في الشوارع.
[11] وفق التقديرات الرسمية في العام 2008، يعيش 44% من سكّان القاهرة الكبرى في العشوائيّات (Sims 2010).
[12] “حين ميسرة” (2007) هو أحد أفلام العشوائيّات العديدة (الأفلام التي يقطن “أبطالها/ بطلاتها” في العشوائيّات) التي كثرت في مصر في خلال أواسط الـ2000. وقدّم المخرج خالد يوسف الفيلم على أنه “رسالة تحذيرٍ للمجتمع كلّه، للحكومة وللناس، أن المناطق العشوائيّة المحيطة بالقاهرة هي قنابل موقوتة قد تنفجر في أيّ لحظة” (مقتبس في Karawya 2009: 60). وتردّدت أصداء هذه المخاوف بين عامَي 2007 و2008 في الصّحف التي اعتادت نشر التقارير عن أعمال الشغب التي يقوم بها سكّان العشوائيّات (المرجع السابق: 53(. وفي الفترة ذاتها، بدأت سلطات الدولة باعتبار هذه المجتمعات “باثولوجيا مدينيةً” وتهديدًا أمنيًا (Ismail 2006: 66).
[13] بحسب غنّام (Ghannam 2012: 34)، يدلّ مصطلح بلطجي تقليديًا على الرجل الذي “يستخدم العنف لفرض إرادته على الآخرين وتعزيز مصالحه الخاصة”. واستخدمت الحكومة المصرية هذا المفهوم في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي للإشارة إلى القادة الإسلاميين، ثم منذ أواسط التسعينات للإشارة إلى شبّان العشوائيّات (Ismail 2006: 140). وفي هذا السياق، أُقرّ القانون رقم 6 بشأن “البلطجة” في العام 1998، كجزءٍ من محاولة الدولة توسيع سلطاتها الأمنية وفرض النظام والإنضباط في العشوائيّات (المرجع السابق: xlv).
[14] أدان الناشطون والناشطات في مدوّناتهم/ن هذه الإعتداءات الجنسية التي تعرّضت لها المتظاهرات النساء في المكان العام. راجع/ي على سبيل المثال:http://wa7damasrya.blogspot.com/2005/05/blog-post_25.html و http://tinker-thoughts.blogspot.com/2005/05/el-nas-el-soghayara.html.
[15] للمزيد من المعلومات عن التظاهرة، راجع/ي http://egyptianchronicles.blogspot.com/2013/02/globalprotestfeb12-world… و https://twitter.com/search?q=%23GlobalProtestFeb12.
[16] للمزيد من المعلومات، راجع/ي https://www.facebook.com/opantish/?fref=ts and https://twitter.com/OpAntiSH.
[17] فضّلت هذه المدرّبة البقاء مجهولة الهويّة.
[18] أُعلن قانون العقوبات المصري في العام 1937 بعد الإستقلال الشكليّ لمصر عن بريطانيا في العام 1922. ويمثّل القانون المُصاغ بحسب المبادئ النابوليونية مراجعةً جذريةً لقانون العقوبات من العام 1904، والذي شكّل بدوره تحديثًا لقانون العام 1833 المُستوحى من القانون الفرنسي (Reza 2011: 180; Baron 2006: 7). وعلى نحوٍ مغايرٍ للقانون السّلطاني للعام 1855، جرّمت الأحكام الجديدة الإغتصاب بدلًا من فضّ البكارة السّابق للزواج (Kozma 2011: 120). وللمفارقة، ترك هذا التطوّر أثرًا ضارًا على النساء اللواتي لم يعد يُسمح لهنّ بتقديم الشّكاوى في المحكمة كما كان الحال سابقًا (المرجع السابق: 8). وفي السياق الجديد، صارت الشرطة تلعب دورًا محوريًا في التحقيق في قضايا الإغتصاب، مشكّلةً بالتالي “حائلًا” بين النساء والنظام القضائي (Sonbol 1997: 230). نتيجةً لذلك، باتت الشرطة ببساطةٍ تردّ كثيرًا من دعاوى الإغتصاب وهو وضعٌ مستمرٌّ حتى اليوم (المرجع السابق).
