الشعر المستعار في مجتمع ذكوري

مقال

باسم فغالي هو أحد أشهر نجوم التلفزيون اللبناني، ويشتهر بتقليده المشاهير العرب من النساء مثل فيروز ونانسي عجرم، والشخصيات العالمية مثل بريتني سبيرز أو مارلين مونرو. على الرغم من استخدامه الشعر المستعار والملابس النسائية والمكياج، ضاربًا بذلك عرض الحائط الصورة التقليدية للجنس الذكري في المجتمع، فقد اكتسب شعبية غير عادية على الشبكات الاجتماعية مثل فايسبوك، وحتى أن محطة LBC التلفزيونية اللبنانية قدّمت عرضه الخاص خلال شهر رمضان حيث انتحل فغالي شخصية عدد من المشاهير العالميين. ويحمل عنوان هذا البرنامج الرمضاني الذائع السيط "ألف ويلة بليلة" تحويرًا لكتاب الف ليلة وليلة أو "الليالي العربية" كما هو معروف في اللغة الانكليزية.

وبالنظر إلى رد فعل الجمهور الإيجابي غير المتوقّع إزاء برنامج فغالي، يمكن للمرء أن يفترض أن اللبنانيين يتعاطون بانفتاح وإجابية مع مجتمع المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية وحاملي صفات الجنسين (LGBTIQ) في بلدهم، وبالتالي، يمكن توقع موقف متسامح تجاه المحرّمات مثل الجنس وكلّ ما يتعلّق به. في الواقع، لم يعلن فغالي حتى اليوم إلى محبّيه (ومعظمهم من الجنسين)، توجهّه الجنسي، وتكتفي وسائل الإعلام اللبنانية بأن تشير إليه على أنه "فنان".

هذه العلامة التقييدية تتجاهل أهمية الفنّانين أمثال باسم فغالي أو drag queens (الدراغ كوينز) في لبنان الذين يثيرون قضايا سياسية بتحدّيهم للنظام المجتمعي الذكوري. على الرغم من أنّ القانون يلحظ بصراحة رفض التنوع عندما يتعلق الأمر بالجنس ونوع الجنس، إلا أن الوضع بدا يتغيّر على الساحة اللبنانية منذ العام الماضي حيث بدأنا نلمس تشكيكًا في الهيكليات الاجتماعية التقليدية وموقفاً معارضًا لمفهوم دور كلّ جنس في المجتمع.

على خلفية المادة 534 في القانون اللبناني التي تجرّم "الجماع الجنسي المخالف للطبيعة" والتي تجعل من الجنس والتنوع الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون، فإن عروض الفنانين التي تنطوي على خرق إرادي للمعايير الجنسية تتطلب شجاعة وارادة عظيمة. لا يحدد القانون بشكل صريح مصطلح "مخالفة للطبيعة" بل يترك الأمر للقضاة. ومع ذلك، وبناءً على نظام القيم السائد، فإن أي شيء غريب – يعني أي شيء لا يتلاءم مع نموذج نظام المجتمع القائم - يعتبر "مخالفاً للطبيعة" وبالتالي فهو غير مقبول وموضوع مقاضاة.

على الرغم من أن لبنان لا تزال تهيمن عليه فكرة توزيع الأدوار التقليدية بين الإناث والذكور داخل الأسرة والمجنمع، فإن هؤلاء الفنانين يطرحون علامة استفهام كبيرة على هذا المفهوم أثناء أدائهم من خلال ارتداء الملابس ومستحضرات التجميل التي تُنسب عادة إلى النساء. من خلال ارتداء الشعر المستعار، والماكياج، والفساتين، والكعب العالي، وطلاء الأظافر والمجوهرات، يخلقون ارضية للتسامح والانفتاح تجاه النظام القائم.

وما يشجّع هذا التغيير في النظام القائم هو أنّ بعض أصحاب الأندية والملاهي يسمحون بأن تقام عروضٌ من هذا النّوع ممّا يتيح للناس فرصة التخلي عن الأدوار التقليدية التي يجبرهم عليها مجتمعهم فينتحلون شخصية مختلفة. لا يشكّل التنكر أو الترفيه جوهر هذه الأحداث، بل الهدف هو كسر المحرّمات الاجتماعية. على سبيل المثال، يشكّل موضوعا الجنس والتسامح الهدفين الأساسيين من ارتداء الرجال أزياء نسائية فيصبحان موضوعين قابلين للمناقشة.

