الافتتاحية

على وقع التغييرات والاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأعوام الخمسة الماضية، تقلّصت المساحات المتاحة أمام حراك المجتمع الأهلي. في المقابل، ينمو الحراك البيئي ويساهم في ربط النضال من أجل العدالة المناخية بالمطالب الأخرى المتعلقة بحقوق المجتمعات المحلية والسكان الأصليين، والمساواة الجندرية، والديمقراطية والشفافية.

في المفاوضات الأخيرة المستندة إلى "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" (UNFCCC)، تجدّدت الديناميات الدولية للنفوذ الجيوسياسي، وتمتّعت مجموعات الضغط الاقتصادية، مع أنها تنتمي رسمياً إلى فئة المراقبين التابعين للمجتمع الأهلي، بقدر كبير من السلطة. أما تأثير باقي المجتمع الأهلي على المفاوضين، فقد توقّف إلى حد كبير على قدرته على إسماع صوته. وبُذِلت محاولات في هذا السياق عبر الانضمام إلى ائتلافات كبيرة، وتنظيم فعاليات على هامش المفاوضات ومعارض، ومن خلال التعبئة، أو عند الإمكان الحصول على دعوة للانضمام إلى الوفود الرسمية لحكومات البلدان التي تنتمي إليها المنظمات الأهلية.

الوضع القائم غير مرضٍ. فهو يطرح تساؤلات سياسية واقتصادية واجتماعية على مستويات متعددة؛ بدءاً من النطاق الصغير على مستوى المجتمع المحلي وصولاً إلى النطاق الأوسع على المستويَين الإقليمي والعالمي.

على مشارف الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" التي ستنعقد في مراكش في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، يستكشف هذا العدد من "آفاق" العلاقة المعقّدة بين تغيّر المناخ والحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في الصفحات التالية، يتطرق نشطاء وصحافيون وباحثون وخبراء إلى الموارد والتغير المناخي، والحراك المناخي، وسياسة المفاوضات المناخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويركّزون في مقالاتهم على الجهات التي تتحمل الوزر الأكبر للتأثيرات السلبية الناجمة عن تغير المناخ، وعلى المناطق حيث الحاجة إلى التحرك هي الأكثر إلحاحاً.

تستكشف سوزان بعقليني وصفاء الجيوسي الحراك المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وتناقش ثريا الكحلاوي وجورج قرزم وويم زويجنينبورغ وفيديا غسمي (في مقابلة مع سيمون إيلس، منسّق البرنامج البيئي في مكتب مؤسسة هينرش بُل في تونس) تأثير التغير المناخي على الموارد في المغرب وفلسطين وسوريا وتونس؛ وينظر غسان وائل الكرموني في النتائج المترتبة عن بدء اعتماد مصادر الطاقة المتجددة في المغرب؛ وتحلل رنا الحاج وجواد مستقبل ووائل حميدان سياسة المفاوضات المناخية الدولية؛ ويعتبر المهندس الزراعي الأردني، فداء حداد، في إطار مقاربة أفقية، أن القوى المناخية ستطرح على الأرجح مسائل جندرية محددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الرسوم في هذا العدد من "آفاق" بريشة الفنان اللبناني مازن كرباج.