[19] نظرًا للتعريف المحدود للإغتصاب في المادّة 267، يقع الإغتصاب الشرجيّ أو الفمويّ أو الإغتصاب بالأصابع والأغراض ضمن نطاق المادّة 268 (FIDH et al. 2014: 38).
المراجع
Abdelmonem, Angie. “Reconceptualizing Sexual Harassment in Egypt: A Longitudinal Assessment of el-Taharrush el-Ginsy in Arabic Online Forums and Anti-Sexual Harassment Activism.” Kohl: A Journal for Body and Gender Research. 2015, 1(1): 23-41.
Ahmed, Sara. Strange Encounters: Embodied Others in Post-Coloniality. London and New York: Routledge, 2000.
Ahram Online. “President Mansour Leaves Office with a Legislative Bang.” Ahram Online. 2014, June 5. Last Accessed February 4, 2016. http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/64/103023/Egypt/Politics-/Pre….
Amar, Paul. “Turning the Gendered Politics of the Security State Inside Out?” International Feminist Journal of Politics. 2011, 13(3): 299-328.
Baron, Beth. “Women, Honour, and the State: Evidence from Egypt.” Middle Eastern Studies. 2006, 42(1): 1-20.
Bayat, Asef, and Eric Denis. “Who is Afraid of ‘Ashwaiyyat’? Urban Change and Politics in Egypt.” Environment & Urbanization. 2000, 12(2): 185-199.
Borkan, Brett. “Military Intelligence Head Says Virginity Tests Conducted Out of Self-Defense: Amnesty.” Daily News Egypt. 2011, June 26. Last Accessed January 13, 2016. http://www.dailynewsegypt.com/2011/06/26/head-of-military-intelligence-….
Card, Claudia. The Unnatural Lottery: Character and Moral Luck. Philadelphia: Temple University Press, 1996.
Egyptian Center for Women’s Rights. “Sexual Harassment in the Arab Region: Cultural Challenges and Legal Gaps. Findings from the Conference on Sexual Harassment as Social Violence and Its Effect on Women.” 2009. Last Accessed February 4, 2016. http://egypt.unfpa.org/Images/Publication/2010_12/8655f498-85a0-434e-93….
EIPR, Egyptian Initiative for Personal Rights. “A Confused Step in the Right Direction: Commentary on the National Strategy to Combat Violence against Women.” 2015, June 23. Last Accessed February 4, 2016. http://eipr.org/en/pressrelease/2015/06/23/2411.
_____. “Operation Anti-Sexual Harassment/Assault Condemns the Attacks on Women in Tahrir Square on Friday January 25th, the Failure of Political Groups to Secure the Square and Unprofessional Media Conduct.” 2013, January 29. Last Accessed January 13, 2016. http://eipr.org/en/pressrelease/2013/01/29/1612.
El Deeb, Bouthaina. “Study on Ways and Methods to Eliminate Sexual Harassment in Egypt.” UN Women. 2013. Last Accessed March 22, 2016. http://harassmap.org/en/wp-content/uploads/2014/02/287_Summaryreport_en….
El-Meehy, Asya. “Egypt’s Popular Committees: From Moments of Madness to NGO Dilemmas.” Middle East Report. 2015, 265: 29-33.
El Nadeem Center for Rehabilitation of Victims of Violence. “Women and Sexual Violence: An Analytic Report of the Women’s Project Files.” 2015. Print.
El Nadeem Center for Rehabilitation of Victims of Violence and Torture, Nazra for Feminist Studies, and New Woman Foundation. “Sexual Assault and Rape in Tahrir Square and its Vicinity: A Compendium of Sources 2011-2013.” 2013. Last Accessed January 13, 2016. http://nazra.org/sites/nazra/files/attachments/compilation-_of_sexual-v….