لا شكّ أنّ باختيارهم الملابس غير التقليدية، يتعرض هؤلاء الـ drag queens للرفض من قبل أسرهم ومجتمعهم على حدّ سواء. ولأن القيم العائلية تحظى باحترام كبير في لبنان، فإن الغالبية العظمى تسعى إلى الحفاظ على ازدواجية الإناث / الذكور والصورة العائلية التقليدية. عندما يتعلق الأمر بالجنس والحياة الجنسية، فإن التنوع غير معترف به وهناك نقص واسع في المعرفة حول الموضوع نفسه. على سبيل المثال، يؤدي هذا في كثير من الأحيان إلى الخلط بين الشذوذ الجنسي ومغايري الهوية الجنسية بسبب الجهل المطلق. تقليدياً، تُعزى إلى الرجال سمات الذكورية مثل أن يكون الرجل قويًا جسديًا ومهيمناً ومحبًا للجنس الآخر وغير مفرط الاحساس. أي شيء ينحرف عن هذا النموذج الثابت يُنظر إليه على أنه مؤشر ضعف وبالتالي فهو غير مقبول في المجتمع. قد يؤدي هذا الرفض في بعض الأسر إلى خلل في هوية الشاب الجنسية. وتجد هذه الضغوط الاجتماعية والعائلية منفذًا لها في كثير من الأحيان خلال أداء الـ drag queens.

في الوقت الذي تمنع فيه الضغوط الاجتماعية والعائلية المرء ان يعيش جزءًا من هويته الخاصة، فإن هذه الأمسيات تخلق منبراً فريداً للتعبير عن التنوع. بالإضافة إلى ذلك تتاح الفرصة للفنان بعد أدائه، التحدث والتوسع عن خلفيته (السياسية). تكشف هذه اللحظات أنها أكثر بكثير من مجرد تقليد المشاهير. ففي معظم الأحيان تتخطى النكات أو الفواصل الكوميدية لتشمل مسائل جدّية مثل الوقاية من الانتحار. وذلك يهدف إلى اضفاء شعور بالأمان تماشياً مع المبدأ القائل: "أنت لست وحدك، لقد مررنا بهذه المرحلة أيضًا ونحن هنا من أجلك". قد يبدو ذلك مبتذلاً، ولكن بالنظر إلى المحرّمات المتعلقة بهذه المواضيع في جميع جوانب الحياة الأخرى، لا ينبغي التقليل من تأثيرها. غالباً ما يؤدي الضغط الأسري والمجتمعي الهائل إلى الاكتئاب أو الأفكار الانتحارية لا سيما وأن العلاج النفسي لدى اختصاصي غالبًا ما يكون بعيد المنال بالنسبة إلى الكثيرين من هؤلاء الفنّانين. ولأن الحديث عن هذه المشاكل مع أفراد أسرتهم سوف يدفعهم على البوح بحقيقة وضعهم، فإن معظم الذين يعانون من مشاكل نفسية يميلون إلى عدم الحديث عنها. وفي الوقت نفسه، فإن المساعدة المهنية باهظة الثمن، لا يمكن تغطيتها إلا بدعم من الوالدين، مما يجعلهم يعدلون عن هذا الخيار.

نظرًا لما سبق، تكتسب عروض الـ drag queensأهمية سياسية واجتماعية أكبر. أنها توفر الفرصة لتبادل الخبرات والدعم مع الآخرين. ولأسباب وجيهة، ينقل أيضاً هؤلاء الفنانين تجربتهم إلى الأفراد الأصغر سناً في الأداء ويقدمون لهم النصائح – ويسمّونهم drag kids – فتنشأ بذلك بنية أسرية بديلة إذا جاز التعبير، ومساحة آمنة يمكن فيها حل نزاعات الهوية، وحيث تتلاشى يوم بعد يوم الضغوط العائلية، أقلّه في تلك الأمسية.

على الرغم من الطابع الاستفزازي لمشهد الـdrag queens، تدور العروض بشكل أساسي حول الدعم المتبادل وتعايش الهوية الشخصية داخل بيئة متسامحة. وبالنظر إلى رفض غالبية السكان لهم، فمن المثير للدهشة والاعجاب كيف أنهم قاوموا تأثير هذه المواقف السلبية. وبدلاً من ذلك، تراهم يروّجون التسامح والاحترام بطريقة سلمية. هذا الموقف الإيجابي الأساسي الذي يبتعد عن البنى الاجتماعية غير المتجانسة والتمييزية تلخصه بشكل كبير ليدي غاغا، أيقونة مشهد الـ drag queens اللبناني، في أغنيتها "ولدت هكذا" عندما تغني: "لا تكن drag، فقط كن ملكة"!