El Sirgany, Sarah. “The Ongoing Campaign to Restrict Egypt’s Public Space.” Atlantic Council. 2014, September 11. Last Accessed March 26, 2016. http://www.atlanticcouncil.org/blogs/egyptsource/the-ongoing-campaign-t….
Fahmy, Amel, Angie Abdelmonem, Enas Hamdy, Ahmed Badr, and Rasha Hassan. “Towards a Safer City – Sexual Harassment in Greater Cairo: Effectiveness of Crowdsourced Data.” HarassMap. 2014. Last Accessed March 22, 2016. http://harassmap.org/en/wp-content/uploads/2013/03/Towards-A-Safer-City….
FIDH. “Exposing State Hypocrisy: Sexual Violence by Security Forces in Egypt.” 2015. Last Accessed February 4, 2016. https://www.fidh.org/IMG/pdf/egypt_report.pdf.
FIDH, Nazra for Feminist Studies, New Woman Foundation, The Uprising of Women in the Arab World. “Egypt: Keeping Women Out.” 2014. Last Accessed February 4, 2016. http://www.fidh.org/IMG/pdf/egypt_women_final_english.pdf.
Fraser, Christian. “Egyptian Women Learn to Fight Back.” BBC News. 2009, March 18. Last Accessed January 13, 2016. http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/7936071.stm.
Ghannam, Farha. “Meanings and Feelings: Local Interpretations of the Use of Violence in the Egyptian Revolution.” American Ethnologist. 2012, 39(1): 32-36.
Grandmoulin, J. Le droit pénal égyptien indigène t. 2. Cairo: Imprimerie Nationale, 1908.
Griffin, Susan. “Rape: The All-American Crime.” Ramparts Magazine. 1971, 26-35.
Hafez, Sherine. “Bodies That Protest: The Girl in the Blue Bra, Sexuality, and State Violence in Revolutionary Egypt.” Signs: Journal of Women in Culture and Society. 2014, 40(1): 20-28.
Hassanein, Mohamed Abdu. “Egypt Deploys Female Anti-Harassment Police Unit.” Asharq Al-Awsat. 2014, October 9. Last Accessed February 4, 2016. http://www.aawsat.net/2014/10/article55337339/egypt-deploys-female-anti….
Ilahi, Nadia. “Gendered Contestations: An Analysis of Street Harassment in Cairo and its Implications for Women’s Access to Public Spaces.” Surfacing. 2009, 2(1): 56-69.
Ismail, Salwa. Political Life in Cairo’s New Quarters. Minneapolis, MN: University of Minnesota Press, 2006.
Karawya, Fayrouz El Sayed. “The Construction of Chaos: Cinematic Representations and Politics in Egypt in the 2000s.” MA Thesis, Department of Sociology, Anthropology, Psychology, and Egyptology, The American University in Cairo, 2009.
Khorshid, Reem. “The Falcons on Campus.” Mada Masr. 2014, October 13. Last Accessed January 13, 2016. http://www.madamasr.com/opinion/politics/falcons-campus.
Kirkpatrick, David D. “Human Rights Groups in Egypt Brace for Crackdown Under New Law.” New York Times. 2014, December 26. Last Accessed March 26, 2016. http://www.nytimes.com/2014/12/27/world/middleeast/human-rights-groups-….
Koskela, Hille. “Urban Space in Plural: Elastic, Tamed, Suppressed.” A Companion to Feminist Geography, edited by Nelson, Lise, and Joni Seager. Malden and Oxford: Blackwell Publishing, 2005. 257-270.
Kozma, Liat. Policing Egyptian Women: Sex, Law and Medicine in Khedival Egypt. Syracuse, NY: Syracuse University Press, 2011.
Kuppinger, Petra. “Exclusive Greenery: New Gated Communities in Cairo.” City & Society. 2004, 16(2): 35-61.
Lachenal, Perrine. “Beauty, the Beast, and the Baseball Bat: Ethnography of Self-Defense Training for Upper-Class Women in Revolutionary Cairo (Egypt).” Comparative Sociology. 2014, 13: 58-77.
Leila, Reem. “Unsafe Streets.” Al-Ahram Weekly. 2008, October 9–15. Last Accessed January 13, 2016. https://web.archive.org/web/20081012084224/http://weekly.ahram.org.eg/2….
McCaughey, Martha. Real Knockouts: The Physical Feminism of Women’s Self-Defense. New York and London: New York University Press, 1997.
Mitchell, Timothy. “Dreamland: The Neoliberalism of Your Desires.” Middle East Report. 1999, 210: 28-33.
Mossallam, Alia. “Popular Committees Continue the Revolution.” Egypt Independent. 2011, June 18. Last Accessed January 13, 2016. http://www.egyptindependent.com/opinion/popular-committees-continue-rev….
Nazra for Feminist Studies. “The Relationship between Feminism and State Policies for the Elimination of Violence against Women: The National Strategy for the Elimination of Violence against Women as an Example.” 2015, December 10. Last Accessed February 4, 2016. http://nazra.org/en/node/441.
NCW, National Council for Women. 2015. “Al-īstrātījīa al-waṭanīa limukāfahat al-ʿunf ḍidd al-marʾa 2015-2020” (National Strategy for the Elimination of Violence Against Women 2015-2020). Print.
Peoples, Fatima Mareah. “Street Harassment in Cairo: A Symptom of Disintegrating Social Structures.” The African Anthropologist. 2008, 15(1&2): 1-20.
Peterson, Susan Rae. “Coercion and Rape: The State as a Male Protection Racket.” Feminism and Philosophy, edited by Mary Vetterling-Braggin, Frederick A. Elliston, and Jane English. Totowa, New Jersey: Rowman and Littlefield, 1977. 360-371.
Reuters. “Egypt Jail Break: 700 Prisoners Escape South of Cairo.” The Huffington Post. 2011, January 29. Last Accessed January 13, 2016. http://www.huffingtonpost.com/2011/01/29/egypt-jail-break-700-prisoners….
Reza, Sadiq. “Egypt.” The Handbook of Comparative Criminal Law, edited by Kevin Jon Heller and Markus D. Dubber. Stanford, CA: Stanford University Press, 2011. 179-208.
Saleh, Heba. “Cairo Residents Fear of Security.” Financial Times. 2011, January 30. Last Accessed January 13, 2016. http://www.ft.com/cms/s/0/2e3152bc-2c5b-11e0-83bd-00144feab49a.html#axz….
Sims, David. Understanding Cairo: The Logic of a City Out of Control. Cairo and New York: The American University in Cairo Press, 2010.
Sonbol, Amira. “Law and Gender Violence in Ottoman and Modern Egypt.” Women, the Family, and Divorce Laws in Islamic History, edited by the author. Syracuse, NY: Syracuse University Press, 1996. 277-289.
Stiehm, Judith Hicks. “The Protected, the Protector, the Defender.” Women’s Studies International Forum. 1982, 5(3/4): 367-376.
Tisdall, Simon. “Egypt Protests: Cairo Prison Break Prompts Fear of Fundamentalism.” The Guardian. 2011, January 30. Last Accessed January 13, 2016. http://www.theguardian.com/world/2011/jan/30/muslim-brotherhood-jail-es….
Üstündağ, Nazan. “New Wars and Autonomous Self-Defense.” Jadaliyya. 2015, November 18. Last Accessed February 3, 2016. http://www.jadaliyya.com/pages/index/23209/new-wars-and-autonomous-self….
Wedeman, Ben. “Martial-arts Trained ‘Lady Guards’ Latest Security Craze in Egypt.” CNN. 2009, December 18. Last Accessed January 13, 2016. http://edition.cnn.com/2009/WORLD/meast/12/18/egypt.female.bodyguards.
Young, Iris Marion. “The Logic of Masculinist Protection: Reflections on the Current Security State.” Signs: Journal of Women in Culture and Society. 2003, 29(1): 1-25.